|
أميركا تستعد لتأثيرات ترامب في فترة رئاسته الثانية
حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 13:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
روبرت فوغا*
بعد شهرين من بداية ولايته الممتدة لـ1461 يوماً، يبدو أن الرئيس ترامب عازم على توسيع النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء أمريكا. ويعتقد أنه يمتلك التفويض والقوة العسكرية والاقتصادية لإعادة تشكيل هذا النصف من الكرة الأرضية بمفرده. وبدلاً من التمييز بين الحلفاء والأعداء أو الديمقراطيين والمُستبدين، تعمل إدارة ترامب على تقسيم العالم إلى قوي وضعيف. إنها تتفق مع ثوسيديديس الذي قال عن الإمبريالية الأثينية: "الأقوياء سوف يفعلون ما يريدون، والضعفاء سوف يفعلون ما يجب عليهم فعله". في غضون أسابيع من توليه منصبه، نفذ ترامب وفريقه سلسلة من التدابير الحمائية التي دمرت الأسواق العالمية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وفي الرابع من مارس/آذار، فرضت الحكومة رسوماً كمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من كندا والمكسيك و20% على السلع الصينية. وأثارت هذه الإجراءات ردود فعل انتقامية سريعة من جانب كندا والصين، ومن المتوقع أن تتبعهما المكسيك. على الرغم من تلميحات وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك إلى أنه سيتم تخفيف الرسوم الكمركية، إلا أن المخاوف تتزايد من حرب تجارية طويلة الأمد ذات عواقب عالمية بعيدة المدى. إن تهديدات ترامب العدوانية بفرض رسوم كمركية لا تؤكد فقط على مبدأ "أميركا أولاً" بل أيضاً على سياسة خارجية أوسع نطاقاً من مبدأ "أميركا أولاً". إنها تذكرنا بمبادئ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين التي دعا إليها رؤساء سابقون مثل مونرو، وبولك، وماكينلي، وجاكسون، وروزفلت، وويلسون، والتي عملت جميعها على تعزيز الهيمنة الأميركية في نصف الكرة الغربي. لقد أدى تركيز الإدارة الحالية على قضايا مثل إبطاء تدفقات المخدرات والمهاجرين ومعالجة إختلالات التجارة الحقيقية والمتصورة إلى عودة الخطاب التدخلي الذي يعود إلى سوابق تاريخية. ورغم أن التطور الأخير يمثل انحرافاً عن ضبط النفس النسبي الذي لوحظ طوال معظم القرن الحادي والعشرين، فإنه يثير المخاوف في مختلف أنحاء الأمريكتين بشأن التدخل الأميركي السابق في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. ويشير تعيين ماركو روبيو، وهو كوبي أميركي، وزيراً للخارجية إلى الاهتمام المتزايد من جانب الإدارة الأميركية بأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وشملت الجولة الدبلوماسية الافتتاحية التي قام بها روبيو الشهر الماضي زيارات إلى بنما والسلفادور وكوستاريكا وغواتيمالا وجمهورية الدومينيكان، وهي الأولى من نوعها لوزير خارجية أميركي. وسينضم إليه عدد من مسؤولي إدارة ترامب المهتمين بالأمريكتين، بما في ذلك نائب وزير الخارجية كريس لاندو، ومُستشار الأمن القومي مايك والتز، ومدير مجلس الأمن القومي السابق لشؤون نصف الكرة الغربي ماوريسيو كلافير كاروني. ويُظهر التركيز على المنطقة رغبة الحكومة في إعادة تأكيد نفوذها الإقليمي، ولو ربما على حساب التحالفات الإقليمية التقليدية. كندا، التي كانت تعتبر لفترة طويلة الحليف الأقرب للولايات المتحدة، تجد نفسها الآن في معارضة جذرية لجارتها بسبب التعريفات الكمركية التي تم فرضها حديثاً. وتهدد هذه التدابير بتعطيل سلاسل التوريد المتشابكة بشكل عميق، مما يؤثر على القطاعات في مجالات التصنيع إلى الزراعة. وقد أثارت التأثيرات الفعلية والمحتملة مناقشات في كندا حول كيفية تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال تنويع الشراكات التجارية، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي. تشير التقارير إلى أن أكبر صندوق معاشات تقاعدية في كندا يفكر في تنويع إستثماراته بعيداً عن الولايات المتحدة. ولم ينجح ترامب في تحقيق الفوز في الحملة الانتخابية الوطنية لصالح الحزب الليبرالي فحسب، بل نجح أيضاً في توحيد الكنديين من خلال تسريع العمل على خفض الحواجز التجارية على المستويين الفيدرالي والإقليمي وإثارة إحتجاجات المستهلكين ضد السلع الأميركية. وفي الوقت نفسه، تكافح بلدان أميركا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي آثار تغير الدبلوماسية، وزيادة المنافسة، وزيادة عمليات الترحيل، وتراجع الدعم من الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تؤدي الرسوم الكمركية التي فرضها ترامب ليس فقط إلى تفاقم نقص العمالة وزيادة تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة، بل وأيضاً إلى خفض التحويلات المالية إلى هذه المناطق، والتي تعتبر مهمة للاقتصاد المحلي. وقد أثار الموقف المُتشدد الذي اتخذته الحكومة الأميركية بشأن أمن الحدود والهجرة مخاوف بشأن زعزعة الاستقرار المحتملة. ورغم أن إجراءات ترامب قد تؤدي إلى زيادة السخط والاضطرابات السياسية، فإنها لم تقابل (حتى الآن) باحتجاجات جماهيرية أو دعوات للتضامن الإقليمي كما حدث في الماضي. يتغير المشهد السياسي في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية، مع اكتساب الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة أرضية جديدة (وإخفاق اليسار في العديد من المناطق). وقد تبنت شخصيات مثل خافيير ميلي من الأرجنتين ونايب بوكيلي من السلفادور خطابا شعبوياً يمكن مقارنته بـ"ترامبية" (ونظيرتها "مكافحة الووكيسمية")، وهو ما يعكس اتجاهاً إقليمياً أوسع نحو المحافظة. وتثير هذه الاتجاهات، إلى جانب التدابير الصارمة لمكافحة الجريمة المنظمة (وتضاؤل جهود الولايات المتحدة لمكافحة الفساد)، تساؤلات مثيرة للقلق حول مستقبل المعايير الديمقراطية والحكم الرشيد في هذه البلدان. كما أن تصنيف الولايات المتحدة لعدد من الكارتيلات والعصابات باعتبارها "إرهابية" يثير قلق المكسيك ودول أخرى من تعرض سيادتها للخطر. إن النفوذ القوي للصين في أميركا اللاتينية يجعل الموقف الاستراتيجي الأميركي أكثر تعقيداً. وباعتبارها الشريك التجاري المهيمن في المنطقة، فإن وجود الصين يشكل تحدياً للجهود الأميركية الرامية إلى إعادة تأكيد مكانتها المهيمنة. وتتمثل محاولات الحكومة الأميركية لمواجهة هذا النفوذ في ممارسة الضغوط على الدول لتقليص إعتمادها على الصين. ولكن مثل هذه الإستراتيجيات قد تؤدي إلى تأجيج الاستياء وتقريب الدول من بكين (حتى في وقت التحديات السياسية والاقتصادية والديموغرافية داخل الصين نفسها). وبعد أن طالب ماركو روبيو مرشح بنما للرئاسة "بتغييرات فورية" بشأن "نفوذ وسيطرة" الصين على القناة، وافقت شركة مقرها هونغ كونغ على بيع حصتها في مينائين رئيسيين لمجموعة تقودها شركة الاستثمار الأميركية بلاك روك. وفي الوقت نفسه، فإن العلاقة المتنامية بين الولايات المتحدة وروسيا سوف تعيد توجيه الشراكات في مختلف أنحاء المنطقة وتثير المزيد من الأسئلة حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع خصوم مثل كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا. لقد دشنت رئاسة ترامب الثانية فترة من زيادة مشاركة الولايات المتحدة في أميركا الشمالية والجنوبية، تميزت بالسياسات الحمائية وإستعادة النفوذ. صحيحاً أو خاطئاً، يعتقد الرئيس الأميركي أن مفتاح النجاح المحلي يكمن في السيطرة على المخدرات والهجرة وإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة. والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنه يضمر طموحات توسعية، ليس أقلها الاستيلاء على غرينلاند وربما كندا "بالقوة" إذا لزم الأمر ــ وهو التهديد الذي تأخذه كوبنهاغن وأوتاوا على محملِ الجد. في حين أن بعض أفعاله تهدف إلى معالجة مشاكل داخلية طويلة الأمد في الولايات المتحدة، فإنها سوف تتسبب أيضا في إضطرابات إقتصادية وإعادة تنظيم جيوسياسي، مما يدفع الحلفاء والخصوم على حد سواء إلى إعادة تقييم مواقفهم في مشهد سريع التطور. ولكن على الجانب الإيجابي، قد يشجع التحرك الأميركي العدواني على ظهور أشكال جديدة من التعاون في عالم مجزأ. في حين أن هناك حوافز قوية للدول الصغيرة والمتوسطة الحجم للتنافس والمشاركة في المعاملات، فإن هناك أيضاً فرصاً لمزيد من التضامن والتعاون، بما في ذلك في قضايا الأمن والهجرة والتجارة وسياسة المناخ. وتشعر العديد من البلدان بالصدمة من سرعة وخطورة تصرفات الولايات المتحدة، وهي توقع بهدوء إتفاقيات لترحيل المهاجرين. خلف الكواليس، تستكشف كل البلدان (والشركات) تقريباً في مختلف أنحاء الأمريكتين شراكات وتحالفات وعلاقات تجارية جديدة، بما في ذلك مع أوروبا والصين والهند ودول مجموعة البريكس. وبغض النظر عن شكل التحالفات الإقليمية والسياسات الداخلية في السنوات المقبلة، فمن غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون القوة الدافعة، ناهيك عن كونها مركزها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور روبرت موغا*:يدير نخبة من المفكرين من مختلف أنحاء أمريكا للتأمل في تأثير سياسة ترامب للفترة الرئاسية الثانية.
#حازم_كويي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دكتاتورية الليبراليون الجُدد
-
الرجعيات العالمية والشبكات اليمينية في أنحاء العالم
-
كيف سيتصدى حزب اليسار الألماني أمام صعود اليمين المتطرف
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
-
عودة حزب اليسار الألماني
-
تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني
-
هل هذه هي الفاشية الآن؟
-
اليسار يواجه ثورة ثقافية حقيقية
-
رياح منعشة تهب داخل حزب اليسار الألماني
-
-الاتحاد الأوروبي يواجه الإنكسار-
-
الأثرياء في ألمانيا لا يخلقون الثروة بل يستنزفوها
-
خمس عواقب لسياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها دونالد ترامب ع
...
-
إجراءات ترامب بقطع مساعدات التنمية
-
العقل المدبر للذكاء الاصطناعي في الصين
-
قوة ترامب مبنية على الرمال
-
وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعلك مريضاً عقلياً. الرأسما
...
-
الحزب كقوة خلاقة
-
مشروع الصين الجميلة
-
روح غرامشي
-
التقشف كمقدمة للفاشية
المزيد.....
-
انتشال جثامين 15 مسعفاً بعد أيام من مقتلهم بنيران إسرائيلية،
...
-
إعلام: طهران تجهز منصات صواريخها في أنحاء البلاد للرد على أي
...
-
-مهر- عن الخارجية الإيرانية: الحفاظ على سرية المفاوضات والمر
...
-
صحيفة -لوفيغارو-: العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعد
...
-
الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأو
...
-
-حماس-: ما يشجع نتنياهو على مواصلة جرائمه هو غياب المحاسبة
...
-
ترامب يعلن عن قرار بقطع شجرة تاريخية في البيت الأبيض بسبب مخ
...
-
-أكسيوس- يكشف موعد زيارة ترامب للسعودية
-
حادث إطلاق نار في مورمانسك بشمال روسيا.. والأمن يلقي القبض ع
...
-
ترامب: زيلينسكي يحاول التراجع عن صفقة المعادن وستكون لديه مش
...
المزيد.....
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
المزيد.....
|