فتحي البوكاري
كاتب
(Boukari Fethi)
الحوار المتمدن-العدد: 8290 - 2025 / 3 / 23 - 03:00
المحور:
الادب والفن
قصّة "كنز القراصنة" هو عمل مقتبس من النسخة الفنلندية المنشورة عام 1904، وهو يندرج ضمن مشروع أوسع وأشمل حول "حكايات السفن"، كنت قد عكفت على البحث فيه منذ سنوات. والعنوان الأصلي للقصّة باللغة الألمانية Der Schatz der Piraten، كتاب مغامرات تستهدف الشباب من تأليف الكاتب الألماني جورج غارتنر (1864-1939) (Georg Gärtner). وهو محرر وصحفي وكاتب ومؤرخ لحركة العمال في نورمبرغ، ومترجم من الإنجليزية والهولندية والفرنسية. عمل في صحيفة Fränkischen Tagespost، عضو مجلس مدينة نورمبرغ، وُلد في ألمانيا في القرن التاسع عشر. من مؤلفاته: رحلات المشي لمسافات طويلة في منطقة ألتموهل (1924)، رحلات عبر نورمبرغ القديمة (1925)، كاسبار هاوزر: اللقيط من نورمبرغ – وريث بادن للعرش؟، حركة عمال نورمبرغ 1869-1908، حول نورمبرغ: رحلات في قلعة السلام بنورمبرغ (1926) صائد الفيلة (1927). لم يحظ بشهرة واسعة كما حظي بها سميّه الجندي النازي، أسير الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية، الفار من معسكر الإعتقال، ومؤلف كتاب "آخر جندي لهتلر في أمريكا" Hitler s Last Soldier in America (بالإشتراك)، فالمعلومات حوله تكاد تكون شحيحة، إن لم نقل منعدمة، في المصادر العامة باللغة العربية أو الإنجليزية.
كتب جورج غارتنر قصّة "كنز القراصنة" متأثّرا برواية معاصره الأمريكي روبرت لويس ستيفنسون (Robert Louis Stevenson) "جزيرة الكنز" (Treasure Island)، التي تم نشرها لأول مرة في عام 1883. وقد استمدّت "كنز القراصنة" الكثير من عناصرها من مغامرات القراصنة التي لاقت شعبية في القرن التاسع عشر.
تسرد القصة حكاية طبيب هولندي على متن السفينة "ليتل دوك" التي تنحرف إلى كوبا بسبب عاصفة. يلتقي الطاقم بمجموعة من الصيادين الغامضين الذين يتضح لاحقًا أنهم قراصنة يهاجمون السفينة، ويُقتل معظم الطاقم بينما يقع الطبيب في الأسر.
يتظاهر الطبيب بعدم فهم الإسبانية، ما يساعده في البقاء على قيد الحياة، ويكتشف لاحقًا أن القبطان رامون أنقذه فقط من أجل مساعدته في فك شفرة مخطوطة قديمة تشير إلى كنز مفقود. تتحدث المخطوطة عن رحلة قرصان هولندي في القرن السادس عشر، ومغامراته في مواجهة الإسبان، وتحالفه مع الهنود الحمر، وانتهت قصته بإخفاء الكنز في جزيرة مجهولة.
يعمل الطبيب على فك الشفرة، ويقود القبطان إلى الجزيرة التي تمّ فيها إخفاء الكنز، حيث يخوضان مغامرة محفوفة بالمخاطر بحثًا عن الكنز. بعد جهد كبير، يعثران على الصليب المرجاني الذي يحدد مخبأ الكنز، ويبدآن الحفر حتى يجدان صندوقًا مليئًا بالذهب والجواهر. يعود القبطان إلى كوبا سرًا بالكنز، بينما يحصل الطبيب على مكافأة تمكنه من العودة إلى وطنه، راضيًا بمغامرته بدلًا من الثراء.
ولإن أصبحت "جزيرة الكنز" جزءا من الأدب الكلاسيكي ونقلت إلى لغات العالم كلّها، بما فيها اللغة العربيّة، فإنّ قصّة "كنز القراصنة" لم تنل حظّها من الإهتمام الذي يليق بها، وأعتقد أنّ هذه الترجمة هي النسخة العربيّة الأولى لكنز القراصنة.
فتحي البوكاري
الفصل الأول.
عندما كنت طبيبًا على متن السفينة الإنجليزية "ليتل دوك" المتّجهة إلى هافانا، كنت الهولندي الوحيد فوق ظهرها. في البداية سارت الرحلة في أجواء طيّبة، لكن عندما وصلنا إلى جزر البهاما فاجأتنا عاصفة قوية غيرت مسارنا بشكل حادّ، ممّا أدّى إلى اقترابنا كثيرا من المياه الضحلة قبالة سواحل كوبا، على بعد حوالي خمسة أميال من كروز ديل بادري، لقد كانت الأضرار التي لحقت بالسفينة جرّاء العاصفة جسيمة، إلى درجة عزمنا فيها على التّوجّه إلى أقرب ميناء يمكننا فيه إصلاح الأضرار، والعثور على مرشد بحري ماهر يقوم بتوجيه سفينتنا إلى مسارها الصحيح عبر هذه المياه غير المألوفة لنا.
في اليوم الرابع، عندما هدأت العاصفة قليلاً، اقتربنا من الساحل أمامنا، وأطلقنا إشارة استغاثة باستخدام طلقة من المدفع الوحيد الموجود على متن السفينة، والذي كان قديمًا ومتهالكًا إلى درجة أنه لو كان هناك إطلاق نار حقيقي، لكان خطره على مطلق النار أكبر من الهدف نفسه.
وبعد هذه الإشارة مباشرة، ظهر قارب على متنه رجال، بدا لي من مظهرهم أنهم صيادون. ومع ذلك فقد شعرت في البداية أن هؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد صيادين بسطاء مسالمين، ولكن بعد تفكير مُعمّق، تخليت عن هذه الفكرة، لأن سكّان سواحل كوبا لم يبدوا لطفاء على الإطلاق، ولذلك لم يكن هناك ما يدعو للشك في نواياهم.
أخبرونا، باستخدام خليط من الإسبانية والفرنسية والإنجليزية، أنهم يعيشون على الجزيرة من صيد الأسماك، وأن لديهم ما يكفي من الرجال وقوارب النجاة لتفريغ السفينة ونقل حمولتها عبر المياه الضحلة. فالجزيرة محاطة بالشعاب المرجانية، ولم يكن من الممكن المرور منها إلا من جهة واحدة. لذلك كان من المستحيل نقل السفينة بحمولتها الكاملة، وبما أن الحمولة كانت معرّضة للتلف، فقد نصحونا بتفريغ السفينة ثم إجراء الإصلاحات اللازمة. وبعد موافقة القبطان على اقتراحهم، اتفقوا معه على العودة بعد ساعتين لإعطائه الردّ النهائي بعد التشاور مع زملائهم.
مر الوقت، وكان القبطان واثقًا تمامًا من نجاح الاتفاق، فبدأ على الفور في اتخاذ جميع الترتيبات اللازمة للبدء في تفريغ الحمولة.
وبالفعل، انطلقت مجموعة من القوارب الجزيرة نحو سفينتنا. كانت الساعة تشير إلى الظهيرة، وكان من الواضح أن السفينة لم تكن قادرة على التقدّم أكثر. عندما صعد الغرباء على متن السفينة، بدوا وقحين وغير مهذبين. كنت أقف على سطح السفينة الخلفي، ولاحظت أنه بدا وكأن قراصنة اقتحموا سفينتنا بالقوة.
عقد القبطان اتّفاقا مع أحد هؤلاء الرجال، وهو شخص بدا مختلفًا تمامًا عن الصيادين الآخرين. كان شابًا قوي البنية ووسيما، بلحية بنية جميلة تشكل إطارًا حول وجهه الأسمر، وعينان داكنتان تلمعان في رأسه. بدا لي رجلًا مُعتادًا على القيادة، وما كانت مهنة الصيد لتلائمه على الإطلاق.
خلال ربع ساعة فقط، تم الاتفاق على كل شيء، وبدأ طاقم السفينة في تفريغ الحمولة. بطبيعة الحال لم تكن مثل هذه المهام من اختصاصي، فانتهزت الفرصة لإشباع فضولي بشأن هؤلاء الصيادين الغامضين. وعندما استعدّ الرجل الذي تفاوض مع القبطان للعودة إلى اليابسة، تقرر أن أُرافقه.
ركبت معه القارب، وسرعان ما وصلت إلى الشاطئ. وجدت كل شيء منظمًا، ولم يكن هناك ما يدعو للقلق، فبدأت مخاوفي وشكوكي تتلاشى.
كنت قد اتفقت مع القبطان على أنني سأكون حرًا في البقاء على اليابسة أو العودة إلى السفينة متى شئت. وعندما رأيت أن كل شيء على ما يرام، قررت البقاء على الشاطئ. لذلك، عاد إلى السفينة مساعد القبطان الثالث الذي رافقني إلى الجزيرة، ليحل محلّي في حال رغبت في عدم البقاء.
استمر تدفق القوارب المحملة بالبضائع إلى المخازن بلا انقطاع، حتى حلول المساء.
بينما كنت أفكر فيما إذا كان ينبغي لي قضاء الليل على الجزيرة أو العودة إلى السفينة، لاحظت أن قائد المكان كان يستعد للعودة إلى السفينة، فقررت مرافقته، حيث كان بإمكاني العودة لاحقًا مع أول شحنة بضائع. لم يمنعني أحد من ذلك، وكنت على وشك ركوب القارب عندما تعثرت في حبل المرساة وسقطت على الأرض. أطلقت شتيمة هولندية عريضة ونهضت بسرعة. في تلك اللحظة، تقدم إلي قائد المكان وسألني بلهجة مهذبة، الأمر الذي أدهشني كثيرًا: "دكتور، هل أنت هولندي؟"
فأجبته بدهشة: "نعم"
ثم سأل وهو يشير إلى السفينة بيده: "هل هناك هولنديون آخرون على متن السفينة؟".
"لا، أنا الهولندي الوحيد على متنها."
توقف الرجل للحظة كما لو كان يفكر بعمق، ثم قال فجأة:
"أعتقد أنه من الأفضل لك البقاء هنا وعدم العودة إلى السفينة. جميع رجالي هناك الآن، ولم يبق أحد هنا. بالإضافة إلى ذلك، هذه آخر شحنة لهذا المساء، وأنا ذاهب فقط للتشاور مع القبطان حول الوقت الذي سنبدأ فيه العمل صباحًا."
أجبته: "كما تريد. ولكن تأكد من إرسال قاربنا ليقلني لاحقًا."
وعدني بذلك، ثم دفع القارب بعيدًا عن الشاطئ.
عدت إلى المخزن غارقًا في أفكاري. هل يمكن أن يكون هذا الرجل هولنديًا؟ لا، هذا مستبعد. صحيح أنه تحدث بلغتنا، لكن لكنته تشير بوضوح إلى أنه أجنبي. هل كان يشعر بتعاطف خاص تجاه الهولنديين؟ بالنظر إلى سلوكه وتصرفاته، قد يفترض المرء ذلك.. لكن لم أتمكن من استخلاص استنتاجات واضحة.
حين وصلت إلى المستودع، كانت السماء قد أظلمت تمامًا، ووجدت نفسي غارقًا في شعور غريب من القلق. تخيلوا أنني كنت في مكان غريب تمامًا، وبحلول الليل، بعد يوم مليء بالأحداث المقلقة، وهو أمر لم أكن معتادًا عليه. بدأت أتجول داخل المستودع، ثم خرجت مرة أخرى، وكنت لا أزال أشعر بقلق غامض. وفجأة، انتبهت إلى صوت بعيد—هل كان هناك شخص ما يصرخ طلبًا للمساعدة؟
حبست أنفاسي وأنصت جيدًا، فسمعت ضجّة صاخبة وصوت صرخات استغاثة متكررة. كانت الضوضاء تأتي من اتجاه السفينة، فانطلقت بجنون نحو مكان القوارب بأسرع ما يمكن!
(يتبع)
#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)
Boukari_Fethi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟