أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت وأثره على أوروبا















المزيد.....


حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت وأثره على أوروبا


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تُعد حرب الثلاثين عامًا (1618-1648) واحدة من أعنف وأطول الحروب التي شهدتها أوروبا، وقد بدأت كحرب دينية بين الكاثوليك والبروتستانت داخل الإمبراطورية الرومانية المقدسة، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع سياسي واسع النطاق شمل معظم القوى الأوروبية الكبرى. بدأت الحرب عام 1618 عندما تفجرت ثورة في بوهيميا، نتيجة للتوترات الدينية والسياسية العميقة بين الأمراء البروتستانت والإمبراطور الكاثوليكي فرديناند الثاني. وعلى مدار العقود الثلاثة التالية، تحولت هذه الحرب إلى صراع متعدد الأبعاد، تدخلت فيه قوى أوروبية مختلفة، مما أدى إلى إعادة تشكيل خريطة أوروبا السياسية والدينية، وأثر بشكل جذري على موازين القوى في القارة.

جذور الحرب: الإصلاح البروتستانتي والتوترات الدينية

لفهم أسباب اندلاع حرب الثلاثين عامًا، يجب العودة إلى بداية الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر. عندما أطلق مارتن لوثر دعوته للإصلاح الديني عام 1517، أدى ذلك إلى انقسام داخل العالم المسيحي بين الكاثوليك والبروتستانت. وبحلول القرن السابع عشر، كانت أوروبا قد انقسمت إلى معسكرين رئيسيين: الكاثوليك المدعومون من البابوية والإمبراطورية الرومانية المقدسة بقيادة آل هابسبورغ، والبروتستانت الذين انتشروا في ألمانيا، والدنمارك، والسويد، وهولندا، وإنجلترا.

على الرغم من محاولات التهدئة عبر صلح أوغسبورغ عام 1555، الذي منح الأمراء داخل الإمبراطورية الرومانية المقدسة حق اختيار ديانة أراضيهم، إلا أن هذا الاتفاق لم يكن كافيًا لمنع التوترات المتزايدة بين الطائفتين. وبحلول أوائل القرن السابع عشر، اشتد الصراع بين الحكام الكاثوليك الذين أرادوا إعادة فرض الهيمنة الكاثوليكية على المناطق البروتستانتية، والأمراء البروتستانت الذين سعوا للحفاظ على استقلالهم الديني والسياسي.

الشرارة الأولى: ثورة بوهيميا عام 1618

بدأت الحرب رسميًا في 23 مايو 1618 عندما اندلعت ثورة في مملكة بوهيميا (التشيك حاليًا). كان الكاثوليك يسيطرون على العرش البوهيمي، لكن غالبية السكان والأمراء المحليين كانوا بروتستانت، وعندما تم تعيين فرديناند الثاني، المعروف بتوجهاته الكاثوليكية المتشددة، ملكًا على بوهيميا، تصاعدت التوترات.

كانت الشرارة الفعلية للحرب هي حادثة "الإلقاء من النافذة" (Defenestration of Prague)، حيث قام النبلاء البروتستانت بإلقاء اثنين من الممثلين الإمبراطوريين من نافذة قصر في براغ، احتجاجًا على السياسات القمعية للإمبراطور. على الرغم من نجاة المسؤولين، فإن هذا الحادث كان بمثابة إعلان تحدٍ مباشر لحكم فرديناند الثاني، مما أدى إلى اندلاع تمرد واسع النطاق في بوهيميا، وسرعان ما امتد الصراع إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية.

المرحلة البوهيمية (1618-1625): الانتصار الكاثوليكي المبكر

بعد اندلاع الثورة، اختار النبلاء البوهيميون فريدريك الخامس، البروتستانتي وأمير بالاتينات، ملكًا عليهم، متحدّين سلطة الإمبراطور. في المقابل، تحرك فرديناند الثاني بدعم من القوات الكاثوليكية التابعة لإسبانيا وبافاريا. بلغت المواجهة ذروتها في معركة الجبل الأبيض (Battle of White Mountain) عام 1620، حيث تمكن الجيش الإمبراطوري من سحق القوات البروتستانتية، مما أدى إلى إنهاء التمرد البوهيمي وإخضاع بوهيميا للحكم الكاثوليكي من جديد.

أدى هذا النصر إلى قمع واسع للبروتستانت في بوهيميا، حيث تم إعدام العديد من قادتهم، وصودرت ممتلكاتهم، وأجبر السكان على اعتناق الكاثوليكية. كما تم نفي فريدريك الخامس، ما عزز من سيطرة الكاثوليك على وسط أوروبا، لكنه في الوقت نفسه دفع الدول البروتستانتية إلى البحث عن حلفاء لمواجهة هيمنة الإمبراطورية.

المرحلة الدنماركية (1625-1629): توسع الحرب ودخول الدنمارك

لم تقتصر الحرب على بوهيميا، إذ سرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى عندما قررت الدنمارك، بقيادة الملك كريستيان الرابع، التدخل لدعم البروتستانت في ألمانيا. لكن تدخل الدنمارك لم يكن ناجحًا، إذ تمكن القائد الإمبراطوري ألبرخت فون فالنشتاين من تحقيق سلسلة انتصارات ضد القوات الدنماركية. بحلول عام 1629، انتهت هذه المرحلة بتوقيع معاهدة لوبيك، التي أجبرت الدنمارك على الانسحاب من الحرب، مما عزز مجددًا من هيمنة الكاثوليك.

المرحلة السويدية (1630-1635): انقلاب موازين القوى

شهدت هذه المرحلة دخول السويد إلى الحرب بقيادة الملك غوستافوس أدولفوس، الذي كان أحد أعظم القادة العسكريين في عصره. تمكن الجيش السويدي من تحقيق انتصارات كبرى ضد القوات الإمبراطورية، وبرزت معركة بريتنفيلد عام 1631 كنقطة تحول، حيث تمكن السويديون من كسر الهيمنة الكاثوليكية.

لكن معركة لوتزن عام 1632، رغم أنها انتهت بانتصار السويديين، شهدت مقتل غوستافوس أدولفوس، مما أدى إلى تراجع الزخم البروتستانتي. ومع ذلك، استمرت الحرب بدعم من فرنسا، التي رغم كونها كاثوليكية، اختارت الوقوف ضد آل هابسبورغ لحماية مصالحها السياسية.

المرحلة الفرنسية (1635-1648): تحول الحرب إلى صراع أوروبي شامل

بدخول فرنسا الحرب عام 1635، تحولت إلى صراع سياسي أكثر من كونها حربًا دينية. لم تعد المواجهات بين الكاثوليك والبروتستانت فقط، بل أصبحت معركة بين فرنسا وإسبانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة. استمرت هذه المرحلة لأكثر من عقد من الزمن، وشهدت معارك دامية ودمارًا واسعًا في أنحاء أوروبا، خاصة في ألمانيا، التي تضررت بشدة بسبب المجاعات والأوبئة الناجمة عن الحرب.

النتائج: معاهدة وستفاليا عام 1648 ونهاية الحرب

بحلول عام 1648، وبعد ثلاثين عامًا من الدمار والمعاناة، تم التوصل إلى صلح وستفاليا، الذي أنهى الحرب رسميًا. نصت المعاهدة على منح الدول الأوروبية حرية اختيار دينها، مما عزز من مبدأ السيادة الوطنية وأضعف سلطة الإمبراطورية الرومانية المقدسة. كما أدى الصلح إلى صعود فرنسا كقوة كبرى، بينما تراجعت هيمنة آل هابسبورغ.

تأثيرات الحرب على أوروبا

كانت حرب الثلاثين عامًا واحدة من أكثر الحروب دمارًا في التاريخ الأوروبي، حيث أسفرت عن مقتل ما يقرب من 8 ملايين شخص، سواء بسبب المعارك أو المجاعات أو الأوبئة. كما غيرت طبيعة الحروب في أوروبا، إذ تم تطوير استراتيجيات عسكرية جديدة، وأصبحت الجيوش أكثر احترافية. كما ساهمت الحرب في ظهور نظام الدولة الحديثة، الذي يقوم على مبدأ السيادة الوطنية بدلًا من الولاء الديني.

لم تكن حرب الثلاثين عامًا مجرد صراع ديني، بل كانت مواجهة بين قوى سياسية متنافسة، حيث تداخلت المصالح الدينية مع الأهداف الاستراتيجية. وبينما كان الصراع في البداية بين الكاثوليك والبروتستانت، انتهى كحرب سياسية أعادت تشكيل النظام الأوروبي. كانت هذه الحرب إيذانًا بنهاية العصور الوسطى وبداية أوروبا الحديثة، حيث بدأت الدول في الاهتمام بالسيادة والمصالح القومية أكثر من الولاءات الدينية، مما مهد الطريق لعصر جديد من العلاقات الدولية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مابعد الحداثة: تفكيك اليقين وإعادة تشكيل الفكر في عالم بلا ث ...
- الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العق ...
- التعلق المرضي: كيف نكسر قيود الاعتماد العاطفي ونستعيد ذواتنا ...
- إعادة تشكيل الإنسان في العالم الرقمي: مقاربات أنثربولوجية مع ...
- الرضا النفسي: فن التوازن والطمأنينة في عالم متغير
- ألبرت كامو وثورة العبث: جدلية المعنى واللاجدوى في الفكر الأو ...
- البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد
- نحو فلسفة بيئية معاصرة: بين النقد الحداثي والرؤى المستقبلية
- انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية ...
- العلمانية الدينية: ازدواجية المفهوم بين الحداثة والتلاعب الس ...
- الجواهر الفردة: فلسفة الذرة في علم الكلام بين العقيدة والعقل
- فلسفة العقل: المفهوم، القضايا، والتأثير في الفكر الفلسفي الم ...
- تحليل الخطاب: تفكيك السلطة والمعرفة في اللغة وصناعة المعاني
- متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الف ...
- العلمانية العسكرية وتداعياتها على الواقع السياسي العربي
- التحرر من سجن العقل: فن إيقاف التفكير الزائد واستعادة صفاء ا ...
- جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم
- ثورة المصانع المظلمة: كيف تبني الصين اقتصادا بلا عمال
- جملة التوحيد في الفكر الاعتزالي: المفهوم والأسس الفلسفية
- الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع ...


المزيد.....




- ترامب يوجه صفعة لشخصيات مثل كامالا هاريس وكلينتون بمذكرة وقع ...
- ويتكوف: -بوتين صلى من أجل ترامب- عقب محاولة اغتياله
- ألعاب نارية ومشاعل تضيئ سماء كردستان العراق في احتفالات عيد ...
- الحكومة البريطانية ترفع مؤقتا القيود المفروضة على رحلات الطي ...
- ويتكوف: لقاء ترامب وبوتين قد يتم في الأشهر القليلة المقبلة
- -بيلد-: انهيار سلطة فون دير لاين في ظل رئاسة ترامب
- ويتكوف: الحل في غزة يمر عبر نزع سلاح -حماس- وإجراء انتخابات ...
- ويتكوف: الشرع تغير وسوريا ولبنان قد يوافقان على تطبيع العلاق ...
- الذكاء الاصطناعي يرد على مقال -لا تقلل أبدا من شأن السعودية- ...
- السعودية.. فيديو حسرة سائق بعد سرقة -كفرات- سيارته برمضان يث ...


المزيد.....

- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت وأثره على أوروبا