أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي الشبيبي - الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)*/1















المزيد.....


الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)*/1


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 14:54
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


الشهيد حسين الشبيبي في شبابه عام 1933 (16 سنة) وقد خط اسمه وتوقيعه خلف الصورة
هذه مادة أولية في حلقات عن حياة الشهيد حسين الشبيبي (صارم) ونشاطه السياسي، ستخضع لبعض التعديلات والتدقيقات والمراجعات لتنظيمها وإخراجها للطبع. سأكون شاكرا لكل من يقدم ملاحظاته الموثقة ومصدرها بهدف التنقيح والإغناء، ويمكنكم مراسلتي على العنوان الالكتروني [email protected].
ولادته ونشأته: أفضل وأدق ما يمكن أن أدونه عن ولادة وطفولة ونشأة الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي هو ما سبق ونشره الشقيق الأكبر -علي الشبيبي- ، وقد نشر ذلك في مقال في مجلة الثقافة الجديدة العدد 3 سنة 1969 بعنوان (الشهيد حسين محمد الشبيبي أديب ثائر وشهيد) والمقال نشر باسمي -محمد علي الشبيبي-، وهذا أصدق وأدق ما يمكن أن أدونه عن نشأة الشهيد، فكتب: [أواخر عام 1916 غادر الشيخ محمد الشبيبي والد الشهيد حسين مدينة النجف هاربا من جحيم الاحتلال البريطاني، ليقيم بين أقاربه وبعض أعمامه المقيمين في قرية تدعى الكوت بين الناصرية وسوق الشيوخ. وفي أوائل 1917 [1] ولد له ولداً سماه حسين استجابة لمقترح أبن له أسمه جابر. وتاريخ الميلاد هذا هو الأصح خلاف ما نشر في بعض الكتابات، كما أن المربي الراحل علي الشبيبي "شقيق الشهيد" يؤكد في مخطوطاته هذا التاريخ.
وجاءت وفود من أهالي سوق الشيوخ تطالب الشيخ بالإقامة عندهم، كرجل دين وخطيب منبر، فلبى دعوتهم، وأنتقل بأهله الى هناك، حيث يحتل سوق الشيوخ جنود الانكليز من السيخ ويحكمها الكابتن (دكسن) أبو رويشات كما يسمونه، وقد زج برؤساء العشار في السجون. وألبسهم الثياب الملونه، وأجبرهم على كنس الشوارع إهانة لهم وإذلالا !.
وأعتلى الشيخ المنبر يندد بسياسة المحتلين المستعمرين، ودكسن يحضر المجالس، ويسمع كيف يثير الشيخ شعور المواطنين بالكرامة ويحرضهم على التحرر من نير المستعمر الأجنبي. حاول دكسن أول الأمر أن يغريه بالمال، فدفع له بواسطة زعيم سوق الشيوخ – آنذاك- الحاج (علي ...) [2]، مبلغا من المال قائلا: هذا لفقراء البلد فليوزعه الشيخ حسب معرفته وعلمه!
فأعلن الشيخ من على المنبر: يا أهالي سوق الشيوخ، هذا مال أرسله دكسن ليوزع عليكم، وأنتم تعلمون أن دكسن من أمة ليست على دينكم ولا من قومكم، احتلوا بلادكم، واستذلوا رجالكم وها أنا أرد المال الى الحاج (علي ...) الذي يريد أن يكون سمسارا بيني وبين من يريد أن يشتري ديني ومروءتي ! ورمى بالرزم المالية الى الحاج علي الذي كان حاضرا المجلس.
وشاءت الظروف أن يصاب أبنه جابر بحصى المثانة فأشار عليه بعض أصحابه أن يعرضه على طبيب انكليزي في الناصرية، وهكذا مات طفله أثناء العملية، فغادر لواء الناصرية حزنا وكمدا عليه مدة شهرين، وعاد وهو شديد الوله بصغيره حسين وكأنه يجد فيه ريح أخيه الذي سماه، وغادر الحياة ليخلو له وجه أبيه. وعن قدرة حسين في تحمل الصعاب والآلام مع اشتداد عوده، يروي شقيقه كيف أن هذه القدرة نمت معه منذ طفولته، فيكتب: [وشاءت الظروف أن يصاب أبنه جابر بحصى المثانة فأشار عليه بعض أصحابه أن يعرضه على طبيب انكليزي في الناصرية، وهكذا مات طفله أثناء العملية، فغادر لواء الناصرية حزنا وكمدا عليه مدة شهرين وعاد وهو شديد الوله بصغيره حسين وكأنه يجد فيه ريح أخيه الذي سماه، وغادر الحياة ليخلو له وجه أبيه. وأصيب الطفل حسين بمرض الجدري إصابة فظيعة، شملت كل جسده وطالت وامتدت لفترة عجيبة، صحبها قيح وجراحة. فنفر الأب للمنظر الكريه، رغم حبه وحنوه، وقال ذات مرة وهو ينظر إليه بعين الاسى والعطف الأبوي: لو كتب لهذا الطفل أن يعيش ليكونن شديد البأس قوي الشكيمة! وقد شفي الطفل حسين من داءه ولكن المرض ترك أثرا في عينيه ، فراحت أمه تذر فيهما أنواع الذرور وترسم نقاط الوشم على صدغيه تارة وتلصق عليهما لزقات من حبوب البخور تارة، دون جدوى وفائدة فالطفل لا يقوى على مقابلة الضوء الشديد].

صورة للصفحة الخارجية لجنسية الشهيد حسين الشبيبي صادرة عام 1931

صورة للصفحة الداخلية لجنسية الشهيد حسين الشبيبي صادرة عام 1931 ثبت فيها تاريخ الميلاد

تجددت الحرب بين دكسن وأشياعه من الأذناب والعملاء وبين الشيخ الخطيب. وضاق صدر دكسن فأصر على اعتقاله. ولكن الشيخ (علي ...) كفاه شر القتال، فأحتال للأمر، وناقش الشيخ وهو في ديوانه بكلمات أثارت حميته وكرامته ، حيث قال: الله يا شيخ محمد شطول لسانك ! هذا وأنت غريب ! فما كان من الشيخ محمد إلا أن يرمي الحاج علي – ودون ترو - بنعله وهو يصيح: أنا غريب أيها الحقير، هذا بلدي ولكنكم جبناء أذلاء. ونادى تلميذه إذ ذاك حسين غازي ليكتري السفينة اللازمة فهو لن يقيم بأرض يعتبر فيها غريبا.
وعاد الغريب، سنة 1920 الى بلده (النجف) بلد المنابر والمشانق، وكان حسين صبيا في الثالثة من عمره. وانطوت مرحلة من الزمن على النجف كلها جهاد مرير وجوع وعطش، حتى إذا بلغ الطفل سن الدراسة، أدخل الى مدرسة الغري، المدرسة التي شادها نخبة من أبناء النجف المجاهدين في حقلي السياسة والفكر، ومن أبرز رجالها سعد صالح وآل كمال الدين. فكانت حقلا زاهيا برعايتهم واهتمامهم ينتدبون إليها كل أستاذ فذ في علمه ووطنيته، ويغذون الطلبة ويوجهونهم الوجهة الوطنية والنزعة الفكرية المتحررة.
كان الاصرار والتحدي واضحين في طبيعة الشهيد حسين منذ طفولته! وعن ذلك كتب شقيقه ما يلي: [وذات مرة ظل الصبي في فراشه صباحا ولم ينهض كالعادة الى المدرسة، رغم نداءات أمه له وتذكيره بفوات الوقت. علم الوالد فقصده الى فراشه يستفسر منه عن سبب تأخره، ولكنه أجاب بصراحة، لا يوجد سبب سوى عدم رغبته بذلك. ولكن الوالد أصر إلا أن يرده عن عناده، فأنذره لدقائق معدودة بالعقاب الصارم إن هو لم يتهيأ للذهاب للمدرسة ولكن الصبي أعلن رفضه بكل برود وبساطة، فما كان من الوالد إلا أن شده الى عمد في الدار بحبل وثيق، وهو يستفهم منه – أتذهب؟ ويرد الصبي ببرود لا. وأعلن الشيخ أنه سينزل العقوبة بكل من يمد يده ليخلي سبيله.... لولا امرأة من الجيران تندفع منددة بهذه القسوة، وما أن حلت الحبل حتى سقط الصبي على الارض لخدر جسمه. وأعادت هذه الحادثة الى ذهن الوالد ما بقي الفتى أيام نضاله في سجون نوري السعيد ولاقى فيها من ضرب وتعذيب تحملها بصبر وجلد. فكان الشيخ يعلق وعيناه تفيضان بالدمع، كان القدر يدفعني لتدريبك على تحمل المشقة يوم أردت أن أردك عن عنادك ، ويريني قدرة بأسك وإصرارك، فامض راشد يا بني!].
برزت لدى الطفل حسين موهبة شعرية منذ طفولته، ويروي شقيقه هذه الطرفة التي تدلل عن موهبة حسين الأدبية منذ نعومة أظافره، حيث كان تلميذا في الصف الثالث الابتدائي، وبقي والدي "شقيق الشهيد" طول حياته يتذكرها ويشيد في موهبته اللغوية المبكرة. يكتب والدي: [عصر أحد الأيام كان عند والدي صديقه الحميم -إذ ذاك- العلامة الشيخ عبد الكريم الجزائري، وقد عاد الصغير (حسين) من مدرسته متأبطا كتبه ودفاتره وصعد إلى أبيه يحيه وصديقه. تناول الشيخ الجزائري دفترا كان مكتوبا عليه "كراسة للرسم والخرائط" فالتفت الى الصغير وقال له: حسين أقرأ هذا ...... أنه نصف بيت شعر فأكمله أنت. ورد الصغير على البديهة: كراسة للرسم والخرائط يحملها شويخ المضارط! حيث أكمل البيت موزونا وأظهر قدرة نحوية في إمكانية تصغير كلمة شيخ لضرورة الوزن وهو في سن دون العاشرة. فنهره والده، ولكن الشيخ الجزائري راح يضحك ويفرك برجليه مستحسنا قدرته وقد أغرق في الضحك ثم أعاد الشيخ استحسانه لهذه البديهة الفذة ومنحه جائزة نقدية].
أتم حسين دراسته الابتدائية ودخل المتوسطة، حيث كان موضع حب ورعاية من بعض أساتذته ورفاقه كالجواهري الكبير والأستاذ محمد حسين الشبيبي. وحين أشغل إدارة ثانوية النجف -إذ ذاك- الاستاذ الراحل ذا النون أيوب والمناضل الجريء الشهيد كامل قزانجي طيب الله ثراهما تفتحت في الصبي أزاهير نضجه الفكري ووعيه السياسي وشعوره الوطني، فكان أحد أركان النضال مع شاعر الشعب محمد صالح بحر العلوم فشارك في كل الحركات بحماس ونشاط، من ذلك الاحتفال في ذكرى ثورة العشرين في الرميثة حيث تشددت سلطة العهد الملكي في منع الشباب الثوري في بغداد والنجف من هذه البادرة الخطيرة.
اهتم الشهيد بالأدب منذ صغره فعندما كان في الأول متوسط يملأ فراغه بالقراءة ويتابع المجلات المتحررة التي تصدر آنذاك كالعصور والدهور ويقرأ المقتطف والهلال. وقد نظم أول قصيدة وهو في الصف الثاني متوسط وقد جرب الشهيد عدا الشعر كتابة القصة، حيث نشر في مجلة الروائع البغدادية قصة بعنوان "الفصل الأخير من المأساة " تناول فيها محنة فلسطين.
كان للجو الأسري أهمية أساسية في تكوين شخصية الشهيد، وخاصة مواقف والده "الشيخ محمد"، خطيب المنبر الحسيني التنويري، من الاحتلال البريطاني منذ أيامه الأولى، واضطراره الى التنقل بين النجف وسوق الشيوخ بسبب موقفه الشجاع لرفضه الاحتلال. وواصل الشيخ محمد والد الشهيد حسين موقفه الرافض للاستعمار البريطاني طول حياته، وكان دائما من على منبره الحسيني يتعرض بالنقد الشديد والسخرية من الاستعمار وما يتركه من تخلف في حياة الشعوب المستعمرة، وكان هذا يحدث في منبره الحسيني في العراق أو حتى في الأهواز، مما سبب له مضايقات ومنع من دخول إيران. كما أن للدور السياسي الوطني والقومي التحرري الذي سار عليه رجال آل الشبيبي، كالشبيبي الكبير -الشيخ جواد الشبيبي- وأبنائه الشيخ محمد رضا، وشاعر الثورة الشيخ محمد باقر، كان له دورا كبيرا في بناء شخصية الشهيد ومفاهيمه الوطنية. فقد استفاد الشهيد ايضا من مجالس الشيخ جواد وأبنائه وما يدور فيها من نقاشات وحوارات أدبية وسياسية، ومن مكتباتهم وما تحويه من نفائس الكتب، فطوّر قدراته الثقافيه والأدبية والسياسية ورفع من وعيه الوطني والطبقي. كذلك كان للبيئة النجفية المتمردة الثورية، وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الوطن مما زاد من إفقار الفئات المعدمة، كل ذلك كان له الأثر الكبير في بناء شخصية الشهيد، وجعلته يتمتع بحس وطني وقومي متقدم. وكان لدور أساتذته (ذو النون أيوب، كامل القزانجي، وجعفر الخليلي) في المتوسطة والثانوية في بث الوعي الوطني. وهكذا تمتع الشهيد بالحس الوطني والشعور بالمسؤولية منذ صباه. وقد عكس هذا الحس بكتاباته المبكرة وهو في المتوسطة.
باكورة نشاطاته: في عام 1935 حين أزمعت حكومة الأيوبي على ضرب عشائر الفتلة، كان بحر العلوم وحسين وصحبهم يخطون النشرات المحفزة للشعور الوطني في صفوف الجيش المرابط في أبي صخير (إحدى نواحي النجف) وتثبيطهم عن ضرب إخوانهم، ومساندين للحزب الهاشمي الذي تبنى -إذ ذاك- سياسة وطنية معادية للاستعمار. كانوا يتسللون ليلا من الجهة الغربية في النجف ليصلوا الى مواقع الجيش ويوزعون عليه نشراتهم، وفي النهار يثيرون المظاهرات الصاخبة.
كان الشهيد متقدما على أقرانه في المدرسة وذو شخصية متميزة تفرض احترام المحيطين به، ولهذه الأسباب عين معلما للغة الانكليزية في المدرسة الابتدائية الاولى في النجف، كما عمل محاضرا في درس الواجبات الوطنية على طلبة السنة الثالثة للدراسة المتوسطة، وكل هذا حصل بعد إنهائه الثانوية (1934/1935) إذ تم له ذلك بمساعدة الشخصية الديمقراطية عبد الرسول نجم مدير ثانوية النجف الذي كان يكن له التقدير والإعجاب لوعيه ونضجه السياسي المتقدم، فتعاقد مع الشهيد لإلقاء تلك المحاضرات [3]. هذا التعاقد بين مدير ثانوية النجف وحسين كمحاضر في درس الواجبات الوطنية، يعكس الانطباع الجيد والثقة العظيمة بقدرة حسين على تقديم هذه المادة للطلبة، بالرغم من أن حسين لم يكون يحمل سوى شهادة الثانوية.
انتقل الشهيد الى بغداد عام 1937 ليدخل كلية الحقوق التي كانت أمنيته الغالية -على حد قوله- ليقوم بالدفاع عن القضية الوطنية. ونشط من أجل الحصول على عمل ليعتمد على نفسه في تمويل حياته واحتياجاته الدراسية، فحصل على عمل كمدير لمكتبة دار المعلمين العالية. وفي سنة 1938 أصدرت وزارة المعارف تعميما منعت فيه الجمع بين الدراسة في الكلية والوظيفة، فانسحب من الوظيفة مؤثرا دراسته في الكلية. لكنه وبسبب بقائه عاطلا عن العمل كان عاجزا عن دفع القسط الأخير. وأنذرت الكلية طلابها بعدم السماح لأي طالب لا يدفع القسط بالاشتراك في الامتحان، وكان حسين يصارع نفسه كيف يصبح عبئا على أبيه فيما يحتاج للعيش والدراسة فأنسحب من الكلية وعاد الى التعليم وعين بمدرسة باب الشيخ مدة تزيد عن السنة ثم أنتقل الى النجف وعاد للتعليم في مدارسها.
مع بداية الحرب العالمية الثانية كانت بداية نشاطه السياسي الفاعل، فكان يكتب المقالات التي تتناول تحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويفضح فساد المسؤولين في النجف والعراق عامة. وكان يرسل بعض مقالاته الى الصحف ومن ضمنها مجلة "المجلة" التي كان رئيس تحريرها ذو النون أيوب و يشاركه فهد بالأشراف على مواضيعها. فأعجبت بمقالاته هيأة تحرير المجلة وطلبت مقابلته في ربيع عام 1941. ودون شقيق الشهيد في إحدى مخطوطاته ما يلي: [ولن أنسى أن أذكر أن ذو النون هذا قد تعرف على حسين على أثر إرسال حسين مقالا الى مجلة "ألمجلة" فجاءت تذكرة بيد نجفي الى حسين، مفادها: أن أسرة المجلة أعجبت بمقالتك، وهي تدعوك للتعرف عليك. وعاد حسين يعلمني أن المجلة في الحقيقة لسان الحزب الشيوعي في المجال العلني، لخدمة الفكر والثقافة][صورة رقم 1]
لبى الشهيد الدعوة والتقى هناك لأول مرة بالشهيد الخالد فهد، الذي أبدى اعجابه بمقالاته لما تحويه من أفكار وتحليلات سياسية واقتصادية ناضجة. ومن شدة أعجاب فهد وقناعته بأنه تعرف على شاب ذو فكر تقدمي علمي ومتقدم بالنسبة لجيله ومخلص لما يطرحه من أفكار ومعالجات جريئة وقدرة في الدفاع عما يطرحه من أفكار وتحليلات، طلب منه المواصلة بالكتابة واستمرار التواصل من خلال لقاءات دورية، وأبدى الشهيد حسين موافقته على مواصلة اللقاءات، وكان هذا الاتفاق من اللقاء الأول بفهد. وعند عودته للنجف حدث شقيقه الأكبر -علي الشبيبي- بطبيعة اللقاء وما دار فيه من أفكار ومقترحات. ومن هنا ابتدأ ارتباط الشهيد بركب المناضلين وبالحزب الشيوعي الذي وهبه حياته.
وعن نتائج سفرة شقيقه ولقائه بفهد، كتب المربي الراحل علي الشبيبي -شقيق الشهيد- : [... عاد بعدها وعلى وجهه شعاع مبهج، وبين جوانحه عزم يكاد يطير به. أسرّ إليّ أمراً. علمت أن "المجلة" لسان فئة نذرت نفسها لتحرير الفكر، وتحرير الوطن. إنها تنهج في سلوكها منهجاً علمياً. وفق أحدث نظرية أثبتت علمياً أنها هي ولا غيرها الطريق إلى تحرير الإنسانية من العبودية بكل أشكالها. وبعد مدة جلب عدة نسخ من مجلة المجلة، لصاحبها الأديب المعروف "ذو النون أيوب" الذي كنا نعرفه قبل سنين مديراً لثانوية النجف مع نخبة من المدرسين منهم الشهيد كامل قزانجي. ولعل لهما التأثير الأولي في التوجه السياسي والفكري لأخي الشهيد حسين.

صورة رقم 1، بعض الأسطر من إحدى مخطوطات المربي الراحل علي الشبيبي التي يذكر
فيها كيف بدأت علاقة حسين بالحزب وبفهد شخصيا.

لم نستطع كبح جماح ما ساورنا من فرح طاغ. وما أشاع في نفسنا من عزم بحيث لم نلتزم السرية التي أكد هو على ضرورة التزامها. لذا أكثرنا من خوض بحوث شتى مع الوالد. كان أكثرها عن السياسة والحرب العالمية. عن العملاق الجديد الذي يتحمل العبء الأكبر في مدار هذه الحرب.
بعد أسبوع من مفاتحته إياي هذه سافر ثانية إلى بغداد، ثم عاد يحمل نشرة من عدة وريقات. حين قرأتها ألهبت جوانحي. غيرت هدوئي وسكوني، أطلقت لساني. فقد وجدت جديداً أتحدث به. ولكنه أسرّ إلي: أعطها لمن تثق به، وليعطها هو أيضاً لمن يثق به. خذ منهم مساعدة، ثمن العدد.][4].
كان الشهيد يذهب الى بغداد ويلتقي بالشهيد الخالد فهد ويتدارس معه الأوضاع السياسية بالعراق وأوضاع النجف بصورة خاصة، ويعود الى النجف محملا بالمجلات التقدمية، كمجلة المجلة، الطريق اللبنانية، نضال الشعب السورية، مجلة الغد الفلسطينية، الاسبوع والفجر الجديد المصريتين وأم درمان السودانية إضافة الى جريدة الحزب "الشرارة" ونشرياته الاخرى. وهكذا توطدت العلاقة بين الشهيد حسين والخالد فهد.
تأسيس الخلايا الأولى في النجف:
عمل الشهيد حسين على تأسيس الخلايا الحزبية الأولى في النجف، وكانت بداية انطلاق لبناء تنظيم حزبي متين وراسخ الجذور في المدينة، مما جعل تنظيم النجف متميزا في كوادره الحزبية ودوره في النضال الوطني. فكانت لعلاقات الشهيد الاجتماعية الجيدة وحسن أخلاقه وثقافته المتنوعة والواسعة دورا مهما في كسب قاعدة واسعة من المعلمين والمدرسين والطلبة بما فيهم الطلبة الجامعيين. وبدأ الشهيد في ربيع 1941 بتشكيل أول الخلايا الحزبية في النجف، كان من أول أعضائها شقيقه الأكبر علي الشبيبي، كما أنتمى لخلايا الحزب الناشئة العديد من أصحاب الميول السياسية من معلمين أذكر منهم اسماعيل الجواهري، مرتضى فرج الله وجواد كاظم شبيل طيب الله ثراهم، وطلبة ممن عرفوا بحماستهم الوطنية، وأرتبط الأصدقاء ممن لم يكونوا مؤهلين للعمل الحزبي وما يقتضيه من انضباط وصلابة بحلقات للأصدقاء. وتشكلت أول لجنة محلية في النجف بإشراف الشهيد ومسؤولية المعلم اسماعيل الجواهري، ويذكر علي الشبيبي في مخطوطاته عن المعلم اسماعيل أنه كان شاباً ذا ثقافة عالية ويتصف بالتعقل والهدوء ومرحاً حاضر النكتة. لكن اسماعيل لم يستمر طويلا في قيادة المحلية، فاعتزل العمل الحزبي عام 1943 لأسباب صحية لا تساعده على تحمل المسؤولية. حينها أصبح شقيق الشهيد الأكبر -علي الشبيبي- مسؤولا لمحلية النجف [5].
كان مطلع تشرين الثاني 1941 بداية حضور ومشاركة حسين الشبيبي في أول اجتماع لمكتب اللجنة المركزية بقيادة فهد. وكان الاجتماع بحضور كل من فهد، داوود الصائغ، وذو النون أيوب، وأمينة الرحال، وصفاء الدين مصطفى وحسين الشبيبي [6]. ويلاحظ أن هذا الاجتماع أقتصر على الرواد القدماء الناشطين في بث الفكر الماركسي والاشتراكي، ماعدا حسين كان جديدا على هذه الحركة، كما أن هذا الاجتماع لم يضم كافة أعضاء اللجنة المركزية التي شكلها فهد. وفي الجدول رقم (9-1) الذي ثبته حنا بطاطو، اعتبر حسين أحد أعضاء المكتب السياسي للجنة المركزية الأولى بقيادة فهد. ووفق ما ذكر حنا بطاطو فأن هذا الاجتماع الأول الذي تم فيه تشكيل لجنة مركزية بقيادة فهد، حيث افتتح فهد الاجتماع ببيان قصير.
ومنذ السنة الأولى لالتحاق الشهيد حسين في اللجنة المركزية واجه عدة امتحانات له في الاخلاص لمبادئ الحزب ووحدته وإصراره وصلابته، وقناعته بقيادة الخالد فهد، وهو في بداية طريقه في العمل الحزبي. حيث تعرض الحزب الى عدة هزات من محاولات انشقاقية او تكتليه أو انحرافات فكرية، فوقف مع رفاقه المخلصين في اللجنة المركزية من تلك المحاولات بصلابة وإخلاص. فعندما حاول أحد الأعضاء "يعقوب كوهين" نشر أفكاره البعيدة عن الفكر الماركسي اللينيني، وبعيدة عن خط الحزب الذي وضع لبناته الأولى فهد، ولم يلتزم رغم التنبيه، لا بل واصل نشر أفكاره و الاستخفاف بقرار المحكمة الحزبية التي خضع لها، وتمادى بسلوكه الانحرافي وأقنع ذا النون أيوب وآخرين وأصدروا بيانا غير مصرح به في محاولة لـ "زرع الفوضى" في الحزب وتهديد سلطته. ولخطورة هذه الظاهرة دعا فهد الى اجتماع عقدته اللجنة المركزية على عجل يوم 16 آب 1942 قرر بلا صوت معارض طرد ذي النون وشركائه "الماكرين" واعتبارهم منذ ذلك الحين "خونة" و "منبوذين" [7].
لفتت نشاطات الشهيد الاجتماعية وتحركاته في مدينة النجف بين أصحابه وهو على رأس اول عمل تنظيمي للحزب الشيوعي المحلي، إضافة لكتابات الشهيد التي كانت تنشرها صحيفة "الشرارة" عن المجتمع النجفي، إضافة لكتاباته السياسية التي كان ينشرها في مجلة المجلة أو في الصحف الأخرى، انتباه السلطة وأعوانها في النجف من تجار جشعين، فتضايقت من هذا النشاط. فاهتمت السلطة في النجف بأمر الشهيد حسين ونشاطه التحريضي والتوعوي، وكان هذا بمسعى من القائم مقام "لطفي علي" [8] الذي كان يشارك تجار النجف في تجارة ورق السكاير والسكر والشاي وغيرها من مواد تموينية ضرورية، فسعى لطفي علي لدى السلطات العليا للتخلص من حسين ومن كتاباته عما يجري في النجف، فكتبت سلطات النجف الى المراجع العليا في بغداد طالبين التخلص من الشهيد ومن كتاباته، حتى أنتهى الأمر بنقله برقيا في بداية ربيع 1942 [9] الى إحدى مدارس مركز لواء العمارة (محافظة ميسان).



يـتــــــــــــبع الحلقة الثانية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- إذا لم يذكر مصدر للمعلومات الواردة عن حياة الشهيد ، فمصدرها من مخطوطات وروايات شقيق الشهيد الأكبر المربي الراحل علي الشبيبي طاب ثراه.
[1]- هذا ما تشير إليه جنسية الشهيد الصادرة في بداية ثلاثينات القرن الماضي (لاحظ الصورة المرفقة) والتي مازلت أحتفظ بها، كما يؤكد هذا التاريخ شقيق الشهيد "علي الشبيبي" في مخطوطاته، لذلك فأن اي تاريخ ميلاد للشهيد غير تاريخ عام 1917 هو مخالف للواقع.
[2]- من مقال بعنوان (الشهيد حسين محمد الشبيبي أديب وثائر) نشر في مجلة الثقافة الجديدة بعددها 3 لسنة 1969، نشر المقال باسمي -محمد علي الشبيبي- وكان بتوجيه وإشراف والدي المربي الراحل علي الشبيبي شقيق الشهيد الأكبر. نشر في المقال المذكور أسم الشيخ -علي- كاملا، لكني ارتأيت نشر أسمه الأول فقط.
[3]- نفس المصدر أعلاه.
[4]- الرائد علي محمد الشبيبي/ ذكريات التنوير والمكابدة / تأليف وتحقيق ومراجعة محمد علي الشبيبي. دار المدى، الطبعة الثانية سنة 2021، موضوعة "بداية الطريق" صفحة 275.
[5]- الرائد علي محمد الشبيبي/ ذكريات التنوير والمكابدة / تأليف وتحقيق ومراجعة محمد علي الشبيبي. دار المدى، الطبعة الثانية سنة 2021، موضوعة " بدايات تبشر بالنهايات" صفحة 307.
[6]- العراق/الكتاب الثاني/ حنا بطاطو / الطبعة العربية الأولى، صفحة (149-152).
[7]- العراق/الكتاب الثاني/الطبعة العربية الأولى، حنا بطاطو، صفحة 153.
[8]- الرائد علي محمد الشبيبي/ ذكريات التنوير والمكابدة / تأليف وتحقيق ومراجعة محمد علي الشبيبي. دار المدى، الطبعة الثانية سنة 2021، موضوعة " المدير النطاح" صفحة 290.
[9]- نقل الشهيد الى العمارة في ربيع 1942 هذا ما يذكره علي الشبيبي في مخطوطاته. كما أن حنا بطاطو يؤكد ذلك في الجزء الثاني من كتابه "العراق" صفحة 155.



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب الشهيد حسين الشبيبي في قاعة الفارابي يوم 10/12/1946
- الاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صار ...
- الاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صار ...
- انقلاب 8 شباط 1963 الدامي! الحلقة الثالثة
- انقلاب 8 شباط 1963 الدامي! (الحلقة الثانية)
- انقلاب 8 شباط 1963 الدامي! (الحلقة الأولى)
- رحيل الروائي والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي
- يوم المعلم
- مقدمة (كشكول سجين)
- المخبر السري!؟
- على القبر في يوم الشهيد الشيوعي
- انقلاب 8 شباط 1963 الدموي/ قلوب تحترق!
- انقلاب 8 شباط 1963 الدموي/ الحلقة الثالثة
- انقلاب 8 شباط 1963 الدموي/ الحلقة الثانية
- انقلاب 8 شباط 1963 الدموي
- الصدر وحكومة الأغلبية!؟
- تساميت أيار
- الشهيد الخالد حسين الشيخ محمد الشبيبي ثائراً وشاعراً
- الفلسفة المادية والتطوّر الاجتماعي (كيف يسير التطور وماذا تح ...
- 14 شباط يوم الشهيد الشيوعي يوم شهداء الشعب!


المزيد.....




- حزب الشعب الجمهوري يتبنى أشكالا أخرى من الاحتجاج
- صوفيا ملك// -لن أَدفع! لنْ أَدفع!-
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم الشعب الفلسطيني ومناهضة
- غزة: مئات المتظاهرين الفلسطينيين في بيت لاهيا يرددون شعارات ...
- مسيرة إحياء لذكرى يوم الأرض في رام الله
- الاحتجاجات المنددة بسجن رئيس بلدية إسطنبول لا تهدأ وأردوغان ...
- مصر.. ضخ 2.7 مليار جنيه لإحياء شركة محلية كبرى من زمن عبد ال ...
- عالِمة نفس تتحدى الطريقة التي ننظر بها إلى المرض النفسي
- غدًا تجديد حبس القيادي العمالي “شادي محمد” وخمسة شباب في قضي ...
- تجديد حبس القيادي العمالي شادي محمد وخمسة شباب 45 يومًا في ق ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي الشبيبي - الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)*/1