أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور فهمي - ديكور-الشرنقة-: عقدة الذنب وثغرة الأحلام الموؤدة















المزيد.....


ديكور-الشرنقة-: عقدة الذنب وثغرة الأحلام الموؤدة


نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)


الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 18:03
المحور: الادب والفن
    


لكل منا عالم موازي تتنفس فيه رغباته المكبوتة وأحلامه الموؤدة وأهدافه بعيدة المنال أو ربما المحالة.
ومع ذلك كلما اقترب من تحقيق ما اشتهى دهرا لكى يناله؛ تبدى له الثمن الباهظ الذى كان عليه دفعه لأجل الحصول على مبتغاه.
البطل في مسلسل (الشرنقة) محاسب، من أسرة متوسطة، يبدأ في مقارنة مستوى حياته بمستوى حياة عملاءه والذين يتعدى دخلهم خمسين مليون جنيه في الشهر الواحد، بينما يتعثر هو في دفع أقساط سيارة تتعطل منه كل ساعة وأخرى..
يشعر بالفارق الهائل بين إمكانياته المحدودة، وبين طاقاتهم ومواردهم الاستثنائية !
يبدأ المسلسل في عرض لقطات متفرقة؛ ل(حازم)
وهو يتابع صورة طبق الأصل منه(إيساف) داخل سيارة فاخرة بصحبة امرأة جميلة، بينما هو في واقع الأمر جالس على مقعد متهالك باوتوبيس عام!
وينظر لمرآته لنرى صورة مناقضة لحقيقته.
تختلط عليه أحلام اليقظة بالمنام ويضطر للجوء إلى طبيب نفسي، لأنه دوما ما يرى نفسه شخصا آخر، يحيا حياة مختلفة تماما عن تلك التي يعيشها في الواقع، تتداخل الحياتين؛ الحقيقية والمتوهمة مع بعضهما البعض، بعملية القطع المتوازى المستمرة طوال حلقات المسلسل، حتى ليختلط علينا الأمر كمشاهدين، ونتشكك في البطل ونتساءل: هل الصورة التي يشتهيها البطل مجرد أوهام وأضغاث أحلام أم هي حقيقته بالفعل؟!
يربكنا المخرج، بالفلاش باك وعملية القطع المتوازي المستمرة وخداع الشخصيات الثانوية للبطل، بل وخداعه هو لنفسه، بسبب (اضطراب الهوية الانفصالية) الذي يعاني منه، حيث يرى المريض هلاوس وضلالات ويفقد التركيز وينسى نفسه وشخصيته الحقيقية، ويصبح لديه أكثر من شخصية بسمات تناقض الأخرى..
نجح صناع العمل؛ في جعل المشاهد يشعر بتفاصيل هذا الاضطراب وعواقبه، بإرباكه وخلق حالة توتر وتأهب لدى المتفرج، فلم يعد يدري أهذا الشخص مجرم أم برئ..مريض بالفعل أم متواطئ مع جهة ما؟!
وكلما توالت الأحداث، كلما تبين لنا أننا واهمين، وأن ما اعتقدناه حقيقة، هو درب من دروب الوهم؛
وهذا ملخص شعور مرضى هذا الاضطراب النادر..
يتحول البطل في أولى حلقات المسلسل من موظف عادي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة إلى رجل أعمال يستثمر بالمليارات. أحداث مكثفة وتنقل مذهل بين مظاهر الحياتين، فتتكشف لنا مراحل المعاناة والمشقة التي تكبدها لأجل هذا التحول، تماما مثل اليرقة التي تتكسر وتتحلل في "شرنقتها "لكي تصبح فراشة جميلة حرة بعد ذلك..
حينما تابعت حلقات المسلسل تذكرت فيلم(ديكور)؛ فالتشابه واضح من حيث التناول الدرامي؛
الفيلم من بطولة(حورية فرغلي_خالد أبو النجا_ماجد الكدواني)تم عرضه عام ٢٠١٤
تدور أحداثه حول (مها) مهندسة ديكور تعمل في مجال السينما، وتبدأ في توهم حياة أخرى موازية بتفاصيل بطلة الفيلم الذى تعمل فيه، وأحداثه، وتربك المشاهد طوال مدة الفيلم، بين حقيقتها وعالمها المتخيل، تماما مثل البطل في مسلسل (الشرنقة)؛
ف(مها) تعاني من ضغط العمل وحرمانها من الأطفال بسبب اتفاق مسبق مع زوجها على عدم الإنجاب، فتهرب لحياة بطلة الفيلم الذي تعمل فيه، عن طريق (الديكور) المستخدم أثناء تصويره، وتتخيل أنها تعيش حياة نمطية عادية تمام مثل بطلة الفيلم، لديها طفلة وأمها لازالت على قيد الحياة. يختلط الأمر علينا كمشاهدين مثلما يختلط عليها أيضا، يمتزج الواقعي بالمتوهم. تعاني البطلة بسبب تأرجحها وتشتتها بين العالمين؛ فكأنها تعيش الخيال بكل تفاصيله وتغرق في أحداثه، دون قدرة واعية على التوقف، أو الانفصال أو حتى إدراك الفرق بين الواقع والخيال!
ورغم ما تحياه في هذا الواقع المتوهم من تلبية لرغبات مكبوتة، تقرر التمرد على هذه الحياة أيضا، لأنها تلبي حاجات دون الأخرى، وتظل أسيرة أحلام موؤدة ورغبات مكبوتة تتعلق بالفن،
وعند استفاقتها وعودتها لحياتها الأصلية، تقرر اختيار حياة ثالثة، بدون عيوب وثغرات الحياة الأولى والثانية !
يعني أنها تمردت على زوجها الذي تحبه والذي صمم على حرمانها من أمومتها، وأيضا تمردت على حياتها المتوهمة التي وجدت فيها ابنة، ولكن بلا حب ترتضيه!
في المسلسل يقول البطل:
"أصعب حاجة في تحقيق الحلم هي الخطوة الأولى..لما تدرك ان فى ثمن لازم يتدفع..وحاجات هتتغير للأبد وعمرها ما هترجع زي الأول..وانك مش هتقدر تشتكي تاني
وان اللي انت هتتخلى عنه عشان تحقق الحلم ده، ممكن يبقى أهم من تحقيق الحلم نفسه"
كان ثمن الرخاء والعز والحياة المرفهة للبطل؛ خسارة زوجته وحب حياته وابنه الوحيد.
حيث تأثرت علاقته بهما، بسبب غيابه الدائم عن المنزل وانشغاله بالحسابات والأرقام؛ ظل غائبا عنهما ذهنيا وروحيا برغم حضوره الجسدي!
وارتكب جرائم يعاقب عليها الدين والقانون، وحتى ضميره الإنساني
لكنه لم يكن يدري من البداية أن "الثمن" هو :"موت ابنه الوحيد"

كانت أولويات البطل ذات طبيعة مركبة؛ فهو يريد أن يلبي كل احتياجات زوجته وابنه المادية، وللمفارقة؛ لكي يصل إلى مراده؛ عليه أن يضحي بهما أولا!

في الفيلم؛
كانت البطلة تجتهد في عملها ليلا ونهارا هي وزوجها في نفس المجال، لأجل الوصول لنجاح ساحق وشهرة طاغية وفي غمرة ضغط العمل، انتبهت فجأة للثمن الذي تدفعه يوميا نظير ذلك وهو : العدول تماما عن فكرة الإنجاب ..والتخلي عن أمومتها!
هنا تغيرت الأولويات وتبدل ترتيبها؛ فأصبحت تهرب لحياة متوهمة تعيش فيها أحلامها الموؤدة ورغباتها المكبوتة عمدا؛ ومن ثم بدأت تتراجع في مجال عملها، وتتنازل عن مراتب تفوقها.
عاشت البطلة حياتين مختلفتين تماما عن بعضهما البعض؛ ثم قررت أن كلاهما غير صحي وغير مشبع نفسيا، وأن الاعتدال والتوازن في كل جوانب الحياة؛ هو الأصل،
وهو الاختيار الثالث الأمثل!
أما بالنسبة لبطل المسلسل؛ فالهدف حاد وتعدى هذه النقطة،ليخلق أجواءا تشويقية تتوافق مع التيمة الرئيسية للعمل، حيث قام المؤلف بتوظيف مرض اضطراب الهوية الانفصالية، ليتأرجح البطل بين شخصيتين مختلفتين تماما بواقع وظروف قلقة، يحفها الخطر..وذلك أيضا باختياره طريق ثالث فى النهاية، ولكن أشد من الأول والثاني، خطورة!
وهي المرحلة التي تمر بها اليرقة قبل أن تصبح فراشة..مرحلة تكسير وتدمير مميتة، ولكنها الثمن الوحيد للتحول!
وكما وصفها نيتشه على صيغة سؤال:
"ماذا لو كانت السعادة والتعاسة مرتبطتين معا بحيث لابد لكل من يرغب بإمتلاك أكبر قدر ممكن من إحداهما؛ أن يمتلك قدرا مماثلا من الأخرى..أمامك الخيار:
إما أقل تعاسة ممكنة وقدرا من الصبر..أو أكبر تعاسة ممكنة "كثمن" لتنامي فرط "اللذائذ والمسرات" التي نادرا ما يتم التمتع بها"
يعني أنك لن تصل أبدا لذورة شعور أو نجاح أو ثروة، دون الوصول أولا لذروة خسارة أو فقدان أو ألم!!
على عكس(شوبنهاور) الذي يرى بأن الحكماء ينبغي عليهم تجنب أكبر قدر ممكن من الألم، بدلا من السعي وراء اللذة وأن يعيشوا في "غرفة صغيرة مضادة للنيران"
_ عزاءات الفلسفة(آلان دو بوتون) _
فربما تحقق نجاحات وثروة معقولة وتحظى بحياة عادية، ولكنك في المقابل، لن تتعرض لخسارة فادحة..
هذا وفقا لترتيب أولوياتك وعلى حسب قيمك ومعتقداتك واهتماماتك؛ لا حسبة المجتمع ولا مفاهيم السعادة والنجاح بالنسبة للعقل الجمعي!
في الفيلم؛ قررت البطلة، مواجهة حقيقة شعورها تجاه الحياة التي تعيشها، وبدلا من اختيار الحياة الوهمية كمخدر مؤقت لمعاناتها، أو الاستسلام لواقع لا ترتضيه؛ قررت التخلي عن الحقيقة والوهم معا، وخلق حياة أخرى بديلة، لا تتعرض فيها لضغوط أو مشاكل تتعلق بأمومتها أو مهنتها!
والبطل فى المسلسل؛ قرر أيضا التخلي عن حياة الفقر، باللجوء إلى طرق غير مشروعة أولا ، ولما انتبه للثمن الباهظ الذي سيضطر لدفعه نظير هذه الحياة الجديدة، اختار هو الآخر طريق ثالث؛ طريق يستطيع من خلاله خدمة بلده، ورد الظالم عن ظلمه والفخر بدوره الجوهري في مجتمعه..

الكثير منا في سعى دائم وراء ملذاته الحسية، يشتهي أكثر وأكثر ويبتغي الوصول إلى أعلى المراكز في عمله لأسباب مختلفة،
الكل يريد الحصول على "المزيد" ولا ينتبه أبدا إلى الثمن الذي سيضطر لدفعه في مقابل ذلك..ربما من ماله وربما من صحته وربما من علاقته بأحب الناس إلى قلبه..
ولا يعني هذا بالضرورة أنه يسلك طريقا مشبوها لأجل الحصول على أهدافه؛ فالأمر لا يتعلق بحسن السلوك أو سوءه!
بل بمدى قدرته على التضحية لأجل الحصول على مراده.
كنت أعتقد اعتقادا ساذجا في الماضي؛ بأن الإنسان يمكنه أن يحصل على كل ما يريد دون خسارة واحدة إن أراد ذلك،
ولكني بعد تجارب حياتية عدة؛ اكتشفت بأن ترتيب الأولويات هو الجانب الإيجابي الوحيد في هذه المعادلة؛ فما هي الأشياء التي سأتقبل خسارتها، وما هي الأهداف التي لن أتنازل أبدا عن تحقيقها، مهما كانت التضحيات المطلوبة، أو الثمن الباهظ المؤلم الذي سأضطر لدفعه؟
فقط عند إجابة هذا السؤال بعمق وصدق؛ لن تندم أبدا على اختياراتك.
فلا تسل نفسك ما هي مكاسبك من وراء الهدف الذي تسعى لأجله؛ بل ما الذي ستفتقده؛ في مقابل تحقيقه؟
وهل أنت على استعداد لخسارته؟!
أم أن هناك خيارا ثالثا لا تنتبه إليه؟!



#نور_فهمي (هاشتاغ)       Noor_Fahmy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل كتاب -السينما والمجتمع الإيراني- للكاتبة والباحثة (إسر ...
- فيلم (بضع ساعات فى يوم ما): قضايا شائكة ومتلازمة نادرة
- (وداعا حمدى)بين الوصولية المستهجنة.. والعنطزة الكذابة!
- ما وراء الفستان الأبيض
- فيلم(الهوى سلطان)؛ ممل حد الضجر..رائع حد البكاء!
- (المادة)..أجرأ أفلام مهرجان الجونة!
- من آخر المعجزات..لآخر الممنوعات!!
- بنات عائلة (شاهين)
- نسختى المرممة!
- هل يجوز زواج المسلمة من ملحد؟
- حاربوا الإرهاب..لا الإبداع!
- ترند -الخلود-
- النسوية، وآخر الرجال المحترمين!
- معجزة إلهية..أم خانة فى بطاقة الهوية؟!
- (اسكندرية كمان وكمان) كما لم تشاهده من قبل
- رواية بطلها -قزم-
- ماكينة صرف-الآباء-
- حصن (الهوية المستعارة)
- القوادة-البكر-
- ثورة النساء أم ثورة الإنسان؟!


المزيد.....




- إطلاق سراح المخرج الفلسطيني الحائز الأوسكار بعد تعرضه للاعتد ...
- تركي آل الشيخ يصدم -سعفان- بقرار مخرج بريطاني (فيديو)
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مخرج فيلم -لا أرض أخرى- عقب تعرضه للض ...
- تركيا تلفت أنظار صناع السينما العالمية بفضل صادرات الدراما
- اُعتقل بعد اعتداء إسرائيليين عليه.. إطلاق سراح المخرج الفلسط ...
- الجيش الإسرائيلي يطلق سراح حمدان بلال مخرج فيلم -لا أرض أخرى ...
- فرنسا: محاكمة الممثل جيرار دوبارديو بتهمة الاعتداء الجنسي مت ...
- الاحتلال يفرج عن مخرج فيلم «لا أرض أخرى»
- المخرج ربيع التكالي: مسلسل -رافل- ملحمة بصرية تحكي وجع تونس ...
- Moscow Fashion Week تعيد تعريف الأزياء المحتشمة بتصاميم مبتك ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور فهمي - ديكور-الشرنقة-: عقدة الذنب وثغرة الأحلام الموؤدة