أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الفلسفة المشائية: من أرسطو إلى ابن رشد - مسار العقل والاستدلال














المزيد.....

الفلسفة المشائية: من أرسطو إلى ابن رشد - مسار العقل والاستدلال


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 10:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د حمدي سيد محمد محمود
تعد الفلسفة المشائية من أهم المدارس الفلسفية في الفكر الإنساني، وهي المدرسة التي أسسها الفيلسوف اليوناني أرسطو (384-322 ق.م)، والتي استمر تأثيرها في العالم الإسلامي والغربي حتى العصور الحديثة. سميت "المشائية" بهذا الاسم نسبةً إلى طريقة أرسطو في التدريس، حيث كان يُلقي محاضراته أثناء المشي مع تلاميذه في أروقة مدرسة اللوقيون في أثينا. تميزت الفلسفة المشائية بمنهجها العقلي التجريبي، حيث اعتمدت على الاستدلال المنطقي والبحث في الطبيعة والميتافيزيقا والمنطق والسياسة والأخلاق.

أبرز فلاسفة المشائية في الفكر اليوناني والإسلامي
يعد أرسطو الأب المؤسس لهذه الفلسفة، وقد طور منهجًا فلسفيًا متميزًا عن أستاذه أفلاطون، حيث اعتمد على التجربة الحسية والمنطق الصوري بدلًا من التصورات المثالية. ومن تلاميذه في المدرسة المشائية ثيوفراستوس، الذي طور أفكار أرسطو في علم النبات والأخلاق، ثم جاء أندرونيقوس الرودسي، الذي أسهم في جمع كتابات أرسطو وتصنيفها.

في العالم الإسلامي، تأثر الفلاسفة المسلمون بالفكر المشائي من خلال ترجمة كتب أرسطو وشروحه، وكان أبرز هؤلاء الفارابي، الذي عمل على التوفيق بين أفكار أرسطو وأفلاطون، وابن سينا، الذي قدم فلسفة مشائية مطعمة بنزعات ميتافيزيقية وصوفية، ثم جاء ابن رشد الذي سعى إلى تفسير فلسفة أرسطو بشكل عقلاني بحت، وأثر لاحقًا في الفلسفة الغربية.

الفلسفة المشائية عند أرسطو ومنهجه الفلسفي
أرسطو هو العقل المفكر وراء الفلسفة المشائية، وقد تميزت أفكاره بالاعتماد على المنطق والتجربة في فهم العالم. من أبرز مفاهيمه الفلسفية نظرية العلل الأربع، التي يرى من خلالها أن لكل شيء في الوجود أربعة أسباب: العلة المادية، والصورية، والفاعلة، والنهائية. كما أنه ميز بين المادة والصورة، حيث اعتبر أن كل كيان في الطبيعة يتكون من مادة تقبل التغير وصورة تحدد ماهيته.

على عكس أفلاطون، الذي رأى أن الحقيقة تكمن في عالم المُثل، فإن أرسطو اعتبر أن المعرفة تنبع من دراسة الواقع الحسي، وأن الأفكار لا توجد بشكل مستقل عن الأشياء. كما تناول مسألة الوجود والعدم من خلال مفهوم "المحرك الأول"، حيث رأى أن الكون يتحرك وفق نظام سببي، وأن هناك علة أولى غير متحركة تحرك كل شيء دون أن تتحرك، وهو ما اعتبره الأساس الميتافيزيقي لفهم الكون.

الفلسفة المشائية في الفكر الإسلامي
لم يكن استقبال الفلسفة المشائية في الفكر الإسلامي مجرد نقل حرفي لأفكار أرسطو، بل شهدت تطورًا وإضافة جديدة. الفارابي، على سبيل المثال، قدم رؤية فلسفية حاول فيها التوفيق بين أرسطو وأفلاطون، وطور نظريات في السياسة والاجتماع. أما ابن سينا، فقد دمج بين الفلسفة المشائية والتصوف، حيث أضاف أبعادًا روحانية على نظرية الوجود، وقدم مفهوم "واجب الوجود"، وهو الفكرة التي أثرت لاحقًا في الفلسفة الإسلامية والصوفية.

من جهة أخرى، جاء الغزالي ليوجه انتقادات شديدة للفلسفة المشائية، خصوصًا في كتابه "تهافت الفلاسفة"، حيث رفض بعض أطروحات الفلاسفة المشائين، مثل أزلية العالم وإنكار البعث الجسماني. أما ابن رشد، فقد حاول الدفاع عن أرسطو ضد انتقادات الغزالي، مؤكداً أن الفلسفة والدين يمكن أن يتكاملا، مما جعله من أبرز شُراح أرسطو في العصور الوسطى.

المنهج والمنطق في الفلسفة المشائية
أحد أبرز إسهامات الفلسفة المشائية كان تطوير علم المنطق، حيث يُعتبر أرسطو مؤسس المنطق الصوري، الذي يعتمد على القياس والاستدلال. هذا المنهج كان له تأثير كبير في الفكر الإسلامي، حيث استخدمه علماء الكلام في الدفاع عن العقيدة، كما ظهر أثره في الفقه الإسلامي، خاصة في القياس الفقهي، رغم الاختلاف في طبيعة الاستدلال بينهما.

أما من الناحية العلمية، فقد أثرت الفلسفة المشائية على دراسة الطبيعة والميتافيزيقا، حيث ساعدت في تطوير مفاهيم مثل الحركة والزمان والمكان، مما مهد لاحقًا للثورة العلمية في أوروبا.

الانتقادات والتأثيرات اللاحقة للفلسفة المشائية
على الرغم من تأثيرها الكبير، واجهت الفلسفة المشائية انتقادات عديدة من المدارس الفلسفية الأخرى. فالرواقية، مثلًا، انتقدت اعتماد المشائية على المنطق الجاف، ودعت إلى فلسفة أخلاقية عملية. كذلك، رأى الفلاسفة المسيحيون في العصور الوسطى، مثل توما الأكويني، أن الفلسفة المشائية تحتاج إلى تعديلات لتتوافق مع العقيدة الدينية.

أما في العصور الحديثة، فقد تأثر العديد من الفلاسفة بالمشائية، حيث نجد أثرها في الفكر الديكارتي والكانطي، كما أنها ألهمت الفلسفة الوضعية والعلمية التجريبية. ومع ذلك، فإن تطور العلوم الحديثة أدى إلى تراجع بعض أفكارها، مثل مفهوم العلل الأربع، الذي تم استبداله بمناهج علمية حديثة تعتمد على التجريب والملاحظة الدقيقة.

هل لا تزال الفلسفة المشائية مؤثرة في الفكر المعاصر؟
لا تزال بعض جوانب الفلسفة المشائية حاضرة في الفكر المعاصر، خاصة في مجالات المنطق والفلسفة التحليلية. فالمنطق الأرسطي لا يزال يُدرس كأساس في الفلسفة الحديثة، رغم تطور المناهج المنطقية، مثل المنطق الرمزي. كما أن أفكار أرسطو حول السببية والمعرفة تظل محل اهتمام الفلاسفة والعلماء في مجالات مثل فلسفة العلم ونظرية المعرفة.

الفلسفة المشائية بين الماضي والحاضر

الفلسفة المشائية تمثل واحدة من أعمق المدارس الفكرية التي أسهمت في تشكيل الفكر الإنساني. من أرسطو إلى ابن رشد، ومن الفارابي إلى الفلاسفة الأوروبيين، استمرت هذه الفلسفة في التأثير على ميادين متعددة، من المنطق والميتافيزيقا إلى العلم والسياسة. ورغم أن بعض أفكارها تجاوزها الزمن، إلا أن جوهرها القائم على العقلانية والاستدلال المنطقي لا يزال حاضرًا في النقاشات الفلسفية حتى اليوم.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الاستبداد إلى الإبداع: تحديات الانتقال من الدولة الديكتات ...
- تقديس الوطن: توظيف الخطاب الديني في هندسة الهوية القومية وصن ...
- فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود
- جوديث بتلر وتفكيك وهم الهوية: الجندر بين الأداء والسلطة
- الطاو تي تشينغ: حكمة الوجود الخفي ومسار الطبيعة الذي لا يُقا ...
- جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العد ...
- العدل الإلهي بين التنزيه والمسؤولية: قراءة معتزلية في قوله ت ...
- الدين بين العقل والنقد: رحلة الفلسفة الأوروبية من التفكيك إل ...
- فلسفة اللذة بين العقل والرغبة: جدلية السعادة والمعاناة في ال ...
- حدود العلم وأفق الوعي: فيزياء الكون بين الإدراك والواقع
- الوعي في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: جدلية الإدراك ...
- حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروت ...
- مابعد الحداثة: تفكيك اليقين وإعادة تشكيل الفكر في عالم بلا ث ...
- الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العق ...
- التعلق المرضي: كيف نكسر قيود الاعتماد العاطفي ونستعيد ذواتنا ...
- إعادة تشكيل الإنسان في العالم الرقمي: مقاربات أنثربولوجية مع ...
- الرضا النفسي: فن التوازن والطمأنينة في عالم متغير
- ألبرت كامو وثورة العبث: جدلية المعنى واللاجدوى في الفكر الأو ...
- البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد
- نحو فلسفة بيئية معاصرة: بين النقد الحداثي والرؤى المستقبلية


المزيد.....




- انتشال جثامين 15 مسعفاً بعد أيام من مقتلهم بنيران إسرائيلية، ...
- إعلام: طهران تجهز منصات صواريخها في أنحاء البلاد للرد على أي ...
- -مهر- عن الخارجية الإيرانية: الحفاظ على سرية المفاوضات والمر ...
- صحيفة -لوفيغارو-: العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعد ...
- الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأو ...
- -حماس-: ما يشجع نتنياهو على مواصلة جرائمه هو غياب المحاسبة ...
- ترامب يعلن عن قرار بقطع شجرة تاريخية في البيت الأبيض بسبب مخ ...
- -أكسيوس- يكشف موعد زيارة ترامب للسعودية
- حادث إطلاق نار في مورمانسك بشمال روسيا.. والأمن يلقي القبض ع ...
- ترامب: زيلينسكي يحاول التراجع عن صفقة المعادن وستكون لديه مش ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الفلسفة المشائية: من أرسطو إلى ابن رشد - مسار العقل والاستدلال