أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسنين مصطفى العلي - ظلال الكلمات : البروبغاندا وصناعة الرأي العام في العراق














المزيد.....

ظلال الكلمات : البروبغاندا وصناعة الرأي العام في العراق


حسنين مصطفى العلي

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العراق، حيث تتشابك خيوط التاريخ بالسياسة والانقسامات الاجتماعية، لم يكن الإعلام يوماً مجرد ناقل للأخبار، بل ساحة معركة تتصارع فيها الأفكار والروايات. منذ أيام الحكم الملكي، مروراً بعهد البعث الحديدي، وحتى الفوضى التي أعقبت سقوط صدام حسين في 2003، كانت البروبغاندا حاضرة كظل لا يفارق، تتشكل وفقاً لأهواء من يمتلك السلطة أو يطمح إليها. اليوم، في ربيع 2025، لا يزال هذا الظل يمتد، يحاول تغيير مسار الرأي العام بأدوات أكثر تعقيداً، لكنه يصطدم بجدار من التشكك والوعي المتزايد.
في أيام البعث، كانت البروبغاندا سلاحاً صلباً، يُدق كالمسمار في وعي الشعب. التلفزيون والصحف، التي كانت كلها تحت قبضة النظام، كانت تُمجد صدام حسين كبطل قومي، بينما تُصور أعداءه كخونة أو عملاء للغرب. لم يكن هناك مجال للشك، فالرواية واحدة، والصوت موحد. لكن سقوط النظام فتح الباب أمام مشهد إعلامي متشظٍ، حيث انطلقت مئات القنوات والصحف، كل منها يحمل راية جهة سياسية أو طائفية أو خارجية. هذا التنوع، الذي بدا في البداية كخطوة نحو الحرية، تحول سريعاً إلى فوضى من الأصوات المتنافرة، كل صوت يحاول فرض روايته على الآخر.
الحكومة، على سبيل المثال، لم تتخلَ عن دورها كلاعب رئيسي في هذا المشهد وايضًا كان هناك قنوات منبراً لتبرير سياسات السلطة. عندما اندلعت احتجاجات تشرين في 2019، لم تكتفِ الحكومة باستخدام القوة، بل أطلقت حملة إعلامية لتشويه صورة المتظاهرين. كانوا "مخربين" أو "مندسين"، حسب الرواية الرسمية، بينما كانت الكاميرات تُركز على أي مشهد عنف لتأكيد هذا الادعاء. في المقابل، كانت هناك محاولات لتلميع صورة الحكومة، عبر تقارير مكثفة عن افتتاح مشاريع صغيرة أو تصريحات عن "استقرار" لم يشعر به أحد على أرض الواقع.
لكن الحكومة ليست اللاعب الوحيد. الأحزاب السياسية، التي تتغذى على الانقسامات الطائفية والعرقية، وجدت في الإعلام أداة لتعبئة قواعدها. قنوات مرتبطة بأحزاب شيعية تمتلك ، تُروج لخطاب "المقاومة" ضد الوجود الأمريكي، بينما كان هناك منصات كردية تُدافع عن مصالح إقليم كردستان، غالباً بتصوير بغداد كخصم مركزي. في مواسم الانتخابات، تتحول هذه القنوات إلى منابر للاتهامات المتبادلة، حيث يُصبح الخصم السياسي "عميلاً" أو "فاسداً"، ويُستخدم الخطاب الديني أو القومي لإثارة العواطف واستقطاب الناخبين.
القوى الخارجية أضافت طبقة أخرى من التعقيد. إيران، التي تمتلك نفوذاً واسعاً في العراق، دعمت قنوات وصحفاً للترويج لأجندتها، مثل تعزيز دور "حلفائها " كقوة وطنية، أو تصوير الولايات المتحدة كعدو مطلق. في المقابل، حاولت الولايات المتحدة ودول الخليج تمويل منصات تُبرز أهمية "الديمقراطية" أو تُحذر من "التدخل الإيراني". هذا الصراع الإقليمي جعل الإعلام العراقي مرآة تعكس ليس فقط الانقسامات الداخلية، بل أيضاً التنافس الخارجي على النفوذ.
مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تغيرت قواعد اللعبة. لم يعد التحكم بالرواية حكراً على القنوات التقليدية. فيسبوك وتويتر وتيليغرام أصبحت ساحات للبروبغاندا السريعة والرخيصة. خلال احتجاجات تشرين، انتشرت شائعات عن "تمويل خارجي" للمتظاهرين، بينما رد النشطاء بفيديوهات تُظهر عنف القوات الأمنية.
"الجيوش الإلكترونية"، تلك الحسابات المجهولة التي تُدار غالباً من قبل أحزاب أو جهات خارجية، أصبحت أداة لنشر الشائعات، تشويه سمعة الخصوم، أو تضخيم أحداث معينة لخدمة أجندة محددة.
التلاعب بالعواطف ظل جوهر البروبغاندا في العراق. سواء كان ذلك عبر استحضار شبح الطائفية، كالحديث عن "تهديد سني" أو "مؤامرة شيعية"، أو عبر إنشاء أعداء وهميين يُصرف بهم الانتباه عن المشاكل الحقيقية. بعد هزيمة داعش في 2017، استمر الحديث عن "الإرهاب" كشماعة لتبرير الفشل في تقديم الخدمات، بينما تُستخدم قضايا مثل الكهرباء أو انهيار الدينار لإلقاء اللوم على "العقوبات" أو "الجيران" بدلاً من سوء الإدارة.
محاولات تغيير مسار الرأي العام لا تقتصر على نشر الأكاذيب، بل تشمل أيضاً السيطرة على ما يُقال وما يُسكت عنه. فمثلًا هناك هيئة اعلامية ، التي تُفترض استقلاليتها، أصدرت تعليمات في السنوات الأخيرة تحظر استخدام مصطلحات مثل "ثورة" لوصف الاحتجاجات، أو تُجبر القنوات على تجنب استضافة شخصيات معارضة. هذه الرقابة، التي تُغلف أحياناً بذريعة "الأمن القومي"، تهدف إلى تشكيل الوعي العام بما يتماشى مع رؤية السلطة.
لكن هذه الجهود لم تعد تجد طريقها بسهولة إلى قلوب العراقيين. الشعب، الذي عانى عقوداً من الحروب والأزمات، أصبح أكثر تشككاً. الإنترنت فتح نافذة على العالم، وسمح للناس بمقارنة الروايات وكشف التناقضات. احتجاجات تشرين، التي تحولت إلى رمز للمقاومة، أنتجت خطاباً مضاداً قوياً، يعتمد على الفيديوهات والشهادات الحية لمواجهة البروبغاندا الرسمية. هذا الوعي المتزايد جعل مهمة تغيير الرأي العام أصعب، لكنه لم يوقف المحاولات.
في النهاية، تبقى البروبغاندا في العراق كالريح التي تهب من كل اتجاه، تحمل معها غبار السياسة والطائفية والنفوذ الخارجي. إنها لعبة قديمة تُلعب بأدوات جديدة، تسعى للسيطرة على عقول الناس في بلد لا يزال يبحث عن روايته الجامعة. لكن مع كل محاولة لتوجيه الرأي العام، يبرز سؤال: هل يمكن للكلمات أن تُشكل الحقيقة، أم أن الحقيقة، في النهاية، ستجد طريقها لتُشكل الكلمات؟ في العراق، الإجابة لا تزال معلقة، تتأرجح بين ظلال البروبغاندا ونور الواقع



#حسنين_مصطفى_العلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضربات الأمريكية والاسرائيلية والبريطانية على اليمن وسوريا ...
- رؤية جيوسياسية : أمكانية أنشاء اقليم درزي في سوريا بين إسرائ ...
- تحول الأحزاب السياسية بعد ٢٠٠٣ الى أ ...
- تحول الأحزاب السياسية بعد ٢٠٠٣ الى أحزاب ...
- صعود الجمهوريين وتصاعد تفوذ الصين : في ظل تفشي متحور كورونا ...
- التحولات السياسية في الدول النامية : تحديات وفرص
- لاصديق دائم
- التحول الديمقراطي
- الواقعية السياسية


المزيد.....




- انتشال جثامين 15 مسعفاً بعد أيام من مقتلهم بنيران إسرائيلية، ...
- إعلام: طهران تجهز منصات صواريخها في أنحاء البلاد للرد على أي ...
- -مهر- عن الخارجية الإيرانية: الحفاظ على سرية المفاوضات والمر ...
- صحيفة -لوفيغارو-: العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعد ...
- الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأو ...
- -حماس-: ما يشجع نتنياهو على مواصلة جرائمه هو غياب المحاسبة ...
- ترامب يعلن عن قرار بقطع شجرة تاريخية في البيت الأبيض بسبب مخ ...
- -أكسيوس- يكشف موعد زيارة ترامب للسعودية
- حادث إطلاق نار في مورمانسك بشمال روسيا.. والأمن يلقي القبض ع ...
- ترامب: زيلينسكي يحاول التراجع عن صفقة المعادن وستكون لديه مش ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسنين مصطفى العلي - ظلال الكلمات : البروبغاندا وصناعة الرأي العام في العراق