أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرحمن كلو - حين يتفكك النظام الإقليمي ...قراءة في ما بعد المرحلة .















المزيد.....

حين يتفكك النظام الإقليمي ...قراءة في ما بعد المرحلة .


عبدالرحمن كلو

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 07:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يتفكك النظام الإقليمي...قراءة في ما بعد المرحلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشهد الشرق الأوسط اليوم لحظة تاريخية مفصلية بكل المقاييس، إذ تتهاوى البُنى التقليدية التي هيمنت على الإقليم لعقود. ويكاد المشهد الراهن يذكّر بانهيار منظومة الطاغية في العراق عقب سقوط نظامه، حين تفككت الهياكل السياسية والأمنية والعسكرية دفعة واحدة. واليوم، تتساقط تباعًا رموز "الشرعية المقدسة" التي كرّست القهر والاستبداد، كما تتفكك الأدوات التي ظلت تُستخدم خلف الكواليس لضبط موازين القوى وإعادة إنتاج أنظمة القمع. لم تعد الخرائط القديمة قادرة على احتواء التناقضات، ولم تعد التحالفات الأمنية الكلاسيكية قابلة للاستمرار في ظل تفكك الأنظمة وانكفائها عن المشهد.
وفي خضم هذا التحول العميق، تتساقط منظومات وتنهار تحالفات، في مقابل صعود لافت لإرادة التغيير، وانبثاق ديناميكيات إنتقال جديدة تتجه نحو ما بعد المرحلة، لا سيما في سوريا ولبنان والعراق وإيران. وهذا الواقع يضع الحركة التحررية الكوردستانية أمام منعطف تاريخي قد يكون الأكثر وضوحًا منذ قرن.
شكّل سقوط نظام بشار الأسد لحظةً مفصلية في مسار التحولات الجيوسياسية التي شهدها الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، إذ لم يكن الحدث مجرّد انهيار سلطة أو نظام حكم، بل مثّل تهاوي منظومة سياسية وعسكرية ومجتمعية متكاملة من أدوات القمع والترهيب التي أُديرت بعناية منذ عقود، ما فتح الباب أمام تصدّع غير مسبوق في البنية السياسية للدولة السورية وطبيعة نظامها السياسي.
ويشير الانهيار السياسي إلى أن التحولات طالت -وبشكل غير متوقع - القيم المجتمعية والأخلاقية التي رسّخها النظام على امتداد أكثر من ستة عقود. ولأول مرة، وجد المجتمع السوري نفسه خارج القيود الفكرية والسياسية وإيقاعات ضوابط الفرد المقهورالتي طالما كبّلته نظام القمع، فبرز المواطن السوري كفاعل مكشوف في مشهد مفتوح، يتحرك في فضاء جديد يتجاوز المحظورات التي كانت تحد من سلوكه الاجتماعي وتفكيره الحر، وهذا الفاعل السياسي الجديد بات حاملًا لكمون التغيير وتحديد ملامح مستقبل سوريا الجديدة.
كما ومع هذا التغيير الجذري، خرجت سوريا عملياً من معادلة توازن القوى الإقليمية التي كانت تشكل ضلعاً رئيسياً فيها إلى جانب إيران فيما كان يُعرف بـ"محور المقاومة". التي كانت قد حولت البلاد إلى ساحة نفوذٍ مفتوحة ومتنازع عليها من قبل قوى إقليمية، في مقدمتها تركيا وبعض الأطراف العربية،
إن ما خلّفه نظام البعث وحكم الأسد من خرابٍ بنيوي على المستويات كافة، لا يمكن تجاوزه أو معالجته إلا عبر مسار طويل من الإصلاح السياسي والاجتماعي قد يستغرق عقوداً. فالدولة السورية، بمفهومها الحديث، لا تزال تفتقر إلى القدرة السيادية الكاملة، ولا تمتلك أدوات القرار المستقل بعد، ما يجعل مشروع إعادة البناء أكثر تعقيداً من مجرد إسقاط النظام.
وفي موازاة هذا السقوط، وجدت إيران نفسها خارج المسرح السوري مع ميليشياتها، لتعيد تموضعها داخل الساحة العراقية في محاولة لإعادة لملمة صفوفها وما خسرته في سوريا عبر أذرعها المسلحة هناك، غير أن تشديد العقوبات الأمريكية وسد منافذ تهريب النفط والدولار من العراق وتوقيف العمل بعقود الغاز الإيراني إلى العراق، أحدث واقعًا مختلفا تمامًا لإيران، هذا إضافة إلى وعيد إسرائيل وإدارة ترامب بضرب منشآتها النووية بشكل مباشر وفي أية لحظة، وإيران على يقين بأن الضربة آتية ما لم تغير طهران من سلوكها، وهو ما جعل طهران في موقع الدفاع الحذر، وتنتظر الضربة المحتملة في حالة من الترقب والشلل الاستراتيجي.
هذا إضافة إلى الضربات الأمريكية الموجعة للحوثي ، خصوصًا تلك التي استهدفت قيادات وأهدافًا نوعية، أنهكت بقايا نفوذها، فيما بدت الميليشيات الحوثية المدعومة منها في حالة احتضار سياسي وعسكري، تلفظ أنفاسها الأخيرة في ظل تراجع الدعم اللوجستي والمالي.
وبذلك، يمكن القول إن إيران لم تعد فاعلًا محوريًا في صياغة المشهد السياسي الجديد، ولا يُنظر إليها بوصفها قوة ذات وزن في معادلات التوازن المستجدة، لا سيما في العراق، الذي بات مسرحًا مفتوحًا لإعادة التموضع العربي ورسم خارطة جديدة للعملية السياسية في بغداد.
وفي خضم هذا المخاض الإقليمي، تبدو تركيا بدورها غارقة في أزمة داخلية محتدمة، يتنازع فيها مشروعان متناقضان: الكمالية بميراثها الجمهوري العلماني، والعثمانية الجديدة بتوجهاتها التوسعية ذات الطابع الأيديولوجي. هذا الانقسام البنيوي، القائم على أسس عقائدية وسياسية، هو صراع مركّب، أيديولوجي تاريخي، وصراع وجوديّ على السلطة وبذلك يُضعف إمكانية الوصول إلى حلول توفيقية أو تسويات داخلية مستقرة في الأفق المنظور.
في هذا السياق، لا يمكن فصل تحوُّلات الصراع عن الانزياحات الجيوسياسية العالمية. فالقول إن الغلبة ستكون لمن ينسجم مع "المشروع الأمريكي-الإسرائيلي " ليس مجرد تنظيرٍ تآمري، بل إدراكٌ لطبيعة اللعبة الكبرى التي تُعيد تركيا صياغة دورها فيها. فالعثمانية الجديدة، برغم خطابها الاستقلالي، تدرك أن بقاءها مرتبطٌ بدهاء التوازنات الدولية، بينما تبحث النخبة الاتاتوركية عن حليفٍ خارجيٍ يعيدها إلى الواجهة. هنا، يصبح الصراعُ الداخلي مرآةً لصراع القوى العظمى، حيث تتداخل الإراداتُ المحلية مع المصالح الدولية.
لكنَّ الموضوع الأكثر إلحاحاً يكمن في "الملف الكوردي "، الذي تحوَّل من جسر تعاونٍ قلق بين الأطراف إلى ساحةٍ معلَّقةٍ بانتظار حسم الصراع. فـ " شهر العسل" الذي جمع الطرفين في مراحلَ سابقةً – عبر اتفاقياتٍ خجولةٍ مثل صفقة أوجلان – لم يكن سوى هدنةٍ تكتيكية في حربٍ باردة. اليوم، لم يعد ممكناً إخفاء الحقيقة: الكوردُ باتوا ورقةً يُمسك بها كل طرفٍ كرهينة، بينما يُؤجَّل مصيرُهم إلى ما بعد معركة الوجود بين الاتاتوركية والعثمانية.
عمومًا هذا الصراع ليس معركةَ تركيا وحدها، بل هو فصلٌ من فصول ترتيبات الشرقُ الأوسط الجديد منذ سقوط النظام السوري وتغيير معادلة التوازنات الإقليمية , وسينتصر من كان جزءا من الفريق الأمريكي - الإسرائيلي وترتيبات هذا الفريق لمستقبل المنطقة.
وفي ظل هذه التحولات، بات من الواضح أن معظم الأدوات السياسية والعسكرية التي تم استخدامها في الحقبة السابقة قد استنفدت فاعليتها، وانتهى عمرها الافتراضي. الأحزاب والقوى التي صُنعت في غرف العمليات الخلفية لم تعد تملك القدرة على الفعل أو التأثير، وهي الآن تعيش ما يمكن وصفه بالموت السريري، في انتظار لحظة الإعلان الرسمي عن نهايتها.
ويُعد حزب العمال الكوردستاني (PKK) أحد أبرز الأمثلة على تلك الكيانات التي فقدت صلاحيتها، بعد أن استُخدمت لعقود كأداة بيد الدولة العميقة لتصفية الحسابات وتغيير موازين القوى عند الحاجة. فقد ارتبطت ميكانيزما عمله، بشكل وثيق، بالبنية الأمنية للدول الأربع التي تتقاسم كوردستان (تركيا، إيران، العراق، سوريا)، والتي كانت – رغم تناقضاتها – تتقاطع وظيفيًا في إدارة هذا الحزب واستثماره في توجيه الضربات الممنهجة لأي تحرك كوردي مستقل خارج نطاق سيطرتها.
كانت ماكينة العمل المشترك بين هذه الدول الأربع تعمل وفق منطق أمني صرف، تعتبر فيه أي مكسب كوردي تهديدًا وجوديًا، وكان حزب العمال الكوردستاني جزءًا عضويًا من هذه المنظومة، إما بالتحريض أو بالصمت أو بالتوظيف المزدوج، وفق مقتضيات المرحلة. ولطالما استُخدم الحزب كأداة لكبح جماح أي مشروع تحرري كوردي مستقل لا يخضع لشروط اللعبة الإقليمية، مما جعله في كثير من الأحيان عائقًا موضوعيًا أمام نهوض الحركة الوطنية الكوردستانية الجامعة.
غير أن النظام الإقليمي قد أصيب بحالة من العطالة البنيوية ، بفعل التصدعات العميقة التي لحقت بالنظم السياسية للدول الأربعة، وبانكفاء كل طرف إلى حالته الداخلية. ومع توقف ماكينة العمل المشترك، تعطّلت تلقائيًا وظائف حزب العمال الكوردستاني كأداة إقليمية، ودخل الحزب في عزلة استراتيجية لم يسبق لها مثيل، لا سيما مع تحوّل ساحة فعله إلى عبء سياسي وأمني حتى على داعميه السابقين.
ويبدو أن مصير هذا الحزب بات اليوم مرهونًا بمآلات الصراع داخل تركيا. فإذا ما استطاعت الكمالية أن تستعيد زمام السلطة وتتغلب على مشروع أردوغان، فمن المرجّح أن تلجأ إلى إعادة تدوير هذا الحزب بمسميات جديدة، وربما تنقل ساحة نشاطه إلى مناطق أخرى، بما ينسجم مع تكتيكات الدولة العميقة في مرحلة ما بعد أردوغان. أما إذا تمكّن أردوغان من إقصاء حزب الشعب الجمهوري الكمالي وتكريس نفوذه مجددًا، فلن يتردد في توجيه ضربة قاصمة إلى الحزب، باعتباره امتدادًا لخصومه العقائديين، وسيعمل على إنهاء وجوده السياسي والعسكري كليًا، ضمن مشروع تصفية ما تبقى من أدوات الدولة العميقة القديمة، بكل الأحوال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تقرران مآلات الصراع التركي الداخلي.
عمومًا هذا التغيّر الجوهري يفتح، من جهة أخرى، آفاقًا رحبة أمام حركة التحرر الوطني الكوردستانية، التي لطالما اصطدمت بحدود اللعبة الأمنية الإقليمية وبقيود الأطراف المحلية التابعة لها. ومع تراجع نفوذ الكيانات الوظيفية، وسقوط أدوات القمع السابقة، تبرز فرصة تاريخية لإعادة بناء المشروع الوطني الكوردي على أسس جديدة، بعيدًا عن وصاية الأنظمة، وتحت مظلة شرعية جماهيرية تتجاوز التقسيمات المصطنعة.
وبذلك، يمكن القول إننا أمام منعطف استراتيجي حاسم، تتراجع فيه الأدوات القديمة، وتُتاح فيه الفرصة أمام القوى الحية في كوردستان لصياغة خطاب تحرري موحد، يواكب تحولات الإقليم، وينطلق من رؤية شاملة تأخذ في الحسبان انهيار المعادلات التقليدية وبروز نظام توازن جديد قيد التشكل في الشرق الأوسط.



#عبدالرحمن_كلو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستتحوّل شمال سوريا إلى مَكَبّ للنفايات السياسية التركية ؟
- إستراتيجية الردع التركية أنجبت ال PKK، خوفًا من تداعيات ثورة ...
- سوريا والإلتباس المزمن في الوعي الجمعي العربي والكوردي بين م ...


المزيد.....




- انتشال جثامين 15 مسعفاً بعد أيام من مقتلهم بنيران إسرائيلية، ...
- إعلام: طهران تجهز منصات صواريخها في أنحاء البلاد للرد على أي ...
- -مهر- عن الخارجية الإيرانية: الحفاظ على سرية المفاوضات والمر ...
- صحيفة -لوفيغارو-: العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعد ...
- الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأو ...
- -حماس-: ما يشجع نتنياهو على مواصلة جرائمه هو غياب المحاسبة ...
- ترامب يعلن عن قرار بقطع شجرة تاريخية في البيت الأبيض بسبب مخ ...
- -أكسيوس- يكشف موعد زيارة ترامب للسعودية
- حادث إطلاق نار في مورمانسك بشمال روسيا.. والأمن يلقي القبض ع ...
- ترامب: زيلينسكي يحاول التراجع عن صفقة المعادن وستكون لديه مش ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرحمن كلو - حين يتفكك النظام الإقليمي ...قراءة في ما بعد المرحلة .