|
النزاهة والشفافية: ركيزتان لإعادة بناء الثقة في الحكومة العراقية
عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
(Aqeel Al Fatlawy)
الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 06:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية. هذه الثقة، التي تآكلت على مر السنوات بسبب انتشار الفساد وسوء الإدارة، يمكن استعادتها من خلال تعزيز قيم النزاهة والشفافية في عمل المؤسسات الحكومية. النزاهة والشفافية ليستا مجرد شعارات تُرفع، بل هما ركيزتان أساسيتان لتحقيق الحكم الرشيد وضمان تقديم خدمات عامة عادلة وفعّالة للمواطنين. الواقع الحالي: ثقة مهزوزة على مدار العقود الماضية، شهد العراق تراجعاً كبيراً في مستوى ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية. هذا التراجع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة طبيعية لتراكم حالات الفساد المالي والإداري، وسوء استخدام الموارد العامة، وغياب المحاسبة والمساءلة. وفقاً لتقارير دولية، لا يزال العراق يحتل مراتب متأخرة في مؤشرات الشفافية العالمية، مما يعكس حجم الأزمة التي يعاني منها. المواطن العراقي، الذي عانى من ويلات الحروب والصراعات، بات يشكك في قدرة المؤسسات الحكومية على خدمته بشكل عادل. هذا الشك لا يقتصر فقط على المؤسسات الخدمية، بل يمتد إلى المؤسسات التشريعية والرقابية التي يفترض أن تكون حامية للمال العام وضامنة لحقوق المواطنين. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إصلاحات جذرية تعيد الثقة وتُظهر للمواطنين أن الحكومة قادرة على التغيير. النزاهة: الأساس الذي تُبنى عليه الثقة النزاهة ليست مجرد كلمة تُقال، بل هي مبدأ عمل يجب أن يكون حاضراً في كل تفاصيل عمل المؤسسات الحكومية. تعني النزاهة أن يعمل الموظفون الحكوميون بصدق وأمانة، وأن تُدار الموارد العامة بشكل عادل وفعّال، دون إهدار أو تحيز. في العراق، حيث تنتشر المحسوبية والولاءات الشخصية، يصبح تعزيز النزاهة تحدياً كبيراً يتطلب جهوداً متضافرة من جميع الجهات المعنية. إحدى الخطوات الأساسية لتعزيز النزاهة هي تفعيل آليات المحاسبة والمساءلة. يجب أن تكون هناك هيئات رقابية قوية ومستقلة قادرة على كشف حالات الفساد ومحاسبة المتورطين فيها. هذه الهيئات تحتاج إلى دعم سياسي وقانوني لضمان استقلاليتها وفعاليتها. كما أن تعزيز النزاهة يتطلب بناء ثقافة إدارية جديدة تعتمد على الكفاءة والاستحقاق بدلاً من المحسوبية والولاءات. الشفافية: النافذة التي يطل منها المواطنون الشفافية هي الجسر الذي يربط بين الحكومة والمواطنين. عندما تكون المعلومات المالية والإدارية متاحة للجميع، يسهل على المواطنين مراقبة أداء المؤسسات الحكومية والمساهمة في تحسينها. في العراق، حيث لا تزال العديد من المؤسسات تعمل بطرق تقليدية، يصبح تعزيز الشفافية تحدياً كبيراً يتطلب تبني تقنيات حديثة وإصلاحات إدارية جذرية. إحدى الأدوات الفعّالة لتعزيز الشفافية هي إنشاء منصات إلكترونية تتيح للمواطنين الوصول إلى المعلومات الحكومية بسهولة. هذه المنصات يمكن أن تشمل تفاصيل الميزانيات العامة، وعقود المشاريع، وتقارير الأداء. عندما تكون هذه المعلومات متاحة، يصبح من الصعب إخفاء حالات الفساد أو سوء الإدارة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للإعلام ومنظمات المجتمع المدني أن يلعبوا دوراً محورياً في كشف الحقائق ودفع المؤسسات الحكومية نحو مزيد من الشفافية. إعادة بناء الثقة: طريق طويل لكنه ممكن إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية ليست مهمة سهلة، بل هي عملية طويلة تتطلب إرادة سياسية قوية وتعاوناً بين جميع الجهات المعنية. الخطوة الأولى في هذه العملية هي الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية في مستوى النزاهة والشفافية. هذا الاعتراف يجب أن يترجم إلى إجراءات ملموسة تعكس التزام الحكومة بالتغيير. إحدى هذه الإجراءات هو تفعيل دور الهيئات الرقابية وتوفير الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد. الموظفون الذين يمتلكون الشجاعة للإبلاغ عن حالات الفساد يجب أن يتمتعوا بحماية كافية تمنع تعرضهم للمضايقات أو الانتقام. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك حملات توعوية تهدف إلى تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية بين المواطنين، وإظهار أهمية مشاركتهم في مراقبة أداء المؤسسات الحكومية. وختاماً فأن النزاهة والشفافية ليستا مجرد قيم أخلاقية، بل هما أدوات فعّالة لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين. في العراق، حيث تشهد البلاد تحولات كبيرة على جميع المستويات، يصبح تعزيز هذه القيم ضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار والتنمية. على الرغم من التحديات الكبيرة، إلا أن الطريق نحو تحقيق النزاهة والشفافية ليس مستحيلاً. يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية، ودعم من المجتمع الدولي. فقط من خلال العمل الجاد والمستمر يمكن للعراق أن يبني مؤسسات حكومية قادرة على كسب ثقة مواطنيها وخدمتهم بشكل عادل وفعّال.
#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)
Aqeel_Al_Fatlawy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناعة الوهم في عصر السوشيال ميديا
-
فتوى الدفاع الكفائي.. هل كانت الحل الأمثل لدرء فتنة انهيار ا
...
-
وداعًا يا أبا حمزة صوت العزة الذي لن يصمت
-
هل العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة الشرق الأوسط ساحة الصرا
...
-
هل تصبح إسرائيل جارة للعراق
-
التحركات العسكرية الأمريكية بين التمويه والإستراتيجية الخفية
-
إغلاق قناة -الحرة : قراءة في الدوافع والتداعيات
-
التطهير العرقي في سوريا
-
ترامب وسياسة العقوبات وتأثيرها على الاقتصاد العراقي والعلاقا
...
-
الأمطار الأخيرة في محافظات العراق تكشف هشاشة البنية التحتية.
...
-
توظيف الذكاء الاصطناعي في الكتابات الصحفية: ثورة في عالم الإ
...
-
الساحل السوري بين نيران الفوضى وشبح الإبادة الجماعية
-
العراق وأزمة الغاز الإيراني: بين الضغوط الأمريكية وخيارات ال
...
-
وجع المعدان.. ( الآهات السومرية )
-
شلع # قلع
-
حداد على وطن خانه الجميع
-
جاذبية نيوتن .. وجاذبية ارض كربلاء ..
-
,, ليلة الحادي عشر من محرم ليلة عصيبه على عقيلة بني هاشم ,,.
-
الغباء السياسي
المزيد.....
-
ترامب يوجه صفعة لشخصيات مثل كامالا هاريس وكلينتون بمذكرة وقع
...
-
ويتكوف: -بوتين صلى من أجل ترامب- عقب محاولة اغتياله
-
ألعاب نارية ومشاعل تضيئ سماء كردستان العراق في احتفالات عيد
...
-
الحكومة البريطانية ترفع مؤقتا القيود المفروضة على رحلات الطي
...
-
ويتكوف: لقاء ترامب وبوتين قد يتم في الأشهر القليلة المقبلة
-
-بيلد-: انهيار سلطة فون دير لاين في ظل رئاسة ترامب
-
ويتكوف: الحل في غزة يمر عبر نزع سلاح -حماس- وإجراء انتخابات
...
-
ويتكوف: الشرع تغير وسوريا ولبنان قد يوافقان على تطبيع العلاق
...
-
الذكاء الاصطناعي يرد على مقال -لا تقلل أبدا من شأن السعودية-
...
-
السعودية.. فيديو حسرة سائق بعد سرقة -كفرات- سيارته برمضان يث
...
المزيد.....
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|