فراس هوض
الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 00:01
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
النظرية الرجالية ... الرجال مضطهدون أيضا
النظرية الرجالية: إطار نقدي لتحليل التمييز ضد الرجل
لطالما كان النقاش حول قضايا الجندر مركزاً على الظلم الذي تتعرض له النساء في ظل النظم البطريركية التقليدية، مما أدى إلى ظهور حركة النسوية كقوة نقدية أساسية. ومنذ أعمال جوديث بتلر (Butler, 1990) وأبحاث كونيل (Connell, 2012)، أصبحنا ندرك أن الهوية الجندرية تُبنى اجتماعياً وثقافياً ولا تعتمد فقط على الخصائص البيولوجية. إلا أن هذا التركيز على معاناة النساء ترك فجوة معرفية فيما يتعلق بمصير الرجل. فقد ظل الرجل، الذي كان يُعتبر سابقاً رمزًا للسلطة والقوة، عالقًا في نموذج رجولي تقليدي يفرض عليه التمسك بصفات الصلابة والقوة، دون الاعتراف بمعاناته النفسية والاجتماعية الناتجة عن تلك المتطلبات.
في السنوات الأخيرة، ومع صعود الحركات النسوية والتحولات الاجتماعية العميقة، بدأت تظهر أسئلة حول طبيعة الرجولة في العصر الحديث. هل لا يزال الرجل يستفيد بالكامل من النظام البطريركي؟ أم أن هناك نوعاً من الاضطهاد الذي يتعرض له الرجل نتيجة لصدام قيم الجندر التقليدية مع متطلبات العصر الحديث؟ هذا المقال يهدف إلى تقديم "النظرية الرجالية" كنموذج فكري مستقل يُعيد قراءة هذه القضية من خلال تحليل تاريخي وثقافي عميق، واستقصاء أبعاد التمييز ضد الرجل في سياق مجتمع هجين يجمع بين قيم البطريركية التقليدية ونموذج الأمومة الحديثة.
سنسعى في هذه الورقة إلى استعراض التطورات التاريخية التي أدت إلى تكوين الهوية الذكورية، وكيف أن التحولات الاجتماعية أدت إلى ظهور ما يمكن تسميته بـ"التمييز المزدوج" ضد الرجل. كما سنتناول تأثير هذه الظاهرة على مجالات عدة، منها الأسرة والعمل والتعليم والصحة النفسية والإعلام، مع تقديم مقترحات إصلاحية من شأنها تعزيز العدالة الجندرية الشاملة.
(Butler, 1990؛ Connell, 2012؛ Kimmel, 2008).
النظرية الرجالية
يمكن تعريف النظرية الرجالية على أنها إطار فكري نقدي يهدف إلى إعادة قراءة موقع الرجل في النظم الاجتماعية الحديثة، ليس فقط بوصفه مستفيدًا من النظام البطريركي، بل أيضًا كضحية لأنماط جندرية مفروضة تُقيّد خياراته وتحد من قدرته على التعبير عن إنسانيته. تعتمد هذه النظرية على فكرة أن الهوية الذكورية ليست طبيعية أو فطرية، بل هي ناتجة عن عمليات بناء اجتماعي وثقافي تكررت عبر التاريخ. وفي هذا السياق، يشمل تحليل النظرية الرجالية:
تفكيك الصورة النمطية للرجولة التقليدية التي تربط الرجل بالقوة والصلابة.
تحليل التمييز القانوني والاجتماعي الذي يتعرض له الرجل في مختلف مجالات الحياة.
إعادة صياغة مفهوم الرجولة لتصبح أكثر تنوعًا وشمولاً، بحيث تعكس التجارب الفردية للرجال في مواجهة الضغوط الاجتماعية والنفسية.
(Connell, 2012؛ Kimmel, 1994).
الجندر كبناء اجتماعي
تؤكد النظرية الرجالية على أن الجندر هو بناء اجتماعي وثقافي يتشكل عبر تفاعل معقد بين العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية. وقد ساهمت النظرية النسوية في إثبات أن الجندر ليس سوى "أداء" متكرر (Butler, 1990)، لكن النظرية الرجالية تتجاوز هذا المفهوم بتفسير كيف أن هذه العملية تؤدي إلى خلق صورة نمطية للذكورة تفرض على الرجل أدوارًا محددة وتحد من خياراته.
وهكذا، يصبح من الضروري دراسة كيفية تشكل الهوية الذكورية عبر الزمن وكيفية تأثيرها على سلوكيات الرجل ومواقفه في المجتمع.
التراكم التاريخي للتمييز ضد الرجل
في سياق النظم البطريركية التقليدية، كان يُنظر إلى الرجل على أنه الفاعل الأساسي للسلطة، ومع ذلك كان معرضاً لآثار سلبية كثيرة نتيجةً لتلك الصورة المثالية التي تتطلب منه تحمل المسؤولية دون أي مجال للإفصاح عن الضعف. فبينما يتم تمجيد الرجل كرمز للقوة في الخطابات السياسية والعسكرية، فإن القيم الاجتماعية كانت تُلزم الرجال بصمتٍ وحزم، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الضغط النفسي والانتحار بينهم (Pleck, 1981).
(Butler, 1990؛ Connell, 2012؛ Pleck, 1981).
الخلفية التاريخية والاجتماعية لاضطهاد الرجال
الرجل في المجتمعات القديمة: النظام البطريركي التقليدي
كان النظام البطريركي في المجتمعات القديمة يضع الرجل في موقع السيطرة الكاملة، حيث كانت الأدوار الاجتماعية محددة بشكل صارم. في هذه النظم، كان يُتوقع من الرجل أن يكون المحارب والمزود للأسرة، وفي ذات الوقت أن يتحمل مسؤوليات ضخمة في السياسة والاقتصاد.
في الإمبراطورية الرومانية، كان التجنيد الإجباري جزءًا لا يتجزأ من النظام العسكري، حيث كان يُعتبر الشاب رمزًا للتضحية الوطنية (Goldsworthy, 2003). وفي المجتمعات القبلية، كانت الصيد والحرب هما المجالان الرئيسيان للرجال، مما جعلهم يعيشون في ظروف من العنف المستمر والصراعات التي تؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية (Keegan, 1998).
آثار النظام البطريركي على الرجل
على الرغم من أن النظام البطريركي منح الرجال صورة السلطة والقيادة، إلا أنه كان يحمل لهم أعباءً ثقافية ونفسية:
كبت المشاعر: كانت الثقافة التقليدية تُفرض على الرجال ضرورة إخفاء المشاعر والضعف، مما أدى إلى بناء جدار نفسي يُمنعهم من التعبير عن أنفسهم بحرية (Pleck, 1981).
الضغوط الاقتصادية والعسكرية: كان يُتوقع من الرجل أن يكون المعيل الأساسي وأن يشارك في الحروب، مما جعلهم يتحملون مخاطر جسدية ونفسية كبيرة.
هذه الضغوط ساهمت في ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال وتفاقم مشاكل الصحة النفسية لديهم (Hobsbawm, 1995).
التحول إلى المجتمعات الحديثة والهجينة
مع ظهور الحركات النسوية والحداثة، بدأت تتغير الأنماط الاجتماعية تدريجيًا:
التحولات الاقتصادية: مع الثورة الصناعية، انتقل الرجل إلى مجالات العمل الحديثة، ولكن في ظل ظروف عمل قاسية أدت إلى استنزاف جسدي ونفسي.
النظام الاجتماعي الهجين: بدأت تظهر مؤشرات على تحول المجتمع من نموذج بطريركي تقليدي إلى نموذج هجين يجمع بين قيم الأمومة وبعض مظاهر النظام البطريركي. فقد حصلت المرأة على حقوق سياسية واقتصادية، ما أدى إلى إعادة توزيع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين (Butler, 1990؛ Connell, 2012).
هذا التحول خلق حالة من الازدواجية في الضغوط، حيث يجد الرجل نفسه مطالبًا بالحفاظ على صفات الرجولة التقليدية مع مواجهة مطالب جديدة بتبني صفات أكثر عاطفية وإنسانية (Williamson, 1996).
مظاهر الاضطهاد ضد الرجال في العصر الحديث
1-التمييز القانوني والمؤسسي
قوانين الأسرة والحضانة
تُظهر العديد من الدراسات أن قوانين الحضانة في حالات الطلاق تميل إلى منح الأم الحق الأساسي في رعاية الأطفال:
وفقًا لدراسة من المعهد الوطني للقانون (2017)، تقل نسبة الرجال الذين يحصلون على حضانة كاملة عن النساء بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة (Robinson, 2008).
في الأردن و دول أخرى، تُفرض قوانين الأحوال الشخصية قيودًا على حقوق الرجال في الحضانة، حيث تُفضل الأم حتى بعد سن معينة، فيما يُحمل الرجل عبء النفقة دون ضمان مشاركة فعّالة في تربية الأولاد (قانون الأحوال الشخصية الأردني، 2010).
2-الخدمة العسكرية الإلزامية
يُفرض في العديد من الدول الخدمة العسكرية الإلزامية على الرجال دون تقديم خيارات بديلة:
في دول مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل، يُعتبر التجنيد إلزاميًا للذكور، مما يضع عبئًا جسديًا ونفسيًا إضافيًا على الرجال مقارنة بالنساء اللواتي تُمنحن إعفاءات أو خيارات بديلة (Levy, 2007).
3-التمييز في مجالات العمل والاقتصاد
ضغوط العمل والتوقعات المهنية
على الرغم من التفوق الظاهري للرجال في بعض المجالات الاقتصادية، فإن التمييز يظهر في شكل ضغوط مهنية:
يُتوقع من الرجال أن يتحملوا الأعباء الاقتصادية بمفردهم، في حين يُعفى النساء من بعض هذه الضغوط في مجالات معينة.
في الوظائف التي تتعلق بالرعاية الاجتماعية أو التعليم، تُعتبر المرأة أكثر ملاءمة بسبب التصورات النمطية، مما يؤدي إلى خفض فرص الرجال في هذه القطاعات (Healy, 2014).
فجوة الأداء والتسويق المهني
تشير الدراسات إلى أن الأنظمة التعليمية والاجتماعية الحديثة قد أدت إلى انخفاض التحصيل الأكاديمي في صفوف الذكور مقارنة بالإناث في بعض الدول الغربية، مما يؤثر على فرصهم المهنية:
دراسة من فرانسيس (Francis, 2005) تظهر أن الذكور يعانون من معدلات تسرب دراسي أعلى مقارنة بالفتيات.
وهذا يؤدي إلى تفاقم التمييز في سوق العمل، حيث تُعتبر قدرات الذكور أقل تنافسية في بعض القطاعات (UNESCO, 2018).
التمييز في الصحة النفسية والرعاية الاجتماعية
الضغوط النفسية ومعدلات الانتحار
تشير الإحصائيات إلى أن الرجال يعانون من معدلات انتحار أعلى بكثير من النساء:
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية (WHO, 2021)، تكون معدلات الانتحار بين الرجال ثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك الموجودة بين النساء.
تُعزى هذه الظاهرة إلى الضغوط النفسية الناتجة عن التوقعات الاجتماعية، والتي تمنع الرجال من التعبير عن مشاعرهم أو طلب المساعدة (Mahalik et al., 2003).
نقص الدعم الاجتماعي والرعاية النفسية
تُظهر أبحاث الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA, 2015) أن الرجال أقل احتمالاً لطلب الدعم النفسي بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بظهور الضعف العاطفي، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل الصحة النفسية لديهم.
التمييز في الإعلام والثقافة
تشكيل الصورة النمطية للرجولة
تلعب وسائل الإعلام دوراً أساسياً في تشكيل مفاهيم الرجولة:
يُظهر التحليل الإعلامي أن نسبة كبيرة من الشخصيات الرجالية في الإعلانات والأفلام تُصور على أنها قاسية وغير عاطفية، مما يُعزز من صورة الرجل ككائن لا يعبر عن مشاعره (Kilbourne, 1999؛ Goffman, 1979). هذه الصور النمطية تؤثر سلبًا على الرجال، حيث يُفرض عليهم تقليد تلك النماذج، مما يُحد من حرية التعبير عن الذات.
الإعلام والوصمة الاجتماعية
يُساهم الإعلام في تعزيز وصمة العار لدى الرجال عند التعبير عن مشاعرهم أو طلب المساعدة النفسية:، دراسات إعلامية تشير إلى أن الرجال الذين يُظهرون ضعفاً أو عاطفة يُصنفون ضمن فئة "الضعفاء" مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم (Kilbourne, 1999).
نقد الخطاب الجندري وتفاعل النظرية النسوية والرجالية
إسهامات النظرية النسوية
بدأت النظرية النسوية في تفسير الظلم الاجتماعي من خلال تحليل المجتمع البطريركي وتحديد أوجه التمييز التي تتعرض لها النساء. فقد أثرت أعمال جوديث بتلر (Butler, 1990) في إعادة صياغة مفهوم الجندر باعتباره أداءً اجتماعيًا متكررًا، مما مهد الطريق لفهم أن الهوية ليست ثابتة، بل تتشكل من خلال التفاعل الاجتماعي والثقافي.
حدود النظرية النسوية في شرح حالة الرجل
على الرغم من الإنجازات التي حققتها النظرية النسوية، إلا أنها غالبًا ما تركز على معاناة النساء في مواجهة النظام البطريركي دون التعمق الكافي في تجربة الرجال.
يرى بعض الباحثين مثل Williamson (1996) أن التركيز الأحادي على الظلم ضد النساء أدى إلى إغفال الجوانب التي يعاني منها الرجال نتيجة لفرض صورة رجولية تقليدية.
وبذلك، تبرز الحاجة إلى النظرية الرجالية، التي تُعيد قراءة المفاهيم الجندرية لتشمل التمييز ضد الرجل من خلال منظور تاريخي واجتماعي معاصر.
بناء النظرية الرجالية كنموذج تحليلي مستقل
تسعى النظرية الرجالية إلى:
إعادة تعريف الرجولة: لا تقتصر على القوة والتحكم، بل تشمل القدرة على التعبير عن العاطفة والمرونة النفسية.
تفكيك الصورة النمطية: التي تُفرض على الرجل في إطار النظم البطريركية التقليدية والتي لا تتيح له إظهار جوانب إنسانيته.
تحليل التمييز المزدوج: الذي يتعرض له الرجل في ظل المجتمع الهجين، حيث تتداخل مطالب النظام الأبوي مع توقعات النموذج الأمومي الحديث. (Butler, 1990؛ Connell, 2012؛ Williamson, 1996).
الفصل الخامس: دور وسائل الإعلام والثقافة في تشكيل الرجولة
ل وسائل الإعلام الدور الأبرز في إعادة إنتاج الصور النمطية، وتشكل وسائل الإعلام جزءًا أساسيًا من الثقافة، وتلعب دورًا محوريًا في صياغة مفاهيم الرجولة. و تُظهر الدراسات أن 65% من الصور الرجالية المعروضة في الإعلانات والأفلام تتضمن نماذج تقليدية ترتكز على القوة والعنف (Kilbourne, 1999).وهذا يؤدي إلى تعزيز توقعات اجتماعية تقيد الرجال في إطار معين، مما يُضعف من قدرتهم على التعبير عن جوانبهم العاطفية.
الإعلام والوصمة الاجتماعية
يُساهم الإعلام في ترسيخ وصمة العار حول الرجال الذين يُظهرون أي شكل من أشكال الضعف:
وفقًا لدراسة أُجريت في جامعة كاليفورنيا (2010)، فإن الرجال الذين يُظهرون تعبيرات عاطفية يُنظر إليهم غالبًا على أنهم غير "رجوليين" مما يُحفزهم على كبت مشاعرهم.
هذا النوع من التمثيل الإعلامي يساهم في زيادة معدلات الاكتئاب والانتحار بين الرجال (Goffman, 1979).
تحديات الهوية الرجولية في المجتمعات الحديثة
أزمة الهوية الرجولية
مع تغير الأدوار الاجتماعية وتزايد الدعوات للمساواة بين الجنسين، يجد الرجل نفسه في مواجهة أزمة هوية، حيث يطلب منه الحفاظ على صورة الرجل القوي التقليدي وفي الوقت ذاته أن يكون حساسًا وعاطفيًا.
ان هذا الصراع الداخلي يؤدي إلى شعور متزايد بالضغط النفسي ويُثير تساؤلات حول ماهية الرجولة الحقيقية في العصر الحديث (Kimmel, 2008).
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
يواجه الرجال تحديات اقتصادية واجتماعية تتجلى في:
العمل والحياة المهنية: حيث يُتوقع من الرجل أن يكون المُعيل الرئيسي، حتى في ظل التحولات التي تُعزز دور المرأة.
النظام التعليمي: تشير بعض الدراسات إلى أن الفتيان يُظهرون معدلات تسرب دراسية أعلى نتيجة للتوقعات الاجتماعية التي تُعزز النمط التقليدي للذكورة (Francis, 2005؛ UNESCO, 2018).
الضغط الاجتماعي والتفاوت في الرعاية الاجتماعية
يواجه الرجال ضغوطًا اجتماعية كبيرة للحفاظ على دورهم في الأسرة والمجتمع، مما يؤدي إلى تقليل فرصهم في الحصول على الدعم الاجتماعي والنفسي.
يؤدي هذا الضغط إلى معدلات أعلى من الاكتئاب والانتحار بينهم، كما تشير بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO, 2021) إلى أن الرجال يمثلون النسبة الأكبر من حالات الانتحار عالميًا.
مقارنة دولية وحالات دراسية
مقارنة بين المجتمعات الغربية والشرقية
تختلف صور الرجولة والتمييز ضد الرجال بين المجتمعات:
في المجتمعات الغربية، هناك توجه متزايد نحو إعادة تعريف الرجولة بشكل يدمج بين القوة والمرونة العاطفية، ولكن الرجال ما زالوا يواجهون تحديات كبيرة في مجالات الصحة النفسية والتعليم (UNESCO, 2018).
في المجتمعات الشرقية، مثل الدول العربية، لا تزال الأنماط التقليدية أكثر رسوخًا، مما يؤدي إلى تقليل فرص الرجال في التعبير عن مشاعرهم وتلقي الدعم الاجتماعي، خاصة في ظل القوانين الأسرية الصارمة (قانون الأحوال الشخصية الأردني، 2010).
الولايات المتحدة والأردن
الولايات المتحدة:
تُظهر الإحصاءات أن الرجال في الولايات المتحدة يواجهون صعوبة في الحصول على الحضانة الكاملة بعد الطلاق، مما يؤثر على دورهم الأبوي ويسهم في شعورهم بالعجز (National Law Institute, 2017).
كما تشير الدراسات إلى ارتفاع معدلات الانتحار بين الرجال، نتيجة للضغوط الاجتماعية والتوقعات النمطية (WHO, 2021).
الأردن:
في الأردن، تُظهر القوانين الأسرية تفاوتًا واضحًا في حقوق الحضانة والنفقة، حيث تُفضل غالبًا الأم على الأب، مما يؤدي إلى إقصاء الرجل من دوره التربوي رغم مسؤوليته المالية (قانون الأحوال الشخصية الأردني، 2010).
هناك أيضًا حملات ومبادرات محدودة مثل حملة "حَكَم" التي أُطلقت في بعض الأحيان للتعبير عن مطالب حقوق الرجل، على الرغم من أن هذه المبادرات لا تزال محدودة النطاق (Albilad Press, 2021).
مقترحات وحلول عملية
إصلاح التشريعات القانونية
تدعو النظرية الرجالية إلى مراجعة شاملة لقوانين الأسرة والحضانة والنفقة بحيث تُمنح الحقوق للرجال بشكل متساوٍ:
تعديل قوانين الحضانة بحيث تُراعى مصلحة الطفل مع ضمان حقوق الأب في الرعاية.
إعادة النظر في نظام النفقة بحيث يتم تحديدها وفقاً للظروف الاقتصادية الحقيقية لكلا الطرفين. (المعهد الوطني للقانون, 2017).
برامج دعم الصحة النفسية والاجتماعية
توصي النظرية بتأسيس مراكز دعم نفسي مخصصة للرجال:
إطلاق حملات توعية تهدف إلى تشجيع الرجال على طلب المساعدة دون وصمة عار.
توفير خدمات استشارية متخصصة تتعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن الأدوار الجندرية. (APA, 2015؛ WHO, 2021).
إعادة تشكيل التصوير الإعلامي للرجولة
يجب على وسائل الإعلام والفنانين تبني نموذج جديد للرجولة، وانتاج محتوى إعلامي يُبرز رجولة متعددة الأبعاد تجمع بين القوة والمرونة العاطفية.
تشجيع النقاشات العامة التي تُعيد النظر في الصور النمطية وتعزز من تقدير الإنسانية المتكاملة لكل من الرجال والنساء. (Kilbourne, 1999؛ Goffman, 1979).
تحديث المناهج التعليمية
تستدعي التغييرات الاجتماعية إدخال مفاهيم جديدة في المناهج التعليمية:
تضمين دورات دراسية في العلوم الاجتماعية تركز على دراسات الجندر والنظرية الرجالية.
تعزيز الوعي بين الطلاب حول أهمية احترام التنوع الجندري وإعادة تعريف الأدوار الاجتماعية بشكل يعكس الواقع المتغير. (Francis, 2005؛ UNESCO, 2018).
أخيرا ..ان "النظرية الرجالية" تُعدّ خطوةً ضرورية لإعادة صياغة الخطاب الجندري بشكل شامل يُعترف فيه بأن الرجال ليسوا مجرد فاعلين في النظام البطريركي، بل هم أيضًا ضحايا لأنماط اجتماعية متناقضة. من خلال التحليل التاريخي والثقافي للنظم الاجتماعية القديمة والحديثة، نجد أن الرجال يواجهون تحديات متعددة تنبع من:
تراكم الأدوار التقليدية التي كانت تُفرض عليهم في العصور القديمة.
التحولات الاجتماعية الحديثة التي أدت إلى ظهور نموذجٍ هجين يجمع بين قيم البطريركية والأمومة.
الضغوط القانونية والاقتصادية والإعلامية التي تقيد من قدرة الرجل على التعبير عن جوانبه الإنسانية.
لقد هدفت هذه الورقة إلى تقديم نموذج نظري متكامل، يمكن من خلاله فهم الاضطهاد ضد الرجل على أنه ظاهرة معقدة متعددة الأبعاد، لا تُختزل في إطار بسيط من الصراع بين الجنسين، بل تحتاج إلى إعادة تقييم شاملة للنظم الاجتماعية والثقافية القائمة. كما تُشير الورقة إلى ضرورة تبني سياسات وإصلاحات قانونية تعزز من العدالة الجندرية، بحيث تُراعى حقوق الجميع وتُعطى الفرصة لكل فرد أن يعيش وفقًا لإنسانيته دون قيود نمطية جامدة.
وفي النهاية، تُعتبر "النظرية الرجالية" إضافةً علمية مهمة تساهم في توسيع دائرة النقاش حول العدالة الجندرية، حيث إنها:
تُبرز التمييز ضد الرجل في مختلف المجالات (الأسرة، العمل، التعليم، الصحة النفسية، والإعلام).
تُظهر كيف أن النظام الاجتماعي الحديث، الذي يتشكل من تداخل أنماط البطريركية والأمومية، يُفرض على الرجل أدواراً متناقضة تؤدي إلى ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة.
تدعو إلى إصلاحات مجتمعية وقانونية تهدف إلى تحقيق مساواة شاملة تأخذ بعين الاعتبار كافة أبعاد الهوية الإنسانية.
إن الطريق نحو تحقيق العدالة الجندرية لا يمكن أن يكتمل دون فهمٍ متوازن لقضايا الرجال والنساء معًا، حيث إن التحرر الحقيقي يتطلب أن يكون لكل فرد الحق في التعبير عن نفسه دون أن يُكبس أو يُحكم عليه بالنمطيات التقليدية. إن "النظرية الرجالية" التي عرضناها تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق ذلك الهدف.
وفي الختام، فقد قدمت في هذا المقال محاولةً جادةً لتأسيس "النظرية الرجالية" كإطار فكري نقدي مستقل، يُعيد النظر في واقع الرجال في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية المعاصرة. من خلال استعراض الخلفيات التاريخية، وتحليل التمييز في المجالات القانونية والاقتصادية والتعليمية والصحية، وتقييم تأثيرات وسائل الإعلام على صياغة الهوية الرجولية، يتضح أن الرجال يواجهون تحديات مركبة تُظهر أن التمييز ضدهم هو ظاهرة متعددة الأبعاد. إن تحقيق العدالة الجندرية الشاملة يتطلب منا النظر إلى كل فرد باعتباره إنسانًا يمتلك حقوقًا متساوية، بعيدًا عن القيود النمطية التي أُفرِضت عليه عبر التاريخ.
إن "النظرية الرجالية" التي تم طرحها هنا لا تهدف إلى خلق صراع جديد بين الجنسين، بل تسعى إلى توسيع الحوار حول العدالة والمساواة ليشمل جميع الأطراف، وتقديم رؤية شاملة تتجاوز الانقسام التقليدي بين "المظلوم" و"المهيمن". ومن خلال تبني مقترحات الإصلاح في النظم القانونية والتعليمية والإعلامية والصحية، يمكننا أن نخطو خطوةً نحو مجتمع أكثر عدالة وإنسانية.
اعداد الباحث :فراس عوض
متخصص في دراسات الجندر
المراجع
1. Butler, J. (1990). Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. Routledge.
2. Connell, R. (2012). The Men and the Boys. Cambridge: Polity Press.
3. Kimmel, M. (1994). Masculinities. University of California Press.
4. Kimmel, M. (2008). Guyland: The Perilous World Where Boys Become Men. Harper.
5. Isherwood, L. (1985). Patriarchy and the Family: A Comparative Study of Gender Inequality in Modern Societies. Sage Publications.
6. Pleck, J. H. (1981). The Myth of Masculinity. MIT Press.
7. Goldsworthy, A. (2003). The Complete Roman Army. Cassell.
8. Keegan, J. (1998). The Face of Battle. Viking.
9. Hobsbawm, E. (1995). The Age of Extremes: The Short Twentieth Century, 1914-1991. Michael Joseph.
10. Williamson, B. (1996). The Struggle for Masculinity: How Men Can Break Free from Society’s Traditional Roles. Oxford University Press.
11. Kilbourne, J. (1999). Can t Buy My Love: How Advertising Changes the Way We Think and Feel. Free Press.
12. Goffman, E. (1979). Gender Advertisements. Harper & Row.
13. National Law Institute. (2017). Divorce, Custody, and Gender: A Critical Analysis of Family Law. National Law Journal.
14. UNESCO. (2018). Global Education Monitoring Report 2018: Gender Review. UNESCO.
15. Mahalik, J. R., Burns, S. M., & Syzdek, M. (2007). Masculinity and perceived normative health behaviors as predictors of men’s health behaviors. Social Science & Medicine, 64(11), 2201–2209.
16. American Psychological Association. (2015). The Psychological Toll of Traditional Masculinity: A Survey of Men and Mental Health. APA Publications.
17. World Health Organization (WHO). (2021). Mental Health in Men and Boys: Challenges and Interventions. Geneva: WHO.
18. Francis, B. (2005). Boys, Girls, and Achievement: Addressing the Gender Gap in Education. Routledge.
19. Velasco, O. (2007). Gender in Transition: From Patriarchy to Matriarchy and Beyond. Cambridge University Press.
#فراس_هوض (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟