أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حق الشعوب بالانتحار ولكن..















المزيد.....


حق الشعوب بالانتحار ولكن..


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 02:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشهد اسرائيل، هذه الأيام، آخر تداعيات الحرب الجارية منذ سنوات طويلة بين دعائم وبقايا منظومات الحكم السابق فيها، وبين كتائب "العهد القديم" الذي يعمل بنيامين نتنياهو على تأسيسه وترسيخه ومعه تحالف شرس من ممثلي القوى القومية الشوفينية وقادة الحركات الدينية المسيانية الأصولية وثلة من الناطقين باسم "روح الشعب"، يهددون باسمه كل من يقف في طريقهم ويؤخر إنجاز مهمتهم التاريخية في إقامة إسرائيل الكبرى.

تتمحور المعركة الحالية حول موقعي المستشار القضائي للحكومة ورئيس جهاز المخابرات العامة -الشاباك؛ اذ أن معظم مراكز القوة والإدارة والحكم السابق قد أجهز عليها تماما أو قد أخضعتها الحكومة الحالية أو سابقاتها، التي تولى رئاساتها بنيامين نتنياهو على عدة دورات، لإمرتها، وحوّلوها إلى أجهزة موالية لسياساتهم.

لم تبدأ هذه "الحرب" في السنتين الأخيرتين كما يعتقد البعض؛ فمآرب نتنياهو وسعيه في التحوّل الى زعيم إسرائيل الأوحد والقوي، بدأت منذ سنوات طويلة، وتحديدا داخل حزب الليكود نفسه، حين نجح بالتخلص من جميع منافسيه الطبيعيين التقليديين، أو من أطلق عليهم اسم "أمراء الحزب"، بالاشارة الى كونهم أبناء أو أحفاد مؤسسي الحزب وقادته التاريخيين في تشكلاته السابقة، واستبدالهم بقيادات جديدة، استلّ بعضهم من قواعد شعبية عديمة الخبرة الحزبية والوعي بأصول إدارة الحكم في "دولة ديمقراطية"، وبعضهم ترقّوا على سلالم أتاحها لهم نتنياهو نفسه خلال معاركه داخل مؤسسات حزبه، ونجح ببناء حزب يقف على رأسه وتحته مجموعات تعرف أنها مدينة للزعيم ولا تستطيع ولا تجرؤ على منافسة قيادته المطلقة أو الطعن بجدارته بها، مهما فعل أو لم يفعل.

لست في معرض التعرض الى تداعيات هذا الفصل في تاريخ الحالة السياسية الاسرائيلية، خاصة وأننا ما زلنا نتابع مشاهده الأخيرة، التي ستحسم، هكذا أتوقع وفق جميع المعطيات، لصالح نتنياهو وحلفائه. ولكن لنقفز، في هذه العجالة، عمَا مضى وننظر الى الحاضر والسؤال حول واجبنا وقدرتنا في التأثير عليه كمواطنين وكأبناء لأقلية قومية ستتأذى بشكل لم نعهده من قبل.

أقول هذا وأعرف أنها ليست المرة الأولى التي أحاول فيها الاشارة الى هذه المسألة والى خطورة ما سيواجهنا؛ فالمجتمع الاسرائيلي كان يهوي، منذ سنين عديدة، بتسارع مقلق وواضح نحو الهاوية؛ ورغم الخطورة، لم ينجح المجتمع العربي في إيجاد سبل مواجهتها، بل نأت أكثريته عن "متاعب السياسة" فعافوها، وذهب كل فرد يفتش في وعره عن "مسارب نجاته" وعن خيمة تضمن له المنفعة. لقد اهترأت الكوابح الهويّاتية الجامعة والاجتماعية وسقطت القيم الواقية، في حين كانت قيادات حركاتنا وأحزابنا السياسية ومؤسساتنا تهرول على ذاك المنزلق الخطر وتجر وراءها الناس نحو باب الهاوية.

حصل ما حصل ووصلنا إلى المشهد الأخير، وأخشى أن تقفل الستارة ونحن خارج اللعبة أو كزوار على هذا البيدر.

لقد عاد نبض العقل الى بعض الشرائح اليهودية؛ فرأينا مؤخرا الآلاف يخرجون في مظاهرات احتجاج ضد إغارة نتنياهو على موقعي المستشار القضائي للحكومة ورئيس جهاز المخابرات العامة؛ ويتهمونه بأنه عاد ليستغل حربه على غزة خدمة لأهدافه الخاصة ومنفعته السياسية.

يعتبر انطلاق حركة الاحتجاجات ضد نتنياهو خطوة ضرورية ومحاولة هامة، لوقف الانزلاق نحو الهاوية بالنسبة لنا أيضا، خاصة أنها تجري في غياب أي تحرك سياسي لافت داخل المجتمع العربي أو أي تعبير عن موقف مؤسساته، القيادية أو الحزبية أو النخبوية، ازاء حروب الحكومة على جميع الجبهات والمعركة الحالية على موقع المستشار القضائي، وكأن مصير هذه المعركة لا يعني المواطنين العرب ولن يؤثر على مصالحهم وحقوقهم وعلاقاتهم بمؤسسات الدولة وقراراتها تجاههم. ومثلها غياب مواقفهم تجاه المعركة على موقع رئيس الشاباك وتبعات تحويله ،كما تصر الحكومة، الى مجرد موظف تابع لرئيس الحكومة ويدين له بالولاء الشخصي وليس بالولاء لسلطة القانون ،كما هو الحال اليوم.

أتصور أن المواطنين العرب بأكثريتهم لا يبالون بهاتين المسألتين، لأنهم يغفلون عمليا أهمية وتأثير هذين المنصبين على امكانية تغيير ظروف حياتهم اليومية للأسوأ ؛ ويتذكرون ما حفظوه، منذ قيام إسرائيل، عن ممارسات الشاباك وقمعه ضد مواطنيها العرب، وكذلك يتذكرون المواقف السلبية التي اتخذها المستشارون القضائيون للحكومات السابقة بحق المواطنين العرب وقياداتهم. تعتبر هذه الحقائق عوامل هامة ودوافع شعبية سليمة ومفهومة، ولكن لا يمكنها، رغم أهميتها، أن تمنع الخبراء القانونيين وقادة المؤسسات القيادية والحقوقية والمدنية العاملة داخل المجتمع العربي من اتخاذ موقف أكثر مهنية وقياديا مدروسا، لا سيما اذا وضعناها في سياق الأحداث العام وفهمنا أن المعركة على هذين المنصبين هي آخر المعارك وبعدها سنواجه واقعا جديدا ستتحكم فيه شرائع التوراة والمكلفين بتنفيذها وكتائب "المطوّعين" الذين سيستعملون السياط بيد وبالاخرى مسدسا أو بندقية.

كانت علاقة المواطنين الفلسطينين بمؤسسات الدولة شاغلا حاضرا في كتاباتنا على الدوام؛ وأذكر أنني تطرقت، قبل خمسة عشر عاما، لعلاقتنا بمكتب المستشار القضائي للحكومة وتحديدا بعد قرار "ماني مزوز"، المستشار القضائي للحكومة في حينه، تقديم لائحة اتهام ضد محمد بركة، وكان حينها نائبا في الكنيست. كانت مؤسسة المستشار القضائي للحكومة تواجه هجوما من قبل الأحزاب اليمينية ومحاولات لم تتوقف، كما نرى اليوم، لتفكيكها واضعافها. وقتها كتبت: "إن قرار مزوز كان متوقعا، لأنه يقدّم ضحية سهلة على مذبح السادة، ولكنه قرار خطير يستوجب منا ألا نستكفي بالشجب وبالتوصيف؛ فعلى مؤسساتنا القيادية وتلك التي تعنى بالشؤون القانونية والمدنية لجماهيرنا ومعشر المحامين والقانونيين بيننا، تدارس قضية علاقتنا بمؤسسة المستشار القضائي بشكل شامل ومعمق، وفي طليعة ذلك، علاوة على تقييم دور هذه المؤسسة تجاهنا، السؤال هل في صالحنا أن تكون مؤسسة مستقلة وقوية، وأن يقف على رأسها شخص مستقل نسبيا؟ وهل يمكن أن يكون لنا دور أو تاثير في هذا الشأن؟ وهل حاولنا في الماضي؟" وأضفت: "من الجائز أن يكون جوابك الفوري: لا فرق بين هذا وذاك، فكلهم بالشر سواسية؛ وإن كان هذا الجواب، فليكن بعد دراسة وبحث، اذ حتى اليوم اكتفينا، كلما وقعت القرعة على أحدنا، برد الفعل واعلاء صوتنا شاجبين ومحتجين. هذا أمر ضروري وهام ولكنه برأيي غير كاف". ومرت السنون، أكتب وأنسى، ويستمر اليمين بزحفه؛ والعرب، هناك وهنا، "ينامون ملء جفونهم" وقلاعهم تسقط تباعا حتى لم يعد عندهم ولا عندنا لا "سيف ولا رمح ولا قرطاس ولا قلم".

لا أحد يحاسب أحدا عندنا؛ ذاكرة الشعوب/الجماهير خوّانة وأحيانا مغتصبة؛ فمن يجرؤ على الكلام في "زمن الغزة"، ومن يحاسب من، ومن يراجع الحسابات ومن يقيّم الخيارات ومن يكيل النصر أو الهزائم وقد حفرت كلها مآثر على نصال سيوف، ودفنت في قبور من رمل وفوقها شواهد كتب عليها: "بيض صنائعنا، سود وقائعنا، خضر مرابعنا، حمر مواضينا".

لا أعرف ما الذي ذكرني بما كتبه الجنرال "يهوشفاط هركابي" في كتابه الهام بعنوان "قرارات مصيرية" الصادر عام 1985. كان هركابي قائدا للمخابرات العسكرية في منتصف خمسينيات القرن الماضي ومحاضرا بارزا في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية. وقد شعر في تلك السنوات ان التقارب الحاصل بين القوى اليمينية القومية والحركات الدينية السلفية وعلاقة الدين بتشكيل مفاهيم الصهيونية ومكانة المستوطنات في الأراضي المحتلة، كلها مؤشرات تدل على جنوح قومي يهودي خطير وتهديد لمصير الدولة فكتب: "إنني أقر بالحق الديمقراطي لليهود في اسرائيل أن ينتحروا قوميا، فاذا حصل هذا سأكون معهم، ولكن عليّ، بقدر ما استطيع، أن أحذرهم من ذلك، وها أنا فاعل بالوسيلة المتاحة لدي، بالكتابة". لم يسمع إخوة هركابي نصائحه، لكنهم لم يخوّنوه ولم ينبذوه ولم يقتلوه؛ فلقد كتب وانتقد وراجع وقيّم ونصح، ومثله يفعل اليوم يهود كثيرون، ويعرفون أنها قد تكون هذه آخر هوامشهم، فبعدها قد يكون الانتحار، أو قد يحصل كما في دين العروش والممالك: ستنصب للمعارضين المشانق وللمختلفين ستنعقد الدواوين وتقضي الشرائع.

ما الذي ذكّرني اليوم بنصائح هركابي لقومه؟ ربما هي فكرة الانتحار القومي، أو ربما لأنني أكتب وأُنسى وأعرف "أنني حيّ وحر حين أنسى"؛ والسلام لروح درويشنا الذي لن ينسى!



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطبيع مع اسرائيل، -لا أرض أخرى- في مواجهة لا رأي آخر
- اسرائيل ونحن بين خراب آت وعمار بحاجة لجسور متينة
- ماذا لو جرت الانتخابات الاسرائيلية اليوم؟
- القضاء الاسرائيلي ، باطل يراد به باطل
- ثنائية الوهم والأمل، بين رئيس نزق وأمير حاذق
- أعداء السلام هم أعداء -افشاء السلام-
- صفقة الأمل والفرح المحظورين وطوفان الاحتلال على الضفة المحتل ...
- كيف ومتى ستنتهي حروب السماء
- باقون في الوطن،لن نسقط جواز السفر
- في -دار الحرب- وفي -دار السلم- ، محنة شجرة الميلاد باقية
- غصات شامية وفلسطينية،فتوحات متخيّلة وأمان تنتظر الحصاد
- رسالة إلى الياس خوري، إلى أن يعود الكلام في دمشق إلى أصله
- بين فوضى الرصاص وفوضى العجز، دروس في الفاشية
- حلم لبناني قصير
- هل كانت فلسطين السبب بالإطاحة برئيس الأساقفة
- اسرائيليات،إطلالة على فكر المؤسسة الصهيونية من خلال وثائقها
- الانتظار حكمة المتعقلين أو خيار العاجزين
- ماذا بعد الاعتداء على مروان البرغوثي ورفاقه
- حتى يفتح باب الاجتهاد،الدم يصرخ: أوقفوا هذه الحرب اللعينة
- يا ساكني الزنازين اتحدوا


المزيد.....




- ترامب يوجه صفعة لشخصيات مثل كامالا هاريس وكلينتون بمذكرة وقع ...
- ويتكوف: -بوتين صلى من أجل ترامب- عقب محاولة اغتياله
- ألعاب نارية ومشاعل تضيئ سماء كردستان العراق في احتفالات عيد ...
- الحكومة البريطانية ترفع مؤقتا القيود المفروضة على رحلات الطي ...
- ويتكوف: لقاء ترامب وبوتين قد يتم في الأشهر القليلة المقبلة
- -بيلد-: انهيار سلطة فون دير لاين في ظل رئاسة ترامب
- ويتكوف: الحل في غزة يمر عبر نزع سلاح -حماس- وإجراء انتخابات ...
- ويتكوف: الشرع تغير وسوريا ولبنان قد يوافقان على تطبيع العلاق ...
- الذكاء الاصطناعي يرد على مقال -لا تقلل أبدا من شأن السعودية- ...
- السعودية.. فيديو حسرة سائق بعد سرقة -كفرات- سيارته برمضان يث ...


المزيد.....

- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حق الشعوب بالانتحار ولكن..