هدى زوين
كاتبة
(Huda Zwayen)
الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 18:24
المحور:
الادب والفن
العراق ليس مجرد جغرافيا مرسومة على خرائط العالم، او اسم تتناقله الألسن في نشرات الأخبار. العراق هو الحكاية الأولى التي سطّرها الطين، وهو المهد الذي وُلِدَت فيه الكتابة، والرافدان اللذان سقيا البشرية منذ فجر الحضارة. هو الأرض التي احتضنت سومر وأور وبابل، وهو المعجزة التي خطّت على ألواحها أول حروف الإنسان، فكانت فجرًا للبشرية جمعاء.
لكن العراق ليس فقط أرض الحضارات، بل هو الروح التي تتلبس أبناءه، هو الحنين الذي يوقظ فيهم نار العشق أينما حلّوا. هو الحزن الممزوج بالكبرياء، وهو الجرح الذي لا يزيده الزمن إلا صلابة. في العراق، ينهض الناس من بين الركام كما ينهض العنقاء من رماده، يبتسمون رغم ثقل الأوجاع، ويتبادلون الخبز والملح كما يتبادلون الحب.
وحين أقول بغداد، فإنني لا أنطق مجرد اسم، بل أنادي تاريخًا يملؤه الحنين، ومدينةً تنام على صدر دجلة كأنها حلمٌ مؤجلٌ لا يستيقظ. بغداد ليست مدينة فقط، بل هي كيان حيّ، تنبضُ تحت جلدها الحكايات، وتسري في شوارعها أصوات من عبروا وتركوا أثرهم فيها.
هي بغداد التي ما زالت تحرس لياليها بقناديل الماضي، وترتل حزنها على أرصفة المقاهي، حيث الشاي بطعم الذكريات، وحيث القصائد تمشي حافيةً بين أزقتها القديمة. بغداد التي عانقت الخلفاء والعلماء، والتي بكت على ضفافها الحروب، ولكنها لم تستسلم، لأنها ببساطة، لا تعرف الاستسلام.
في كل حجرٍ في بغداد، هناك قصة، وفي كل زاويةٍ هناك ظلٌّ لعاشقٍ عبر يومًا، ترك نظراته معلقةً في هواء المدينة ورحل. بغداد، التي مهما حاولتَ الهروب منها، ستجدها تسكن قلبك، في نبرة صوتك، في الحنين الذي يطرق بابك كلما مررتَ بنهرٍ يشبه دجلة، أو سمعتَ صوتًا يهمس باسمها.
العراق ليس وطنًا يُنسى، ولا مدينة تُمحى من القلب. هو العشق الأول، والجرح الأخير. هو الأرض التي، رغم كل ما مرّ بها، تنبتُ فوق رمادها حياة، وينهض من جراحها فجرٌ جديد. من عاش في العراق، حمله معه أينما ذهب، ومن عرف بغداد، ترك قلبه في طرقاتها القديمة، حيث لا تزال الأرواح تمشي، تُرددُ في صمتٍ اسمها الأبدي: بغداد...
#هدى_زوين (هاشتاغ)
Huda_Zwayen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟