شابا أيوب شابا
الحوار المتمدن-العدد: 8293 - 2025 / 3 / 26 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت جريدة Morning Star البريطانية والناطقة باسم الحزب الشيوعي البريطاني بتاريخ ٢٢ آذار/مارس ٢٠٢٥ المُقابلة التي إجراها بن تشاكو مع الرفيق نزار طرابلسي عضو الحزب الشيوعي السوري الموحد (المحظور حالياً) حول التطورات الأخيرة في سوريا.
الكابوس السوري: وجهة نظر شيوعيي سوريا
بن تشاكو يسأل نزار طرابلسي عن المشهد المُضطرب والعنيف في البلاد بعد سقوط الأسد ويقول:
لا تزال هناك سيارات مُحترقة في وسط أحد الشوارع عُقبَ موجة العنف الأخيرة بين قوات الأمن السورية ومُسلحين موالين للرئيس السابق بشار الأسد، بالإضافة إلى هجمات طائفية لاحقة، في مدينة جبلة، المنطقة الساحلية السورية، 10 آذار/مارس 2025.
وَصَلتْ هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا بسرعة مُفاجئة بعد حرب أهلية دامت أكثر من عقد.
هل كان ذلك بسبب فقدان حكومة الأسد السابقة كل الدعم؟
هل كانت هناك أسباب أخرى؟
يُجيب الرفيق نزار: لسقوط النظام أسباب داخلية وخارجية عديدة. مِنْ أهم أسبابه الداخلية هو تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا نتيجة الحصار الطويل والمستمر منذ بداية الأزمة. يشمل ذلك الحصار الأمريكي والأوروبي والعربي والدولي، بالإضافة إلى قانون قيصر الأمريكي الجائر بحق الشعب السوري.
كما تفاقمت أزمة المواد الأساسية والضرورية اليومية نتيجة الاحتلال الأمريكي والتركي، واستيلائهما على موارد أساسية كالنفط والغاز والقمح والقطن. وتفاقَمَ الوضع الداخلي المتدهور، بما في ذلك السرقة وعصابات الحرب واستغلال أمراء الحرب والرشوة وغيرها من العوامل التي أدت إلى انهيار النظام. إضافةً إلى ذلك، كانت هناك عوامل خارجية، منها محاولات الولايات المتحدة والغرب وبعض الدول العربية لإسقاط النظام، وإدخال إرهابيين وجماعات مسلحة إلى سوريا لزعزعة استقرار الوضع الأمني وخلق حالة من الخوف والهلع، ونقص المساعدات والإمدادات، حتى الانعدام التام. كل هذه العوامل سرَّعتْ من سقوط النظام.
بن تشاكو: تقول الحكومات الغربية إن هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع قد تغيَّرت منذ أن كانت تابعة لتنظيم القاعدة، وتخلَّت عن الفكر الإسلامي المتطرف لتتبنى توجهاً سياسياً أكثر اعتدالًا. ما رأيكم في ذلك، وكيف تصفون الحكومة الجديدة؟
ر. نزار: ما شهدناه منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، يوم دخول هيئة تحرير الشام العاصمة دمشق، هو إصدار تصريحات ومواقف سياسية مصقولة، مُحلّاة بالعسل. إلا أن الواقع على الأرض أمرٌ آخر، وأحياناً تكون الأفعال متناقضة تماماً مع الأقوال.
أفعالهم بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى من تطلعات الشعب السوري وأفكاره وتوقعاته. حتى سلوك بعض أعضاء الفصائل يُشير إلى أنهم لم يتغيروا، وأَنهم ما زالوا ملتزمين بأيديولوجية القاعدة المتطرّفة.
ويتأثرون سلبا بتصريحات الجماعة، بل ويُصرّحون غالباً بأن هذه الأفعال فردية.
هذا لا يُقنع السوريين، وعلى الرئيس الشرعي ضبط هذه العناصر.
المجتمع السوري مجتمع متماسك قائم على المشاركة والتنوع السياسي والثقافي والاجتماعي والديني. كل هذا يُشكّل هذه الفسيفساء السورية المميزة. أما الحكومة السورية الحالية، فهي من نوع ولون واحد، تتكون من الإسلاميين وجماعة إدلب. وقد رأينا أنه حتى لو كانت حكومة انتقالية، كان ينبغي أن تضم جميع المكونات السياسية والنقابية والثقافية والفنية وغيرها من المجموعات السورية.
بن تشاكو: علمتُ أن حزبكم قد حُظِر من قبل السلطات الجديدة. ما مُبرر ذلك وفقاً للحكومة الجديدة، وما هو السبب الحقيقي برأيكم؟
هل حُظِرت مجموعات سياسية معارضة أخرى؟
ر. نزار: للأسف، كان أحد قرارات إنتصار الرئيس المُعيّن هو حَلْ الجبهة الوطنية التقدمية وأحزابها، بما في ذلك حزبنا، الحزب الشيوعي السوري الموحد، وباقي أحزاب الجبهة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأحزاب مُرخصة وعامّة، وتعمل وفقاً لقانون الأحزاب الساري في عهد النظام السابق. يُذكر أن تاريخ حزبنا يتجاوز المئة عام منذ تأسيسه. هدفهم هو إلغاء الحياة السياسية اليومية التي يمارسها الشعب السوري من خلال أحزابه السياسية، سواءً داخل الجبهة أو خارجها.
بن تشاكو: كانت عمليات قتل المدنيين العلويين في المناطق الساحلية مؤخراً صادمة. ما الذي دفع إلى هذا العنف الشديد؟
وهل كان النظام الجديد مسؤولًا؟
هل مارست السلطات الجديدة وحشية مماثلة في أماكن أخرى، وهل من المرجح أن يتكرر هذا النوع من الفظائع؟
ر. نزار: ما تعرَّضَ له الساحل السوري في الأيام الأخيرة يعكس مدى الكراهية الطائفية والسعي لتعبئة الشارع الإسلامي لحرب طائفية مدمرة ضد العلويين. وهذا دليل على فقدان الرئيس الشرع سيطرته على هذه الجماعات المسلحة والمتطرفة، التي تضم في صفوفها عناصر إرهابية إسلامية أجنبية متطرفة من أوزبكستان، والإيغور الآسيويين، وبعض الدول العربية والإسلامية، ممن يعتنقون فكر القاعدة.
تعكس المجازر وعمليات القتل المروعة المُرتكبة ضد الإنسانية كراهية وحقداً ممنهجين، بذريعة وجود فلول النظام ومؤيديه. وكان العدد الأكبر من الضحايا من المدنيين العُزَل، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن وعائلات بأكملها. وكان هناك أيضاً ضحايا مسيحيون.
فرَّ عدد كبير منهم إلى الجبال، وعَبَر جزء منهم الحدود اللبنانية السورية إلى لبنان. تَوجَّه ما يُقدّر بعشرة آلاف شخص إلى القاعدة الروسية في حميميم باللاذقية. ولا يزال عدد الضحايا في ازدياد نتيجة هذه المجازر.
لقد حذرنا ونحذر مجدداً من خطورة الوضع الراكد، الذي قد ينفجر في أي لحظة بشكل أكثر عنفاً وفظاعة. هذا يتطلب تهدئة. يجب أن ننزع فتيل الحرب والعنف والطائفية. يجب أن نبدأ تحقيقاً حقيقياً وشفافا، ونُقدم المجرمين إلى العدالة، ونُطرِد الجماعات والعناصر المسلحة المتطرفة والأجنبية من البلاد. يجب أن نستعيد الثقة وننشر الطمأنينة بين المواطنين.
بن تشاكو: تقول الحكومة إنها تَعقد مؤتمراً شاملًا لبناء الأمة ولتحديد مستقبل سوريا السياسي، وأن فترة انتقالية بدون انتخابات ستستمر خمس سنوات.
ما مدى شمولية هذا المؤتمر وكيف يتم اختيار أعضائه؟
ما رأيكم في تأجيل الانتخابات؟
ر. نزار: أولًا، الفترة الانتقالية المُعلنة، ومدتها خمس سنوات، هي فترة طويلة. كان طابع مؤتمر الحوار الذي عُقِد شكلياً فقط، ولا علاقة له بأي حوار، إذ أُختيرت غالبية المشاركين من خلفية وتوَجّه واحد.
ونظراً لأن عدد الحضور تجاوز 700 شخص، فماذا كان يمكن مناقشته خلال أربع ساعات؟ لم يكن سوى تدوين للمواقف وسرد للأحداث. نُطالب بحوار وطني شامل لجميع المكونات السياسية والثقافية والاجتماعية والنقابية، بعيداً عن الإقصاء والتهميش.
ينبغي أن يتضمن برنامجا شاملًا يرسم مسار سوريا الحديثة، ويَخرج بقرارات ملزمة تشمل المرحلة الانتقالية التي حددناها بحد أقصى عامين. يجب تشكيل لجان دستورية، والتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية للتحضير للعملية المدنية الحديثة في سوريا، وفقاً للقرارات الدولية وقرار مجلس الأمن رقم 2254، المتفق عليه دولياً والمحدد لمدة 18 شهرا. هذه هي المرحلة الانتقالية، التي تُحلْ خلالها جميع القضايا التي حُددت في المرحلة الانتقالية.
تقول الحكومة إنها ستحترم حقوق المرأة، لكن بعض الوزراء سبق أن صرّحوا بأن النساء غير مؤهلات لأنواع معينة من الوظائف، بينما شهدنا في أفغانستان تراجعاً سريعاً من طالبان عن بعض الوعود الأولية باحترام حقوق المرأة.
بن تشاكو: ما مدى خطورة التهديد الذي تواجهه حقوق المرأة في سوريا؟
ر. نزار: فيما يتعلق بحقوق المرأة، فإن المواقف التي أُتُخذت ولا تزال تُتخذ بشأنها خجولة وبعيدة كل البعد عن حقوق المرأة ومعاناتها، بكل ما لها من حقوق ومسؤوليات.
تُحاول السلطات المحلية الحالية تجنّب ذكر الديمقراطية كنظام ديمقراطي مدني، لأنه من خلالها تحصل المرأة وشرائح أخرى من الشعب السوري على حقوقها وامتيازاتها، ومن خلال العمل السياسي اليومي لمختلف الأحزاب والحركات، الذي تجري من خلاله نقاشات وحوارات لبناء دولة مدنية، دولة قانون ومؤسسات.
هذا أمرٌ لم نشهده بعد. آمل أن يُعلن عنه في إعلان دستوري.
برأي حزبنا وغالبية القوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، لا يفي هذا الإعلان بالحد الأدنى من الأحكام والنصوص الدستورية اللازمة لبناء مجتمع مدني. فقد أُغفِلت العديد من الأحكام والتفاصيل الأساسية التي ينبغي أن تُشكل أساس أي دولة تسعى إلى بناء دولة مؤسسات ومجتمع مدني تُضمن فيها أبسط الحقوق للمرأة والعمال والموظفين وسائر فئات المجتمع.
بن تشاكو: تبدو الحكومة الجديدة غير مُبالية باستمرار الوجود العسكري الأمريكي والتركي في سوريا، بل وحتى بالاحتلال الإسرائيلي المتوسع للأراضي في الجنوب.
لماذا؟ هل من المرجح أن تُقسّم سوريا؟
ر. نزار: بخصوص الوجود العسكري الأمريكي والتركي والإسرائيلي، فهم جميعاً جيوش احتلال ويجب عليهم الانسحاب من الأراضي المحتلة. وهذا صحيحٌ بشكل خاص بسبب الهجمات الإسرائيلية المتكررة، وخاصةً بعد سقوط النظام وتدمير جميع قدرات الجيش السوري الحالية.
استغلت إسرائيل الفوضى وانهيار الجيش وانتهكت خطوط هدنة عام ١٩٧٤، وتوغلت في الأراضي السورية واقتربتْ من العاصمة دمشق. هذا بالإضافة إلى وجود قوات الاحتلال الأمريكية والتركية في شمال سوريا.
هذا بالإضافة إلى محاولاتهم على مر السنين لنهب ثروات سوريا، من نفط وغاز وقمح وشعير وقطن وغيرها. اضطرت الحكومة السورية السابقة إلى شراء ثرواتها الوطنية عمداً من الأمريكيين. هذا، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الداخلية، التي كانت مسؤولة جزئياً عن سرقة هذه الموارد من الشعب السوري.
أما مشاريع التقسيم التي يسعى إليها المحتلون الإسرائيليون والأتراك والأمريكيون، فهي ليست جديدة، وقد ألمحتْ إليها هذه الأوساط منذ سنوات لتقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية وعرقية لإضعافها، وإجبارها على تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، وتحقيق مشروع إسرائيل التوسعي في المنطقة. وللأسف، لا يزال خطر التقسيم قائماً، ويتم الترويج له في مناسبات عديدة.
بن تشاكو: من وجهة نظر الشيوعيين السوريين، ما هو المسار المستقبلي لسوريا؟
ما هي العملية السياسية التي ترغبون في رؤيتها وكيف يُمكن تأمينها؟
ر. نزار: أمَّا عن رؤيتنا كحزب شيوعي سوري موحد، فقد أكدنا منذ اللحظات الأولى لسقوط النظام أننا، مع بقية القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف شرائح الشعب السوري، ندعم التغيير ونعمل على بناء سوريا مدنية حديثة تضم جميع مكونات الشعب السوري، بكل طوائفه وأحزابه وحركاته السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية والدينية.
نسعى إلى بناء مجتمع سوري متطور وفق المعايير الدولية، وخارطة طريق واضحة، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
كما نهدف إلى تحديد مرحلة انتقالية لعقد مؤتمر حوار وطني شامل، يُفضي إلى حكومة انتقالية مؤقتة. ونهدف أيضاً إلى تشكيل لجان مختلفة لحماية الدستور وعَرضِه على الشعب للاستفتاء.
كما نهدف إلى تشكيل لجان أخرى للتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولوضع برنامج اقتصادي للبلاد. حماية القطاع العام، وتنشيط القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية بما يخدم مصالح الوطن ومواطنيه.
إعادة بناء خطة إعادة الإعمار والنهضة من خلال ورشة عمل وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية... وهكذا نبني سورية الحديثة، ونعيد بناء ما دُمِّرَ، ونستفيد من رأس المال الوطني، بالإضافة إلى المساعدات والاستثمارات الخارجية، بما لا يمس سيادة الوطن وأمنه.
أُعِدَّتْ هذه المقابلة بمساعدة نافيد شُومَلي.
ترجمة وإعداد: د. شابا أيوب
#شابا_أيوب_شابا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟