|
يَرْحَمْكْ اللهْ آسِيدِي ... (قصة)
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 8290 - 2025 / 3 / 23 - 18:12
المحور:
الادب والفن
من مُلحقات جامعنا القديم مكان قريب لا تفصله عنه إلا طريق متربة ضيقة جدا بالكاد تَسْمح بمرور شخصين أو ثلاثة، مَبنيٌ بحجارة وأتربة البلدة آسمه "تاخَرْبيشتْ" يؤدي وظيفة "الكُتَّاب"، خصَّصُ للوضوء وآجتماع الطلبة "اِيمَحْطْرَنْ" من الساعِين إلى حفظ القرآن صباحا أو بعد الزوال.في زاوية من زواياه تُرْكَنُ الألواح الخشبية الصلصالية واقفة مُنضدة، وفي زاوية أخرى نَعْشٌ من خشب ممتد على الجدارالمُتْرَبِ المُفَحم بشكل عمودي،يَداه الخلفيتان في الأرض والأماميتان مُسندتان على الحائط بطريقة تخفي عن مُقل الحاضرين بطنَه المفتوحة التي تنتظر في هدوء أزلي ما ستجود به الأيام والليالي من لُقيمات الأعمار المنحسرة .. بعض الاعمدة الأفقية (إينيماطْ) مصفوفة في السقف لتشد متانته المعتمدة على الأتربة (تامَلَّاحْت) والحجارة المتراصة وكثير من خشاش الأرض، يعلوها سطران أو ثلاثة من صفائح الزنك الرمادي الخفيف الوزن المحدودب المتعرج المثبت بدُسُر غليظة في ألواح خشبية عريضة بطريقة تُـفَـوِّتُ الفرصة على تسرب المياه داخل القاعة وتمنع توغل قطرات الشتاء وأنواء العواصف القوية العابرة.ويمكن القول إن تاخربيشت وجامعها العامر كيانان يُكَمِّلُ بعضهما بعضا، يجمعان الدّينَ والدنيا، الكبار والصغار، الهدوء والسكينة والعبادة المتأملة في ملكوت الخالق والحركة المتفاعلة بما يحدث في شعاب القرية ومسالكها المتعرجة، التلاوة المحترفة وقرينتها الساعية إلى مزيد من الإتقان والدربة والممارسة،،وكلاهما آعتمد على مثل ذاك العتاد القصديري في عملية التسقيف بفروق بسيطة بينهما،ففي الوقت الذي ظلت قاعتنا مسطحة السقف، اعْتُُمِد في تغطية الجامع على إلصاق الألواح الخشبية بصفائح القصدير بصورة هرمية تنحني على الجهتين الشرقية والغربية تماما مثل أسطح القرميد المنتشرة في البلاد الباردة؛ ويظهر جليا أن الفحصيين لا يتبنون هذا النوع من الأغطية لدورهم لما لا يُوَفّر من فرص آستغلال السطوح في نشر الزرع والأعشاب وحزم الدوم ولفائف التين المجفف وسيقان البصل وأكوام اليقطين بأصنافه المختلفة وغيرها من الغلال،ثم لقلة ذات اليد ربما أو لأسباب أخرى الأقدمون وحدهم يعلمونها ممن سَنَّ سَكَنَ الدُّور والجدران المبلطة بالأطيان عوض تيخامين شعر الماعز الموروثة زي شحال هاذي.يجلس الفقيه في الجانب المقابل للباب القبْلي، يعتلى هيدورة فوق مايشبه مصطبة ترابية يُرَبـِّعُ رجليْه مُلوحا بقضيب زيتوني في الهواء متمتما بكلمات من الذكر الحكيم يقطعها بما تبقى من "فتية" الصباح يلقن بها أسماع المُريدين كُلٌّ وسُورته والآيات التي بلغ إليها حفظه، وكان في كل ذلك لَبيبا فطنا يقظا لا تختلط عليه المواقع والأثمان والأرباع والأحزاب، ولا يتشابه عليه المتشابه من الفواصل والجُمل .. الطلبة إيمْحَطْرَنْ يجلسون على حصائر من آري حلفاء الجبل يتلون يقرؤون يُلوحون برؤوسهم يقهقهون يضحكون يُدبرون المقالب لبضهم البعض .. كل ذلك في آن واحد دون آستثارة حفيظة "سِيدْ الطالب" الذي يستحسن أنْ لا يُمتحن في صبره ورصانته وقدرة تحمله ذلك اللغط المتفاقم الصادر من الأفواه التي تتقن مزج الجد بالهزل والمعقول بالعبث.كان حليما فقيهُنا "العَجْعُوجيُّ"، وكانوا هم يبجلون ويقدرون فيه هذه الخصيصة التي تترك لهم مساحة يتنفسون فيها دون المساس بالخطوط الحمراء المتعارف عليها، ويمكن القول إن الأمور كانت تدور على أحسن ما يرام، كل واحد يقوم بدوره، كل واحد يحترم دورغيره ولا يتجاوزه .. الصغار مع الصغار يغالبون نوم ما بعد زوال نهارات آب القائظة وأناملُهم الصغيرة تعبث بأنوفهم تحك قُـنَنِ رؤوس غارقة في ألواح ترنو من خلل عيونها العلوية جهة المعلم ترقب لحظة غفلة ما أو آستغراق في سِنة من نوم خفيف كي تمارس هامشا من الحرية المستباحة؛ ومتوسطو الأعمار هناك جهة الحائط الشمالي مع أقرانهم يقنصون الذباب المتطاير في سخاء على الوجوه الناعسة يضربونها بجبّاد "لاسْتيكْ" أبيض أو يصطادونها بأيديهم في خفة ورشاقة وآختلاس للحركة لا تترك فرصة للطرائد المُزَنْزِنَة كي تنجو بجلدها حيث يتمكنون من أجسادها السوداء والزرقاء الضئيلة بسرعة خاطفة، و بمَكر لافت يُنكلون بها ويعبثون بأجنحتها الصغيرة أو يقلبون ما وراءها باحثين عن جنسها الضامر المفترض يعقدونه بخيوط رقيقة رفيعة ويدعونها تطير مثقلة بحُمولة تجرجرها خلفها بشكل يثير الكثير من الضحك ويحد من حرية الحشرة في الطيران إذْ سرعان ما تهوي الذكران على الأرضية كيفما آتفق لتبدأ عمليات التصفية الجسدية دون رحمة أو شفقة، ولمزيد من التنكيل المشوب بالتشويق يعمد المتفننون ذوُو الأفكار الطريفة إلى الجَز ببعض هذه الحشرات الطيارة في فجوات الجدران الكثيرة الضيقة والواسعة في آنتظار صَبور لقُدوم رُتيلاء ما أو سحلية أو ماشابه فيُقْتَنَصُ المقتنصُ ويوضع في جراب خاص ليُلْقَمَ لطريدةً أخرى في موضع آخر في عمليات للمطاردة لا تنتهي سلسلتُها الدوّارة المتحركة المتشابكة الحلقات؛والكبار معزولون هنالك لوحدهم حذاء النافذة المُطِلة على "العين" يرنو إليهم الفقيه نظرة تقدير وآحترام يخاطبهم مخاطبة الراشدين "آم إيرگَازن إيمَقْرانَنْ" يناديهم بسيـ ... وسيـ.."، حتى الآيات التي كُنا نسمعها تُوجَّه إلى مسامعهم أو تتلوها ألسنتُهم كانت تبدو لنا من النوع الغريب الفريد الذي لا نفقهه والذي يتجاوز محفوظاتنا المتداولة من الآيات القصيرة و " .. ألف ما ينقط والباء وحدة من لتحت والتاء جوج مالفوق .. الليف أورينقط البا إيشت سْوادّا ... " .. و .. " الضمة تجيب الواو النصبة تجيب الألف والخفضة تجيبْ الياء .. " .. بعبارات شاهقة غامضة نقف إزاءها مفتوحي الأفواه متعجبين من تلك القدرة على ضبط مثل ذاك الكلام العجيب العَصي على الأفهام أسيدي أعوذ بالله من آلشيطان آلرجيم : {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ } .. يقول أحد آليافعين بصوت أجش واثق من نفسه ..{ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يكمل الفقيه ملوحا برأسه يترنم بنبرات آلحروف مجهورة ومهموسة .. يقفز آخر من وسط الجماعة .. أسيدي .. {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا .. } .. العَنْ الشيطان الله يخزيك آيمخيب يعلق المعلم قبل أن يكمل .. { .. فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ .. } .. { وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } .. وتسترسل الأصوات هادرة بعنف وعنفوان تصدح بحروف عربية بلكنة وارينة تتداخل تتقاطع فيها الإملاءات دون ان يتلف الإلقاء أو تختلط على الآذان الفُتْيَات وكنا نتساءل في أنفسنا مرارا هل يأتي علينا حين من الدهر نبلغ فيه مبلغهم وحكمتهم وقدرتهم ومرتبتهم التي تمكننا من وسام الشرف الذي يغدقه مُعلمنا عليهم في معاملاته الخاصة لهم أم سنظل عالقين في بداية الأعمار لا نكبر أبدا ؟؟ ....
بُعَيْدَ الزوال، لم يصل العصر بعد.الجو خانق جدا في تلك العشية المُصَمِّمَة على صَمائمها إلى الحدود القصوى القاسية، والشمس تقاوم الظلال تهاجم أشعتُها أحجارَ تاخربيشت وتقتحم أتربةَ الجدران تحول قاعة المراجعة إلى جحيم لا يُطاق لتغدوَ رغم رحابتها المفترضة صهريجا كاتما للانفاس بشكل جعل البعض يصدر نحنحات تذمّر لم يلتفت إليها الفقيه في البداية حتى أعْقِبَتْ بتأفف هنا وسيهان هناك إلى أن وصل الأمر إلى نخنخات تصدرها الأفواه والمناخير تباعا إثر رائحة زنخة ليس يدري أحدٌ مصدرَها لكن وقعها على الجماعة المكدَّسة المزدحمة الاطراف كان شديدا رغم القهقهات الصامتة والضحكات المسروقة والتواطؤات المختلَسة تصدرها العيون آتجاه مَنْ يُخال أو يعتقد _ ظلما أو يقينا _ أنه مصدرها، ويبدو أن الفقيه لم يحتمل المزيد من الضغوط المقصودة _ ربما _ فراح ينتفض من قيلولته المحببة مُكرَها مُجبَرا صارخا في الوجوه مهددا ...
_ الله ينزل عليكم المسخ كثار ما نْـتُـومْ ممسوخين ...
وشرع يتربص بالسحن تمسحها مقلتاه الصقريتان الغائرتان واحدا واحدا في بحث غير ذي جدوى عن الفاعل المحتمل .. لا فائدة .. مساخيط الوالدين ...
_ اُوجِّي تْقَرّانْ .. مايَنْ تتَشِّيمْ آ لُوحُوشْْ نطَزْكي ما يَنْ قَاعْ تْرَهْجَمْ أگدْ لاهلْ نْوَنْ .. بَبَبا بَبا دالريحت الله ينزل خَافْوَنْ لَفْضِيحَتْْ ...
وبما أن الأمور بدأت تخرج قليلا أو كثيرا عن السيطرة، ولأن في المَجْمَع المتكدس صغار يُخشى عليهم تبعات آختلاط الحرارة بالتعرق بضيق الانفاس بخناقية الروائح الغريبة العطنة،فإن الوقت _ قدّرَ الفقيه _ ليس للبحث عن مرتكب هذه الصغيرة المحاطة بجو من اللّمَـمِ الذي إذا تُركَ لعواهنه سيكبر وينمو ويصبح إحدى الكبائر إنْ لم يسارع ويبادر بحل عاجل يُـخرج به الحضور من هذه المشطبة .. شمّر عن ساعديه واقفا ثم صرخ فيهم ...
_يالله جمعت لطراف نْـوَنْ فَّـغْـتْ قاع بَرَّا
_ما تَـحْـريــرَتْ أسيدي لفقيه ؟؟
علق البعض
_آتْـحَـرْ دِّيسْتْ نْـوَنْ .. ما تغيلم صباح العيد آيَـا .. يا للّاهْتْ قاع أنفغ زي ألهلوه نْـدَا تيييمْ ...
عقب المعلم بصوت حازم ...
فصاح الجميع ... هَــــااااااا ......
اِزدحم الصغار والكبار على الباب يخرجون بفوضى عارمة والفقيه يهدئ يصرخ يؤنب ويتوعد بعصاه التي يتوكأ عليها في الهواء ..
_مايمي تتجيم تيلويحين نْوَنْ .. يالله كل واحد أَدْ يشسي تلوحيت نس ما تغيلم تسالام .. مَايْمِي تْبَدَّمْ أم تيسُومَاسْ نْ وَنرارْ آيمخيبين الله ينزل عليكم الْهَوَانْ ...
وبالفوضى نفسها عاد المتهافتون يبحثون عن ألواح ألقوا بها في الاركان كيفما آتفق في لهفة إلى الخارج ونسائمه المفترضة، وبين الدخول والخروج .. يَكَّارْ أوزارمْ جار لواشون تمعاندَن تمغانن حَيَّدْ شَكْ حَيَّدْ شَمْ والله لْبَابَمْ تْحَضَّرْتْ إيمْحَضَرْسُو واخَّا غارَمْ ما شَكِّنْتينْ دارْكَاز مِّيسْ نتمطوت قَرَّبْ زتاتي .. يتنابزون يتلاسنون يصخبون دون ملامسة أو تقريع زائد على ما ألفوه من عوائد ينغص فيها بعضُهم على بعض بطريقة تثير الكثير من السخرية والضحك أكثر من شيء آخر .. ويبدو أن أريحية الفقيه وتسامحه أو تعبه في تلك العشية فاق كل الحدود،فلم يكن يُعِر مُهارشتهم الرعناء كثير بال، بل تركهم على حدة آمراً أحد الكبار .. _ سيرْ عَمْرِيي شْوَايْ وَامانْ أتْوَضِّيغْ زي بوگْليب نْدَا تْـيِــيــمْ ...
أسرع المعني بالأمر يحمل مقراج الجامع راكضا يصرخ .. ( نْـعَــااام آسيدي يرحمك الله .. ) تبعه واحد ثم ثان فآخـر مُطلقين أرجلهم لما تبقى من ريح دي طاسترت نتمزكيدا حتى بلغوا باحة العين الرحيبة الفارغة تماما من الرواد إلا من إحدى الدواب التي فضلت المكوث قرب الحوضين تغرف منهما بدعة وسكينة إلى أن وصل المُنغصون .. آشَّا ررّرا آششّا حَيّيدْ بَلاك .. طفقوا يزعقون يهشون في وجهها بأيديهم وبأرجلهم يركلون الهواء، ولما حاولأحدهم آعتلاء متنها العاري من فوق إحدى الحجارة الملساء العريضة اللاصقة بشجرة زيتون عتيقة تستعمل عادة لفرك الغسيل الدسم، جُوبهَ بصرخة قوية لم يعلم أحدٌ من أين خرجت... _ آجْ لَبهيمتْ البهيمتْ .. مَاتَّا إيمُعْضَوارْ .. ما يَـنْ تسخلاقمْ قاع .. ما هَـتا تمغيرت نْوَانْ ..
فما كان من المتحرش إلا النكوص والتراجع في الوقت الذي نكس البقية رؤوسهم بين حفافي جداري العين وهم يقهقهون بسخرية ..
_ إيوا زايد غرديهات والله يسنطاو أللِّـي نّـمْ سييشت تـكربيشتْ .. أوي توسيتد دي النيشان ..
قال صاحب المهمة وهو يلقم فاهَ أغلاي لإحدى الانبوبتين يتعماريت سوامان.... _ يالله بلاكت سْيين فرقتْ اَجموعن...
صاح الفقيه من أعلى علية المسجد.لبى المشاغبون الامر وأسرعوا يرجعون بعدما أهرقوا على رؤوسهم ما طاب من المياه، بل إنبعضهم أغرق جزأه العلوي كله داخل الحوض الصغير مستعذبا طلاوة البرودة راشا زملاءه بما علق به من القطرات، ومنهم من آستغرق يكرع من الجعابي يسَسْ أمانْ نْتْمَجْوِينْ مباشرة سي مَـرْدَدَّا غير مستعين بإناء أو بكفيه يبسطهما تحت مجال تدفق الزلال كما يفعل العابرون، بل وضع الشفتين لصق الأنبوبة لا يتنفس لا يتحرك حتى إذا غُلب آحتماله تراجع بآندفاعة قوية إلى الوراء صارخا بنشوة عارمة .. آآآححْح .. آ عَايَنتيي آتغدرامْ هههه .. هرع مسرعا .. غير آبه يشدو ".. ماني نسيغ ماني شليغ .. آهاه طوطا تغيولت .. ها ها .. " يقولها رانيا للدابة نظرة متوعدة ...
_ واخا بابَمْ القرّان الديبا الديبا ..!!..
وما إنْ تلاحظ هذه مغادرتهم حتى تعود على أعقابها تكمل ما كانت فيه.كانت تحرك ذيلها بآستمرار تصرف عن مؤخرتها نوعا خاصا من ذباب البهائم (تَكَّنْتْ) لا يفتر نهمُه أبدا.رنتْ إلى فوق حيث اللجب لايزال يتعالى ثم أحنت رأسها تعب من المياه تارة وتتشممه أخرى دون آرتباك أو وجل بينما شرع القافلون يترنمون ساخرين في الطريق الصاعدة إلى تامَزْگِيدا تاخربيشت...
_الحزّاق بين قرانو ربي يشركها لو وانا نخيطها لو بالسني وطَـاطَـرْسَـا هههههاااااا
وعند التحاقهم، ناول بَابْ أغلاي الأمانة للفقيه بأدب جم مقبلا يده اليمنى ...
_ هاخش نعااام آسيدي
_ يا اللهْ .. جْمَعْتْ لَطرافْ نْـوَنْ أنْـنَاقَلْ اَمْشَانْ ..
_ ماني غرا نراح آسيدي ؟
سألوا جماعة ...
_ جمعات سَنْ يَـحْصِيرَنْ .. حَرَّكْتْ إخفنون غَرْ إيمطلان ..
_كيفاااااش .. ماينخ ؟؟؟
عقب الجميع بصوت واحد
_دِينْ تيلِي دينْ لَهْوَا دينْ اُدماون دينْ الشرفا دين لْفـَقْهَا دِينْ دْوَا دينْ كولشي .. ياللهاتْ ...
قال دون أن يلتفت لجمجماتهم المختصرة ... غاب عن الأعين في قاع أغزر نايت عياد مستعيذا من همزات الشياطين بينما حارت العيون في مقلها وخارت شجاعة الشجعان وآنتكست همة المناورين وتوارى صداع المشاغبين إلامن ثلة من الكبار أبت إلا أن تظهَر بموقف النضج المتحمل للمسؤولي دون تردد أو مهابة ...
_ يالّلاهْتْ حْزَّمْتْ إخفنون آهيا تسدنان يغنان .. كولشي غَرْ إيمطلان ..
قال أحد المتحذلقين ساخرا
_ما يَنْ خَسْ اَديوقع قاع آنراح .. أم دا أم غرديهات ...
علق آخر وقد جمع ما تبقى في نفسه من همة وشجاعة ..
بينما زعق أحدهم متذمرا ...
_ يااللهْ هَزَّتْ إيحصيرنْ قالتانغ زي گهَرَّانْ نإيبْزيزنْ ..
وما هي إلا ثواني حتى تشكلت قافلة من الصغار ومتوسطي الأعمار والكبار في آتجاه المقابر مباشرة في نظام غير معهود تتلو بانسجام عجيب التراتيل والآيات والاناشيد أصواتُهم الريانة...
_ " الحمد لله والشكر لله ما خَابَ عبدٌ قَصَد مولاه" ... " تشَفَّع يا رسول الله فينا فما نرجو الشفاعة من سواكا " يا ربي بالمصطفى بَلِغْ مقاصدنا، يا ربي لا تعذب حَمَلَةُ القرآنِ ... واجعل منازلنا في جنة النًعِيمِ " ... ..... بينما ظل الصغار يناورون بين أرجل الكبار مفضلين التوغل في المروج المجاورة ركضا في صعود وآنحدار بحثا عن جنادب صغيرة وخنافس طائرة (مَسْكَرْنَعْ) وميمونة إيزيلا تؤشر لهم بخبرتها الفطرية المتوارثة على مشاريع في المستقبل للزواج الذي سمعوا عنه الكثير وشهدوا متعلقاته من الأعراس وعاينوا ألعابا متعددة بخصوصه دون أن يفقهوا شيئا من معانيه ومقاصده رغم تكريرهم لمفردات وعبارات سمعوها وحفظوها عن ظهر قلب تدور جلها حول أشياء تظل مبهمة بالنسبة لهم .. أدْ مَعْنَنْ لْمَخْلُوقِْ نْرَبي إنيغْ سْكُوفُّسْنَاسْ خُوزَليفْ سَالَنْتْ : آهْيَا لَلا ميمونا نَعْتَانَغْ مَانيسْ غْرَا نَمْلَشْ ؟ ولما تحرك الحشرة المسكينة رجليها الاماميتين آعتباطا يصرخون .. وللّغَاسْ تَـنَّـاتْ .. أدْمَلْشَغْ زي تَمْدينتْ زي لْخَـاريـجْ أو حسب الاتجاه الذي يميل إليه التخبط .. آه .. من هذه الحدود التي تعيقهم من بلوغ عوالم الكبار العامرة بالأسرار .. آه .. لو يكبرون بسرعة كي يفعلوا ما بدا لهم ويجربون الأشياء كما هي دون واسطة للحشرات دون تخمينات أو تهيؤات دون زجر أو منع أو عِضات تقضم الأنفاس .. وفي آنتظار تحقيق الأماني، ما عليهم الآن إلا السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر تجنبا لكل ما يمكن أن ينغص عيشهم الصغير .. وهاهم يتكتلون في دائرة متحركة يَنْظَمُّون إلى المجموعة بخنوع صاغر فيه من المهابة وخوف عصا الفلقة أكثر ما فيه من التقدير أو الطاعة، ثم ها هي حناجرُهم تصدح بأشياء من قبيل ...
_ " بيضة بيضة لله باش نزوق لوحتي لوحتي عند الطالب والطالب في الجنة والجنة محلولة حالها مولانا مولانا مولانا يا سميع دعانا لا تقطع رجانا من حرمة نبينا نبينا .. نبينا محمد وأصحابـو في الجنة ينصابو وعلى زين الحالا صلوا يا رجالا لا إله إلا الله محمد رسول الله ... "
ينشدها مرحهم المنطلق عوض الأذكار التي يتشدق بها الكبار.يرددونها غير مبالين بصْقَرْ شك صقر شم آهيا الوراطين وما شابه من نعوت آلاستصغار .. سلكوا جميعا طريق المنحدر يمين الزيتونات المعمرة تاركين "العين" أسفلهم، وقد آستغل البعض الخلوة وتأخر الفقيه عن الموكب ليقضوا حاجتهم الخفيفة على عجل داخل خمائل نْ اَزيلي واَليلي المنتشرة على طول الوادي.بينما راح آخرون يقطغون ثمار توت البر "تاگْزَلْتْ" بعجل يلتهمونها دون تنقيتها أو غسلها يخلطون بين الحمراء تاسمامت غير الناضجة والسوداء الهشة، سيان عندهم المهم ان يضحكوا ويلعبوا في هواء طلق لم تكن الجولة فيه مسموحة في مثل هذا الوقت من النهار، ربما راح الكثيرون منهم يشكر في سريرته ظروف الحرارة والصهد وحسن صنيع ذاك المَطْعُوصْ الذي فعل خيرا بعَملته تلك التي أعتقت الرقاب من مزيد من الحبس والحصار، وآختلس بعض قصار القامة الخطوات تاركين لأجسامهم تهوي بقوة بين ثنايا تاكسرت المؤدية إلى بستان تُـرْوَى أغراسُه بالمياه المندلقة دوما من حوضَيْ "لابروال"، وأعينهم على شجرة جوز فيحاء رحيبة، تشمموها، عانقوها، دقطعوا بعض الأفنان وراحوا يمضغونها.. "ها السواك هاليعطار ها السواك .." يهتفون وهم يتسلقونها بمرح غامـر، وبمجرد آعتلائهم الاجزاء السفلى التي فوق الجذع مباشرة،لامست أيديهم ما آشتهت أفواههم وعشقت عيونهم لمُدَدٍ طويلة، وراحوا يجنون الثمار يلقونها على الارض بسرعة كي لا يُكتشف أمرهم،وآستغرقوا صامتين فترة قصيرة كانت كافية بأنْ يحصدوا حصادهم المنشود لينزلوا بالسرعة التي صعدوا بها ويجمعون على وَجَل محصولَهم يذهبون به إلى جدول قريب يشذبونه ويغسلون أفواههم وأيديهم يفركونها بالحجارة ليتخلصوا ما أمكن من بقايا أثر "الجريمة" .. وجعل أحدهم يناور بشغف شجرتيْ الحور "بْليلز" المتواجدتيْن بالعَرَصَة الدهماء.شاهقَ البَصَر يرنو إلى علوهما المتمايل السحيق.يحاول أن تطوق ذراعاه المحدودتان مساحة الجذعيْن العريضيْن، وبأظافره شرع يقشر بعض القشور السطحية مستعينا بما يتخللها من فجوات متعرجة كخيوط متاهة مُتشنجة.يتشمم البَلَلَ الأخضرَ من نقط ندية صغيرة تطفر من الأحشاء تنتصب لحظة ثم على مهل تنسكب عبر تلك الثغرات المتشعبة.يتلمس المسام مغمض العينين يرهف السمع .. هناك صوت .. أصوات تتعالى تقترب .. يضع الرِّجْـلَ الأولى والثانية .. ثم .. هوووب .. يلصق البدن بالبدن .. يتسلق .. ينط إلى أعلى .. لا ينظر إليهم مشغولين في جمع ما سنح من القطاف .. جُهْدٌ آخرَ وها هو على مسافة من الأفنان الخضر المتراقصة .. الشجرة تميل .. هو يميل .. يتقدم .. يعلو .. قامته تكبر تنمو .. لا داعي لآنتظار آنصرام الأزمنة سوف يبقى هكذا ماطاب له البقاء، لكنهم في الأسفل يحدقون يصخبون ....
_زيدْ زيدْ زيييييدْ ...
فيزيدُ .. لا ينظر إليهم، لكنه يسمعهم يصفرون يصفقون يخرجون ألسنتهم كأفاعي متحرشة .. وها هو النزقُ الطائش يقذفه بالأحجار .. لقد غَـدَا على مرمى من قذائفهم اللعينة .. ولولا ما رآه هناك بعيدا لما توقفوا ....
_الباز الباز .. هاتين هاتين ماني يْنَطّاوْ يَتْحَوّامْ دي لْبَرْقُوقْ ...
صاح مستثارا...
استغل آلتفاتتهم الخاطفة وأسرع ينحدر بقفزات قصيرة على طول آمتداد الجذع.
_ماين خافنغ تسكذوبت؟؟
_اُوووف .. وللّغاس إينيخْتْ .. وللّغاس نَتَّا وللغاس دلْبَازْ إيطا أديْ شَا لَغْرِيبِْتْ ..
_هــا هــا...
كانوا يسخرون
_ أدْ قوبع أيْ تينيت آلبرطااال ..
ثم اصرفوا إلى ما كانوا فيه من ضوضاء مرحين يقتلعون البصلات والطماطم من جذورها يقتاتونها نيئة يلقون بالسيقان والأوراق في الوادي المجاور .. ينزعون عناقيد الداليات المتعانقة وأشجار الزيتون يمضغون الحبيبات ...
_آخ خ خ خ .. ايسُولْ داسَمّام .. ( تبا إن به لمزازة لم ينضج بعد )
ثم يتراشقون بها بفوضى عارمة حتى سمعوه يهتف فيهم ...
_آ ألْـيـيتْ سْيـينْ أهْـيَا إجَـرْبَاعْ يغنان...
وفي سره راح يردد .. ( طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون .. ) .. لا .. لا .. بلاد لمان .. لخير ما خطاشاي .. لواشون دلواشون أوصافي، ثم صرخ .. ياللاهت .. نگُوگْت شواي .. فبدؤوا يلتحقون بتلكؤ برفقائهم في الهضبة ... كان المجدون يُبدون بعض الامتعاض من كل هذا الوقت الضائع المستغرق في الطريق وغير الطريق وهذه السيبة المنتشرة بين الأولاد .. اِنغطيمن لبدا دينغطيمن .. لا حول وخلاص .. راحوا يشدون عزمهم يحملون الحصائر الثقيلة المغبرة المصنوعة من الحلفاء على أكتافهم متعاونين يسترسلون في قراءة الأوراد والآيات غير عابئين بنزق النازقين وطيش الطائشين، حتى إذا وصلت الجموع المكان أو كادت، توقفت على المشارف منتظرة قدوم سيدي الفقيه الذي سيعلمهم طقوس التعامل مع مثل هذه الأفياء، فالمسألة الآن ليست فوضى، كل واحد يفعل ما بدا له بالطريقة التي يستسيغها أو يرتاح لها، فالاحترام واجب وإيمطلان أم تمزكيدا إيليد تُـورَارَتْ أيَـا .. هكذا خاطب الكبار مَنْ هم أصغر منهم هكذا أفهموهم والله يهدي ما خلاق .. إيليد أمشان نصداع أيا.. إينيت التسليم أدْمَاوَنْ لاّنْ أكيدنغ آليشاشرا..قالتانغ زي الهَرَاج نَعْلاَتْ الشيطان ... وانتظر السابقون اللاحقين وآنتظر أولئك وهؤلاء قدوم الفقيه الذي لاح من بعيد في حديث مَا مع صاحب الدابة المتذمر من سلوكهم في العين .. ربما يشكو له، ربما يستنكر، ربما يُبدي ملاحظة ما بخصوصهم بخصوص أي شيء آخر، ربما يستفهم، ربما لاشيء من ذاك وذا .. على أي،عليهم أن ينتظروا.اِقترح البعض أن يتوغلوا أكثر ويتفيؤوا موقعا يرونه ملائما ويمهدوا المجلس ويفرشوا الحصائر ويرشوا بعض القطرات من المياه التي حملوها معهم.ليفعلوا ذلك، ليُريحوا فقيههم، ليتحملوا بعض المسؤولية، لكن فريقا آخر أبدى معارضة واضحة، فلا عمل ولا تدبير ولا آقتراح ولا أي شيء يمكن فعله بغياب الإمام، هو المبتدأ هو المنتهى، وهم بدونه لا شيء، وفي الوقت الذي آشتد اللغب فيه بين المتناقشين أكمل البعض طقوس حماقاتهم غير الآبهة إذ توغلوا وسط المقابر وراحوا يتهجون ما علق من الحروف على بعض الحجارة المصفوفة كشواهد لأجداث الغابرين ...
_ اَوْرَى أزّلْ اَزّلْ .. هاتا دادّاشْ اَنِـي يَمْطَلْ ...
صاح أحدهم بسخرية
_ لا لا حَـنَّـاشْ .. البطَلْ لَبْطَلْ ..
رد عليه الآخر
_ .. الله ينزل عليكم لمسخ آ يعداون .. ما يَنْ قاعْ تْرَوّانَمْ .. بالاكت سْيـيـنْ إيليدْ اَمشانْ نتورارت ...
تدخل أحد الكبار دون أن يستطيع رفع صوته مكتفيا بالمبالغة في التلويح بكلتا يديه كي يعودا إلى صفوف الجماعة، وأمام تقاعص المتوغلين في الاستجابة، لم يكن هناك بد سوى مباشرتهم عن قرب، الشيء الذي لم تتم آستساغته، فراح احدهم يصرخ
_ ميغ شَكَّنْتين دالفقيه .. ها الطالب ماني يبَد أوليد الشغل نش والله تنيخت إي بابا ...
ويبدو أن هاته العبارة " تنيخت إي بابا / سأقولها لأبي " آستظرفها الكثيرون حيث راحوا يسخرون من قائلها مكررينها بطريقة تهكمية ...
_ .. إيلْ تْرُوا ايلْ تُْرُو آللا الحورية لَـلاّ إيلْ ترو لَــلاّ سُـوسمْ بابملَلاّ والله تنيخت إي بابــااااا .. هَـهَهَههَـاااا
_العقايب لعقايب آلهلوه آطكوك آتسعة رهطين تفسدون في الأرض ولا تصلحون ...
صاح الفقيه زاجرا، فتجمهروا حوله صاغرين ينتظرون التقريعات والتعليمات.كان يتمتم كلاما في السر يحرك به شفتيه أقسم بعض المتحذلقين _ وكان من الذين يَـسْـحُـوسِـينْ أوَالْ يختلسونه قبل أن يُنبَسَ به _ هكذا يَدعي آفتخارا _ أنه مزيج بين آستعاذة وبسملة وحوقلة وسلام على عُمّـار المكان من الأحياء والأموات .. و .. أنتم السابقون ونحن اللاحقون وكثير من النبرات المستعصية على آلأفهام...
_ إينيتْ بسم الله ...
قال بصوت جهير ..
_ بسم الله...
ردد الطلاب ..
_ نَبْدَايَاشْ آرَبي ..
نبس آخرون بهمس يحركون رؤوسهم يتغامزون .. انحرف المعلم يسارا يتفيأ ظلال البلوط المشرفة على تلة صفراء تنتشر فيها بقايا سيقان زرع حديث الحصاد وقد تخللتها مجموعة من حزم الحبوب في أعراشه اليابسة ملقاة بنظام على الأرض في آنتظار أن يجمعها أصحابها.وبإشارة من إبهامه ودون أن ينطق فهم المريدون الأوامر، فراحوا يرشون المياه في المكان المختار ثم يبسطون الحصائر ...
_ غارَويتْ .. اِحرسوا لا تطؤوا الرموسَ لّلانْ دِينْ قْبَلْ أدْ لُولَنْ بابَتْوَنْ ...
وبسرعة ملحوظة جلس كل واحد مكانه بعد برهة وجيزة من .. بَعَّدْ شك أمشان نينو وليد أمشاننش نگُوك زتاتش شواي إيل تگْ الدحاس، ودون آنتظار إماءة ما آنطلقت حناجرُهم تراجع ما خطت أناملهم في الألواح صباح ...
_ يالله .. هزَّتْ شواي .. آ سيوَلتْ .. أوي دالعصر .. اِيراح الحال ...
صرخ الفقيه في الوجوه المصفوفة أمامه الغارقة في الحروف والكلمات .. تناثرت النبرات في الأرجاء كطنين نحل منهمك في خليته يبنيها على عجل .. زن زن زن زن ...
_ لليغ اُو رْ تفاكيغْ اَگْدْ أورْني حفظن الربع نس ...
اِسترسل مهددا وقد طار النعاس عن جفينه على ما يبدو مستغرقا في تأمل ملكوت الله الرحيب يعرج بين الحياة والموت، ينوس في فراغات مبهمة في نقط لا تجتمع، بين ما كان وما هو كائن وما سيكون، بين رواد للقبور وزوارها وساكنيها والرابضين هناك في البلدة في شبه حياة ينتظرون دون إحساس بما يقع حقيقةً قبل وأثناء وبعد آجتثات الأعمار .. لطالما عايَـنَ الفرح والتوجس والخوف والرعب وزلزلة الاحتضار وإيشَرِّوَنْ حشرجة الأبدان نيمزيانن ديووسُّورا المفارقة لنسماتها الهشة ومزيجا من القَبول والرفض والامتثال والانصياع والاستسلام والامتقاع لمجاهيل ليس يدرك حقيقتها إلا خالقها.. آه .. تنفس بعمق .. رنا نظرة خاصة إلى السماء الخالية الملتهبة.نكس رأسه جهة الأجداث المصطفة المتداخلة .." غاس شْبَرْ دي تمورت اَغانَوي قاع نغ .. كولشي يترحال .. ماني لجيال ندا يفاتن ماني اُدْمَـاوَنْ .. آلُولا شواي ليمان إيلي نْطَفّـرِتَنْ ولاكن .. الحمد لله رب العالمين له الملك من قبل ومن بعد بيده الخير وهو على كل شيئ قدير .. آه .. " ... وراح يراجع همسا آيات تذهب آلآنقباض عن القلوب الواجفة، تنزل السكينة وتبعد وخزات آلخُنّس الناكصين الخانعين .. تارگازت تراح أگد إيمَزْوُورا يقطا ووال أوريقيم ماين غرا نعاود كولشي يسنودُّمْ إيزهَّرْ آنَفَا تِـيـتْ سْويتْ غَرْ رَبُّـوجْ نَـالرحيلْ اَنفغ أبريدْ زتات لواشونا ... يتنسم بحسرة بينة رائحة الاعشاب والأخشاب الندية واليابسة والاغصان المقطوعة المتطايرة فوق القبور الصغيرة والكبيرة الفديمة والحديثة الممسوحة والظاهرة للعيان، وخشاش الأرض الملقى على الجنبات والمساحات الضيقة الفاصلة بين قبر وقبر، ودبيب النمل الأحمر والاسود يفزع بين الحصوات الدقيقة وفتات الأتربة، وأزيز بقايا الأوراق الجافة تخشخش تحت وقع أقدام مَـنْ يتحرك من الصبية أو يبدل جلسته فوق الحصر المتآكلة، ورجرجة ورجيج عالقا في أعراش الزيتون .. رج رج رججج .. وتلك النسمات من رياح الغربي التي تهبُّ بنداوة وفتور تجفف العرق المتسرب عبر المسام وقرقرة الأمعاء لاتزال تصدر أصواتها الخافتة في آنحدار وآنعراج متسارعين .. كل ذلك أعطى مساحة كبرى لمزيد من التأمل في وقائع الدنيا الدنية .. لا منجاة إذن من عبث التخمام أبَـرَّانْ، لِمَ لا يتيه سارحا بلا حدود يستشرف ما يمكن أن يوجد خلف المجاهيل دون أن يغفل عن هؤلاء الأشقياء الذين يفرضون عليه آستحضار الانتباه والبديهة والتحفز واليقظة الدائبة ،،، ها هو يلاحظهم وهم يتحيون فرصا سانحة يصطنعون فيها شغبهم الطفولي، كل هذا الزمن الذي تركه وراءه سيجدونه لا محالة أمامهم بشكل أو بآخر رغم آحتمالات آلاختلاف التي يمكن أن تكون، فلِمَ آلعجلة ؟ كم يود لو يترك لهم مساحة أكبر يفرغون فيها طاقاتهم ويلعب وإياهم لعب الزمن الخالي .. تاگُوهات تيسوانين وتيبنايين تيخباش وإمزلقفن وتيمربعين وألعاب الخيل واَزّلْ خافي أزل خافش .. وتلك التي تبين الرجولة كيف تكون .. يلقنهم ويدربهم عليها..وَدَّ لو يسمح لهم بالصراخ في هاته الفضاءات الشاسعة تملأ فراغاته أصواتهم الصادحة، تمنى لو يصرخ بدوره ويقول .. لا .. ويجأر .. آآه ه .. بكل ما سنحت قواه يتحرك طائشا ينتقل بمعيتهم في الغابات والأودية يعيد الشباب إلى أحشائه المقرقرة دون آنقطاع ليستقطر من نفوسهم التواقة طاقتها المتأهبة أبدا .. لكن .. لا بد أن يتعلموا بعض الحروف والكلمات كي يعايشوا بها جبروت عيش قادم قارض جارح .. هذه الحياة يجب أن تتغير.. الوراثة شيء قميئ إذا تُرِكَتْ لحالها تفعل آلأسْـوَاَ في أرواح الناس .. يجب أن تُبَثَّ فيهم روح المجاهدة والمجاهرة.. ولتكن حي على الفلاح دعاء حقيقة لا تكرارا رتيبا لا يُلَـبَّـى فيه النداء.
_يا الله آسيوَلْت ما يَنْ قَــاعْ تگْمگامَمْ ..
صَاتَ في وجوههم فزادت حدة الأصوات صَلْصَلَـةً، فلترتفع فلتصدعْ .. اصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ .. فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ .. وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ .. خُذِ الكتاب بقوة .. وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور .. وَدَّ وَدَّ وَدَّ .. هوووف .. لِـمَ لا تأتي هذه العصر يُؤذن فيها ويعتذر حتى الصباح الباكر .. ليقمْ بقيلولته هنا، لِـمَ لا ينام منفتح العينين كأي حيوان نبيه أو مغفل أو سيان، لمَ لا يرتاح قليلا،وَدَّ لو يستلقي بجوار السابقين وسابقيهم مِنْ ومِنْ .. ودَّ لو يجرب كيف تكون الرؤى، كيف تُحَسُّ السكرات .. آه .. لو ينبسون لو ينطقون .. _ " جِيـبْلِي رَبيعَة ولَّلا نْرَابَعْ بْحَالي هَـَـااااوَااا .. " ..
جَأرَ راعٍ يـَجْ أومَشْسَا سْيَجْ نَالسْحيقْ فَاعَلْ تَارَكْ مِن وراء ثنية " الخوارب " .. هاهاها .. ضحك البعض ..
_ يْـرَحَاسْ أطُــو سُوزْكَــاوْ ...
علق الفقيه آيْ نَّـا الفقيهْ ..ههَههااا .. قهقه الجميع دون تحفظ...
_ قاعْ نْــرَاحْ دي وَزْگــاوْ.كلنا أصابنا العته ...
همس المعلم في سريرته.وضع يده اليسرى على حاجبيه يتبين يستوضح مايراه هناك .. شيء ما يقع في المنزل الذي يستغله للسكنى وعائلته الكثيرة الأفراد منذ سنين خلت مدة مقامه مشارطا في البلدة ...
_ آدشَنَتْ يَوْشْ ربي أزَطْجيتْ ...
عاود الصوت الصياح من بعيد يهشُّ على عُنيْزاته آلرعناء وضحك التلاميذ من جديد ..
_ سْقَااارْتْ .. هْدَاااتْ ..!!.. / صمتا .. هدوووء ...
أمر المعلم .. سكت الجميع ...
_ مايندينْ يـَـلانْ ؟؟ مَا تّـاوْيينْ ؟؟ ماذا هناك .. ماذا يقع ؟؟؟
_ الطيرْ الطيرْ نعام آسيدي....
صاح أحدهم ...
_ "الطيرُ صَافَّـاتٍ ويَقبضن " أيَا مْخيبْ لَبْدَا تَـتُّـوتْ ... / أيها المغفل إنك تنسى دائما ..
_ لا آسيدي ...
_ كيفاااش لا ؟؟
_ البازْ دگوخام آسيدي ...
بَيَّنَ آخر ...
_ ياكْ نِّيغَاوَنْـتْ نَـللِّي ألَم أقلها لكم سابقا ..
قال متسلق الحــور ...
_ماني للانْ آيتْ وَخَّامْ ؟؟ / أين تراهم أصحاب المنزل ؟
آستفسر الفقيه هامسا ثم ما إنْ هَمّ واقفا يتحفز لمعاينة الأمر حتى رَانَ على الجميع صمت رهيب .. وأقبل من منزل الخوارب ظله العملاق يرف بالجناح يسبقه صوت أحد الفراخ .. صَـوْ صَـوْ صَـو .. عالقا في المخالب بالكاد ينتفض في محاولات يائسة للنجاة .. وأوغل الطائر في تحديه مقتربا من المقبرة في آنحدار مائل شبه حاد، فهب الطلبة يصرخون تْحَيّـاحَنْ ... _ حْرَامْ حْرااامْ .. تِـيـتْ إيغْنانْ .. لَفْكاكْ لفكاك .. مْعانْ معااان .. غَراشْ غراشْ ... حْرامْ حْرامْ ...
تحمل أيديهم حجارة وعصي هراوات تيسُوماسْ دي غَـزَّالَـنْ ...
_ أفروخْ نسيدي لفقيه .. فُـولُّوس نسيدي الطالب ...
_ أزَّلْـتْ دَغْيَا غَارَويتْ أدْيفْلَتْ ... بسرعة إياكم أن يفلت ...
طوفان من الحجارة رُجم بها الجارح .. صَوْ صَوْ صَو .. تُسمع دائما .. توقف الطلبة وهم يلحظون آختفاءه داخل أجمة إيمطلان.رانوا جهة معلمهم يستشيرونه ..
_ اقتلوا السّم ولو على قبري .. صدق رسول الله ...
لم يفهموا شيء، لكن التقطوا المقصود من النبرة العالية المتحمسة ...
_ ياللاهْتْ آ إيرْگَــازَنْ .. ضربة رجل واحد ...
فصاحوا بصوت واحد
_ ... هــــــــاااااا ...
_ آسْقَرْتْ إيلْ تسَّفْجَعْتْ .. / بهدوء لا ترعبوه ...
انحدر صوت الشادي ب " جيبيلي ربيعة آهَاوَى" بسرعة مباغتة ...
_ ما يلَّا دينْ ما تْمَعْنَامْتْ ؟؟ وللّغَاسْ سُوفْغَغْ أللِّـينَـسْ سْيَـجْ أوصَفَّاحْ يَهْوَادْ بَابَسْ يَتَّـاغْـوَسْ أمْ وقزين آبران اُورْ يقدرْ أدينطَـوْ ...
ودون آنتظار أو آستشارة، توغل في الخمائل والتلاميذ يتبعونه بتربص وآختلاس ...
_ هَاتَــا هَاتَــــــا!!!
همس خبير آلتقاط الأصوات يوميء إلى أعلى إحدى البلوطات، وما هي إلا لحظات حتى عاود الطائر طيرانه صُعدا جهة هضبة بولرباح دون وصوصة عالقة بالمخالب، فقط صرصرته تسبقه إلى ما وراء التلال المجاورة ...
_ ينَْطَاو مسخوط الوالدين إيراحْ .. لقد طار لقد أفلت ..
وبخفة قرد طائش، اعتلى الراعي الشجرة وهبط ناطا منها مقهقها غير مبال، ثم جعل يضرب على صدره صارخا يخاطب الهواء بعد أنْ رسمتْ يداه خَطا وهميا في السماء ...
_ ما شَكَّنْتِينْ آرْكَازْ أكْ سْيَا ... / مُـرَّ من هنا إنْ كنتَ رجلا ..
وبوقار جليل تقدم من الإمام وأودع يمناه فرخه الصغير ...
_ هاتا فُلُّوسْ يْغُودَا يْسُولْ أدْيَتْشْ طيمْزينْ دي لعيشتْ نتيخينْ ها ها هاااا ...
_ الله يرضي عليك آمَمِّي ...
_ نعاااام آسيدي ...
وبآرتياح بالغ تنفس فقيهنا بعمق.أزاح نعليه.جعل الطائر الصغير في جيب جلبابه الواسع.اِعتلى حجرا نظيفا وشرع يؤذن صلاة العصر .. وبمجرد آنتهاء صوته المبحوح .. لا إله إلا الله .. صحنا جميعا بصوت واحد متناغم تردد رجعه الأرجاء ...
_ يرحمك الله آسيدي .....
تمت خطوري عبدالله 11/06/2014 ترجمات : _"جِـيـبْلِي رَبيعَة ولاَّ نْـرَابَعْ بْـحَــالي هَـَـــااااوَاااا...." : لْغَـا نوع من الغناء في جبال آيت وراين. _"رَبيعَة" : نوع من الثياب النسوية آنتشر في السبعينييات من القرن الماضي... _آلُولا شواي ليمان إيلي نْطَفّـرِتَنْ ولاكن : إشارة الى إمكانية الموت الاختياري الذي يجعل منه الدين انتحارا يعاقب عليه _"يـَجْ أومَشْسَا سْيَـجْ نَالسْحيقْ" : شدا راع بصوت حاد مديد ... _"يْـرَحَاسْ أطُــو سُوزْكَــاوْ..." : كناية عن الحمق _"أدُشَنَتْ يَوْشْ ربي أزَطْجيتْ..." : دعاء على الماشية بالجرب _مشطبة : مشكلة _لابروال : صهريج حوض الماء ترد منه الأنعام _تامزگيدا : جامع _الحَزّاق : الضارط _فُلوس : فرخ الدجاج _طيمْزين : الزرع _يَتَّـاغْـوَسْ أمْ وقزين آبرّان : يعوي مثل جرو شقي
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرَّغَايَا ... (قصة)
-
فاطِمَا المُونَضَا ... (قصة)
-
عُقْلَةُ آلأصبع ... (قصة)
-
تِيرْجَا/حُلْمٌ ... (قصة)
-
اَلنَّهْضَة ... (قصة)
-
قَرعُ آلْمَمْسُوحِ ... (قصة)
-
وأَنْبِسُ آمِيييين رُبَّمَا
-
كَانَتْ حَنُونَةً مُشْفِقَةً شَمْسُ آلْوَدَاعِ
-
غَنَّتْ فَاطِمَة
-
اِقْرَأْ
-
حَتَّى تَلَاشَتْ هُنَالِكَ فِي أُفُقٍ بِلَا أُفق
-
اَلنَّجْمْ الْأَزْرَقُ
-
وَآخْتَفُوا كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَبَدًا
-
لَقَدْ آخْتَرَقَ تِلْكَ آلْبَرَارِي أبِي
-
سُكَّانُ بَلْدَتِنَا آلطَّيِّبُونَ
-
كَباز خرافةٍ معْقوف القامةِ والمنقار
-
أرَانِي أَغْرَقُ في زُلالٍ مِنْ خَيالٍ سَسَّغْ أمَانْ نْتْمَ
...
-
يا أيّها آلطّفلُ آلجَميلُ آلعَالِقُ
-
سُعَار (4)
-
سُعَار (3)
المزيد.....
-
المخرج باسل الخطيب يعتذر عن عمادة المعهد السينمائي السوري
-
افتتاح أحدث مجمع مسرحي في روسيا
-
قصور الثقافة تعلن أسماء الفائزين في مسابقتي -مصر ترسم ومصر ت
...
-
حين يصبح الألم إبداعا.. سوسن شوربا التي حولت التمثيل إلى مقا
...
-
ثبت الآن تردد قناة روتانا سينما على القمر نايل سات وعرب سات
...
-
ثبت الآن تردد قناة روتانا سينما على القمر نايل سات وعرب سات
...
-
داوني جونيور وستيوارت وماكيلين أبرز العائدين إلى سلسلة أفلام
...
-
بعد سنوات من مقتل مديرة تصويره على يد بالدوين.. عرض أول مقطع
...
-
أم كلثوم: كيف طبعت الست وجدان الفرنسيين؟
-
جامعة الدول العربية تحتفي بيوم الموسيقى العربية: إرث فني يعز
...
المزيد.....
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
المزيد.....
|