عصام أبوبكر
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 16:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صفقة ترامب .. وحوار ويتكوف
وتشتيت الفلسطينيين
لم يعد الحديث عن "سايكس بيكو" مجرد سرد تاريخي، بل عاد اليوم بمسمى جديد "ترامب-نتنياهو"
مخطط الشرق الأوسط الجديد حيث تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جذرية منذ السابع من أكتوبر، وتتكشف معادلات جديدة تفرض نفسها على المشهد السياسي.
للأسف الشديد لا توجد اليوم أمة عربية موحدة، ولا رأي عربي موحد والاختلافات دائما هي سيدة الموقف حتي بين الفلسطينيين أنفسهم المتضرر الأول وخط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية والمنوط بهم الدفاع عن فلسطين مضطرين غير مخيرين ، فالقضية الفلسطينية تراجعت كثيرا السنوات الماضية حتي أنها لم تعد أولوية لدى العرب، فكل دولة عربية إنكمشت علي نفسها وأصبحت غارقة في أزماتها السياسية والاقتصادية، تحاول النجاة وسط تهديدات أمنية وأوضاع داخلية خانقة..
في ظل هذا الواقع المخزي للعرب، ستصبح قرارات القمة العربية بشأن غزة غير مؤثرة أو قرارات غير ذات جدوى ، فقد يقرأها ترامب ونتنياهو بدافع الفضول، لا أكثر، لكنها لن تؤثر في مجريات الأحداث ولن تُؤخذ بعين الاعتبار. وقد رفض ترامب الخطة العربية بشأن غزة وتمسك بتهجير أهلها وقال أن الخطة لا تعالج حقيقة عدم صلاحية القطاع للسكن حيث علق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، على البيان الختامي للقمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة وأقرت خطة لإدارة وإعمار قطاع غزة، بأن ترامب رفض هذه الخطة.
وقد قال المتحدث باسم البيت الأبيض: "خطة إعادة إعمار غزة التي تبنتها الدول العربية لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن " وقال "لا يمكن لسكان غزة العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة" وهذا معناه أن ترامب مازال مصمم علي تهجير الفلسطينيين من غزة ، والدليل علي ذلك التحذير الاخير من ترامب لحماس بعد انتهاء القمة العربية بأن الجحيم ينتظركم إن لم تطلقوا سراح الرهائن فورا ، وهذا يعني أن خطته ماضيه كما هي بدون تغيير وكأن شيئا لم يحدث فالشرق الأوسط يتغير ومراكز القوى الدولية ترسم خطوطًا جديدة والعرب غير مؤثرين في المعادلة الجديدة .
كما أن غياب السعودية عن القمة العربية ومعها معظم قادة دول الخليج وهي اللاعب الرئيسي الأن في الشرق الأوسط يؤكد أن قرارات القمة العربية لن تكون ذات تأثير وما يحدث اليوم يؤكد أن الحضور السعودي في المشهد السياسي ليس صدفة، بل هو جزء من محور "أمريكا – إسرائيل – السعودية" يسانده المال العربي ممثلًا في السعودية و الإمارات وقطر. ودول أخرى قد تنضم تباعًا إلى هذا التحالف، ليترسخ واقع جديد تسعي فيه إسرائيل أن تتصدر قيادة الشرق الأوسط، بينما تمد أمريكا نفوذها المباشر إلى المنطقة، وخصوصًا في غزة
ولا أدل علي ذلك من أن حوار ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للشرق الأوسط والمتحدث الرسمي بأسم ترامب مع الصحفي الأمريكى تاكر كارلسون يكشف أن مقترح ترامب بتهجير أهالى وسكان قطاع غزة من أرضهم إلى الخارج لم يسقط كما تخيل البعض ولكنه مازال قائما بل جاء ويتكوف لتنفيذه مستخدما خلال حواره لغة التهديد وملوحا بالورقة الإقتصادية بالنسبة لمصر .
كلام ويتكوف يعكس منهج «عقل الصفقة التجارية العقارية» التي ينتمي إليها هو وترامب وهي نفس العقلية المسيطرة علي ترامب هذا العقل لا يقوم على تبادل المنافع أو التوازن في الأخذ والعطاء، لكنه يقوم على مبدأالصفقات أن هناك طرفاً منتصر يجب أن يحصل على كل شيء وطرفاً آخر منهزم عليه أن يعطي كل شيء بانصياع كامل " عقلية الصفقة " الربح والخسارة انت ربحت انت تأخذ كل شئ أنت خسرت أنت تفقد كل شئ ، ولأول مرة يبدو أن أمريكا ستصبح قوة استعمارية مباشرة في المنطقة، وفلسطين هي عنوان هذا الاستعمار
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمعروف برجل الصفقات قد أثار جدلا كبيرا قبيل إنتخابة بتصريح عن مساحة إسرائيل وقال ترامب متسائلا في كلمته أمام الجالية اليهودية في حدث لإطلاق
" تحالف أصوات يهودية من أجل ترامب" في أمريكا هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضي لإسرائيل لأنها "صغيرة" على الخريطة بالمقارنة مع الدول الأخرى في الشرق الأوسط..؟
فيما أعتبر هذا التصريح هو صفقة ترامب مع الجاليه الصهيونية بالولايات المتحده الامريكية في حال فوزه في الانتخابات الأمريكية بتنفيذ" صفقة القرن " وتنفيذ أحلام إسرائيل والصهيونية العالمية بتوسيع خريطة إسرائيل في الشرق الأوسط لتشمل إبتلاع غزه والضفة وأجزاء من سوريا ولبنان والأردن ومصر فيما يعرف ب " أسرائيل الكبري " وهذه الصفقة هي التي جاء ويتكوف لتنفيذها في الشرق الأوسط
وبدأ بالضغط علي مصر والأردن للقبول بهذه الصفقة وهو مخطط الشرق الاوسط الجديد، صفقة
" ترامب ،نتنياهو" وقد تستخدم أمريكا ورقة الأقتصاد. كما قال ويتكوف في حواره أن مصر بها نسبة بطاله تتعدي ال 45بالمائة وهو حديث فيه تلميح بإستخدام سلاح الإقتصاد لإبتزاز مصر بتقبل خطة التهجير التي أقرها ترامب مقابل التنازل عن كل ديون مصر مع حزمة إقتصادية كبيرة لمصر لخروجها من أزمتها الإقتصادية التي صنعوها هم بأنفسهم .
هذه هي الصفقة التي جاء ويتكوف ليساوم مصر عليها " التهجير مقابل الديون " وسوف يستخدم كل أساليب الضغط علي مصر بسبب أوضاعها الإقتصادية السيئة ومن يرفض المخطط الجديد، قد يتم الضغط علية سياسيًا وإقتصاديا وقد يصل الأمر عسكريًا ، ومصر والأردن يعلمان ذلك جيدًا ، ورغم
أن غزة هي جزء من النسيج الفلسطيني لكن أمريكا تريد نزعها من فلسطين لتتحول إلى "الولاية الأمريكية 51"، وهذا لا يعني غياب النفوذ الأمريكي عن الضفة الغربية، بل سيكون بشكل مؤسساتي لا سيادي. فالضفة الغربية أصبحت تُعرف حاليا عالميًا كـ"يهودا والسامرة" وقد أقرت أمريكا هذه التسمية كنوع من موافقتها علي إنضمامها لإسرائيل، وستتمدد إسرائيل على حساب فلسطين التاريخية، لكن دون غزة، التي ستصبح كيانًا منفصلًا تحت السيطرة الأمريكية المباشرة.
ما يحدث اليوم ليس مجرد صراع "فلسطيني-إسرائيلي"، بل إعادة تشكيل للشرق الأوسط الجديد وفق معادلة جديدة، تريد أن تكون فيه إسرائيل القوة الإقليمية الأبرز، وأمريكا اللاعب المباشر، بينما المطلوب من الدول العربية أن تتكيف مع هذا الواقع.
أما بالنسبة لتهجير الفلسطينيين من غزة فالكيان الصهيوني لا يرغب في أن يكون تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن حلاً نهائيًا أو دائمًا، بل تعتبرهما مجرد محطات عبور مؤقتة" ترانزيت " والهدف النهائي هو تشتيت الفلسطينيين،
خارج فلسطين وتفتيتهم لاحقًا في مختلف دول العالم مع إعطائهم جنسيات هذة الدول ليكونوا "مواطنين لا لاجئين "بحيث يتم قطع صلتهم بوطنهم الأم فلسطين،نهائيًا.
فما يحدث في غزة من إبادةم وتهجير هو تكرار نموذج الإبادة والتهجير الأرمني الذي قامت به تركيا قبل أكثر من 100 عام، حيث تم تفريق الأرمن في شتى أنحاء العالم، وأصبحوا مواطنين في الدول التي استقروا بها، بينما فقدوا ارتباطهم الفعلي بوطنهم الأصلي وتم القضاء علي وطنهم تماما وهذا ما يريدونه لفلسطين
فإسرائيل لا تستهدف الأرض فقط، بل تستهدف الفكر أيضًا ،فالهدف الإسرائيلي لا يقتصر على تهجير الفلسطينيين من غزة جغرافيًا فقط ، بل يشمل تشتيت عقولهم وتفريقهم وتفتيتهم في شتي دول العالم بمعني أدق " تشتيتهم "
ومصطلح "فلسطينيوا الشتات " أطلق علي الفلسطينيين الذي يعيشون خارج فلسطين فإسرائيل لا تريد فقط التخلص من الوجود الفلسطيني علي أرض فلسطين بل أيضا من الفكر الفلسطيني المعادي للوجود اليهودي علي أرض فلسطين التاريخية والرغبة في المقاومة أو الانتقام.
إسرائيل أصبحت تعلم جيدا أن أرض فلسطين لا تتسع لشعبين
" الفلسطيني والإسرائيلي " لذلك قررت إسرائيل تشتيتهم بتوزيعهم علي كل دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، فإسرائيل تسعي إلى تحييد الأجيال القادمة وإضعاف أي نزعة وطنية قد تهددها مستقبلاً.
المخطط الإسرائيلي لا يتعلق بمجرد إخراج الفلسطينيين من غزة، بل بإعادة هندسة تركيبتهم السكانية والفكرية على مستوى عالمي، بحيث يتحولوا إلى شعوب مشتتة لا تمتلك أي قوة جماعية تمكنها من استعادة حقوقها وعلى رأسها حق " عودة اللاجئين" وحق العودة لفلسطين التاريخية ..
#عصام_أبوبكر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟