أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي















المزيد.....


المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 23:21
المحور: الادب والفن
    


الأدب الجيد هو الأدب الذي يمرر/يوصل الأفكار بطريقة ناعمة/هادئة بعيدا عن المباشرة والصوت العالي، وهو الذي يمكن تناوله في جلسة واحدة، وهو الذي يأتي بلغة سلسة وسهلة، وهو الذي يتناول المرأة ويعطيها دورها، أعتقد أن قراءة رواية في هكذا أوضاع ـ العدوان الصهيوني على غزة والتخاذل والتآمر العربي والإسلامي والدولي ـ يعد عملا خارقا يحسب لكاتبه، ومن هنا يمكننا القول إن رواية "عين التينة" رواية ناعمة وسلسة رغم تناولها أحداثا ومواضيع قاسية ومكان تم احتلاله وما زال المحتل يمارس فيه دوره كاحتلال.
العديد من الأدباء الفلسطينيين يهتمون بالمكان، ويعطونه حقه من التفاصيل، حتى أن بعضهم جعله أحد أبرز بطل الرواية روايات، وهذا ما فعله صافي صافي في رواية "الباطن"، وها هي رواية "عين التينة" جاءت لتؤكد أن المكان بالنسبة للفلسطيني جزء من ذاته ومن وجوده.
الرواية تتحدث عن رحلة يقوم بها السارد مع "حنان" التي أحبها أيام الشباب إلى منطقة بيسان وجولان، وأثناء الرحلة يتم تناول العديد من الأمور، المكان، الأحداث الماضية وكيف تم تهجير الفلسطينيين من قبل العصابات الصهيونية، الواقع الآن وكيف يتم صهينة اليهود وإغراقهم في العنصرية، وبما أن المنطقة محاذية للحدود السورية الفلسطينية فقد تم الحديث عن بعض القرى السورية التي احتلت عام 1948.
الرواية والسارد
فكرة الرواية قائمة على رحلة إلى منطقة بيسان، من هنا استعان السارد بأغنيتين ليعطي جمالية للأحداث، فكانت "خذوني إلى بيسان" لفيروز، وأغنية "كن صديقي" لماجدة الرومي، وهما يتناسبان تماما مع طبيعة الرواية وشخصياتها ففي أغنية فيروز أعادنا السارد إلى طبيعة بيسان الهادئة والجميلة، وأعدانا إلى أرضنا التي أحلت عام 1948، فالأغنية رغم ما فيها من ثورية، إلا أنها أغنية ناعمة وهادئة، وهذا أنعكس على الرواية وطريقة تقديمها، والأغنية الثانية أعطت الرواية بعدا رومنسيا/إنسانيا، وهذا أيضا أسهم في هدوء ونعومة الرواية.
أما السارد فنجده رجل (حيادي) حيث تجاوز الستين عاما/ ولم يعد له رغبة في الملذات والشهوات والصراعات، لهذا هو رجل شبع من الحياة ولم يعد يثُار/ينفعل، بعد أن (استسلم) للواقع، من هنا وجدناه يقودنا إلى قصيدة "لست أدري" لايليا أبو ماضي:
"ـ نصف الكلام
ـ ننساه أو نتذكره، نذكره وننساه؟
ـ أي منها؟
ـ إنه مختلط تذكر بعض ما نسيناه، وننسى بعض ما ذكرناه.
أعيش منذ أربعين عاما، في الوطن، في رام الله، وهي في المنفى، لماذا افترقنا؟ لماذا تواصلنا؟ لماذا التقينا؟... تخفق المشاعر يوما، أيام، ثم تشتعل من جديد أكثر تدفقا، تأتيني في الليل، في الأحلام، فلا تسكن، ولا تندثر، لماذا؟ لست أدري، أتعرفين يا حنان، بأن أفضل إجابة هي: لست ادري؟ لا أقصد قصيدة الشاعر بل أقصد جوهر العبارة" ص16، اللافت في هذا المشهد أنه يعطينا صورة واضحة عن طبيعة السارد، حيث تحدث عن نفسه (ككاتب) وكشف علاقته بالرواية، فرغم أنه يخفي اسمه في الرواية، إلا أن هذا المقطع يشير إلى أن السارد هو صافي صافي، ويتحدث عن نفسه، وعن رحلته إلى بيسان والجولان، وعن حبه الأول، وها هو يبدي مشاعره تجاه الماضي والواقع بعد أن تجاوز الستين عاما.
حالة الوسط/الوسطية التي تجعله لامبالي تجاه الحياة نجدها في قوله: "وأجد نفسي مرات مع أزرق الأمم المتحدة، ومرات ضدها، ومرات أخرى أجد نفسي محايدا، لا لون لي" ص89، وهذا ما يعطينا صورة واضحة عن طبيعة السارد، وعن عدم تناوله (انفعالات) لقاءه بالمكان، أو طريقة تعامل الاحتلال معه ومع رفاقه في الرحلة، فقد كان لا مباليا/مسلم بالواقع ، كرجل يقضي ما تبقى له بهدوء وسكينة، فلم يعد يريد/يقدر على (حرق أعصابه)
الفلسطيني
يتناول السارد الفلسطيني من خلال تأكيد ارتباطه بالمكان: "معظما يقول ذلك، يكفي أن أتجول في شوارع المدينة، وأرى يافطات المحلات التجارية والعمارات بأسماء: اللداوي، الرملاوي، اليافاوي، السنجلاوي..." ص21، وهذا يشير إلى وعي الفلسطيني وإدراكه أنه والمكان كالجسد والروح، ولا معنى للحياة دون وجدودهما معا.
يتحدث السارد عن صورة يريد أن يلتقطها "لأبي المجد" ومن خلفهما تجمع مياه عين التينة: "أبو المجد...فلا يمكن تصوير طوله من مسافة قصيرة، فابتعد، وأصور نصف جسده، فهم ذلك وابتسم دون أن يتكلم، سألته لماذا لا تتصور سلفي؟
ـ إذا كنت أنت لا تستطيع تصوير كامل جسدي مع هذه الطبيعة، فكيف أستطيع أنا!
ـ أنت مع كامل جسدك، ولا تريد تقسيمه" ص54،
المثير في هذا المقطع (الرمزية) التي يحلها، فالحديث رغم أنه متعلق بأبي المجد وطوله، إلا أنه مرتبط بالمكان، وهذا يقودنا إلى فكرة فلسطين التاريخية التي لا يمكن أن تقسم، وهي كيان واحدا، ولشعبها الواحد، ولا تخضع، لا تقبل التقسيم، هذا ما يحمله الحوار السابق.
وعن إيمان الفلسطيني بعودته إلى وطنه، نجده في هذا الحوار:
"ـ هل يعود كل منا إلى أرضه؟
ـ سنعود
ـ هل يجب أن نحتفظ بكوشان الطابو الذي يخصنا؟
ـ نعم، وإن لم تحفظي به ستعودين" ص33، رغم بساطة الحوار، إلا أنه يؤكد إيمان الفلسطيني بالعودة إلى أرضه، إلى وطنه وبيته، فهو بهذا الإيمان ينفي قوة الاحتلال وجبروته، ويؤكد أنه إلى زوال، ويلغي/يهمل/يتجاهل الواقع العربي والدولي معتمدا ومستندا على (قوى)/طاقة) لا يمكن أن يستوعبها العقل أو يدركها، لهذا هو يتجاهل مكانة وقوة ونفوذ وسيطرة المحتل والغرب على كل مقدرات الأمة، ويتمسك بما فقده عام 1948 وعام 1967، بمعنى أن سنين الاحتلال الطويلة لم تؤثر فيه وتنسيه حقه في فلسطين التي تخضع لأبشع احتلال عرفته البشرية.
وعن واقع الفلسطيني المرير والأمل بالحياة السوية/العادية يقول: "إن كانت عودة المسيح خلاصا للبشر، فليأت سريعا، فنحن بانتظاره، أما الدجال، فرأيته منذ الطفولة، وكل مرة نقول هذا هو، فيأت أكثر منه دجلا، حتى كثروا، وعاثوا في الأرض فسادا" ص51، نلاحظ أن السارد لا يتحدث مباشرة/بتفاصيل عن واقع الفلسطيني، لكنه يوصل لنا الواقع بطريقة ذكية، من خلال الحديث عن الخلاص بعودة المسيح، ومن خلال الحديث عن الأعور الدجال وما يحدثه من فساد في الأرض.
الاحتلال
رغم أن الروية تتحدث عن رحلة إلى بيسان والجولان، بمعنى أن هناك (تنسيق) ومعرفة من قبل قوات الاحتلال بهذه الرحلة، إلا أن التنغيص على المرتحلين كان موجودا: "عدة سيارات للشرطة وصلت وهي ترمش بالأزرق والأحمر.. نزل منها بعضهم، والتفوا حولنا... فصرنا محاصرين من كتلتين بشريتين، من حلقتين معاديتين، الجيش والشرطة، وتجمع الفتيات شرقنا" ص98و99، ولم يقتصر الأمر على الإحاطة بل تعداه إلى طريقة تفتيش المرتحلين، خاصة تفتيش النساء: "نادى النساء أولا، وطلب أن تخلع كل منهن نعطفها، وتلقيه جانبا، وأن ترفع كل منهن قميصها، لتظهر الخصر، صرخت إحداهن أن هذا عيب" ص104، وإذا ما توقفنا عند طريقة مخاطبة ضابط الاحتلال للسارد، سنجد فيها قذارة المحتل وتعاليه:
"ـ لن تتغيروا، ولن تعرفوا النظام ولا القانون.
ـ لا يهم
...
ـ نحن المختارون
ـ لا يهم، نحن بشر
ـ بل حيوانات.
ـ نحن راضون بذلك.
ـ يبدو أنني سأسجنك.
ـ لا يهم، وهل سأتغير؟ وهل ستتغيرون؟
ـ لا يهم
ـ لا يهم" ص107و108، مداهمة الرحالة والتعامل معهم بهذا الشكل يقودنا إلى الاحتلال وعنصريته، فالسارد أوصل لنا طبيعة هذا الاحتلال وتركيبته الفكرية من خلال مشهد (عابر) لكنه يوصل للمتلقي طبيعة هذا الاحتلال.
ونلاحظ طبيعة) السارد الذي (شبع) من الحياة، ووصل إلى حالة (القبول بالواقع)، لهذا تعامل مع الضابط بلا مبالاة، ولا انفعال، وكان رده (هادئا) كحال الرواية تماما.
فرغم أنها تناولت بعض الأحداث القاسية، وتناولت مكان محتل، إلا أنها حافظ على هدوءها واتزانها، وهذا يقودنا إلى هدوء "صافي صافي" واتزانه، وابتعاده عن الغضب والعصبية، رغم مرارة الواقع.
الرواية من منشورات الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2025.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنطقة العربية في كتاب -الوحدة العربية هل لها من سبيل- منيف ...
- جمالية الشكل والمضمون في كتاب -من حديث أبي الندى- إبراهيم ال ...
- سورية الجديدة (5) وما أرسلناك إلا قاتلا للسوريين
- نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
- الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
- التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
- ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت ...
- الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
- المبدئي والمرتد في مسرحية الدكتاتور جول رومان، ترجمة عبد الم ...
- فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرمى»
- بين فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرم ...
- الشاعر في قصيدة -حملت حروفي- أحمد الخطيب
- سلاسة التقديم في بكائيات غزة ميسون حنا
- العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن
- صلاح أبو لاوي في صباح الحرية
- الصراع في ومضة -الولد الجني- المتوكل طه
- صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوان ...
- اليهودي في رواية -كوانتوم- أحمد أبو سليم
- الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
- -إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية ...


المزيد.....




- سلاف فواخرجي: بشار الأسد ليس طاغية ونتوسم خيرا بأحمد الشرع
- تغريدة مثيرة عن الدراما المصرية في القنوات السعودية.. هل تصل ...
- مصر.. إعلامي شهير ينتقد قرار رئيس الوزراء عقب إعلان تشكيل لج ...
- إعلامي مصري يدعو للحنين إلى الماضي ومشاهدة الأفلام بالأبيض و ...
- -أحاديث بجانب المدفأة- حول فيلم -الخنجر- من إنتاج RT
- -مئذنة علي-.. روعة العمارة السلجوقية في أصفهان الإيرانية
- د. مرضية سراج.. طبيبة اثرت في ثقافة الاثار والمقاومة
- -إذا كنت لا تتقن الغناء فلا تعاقر الخمرة وتسكر-.. 6 من أشهر ...
- في عيد ميلاده.. قصيدة لافروف -هيئة السفراء- بلسان فنانين وري ...
- لافروف والفن الخفي.. قصة رسومات جمعها دبلوماسي سنغافوري


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي