أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - جنين في رحلة بحث عن أبيه البيولوجي















المزيد.....

جنين في رحلة بحث عن أبيه البيولوجي


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 07:56
المحور: الادب والفن
    


لنعد الآن إلى مجمع آيت تاركلمان المجاور لمجمع آيت حمو أوسعيد، هذا الأخير المضاف إليه المدرسة الفرعية في صيغتها النكرة، فيقال: مدرسة آيت حمو أوسعيد، دون أن يشار إلى جاره في هذه التسمية، مع أن المدرسة إياها وضعت أصلا لتقديم خدماتها التربوية والتعليمية لأطفال كلا الدوارين. وقد مررنا في ما سلف من هذا الحكي على الإشارة إلى ذات المفارقة.
خلال المدة الزمنية التي كانت بمثابة رأس السنة الدراسية 1989-1990 والتي قضيتها صحبة معلم ورزازي تحت سقف مسكن طيني غير ذي نوافذ يقع في قلب دوار الحراطنة اللايشار إليه في الوصف الذي يحيل على المدرسة، (خلال تلك المدة) نشأت علاقة من نوع خاص بيني وشابة سوداء البشرة تسكن في منزل مجاور لمرقدنا المظلم آناء الليل وأطراف النهار. كنت أراها في كل يوم تقريبا، ولاحظت مع توالي الأيام أنها تلاطفني بنظراتها وتقول لي باللغة الغاوية الناطقة بها عيناها الكحيلتان: مرحبا بك يافرس أحلامي، كلني يا ولي الله، يا من ساقته الأقدار والصدف إلى مربضي ومرتعي..
بدوري كنت أجيبها بنفس اللغة، لغة النظرات الصامتة والضاجة بالمعاني: مهلا، يافتاتي، هوني عليك..هل تريدين وضع سمعتي في كف عفريت؟
كان منزلنا المكترى بمئتي درهم شهريا يقع في جهة من الدوار الأقرب إلى الحقول والبساتين التي تسقى من ماء النهر وفق نظام عرفي محكم ومتوارث جيلا عن جيل. للتزود بالماء الشروب، كنا نقصد بئرا لا تفصلنا عنه سوى خطوات معدودات في اتجاه ضفة النهر. ذات يوم، قررت الخروج لأروح على نفسي بعد شعوري بشيء من الملل والقنوط. وما كدت أطل برأسي إلى الخارج، حتى رمقت بنت الجيران الأهالي وهي تسير نحو البئر. تبادلنا كالعادة نظرات خاطفة، لكنها كانت أكثر إقناعا وإلحاحا بالنسبة لي بحيث حملتني على الاستجابة الفورية لندائها، مستغلا كل الحركات والإشارات التي يسمح بها جسدي، ما عدا لغة الكلام. وهكذا، فما كادت تصل إلى البئر حتى لحقت بها في رمشة عين. ابتسمت لي ولم تصدر عنها أدنى حركة أو نأمة تنم عن خوفها أو رغبتها في الهرب. أمسكت بكلي نهديها المكتنزين وداعبتهما قليلا دون مقاومة منها تذكر. في هذه الأثناء، تراءى لي شبح الفضيحة يطل بهيبته الرهيبة، فارتعبت ولعنت شيطان النزوة العابرة (للقارات)، فقفلت راجعا إلى جحري تاركا الشابة السوداء في حالة من الذهول اللايوصف.
مرت تلك الأيام كالسحاب في تواز مع انسياب مياه واد درعة تحت جسر تانسيخت البعيد عن هذه الديار بحولي سبع كيلومترات، وانتقلت إلى دار قديمة مهجورة. هي أيضا، كما تعلمون، جدرانها من تراب وسقوفها من أخشاب، وتقع في منتصف المسافة الفاصلة بين الدوارين. هنا سكنت بمفردي خلال ما تبقى من شهور العام الدراسي المومئ إليه في الفقرة الثانية من هذه القصة.
في كل ليلة، كان لي موعد مع ثلة من شباب دوار آيت حمو أوسعيد، الذين كان حضورهم بجانبي يساهم، بقسط كبير، في تبديد إحساسي بوحشة المكان وتعزيز شعوري بالأمان. هكذا طويت صفحة فتاة آيت تاركلمان ونسيتها تماما من بالي.
في بداية السنة الدراسية الموالية، كنا - نحن معلمي م/م آيت خلفون أمام - تنظيم تربوي جديد، من أبرز سماته وفود ثلاثة معلمين جدد، كلهم متدربون، حديثو العهد بالتعيين الأول ضمن آخر فوج. أطولهم يتحدر من آسفي وأقصرهم ينتمي إلى منطقة زاكورة، بينما أوسطهم ينحدر من الدار البيضاء. هذا التدرج على مستوى قياسات أطوال المعلمين الثلاثة يقابله تدرج آخر على مستوى ألوان بشرتهم. فالأول بشرته بيضاء إلى حد ما والأقصر بشرته شديدة السواد، فيما أوسطهم بشرته سمراء بين بين..
جاء تعيين هؤلاء المعلمين لتعويض الخصاص في المدرسين الناجم عن انتقال المعلمتين - المتزوجتين بشابين كلاهما يدير مقاولة بناء واللتين عملت معهما طيلة السنة الدراسية الماضية - إلى نيابة مراكش. وبما أن زميلي الورزازي قرر الانتقال إلى المدرسة المركزية الواقعة في قلب دوار آيت خلفون بدعوة من المدير الذي كان يعرف أباه قيد حياته، مثلما صرح له بعظمة لسانه في أول لقاء بينهما، اقترح على الوافدين الجدد الإقامة في الكوخ الذي كان يأويه. وهكذا أصبح هذا المنزل ملاذا لثلاثة معلمين عزاب عوض معلم أعزب واحد. لا زلت أذكر كيف أنهم أحسنوا معاملتي نظرا لطيب معشري. لهذا، دعيت مرارا إلى أن أشاركهم طعام الغذاء.
في بداية السنة الموالية، انتقلت للعمل في مدرسة آيت املكت البعيدة عن مدرسة آيت حمو أوسعيد بكيلومترين تقريبا والقريبة من المدرسة المركزية بمدى مرمى حجر (بالمقلاع، طبعا)..الشقة بعدت، السبل تفرقت بنا وأواصر التواصل في ما بيننا انقطعت..
مشت أيام وجاءت أخر.. طوحت بي الأقدار في أرجاء إقليم سطات معلما تابعا لنيابته نتيجة مشاركتي بنجاح في الحركة الانتقالية الوطنية التي أعلن عن نتائجها يوم توقيع محضر الخروج للعطلة الصيفية الموافق ل1993/06/30 حيث علقت لوائح المستفيدين من معلمي ورزازات على أحد جدران نيابتنا الأصلية. وما كادت تباشير خريف نفس السنة تلوح في الأفق، حتى التحقت لأول مرة بم/م الحدادة الواقعة في النصف الشمالي لمنطقة بولعوان التي يخترقها نهر أم الربيع ويشطرها شطرين.
لم أعد أذكر في أي يوم من سنواتي التسعة - التي أفنيتها عطارا جائلا بين دواوير بادية سطات وموزعا للمعرفة على صغارها - تناهى إلى علمي من أحد الزملاء خبر رحلة الشابة السمراء، وهي حامل في شهرها التاسع، من ورزازات إلى سطات بحثا عن الأب البيولوجي للجنين الذي "يفركل" في أحشائها. تبين لي من خلال ذكر الاسم الكامل لزميلي الذي فتنته الغواية وخذلته الدراية، ولئن دل لقبه العائلي على الإبداع، أن الأمر يتعلق بالمعلم الأسمر الأوسط بين الأطول الأبيض والأقصر الأسود. قيل لي حينذاك إن مشروع الأم العازبة سافرت إلى مدينة سطات بمفردها، دلالة على أن أهلها وذويها تركوها تواجه مصيرها لوحدها نكاية في طيشها وإصرارا على عقابها. غير أن أبجديات دليلها الذي سارت على هديه استقتها أول الأمر من من المؤسسة الأصلية التي كان "صاحب دعوتها" يعمل فيها قبل انتقاله إلى نيابة سطات، وهكذا حازت المعنية بالأمر على معلومات صحيحة عن مكان تواجده ومقر عمله، بالإضافة إلى إرشادات وتوجيهات تلقتها من جهات مدنية ومصالح إدارية طرقت أبوابها أثناء مسار رحلتها.
في نهاية المطاف، وصلت الشابة الحبلى إلى المدرسة المركزية لم/م القراقرة في منطقة بني مسكين من ضواحي مدينة البروج، فخرج مدير المؤسسة لاستقبالها. رحب بها وبادر إلى سؤالها عن غرضها من هذه الزيارة. أجابته قائلة: أريد من فضلك أن تدلني على المعلم فلان الفلاني اللي حملني في الدوار ومشى وخلاني..لما سمع المدير كلام المرأة الحامل، دعاها فورا إلى امتطاء سيارته وانطلق بها مسرعا نحو المدرسة الفرعية التي يعمل فيها صاحبنا. ما كان الأخير مغتصبا لأن الشابة لم تعد قاصرا ولأنها مارست معه الجنس عن رضى خاطرها. توقفت السيارة عند مدخل المدرسة، ترجل منها المدير طالبا من مرافقته أن تبقى واقفة عند الباب في انتظار إحضار "صاحب حاجتها". في أقل من دقيقة أو دقيقتين، جاء المسؤول بالمعلم الهارب الذي ما أن رأى صاحبته وهي حامل حتى "كحل بالعمى"، وسرعان ما أخذ بيدها داعيا إياها إلى الدخول إلى بيت الزوجية في أفق استكمال الإجراءات القانونية والإدارية الضرورية.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنكيران أمام المحكمة الابتدائية بالرباط: الصحفي فاتيحي يطالب ...
- مباراة المغرب - تنزانيا: الركراكي يتبنى خيارات قوية ويفوز با ...
- (هِمَمْ) تحذر من مغبة خنق الأصوات الحرة والإغلاق التام للفضا ...
- تمارة: حول واقعة الشابة التي صفعت قائد الدائرة السابعة
- الشرق الأوسط: إلى متى تستمر الفوضى؟
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- أطفال غزة يتعرضون لـ-صدمة نفسية هائلة- بحسب الأمم المتحدة
- السلطات والأبناك المغربية في مواجهة توجيه بنكي أوروبي يهدد ت ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- للمرة الاولى بعد المصادقة على قانون الإضراب.. تنسيقيات قطاع ...
- بقصف مكثف لقطاع غزة.. نتنياهو يخرق الهدنة مع حماس
- اللجنة الوطنية لقطاع التعليم بالحزب الاشتراكي الموحد تستنكر ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- بوزنيقة: أمهات وآباء تلاميذ مدرسة عبد الله گنون يطالبون باعت ...
- الدار البيضاء: طلبة طب الأسنان يستنكرون ظروف تكوينهم
- محامو الدفاع في قضية محاولة اغتيال ترامب يزورون ملعب الغولف ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- هيئات حقوقية: مئات القتلى في اشتباكات بسوريا ضمن أسوإ أعمال ...


المزيد.....




- أجمل عبارات تهنئة عيد الفطر مكتوبة 2025 في الوطن العربي “بال ...
- عبارات تهنئة عيد الفطر بالانجليزي مترجمة للعربية 2025 “أرسله ...
- رحلات سينمائية.. كيف تُحول أفلام السفر إجازتك إلى مغامرة؟
- وفاة -شرير- فيلم جيمس بوند -الماس للأبد-
- الفنان -الصغير- إنزو يحسم -ديربي مدريد- بلمسة سحرية على طريق ...
- بعد انتقادات من الأعضاء.. الأكاديمية تعتذر للمخرج الفلسطيني ...
- “الحلم في بطن الحوت -جديد الوزير المغربي السابق سعد العلمي
- المدرسة النحوية مؤسسة أوقفها أمير مملوكي لتدريس علوم اللغة ا ...
- بعد تقليده بإتقان.. عصام الشوالي يرد على الممثل السوري تيم ح ...
- رواية -نجوم ورفاقها- لصالح أبو أصبع.. الذاكرة المستعادة والب ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - جنين في رحلة بحث عن أبيه البيولوجي