حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 02:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحمل الديمقراطية البرجوازية في طياتها تناقضات جوهرية، فهي من ناحية، تتيح مساحة للتعبير والتنظيم، ومن ناحية أخرى، تعمل على احتواء هذه المساحات وتوجيهها بما يخدم مصالح الطبقة المسيطرة.
إن الديمقراطية البرجوازية تخلق وهماً بالمشاركة، حيث يتم توجيه النقاشات والقرارات ضمن أطر محددة تضمن عدم تهديد النظام الرأسمالي. تتركز السلطة الحقيقية في يد القوى الاقتصادية والإعلامية التي تؤثر على الرأي العام وتوجه السياسات.
يتم احتواء النضالات الشعبية من خلال آليات مختلفة، مثل استيعاب بعض المطالب الجزئية أو تشويه صورة الحركات الراديكالية. وتلعب الأحزاب اليسارية البرجوازية دوراً في هذا الاحتواء، حيث تعمل على توجيه النضالات ضمن القنوات المؤسسية وتجنب المواجهة الجذرية مع النظام.
تاريخياً، لم تتوانَ الديمقراطيات البرجوازية عن اللجوء إلى القمع والعنف لحماية مصالحها، بدءاً من الفاشية والنازية وصولاً إلى أشكال القمع الحديثة. يتم استخدام القوانين والإجراءات الأمنية لقمع الحركات الاجتماعية والمعارضة السياسية.
إن أزمات الديمقراطية البرجوازية تخلق أرضية خصبة لصعود اليمين المتطرف والشعبوية. يستغل اليمين المتطرف استياء الجماهير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتقديم حلول زائفة وتأجيج الصراعات.
هناك رؤى بديلة للديمقراطية، مثل الديمقراطية الاشتراكية أو الديمقراطية التشاركية، التي تسعى إلى تحقيق توزيع أكثر عدالة للسلطة والثروة. تؤكد هذه الرؤى على أهمية المشاركة الشعبية المباشرة في اتخاذ القرارات وتوسيع نطاق الحقوق والحريات. أن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تكون مرتبطة بالعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية.
الديمقراطية البرجوازية تحمل في طياتها العديد من التناقضات والتحديات. النقاش حول بدائلها وكيفية تحقيق ديمقراطية أكثر عدالة وتمثيلاً هو نقاش مستمر ومتجدد.
النظام الرأسمالي بطبيعته يعتمد على تراكم رأس المال وتحقيق الأرباح، مما يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. هذا النظام يولد أزمات دورية، مثل الأزمات الاقتصادية والبيئية، التي تؤثر بشكل كبير على حياة الطبقات الشعبية.
وتلعب الدعاية دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام وتوجيهه بما يخدم مصالح القوى المسيطرة حيث يتم استخدام وسائل الإعلام لخلق صورة زائفة عن الواقع وتشويه صورة الحركات الراديكالية. إن الدعاية هي إحدى الأدوات التي تستخدمها البرجوازية للمحافظة على مكانتها.
يتم احتواء النضالات الشعبية من خلال آليات مختلفة، مثل استيعاب بعض المطالب الجزئية أو تشويه صورة الحركات الراديكالية. تلعب الأحزاب اليسارية البرجوازية دوراً في هذا الاحتواء، حيث تعمل على توجيه النضالات ضمن القنوات المؤسسية وتجنب المواجهة الجذرية مع النظام.
عندما يواجه النظام الرأسمالي أزمات حادة، يلجأ إلى إعادة توزيع السلطات بين أجزائه المختلفة، مثل الدولة والمؤسسات المالية والإعلام، وذلك لضمان استمراريته. هذا ما يلاحظ في أغلب الدول الرأسمالية، عندما تحدث أزمة اقتصادية، يتم اتخاذ قرارات من قبل رجال المال والسلطة، بعيداً عن الشعب، لضمان بقاء النظام.
شكلت ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا تحديًا جديًا للنظام الرأسمالي، حيث أثبتت إمكانية ظهور بديل اجتماعي واقتصادي مختلف جوهريًا عنه. ومع بروز هذا التهديد، دفع النظام الرأسمالي إلى انتهاج أساليب جديدة لمواجهة التغيرات المحتملة وضمان استمرار سيطرته.
استفاد الرأسماليون من الديمقراطية البرجوازية كسلاح لتحجيم القوى الساعية إلى إحداث تغيير اجتماعي جذري. فبدلاً من التعامل مع الديمقراطية كمفهوم لإشراك الشعب في صنع القرارات، تم تكييفها لتكون وسيلة للهيمنة على مؤسسات الدولة وتوجيه الرأي العام. تحولت الديمقراطية إلى آلية لتقديم واجهة مشرقة لإخفاء ممارسات السيطرة والتلاعب الداخلية.
مع تطور وسائل الإعلام وظهور أدوات الدعاية، أصبحت هذه الأخيرة محورًا رئيسيًا يستخدمه النظام الرأسمالي لتعزيز موقعه. جرى تسخير الدعاية لتوجيه العقول وإضعاف الحركات المتعارضة. تم تشويه صورة الثورات والحركات الثورية عبر نشر معلومات مضللة وتقديمها في سياقات تقوض فائدتها وقيمتها الاجتماعية.
نجح النظام في استخدام وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية كمنابر للدعاية المنظمة، حيث قدم أيديولوجيات موجهة تهدف إلى توطيد الأفكار التي تخدم مصالح رأس المال. هذه الأيديولوجيات عملت على تجريد الناس من التفكير النقدي ومهدت الطريق لقبول الوضع القائم باعتباره الخيار الطبيعي الوحيد.
على صعيد آخر، لجأ النظام الرأسمالي إلى محاولة تقويض الحركات الثورية من الداخل عبر عمليات تجسس وزرع عملاء داخل صفوفها. استُخدمت أيضًا وسائل لإفساد سمعة القادة الثوريين وتشويه مبادئهم وأهدافهم. وبذريعة الديمقراطية البرجوازية، تم تغليف هذه الممارسات بغطاء شرعي شكلي، يخفي النوايا الحقيقية للسيطرة على هذه الحركات وإضعافها.
لقد سعى النظام الرأسمالي إلى تعزيز قبضته عبر التلاعب بالأفكار والقيم الشعبية، مما أتاح له استمرارية الهيمنة على المؤسسات والمجتمعات. من خلال إعادة صياغة وعي الأفراد بما يتناسب مع متطلباته، تمكن من إرساء نظام يتحكم فيه رأس المال بمختلف مفاصل الحياة.
يسعى النظام الرأسمالي إلى تسخير القوى المادية والمعنوية للمجتمع لتحقيق مصالحه الخاصة، وذلك عبر آلية محكمة تعتمد على توظيف الدعاية كأداة رئيسية. يتم تدريب الأفراد والقوى السياسية والاقتصادية لاعتناق أيديولوجيا هذا النظام والدفاع عنها بطرق مباشرة وغير مباشرة.
تُستخدم وسائل الدعاية لتشويه صورة الحركات الثورية وقادتها من خلال نشر معلومات مضللة وتحريف الحقائق. وتُوظَّف وسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية، والمراكز الثقافية كأذرع لتنفيذ هذه المهمة وتحقيق السيطرة الفكرية.
في السياق التاريخي، استغل جوزيف مكارثي أساليب الدعاية لنشر الخوف وإثارة الذعر ضد الشيوعيين واليساريين، مستهدفًا بشراسة اللاجئين السياسيين منهم. أدى ذلك إلى تدمير حياتهم وتشويه سمعتهم المهنية، ما جعلهم يدفعون ثمنًا باهظًا نتيجة هذا الاضطهاد المنظم.
وعادةً ما يتم استغلال العناصر ذات النزعة الانتفاعية أو المحرومة من المبادئ والشجاعة النضالية كوكلاء داخليين في خطة الدعاية. تُقدَّم لهؤلاء الحوافز والمكافآت مقابل المشاركة في هدم الحركات الثورية من الداخل وتشويه سمعتها.
على الرغم من هذه الجهود المكثفة، فشلت الدعاية الرأسمالية في السيطرة على العقول المستقلة لبعض المثقفين البارزين مثل برتولت بريخت وإريك فروم. استطاع هؤلاء المفكرون إيصال أفكارهم إلى العالم وكشف ممارسات النظام الرأسمالي أمام الرأي العام العالمي، مما أعاق بعض مخططاته.
أما النقابات العمالية والمؤسسات المشابهة، فقد قُيِّدت عبر منظومة شديدة التعقيد تضم آلاف البنود المعلنة وغير المعلنة، مما حوَّل هذه المؤسسات إلى أدوات تخدم مصالح النظام بدلًا من أن تكون حامية لحقوق العمال. وهكذا، أُضعفت قدرتها في خوض النضالات الطبقية بفاعلية.
تتجلى استراتيجية الدعاية في قمع الحركات الثورية وتوجيه الرأي العام لصالح القوى المهيمنة. يتم استغلال الشخصيات الانتهازية وتشويه صورة المثقفين الأحرار لخدمة هذه الغايات. علاوةً على ذلك، تُكبَّل الحركات العمالية بسلاسل من التشريعات التي تُكرِّس خدمة النظام الرأسمالي على حساب العدالة الاجتماعية.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟