دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 06:13
المحور:
الادب والفن
عندما قررت ترك بيتي في أرض الوطن، والرّحيل عنه إلى أبعد نقطة في العالم، أستراليا، عزّ على الافتراق عن شجرة الليمون، تلألأت حباتها الذهبية في حديقة بيتي!
في يوم ما كسرت الرّيح الشجرة وشطرت غصن كبير عنها، استدعيت مزارع ألتمس استشارته بالشأن، طلب مني قطعة قماش متينة يربط بها الغصن المُستل فيدمجه إلى جذع الشجرة الرئيس، بحثت في الخزانة عن شيء مناسب فسقطت عيني على ثوب جدتي المرحومة، كانت قد نسيته عندي في إحدى زياراتها لي، احتفظتُ به للذكرى من بعد رحيلها، مكث معي أكثر من عشرين سنة.
دون أدنى تفكير، ناولت المزارع الثوب فقام بشقّه قائلا:
- هذا القماش متين جدا، سوف يفي بالغرض، سترين كيف سوف تستقيم الشجرة مجددا بعد شهر من الآن.
في أيام القهر والقسوة، كانت الشجرة ملاذي وحضني الدافيء، سكّنت حزني قطعة صغيرة من ثوب جدتي، شعرتُ بالأمان، مدتني بالصبر والحِلم، شعور رائع هو ما كنت أشعر به، إنها لا تزال حيّة، إنها معي، مرتدية ثوبها الحرير المدمج بألوان دافئة.
كلما أحسستُ بالضيق في أوقات الشدّة، جلست عند قطعة القماش تحت الشجرة، وفي لحظات كبت الأدمع داخل بيتي، وكلما استشرى ونغل الحزن دواخلي.
قبل موعد رحيلي بيوم واحد، انتصبتُ أمام الشجرة، استمحتها عذرا، ودّعتها، ظهرت لي جدتي بوجهها المضيء من بين حبّات الليمون الأصفر، عبست هنيهة ثم ابتسمت لي راضية، ابتسامة تشع بضوء الأمل، تشجعني على بداية حياة جديدة في مكان آخر جديد... ورحلتُ.
عدت للزيارة بعد سنوات من الغربة، وفدت إلى بيتي المُغتصب لأتفقد الشجرة وقطعة القماش، وجدتها بصعوبة، كبرت الشجرة وتفرعت أغصانها، ما تزال قطعة القماش هناك، صغر حجمها، دمعت عيني!
أما صاحب البيت، بغبائه، حصل على البيت بعد أن قام بطردي منه، ظنّ أني نادمة لأنني رحلت، أحس بالنشوة والغرور، هذا الخاسر، لم ولن يفهم ما تخبئه المرأة السعيدة داخلي، أنا المرأة التي لا يمكن أن تُـبدّد أو يُستغنى عنها....ليس تكبرا بل كبرياء واعتداد بالنفس!
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟