علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 07:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تكشف الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي للأردن في عام 2024 يقدر بنحو 52 إلى 55 مليار دولار، لكن ما يثير الدهشة أن ما بين 61% إلى 65% من هذا الناتج يرتبط بالعراق بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال قطاعات المصارف، والاستثمار، والصادرات، والنفط المدعوم، والنقل.. وهذا واقع كان يُفترض أن يكون ورقة ضغط بيد بغداد لتحقيق مكاسب أمنية وسياسية حيوية، لكن العكس تمامًا هو ما حدث!
المفارقة الكبرى، أن العراق – رغم هذا النفوذ الاقتصادي الهائل – فشل في توظيفه لحماية أمنه القومي، وترك الأردن يتحول إلى أكبر مركز لنشاطات حزب البعث المحظور، وبيئة آمنة لشخصيات وتنظيمات إرهابية مناوئة للعملية السياسية العراقية.
لقد تعاملت الحكومات المتعاقبة في العراق مع هذه العلاقة من منظور نفعي شخصي أو حزبي محدود، دون بناء إستراتيجية وطنية شاملة لتوظيف هذا التأثير الاقتصادي الضخم للحد من المخاطر السياسية والأمنية القادمة من الأردن. وبدل أن يكون ورقة مساومة لصالح بغداد، تحول هذا الملف إلى عبء اقتصادي يرهق موارد الدولة، وسياسي يُستخدم ضدها من قبل أطراف تستثمر في العداء للعراق من قلب العاصمة الأردنية.
ونلاحظ أن العراق قد دأب على منح الأردن النفط بأسعار تفضيلية من سعر السوق، تحت مبررات وشعارات غامضة مثل "دعم الأشقاء" و " تعزيز العلاقات الأخوية"، دون أن يفرض أي شروط واضحة تتعلق بالتعاون الأمني، أو إغلاق قنوات الدعم اللوجستي والسياسي لأعداء الدولة العراقية. ولذلك تحولت هذه المقايضة – في ظل غياب الرؤية السليمة – إلى استنزاف سياسي وأمني، لا إلى استثمار ذكي للموارد.
وفي بلد يعتمد اقتصاده إلى هذا الحد على العراق، من المنطقي أن تمتلك بغداد أوراقًا تفاوضية ضخمة، ليس فقط لتأمين مصالحها التجارية، بل لفرض معادلات واضحة تحفظ أمنها القومي وتمنع تحول الأردن إلى قاعدة للتآمر عليها. لكن شيء من هذا لم يحدث، لأسباب منها غياب الإرادة السياسية، والمحاصصة وضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة العراقية، والتراخي في استخدام أدوات الردع الدبلوماسي والاقتصادي، والأخطر من كل ما سبق: الأختراق المخابراتي الأردني للمنظومة السياسية في العراق.
لقد فرطت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 بفرصة استراتيجية نادرة كان يمكن أن تُعيد رسم قواعد العلاقة مع الأردن على أسس تحترم أمن العراق واستقراره. فالنفوذ الاقتصادي لا يقاس بالأرقام فقط، بل بقدرة الدولة على تحويله إلى أدوات تأثير حقيقية فاعلة في المحيط الاقليمي والدولي، وهو ما فشل فيه العراق حتى الآن.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟