أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الشهبي أحمد - أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية للشهبي أحمد














المزيد.....


أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية للشهبي أحمد


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 06:14
المحور: الادب والفن
    


عندما نغوص في أعماق مجموعة "تحت الركام" للكاتب المغربي الشهبي أحمد، نجد أنفسنا أمام عمل أدبي يتشابك فيه الجمال مع الألم، والشعرية مع الواقعية القاسية، ليخلق تجربة قراءة لا تُنسى. هذه المجموعة القصصية، التي صدرت مؤخرًا، ليست مجرد نصوص تروي حكايات، بل هي رحلة فلسفية ونفسية تأخذنا إلى قلب المأساة الإنسانية في زمن الحروب والدمار. منذ اللحظة الأولى التي نلامس فيها كلمات الكاتب، نشعر بأننا نتنقل بين أنقاض المادة والروح، حيث يتجلى الركام ليس فقط كمشهد خارجي، بل كرمز لما يتراكم داخل النفس من جروح وفقدان وتساؤلات لا تنتهي. إنها دعوة للتأمل في معنى الحياة عندما تُسلب منها كل معالم الأمل، ومع ذلك تبقى تلك النصوص مشبعة بجماليات أدبية تجعل القارئ مترددًا بين الانبهار والانزعاج.

يبرز الأسلوب السردي في هذه المجموعة كأحد أقوى عناصرها، حيث يمتزج فيه الشعر بالنثر بطريقة تجعل اللغة ليست مجرد وسيلة لنقل الأحداث، بل كيانًا حيًا يتنفس وينزف مع الشخصيات. هناك لحظات يغمرك فيها الكاتب بصور شعرية مثل "ركام البيوت" أو "كابوس الظلام"، فتشعر وكأنك تقف أمام لوحة تعبيرية مرسومة بالكلمات، تعكس التشظي النفسي والمادي لعالم محطم. هذا العمق العاطفي يخلق تجربة غامرة، تجعلك تتأرجح بين مشاعر متناقضة: فرح عابر يتلوه ألم عميق، كما لو كنت تعيش الحياة ذاتها بكل تناقضاتها. لكن هذا الإفراط في الشعرية قد يكون سيفًا ذا حدين، فبينما يضيف غنىً للنص، قد يجعله في بعض الأحيان غامضًا، يتطلب جهدًا إضافيًا من القارئ لفك شيفراته. أحيانًا، تتراكم الاستعارات بكثافة تجعل المعنى يتوارى خلف طبقات من التخييل، مما قد يُشعر البعض بالإرهاق أو يُفقد النص شيئًا من سلاسته التي تُعد ضرورية لاستمرارية التفاعل معه.

ومن اللغة إلى الشخصيات، نجد أن "تحت الركام" تقدم باقة متنوعة من الأرواح البشرية التي تحمل في طياتها تجارب الحياة والموت. هناك الأم التي تتشبث بحنانها وسط الخراب، والأب الذي يقاوم من أجل حماية ما تبقى، والأخت الصغيرة التي تبحث عن بصيص نور في الظلام. ثم هناك الأبطال الذين يواجهون أنفسهم في عزلة قاتلة، يحملون صراعات داخلية تعكس الواقع الاجتماعي الممزق. الكاتب يتقن تقديم هذه الشخصيات من زوايا متعددة، مما يمنح القارئ فرصة للتعاطف والتفكير في مصائرهم من منظورات مختلفة. لكن رغم هذا العمق النفسي والتنوع الإنساني الذي يعكس الاختلافات الثقافية والجندرية، قد نشعر أحيانًا بأن بعض الشخصيات تظل ساكنة عاطفيًا، لا تتطور بما يكفي لتترك أثرًا دراميًا قويًا. هناك أيضًا ميل لبعض الشخصيات نحو الرمزية المفرطة، مما قد يجعلها تبدو بعيدة عن الواقع، كأشباح تتحرك في فضاء القصة دون أن تترك بصمة ملموسة في قلب القارئ.

التيمات التي يتناولها الكاتب تنبع من قلب الواقع العربي المعاصر، حيث الحروب والفقد والتشظي النفسي ليست مجرد خلفيات، بل هي جوهر التجربة الإنسانية التي يسعى لاستكشافها. نجد أنفسنا أمام نصوص تعكس آثار النزاعات على الأفراد والمجتمعات، لكنها لا تكتفي بتصوير الدمار، بل تذهب أبعد من ذلك لتطرح أسئلة وجودية عن معنى الاستمرار في عالم فقد كل شيء. هناك تأملات حول الذاكرة والهوية، تتداخل مع مشاهد الحرب لتخلق صورة غنية بالأفكار الفلسفية، لكنها محبطة في الوقت ذاته. هذا العمق يجعل العمل يتجاوز كونه مجرد سرد للأحداث إلى تجربة فكرية تتحدى القارئ لمواجهة مخاوفه وتساؤلاته. لكن هذا التركيز الشديد على الحرب والخسارة قد يقود إلى نوع من التكرار، حيث تبدو بعض القصص وكأنها تدور في حلقة مفرغة من الألم، مما قد يُثقل كاهل القارئ ويُفقد النصوص شيئًا من التجديد. أحيانًا، يغيب التوازن بين الأمل واليأس، فتتركنا النصوص في مواجهة ظلام دامس دون بصيص ضوء يخفف من وطأة التشاؤم.

ما يجعل هذه المجموعة مميزة حقًا هو قدرتها على التفاعل مع القارئ على مستوى عاطفي وفكري عميق. القراءة هنا ليست مجرد تصفح لصفحات، بل هي غوص في أعماق الذات، حيث تُثير الأزمات التي تمر بها الشخصيات أسئلة حول المعاناة الإنسانية في سياقات أوسع. هناك لحظات يشعر فيها القارئ بأنه جزء من القصة، كأن الصراعات الفردية التي يقرأها تعكس شيئًا من تجاربه الخاصة، مما يخلق اتصالًا شخصيًا نادرًا. لكن هذا التفاعل العاطفي القوي قد يتحول إلى عبء عندما تتكدس المشاعر السلبية، فالإفراط في الحزن والتشاؤم قد يدفع بعض القراء إلى الابتعاد، غير قادرين على تحمل كثافة الألم التي تتسرب من بين السطور.

في النهاية، تظل "تحت الركام" عملًا أدبيًا يستحق التوقف عنده طويلًا، فهو يجمع بين جماليات اللغة، وعمق الشخصيات، وثراء التيمات، ليقدم صورة معبرة عن الوجع الإنساني في زمن الاضطرابات. رغم بعض التحفظات، مثل الغموض الناتج عن كثافة الاستعارات أو التكرار في بعض الموضوعات، فإن القوة العاطفية والفكرية لهذه المجموعة لا يمكن إنكارها. إنها مرآة تعكس الواقع بكل قسوته وجماله، ودعوة للتأمل في قدرتنا على الصمود وسط الأنقاض، سواء كانت مادية أو نفسية. ينجح الشهبي أحمد في تقديم عمل يتحدى القارئ، يستفزه للتفكير، ويتركه معلقًا بين الانبهار بقوة الأدب والشعور بثقل الحياة التي يصورها.

بقلم الناقد الأدبي: ذ. سليم العتمة



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
- عبارات ملهمة: قراءة نقدية وتحليلية في أعماق الكلمة والوجود ل ...
- -ياسمين الخريف- لأحمد الشهبي: قراءة نقدية وتحليلية في المتاه ...
- -عبارات ملهمة-: سلطة الكلمة في مجموعة جواد العوالي القصصية
- عبارات ملهمة: تأثير الكلمة على أعماق الوجود الإنساني - قراءة ...
- كيكو: اغتصاب الطفولة في ظلّ ثقافة الإفلات من العقاب – مأساة ...
- تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوب ...
- غزة: الجريمةُ التي تُعيدُ تشكيلَ ضمير العالم
- الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية ت ...
- انحدار الذوق في البرامج التلفزية: بين الاستهلاك السطحي وإشكا ...
- عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواي ...
- 23 مارس 1965: جراح لم تندمل وأسئلة لم تُجاب
- هل يعيد التاريخ نفسه؟
- أين اختفت النخب المثقفة؟
- حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- سلاف فواخرجي: بشار الأسد ليس طاغية ونتوسم خيرا بأحمد الشرع
- تغريدة مثيرة عن الدراما المصرية في القنوات السعودية.. هل تصل ...
- مصر.. إعلامي شهير ينتقد قرار رئيس الوزراء عقب إعلان تشكيل لج ...
- إعلامي مصري يدعو للحنين إلى الماضي ومشاهدة الأفلام بالأبيض و ...
- -أحاديث بجانب المدفأة- حول فيلم -الخنجر- من إنتاج RT
- -مئذنة علي-.. روعة العمارة السلجوقية في أصفهان الإيرانية
- د. مرضية سراج.. طبيبة اثرت في ثقافة الاثار والمقاومة
- -إذا كنت لا تتقن الغناء فلا تعاقر الخمرة وتسكر-.. 6 من أشهر ...
- في عيد ميلاده.. قصيدة لافروف -هيئة السفراء- بلسان فنانين وري ...
- لافروف والفن الخفي.. قصة رسومات جمعها دبلوماسي سنغافوري


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الشهبي أحمد - أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية للشهبي أحمد