ثائر ابو رغيف
كاتب مهتم بالأوضاع ألسياسية
(Arthur Burgif)
الحوار المتمدن-العدد: 8287 - 2025 / 3 / 20 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أن أصر ترمݒ على إعادة تسمية خليج ألمكسيك بخليج أميركا وأجبر شركة گوگل على إدخالها في برنامج خرائطها تحفزت لكتابة المقال فالقارتين الأميركيتين تمت تسميتهما حوالي 1507-1508 بإسم أميريگو ڤسݒوچي (مكتشف إيطالي سبق كولومبس) حيث مجموعة من الباحثين الإنسانيين الذين يدرسون الجغرافيا في سانت دييه، وهي بلدة فرنسية صغيرة في دوقية لورين. ضمت الأكاديمية، بقيادة والتر لود، ماتياس رينگمان ومارتن فالدسيمولر. في عام 1506 حصلوا على خريطة بحرية برتغالية توضح ساحل الأراضي المكتشفة حديثًا في غرب المحيط الأطلسي. ظنّوا أن هذا هو "العالم الجديد" أو "الأرض المقابلة" التي افترضها الكُتّاب الكلاسيكيون. نسبت رسالة سوديريني إلى ڤسݒوچي الفضل في اكتشاف هذه القارة الجديدة، وألمحت إلى أن الخريطة البرتغالية استندت إلى استكشافاته. في أبريل 1507، نشر رينگمان وفالدسيمولر كتابهما "مقدمة في علم الكونيات" مصحوبًا بخريطة للعالم. كُتبت المقدمة باللاتينية، وتضمنت ترجمة لاتينية لرسالة سوديريني. في مقدمة الرسالة، كتب رينگمان:
لا أرى سببًا يمنع أي شخص من رفض اسم مشتق من اسم أميريگو، المكتشف، الرجل العبقري الفطن. الاسم المناسب هو أميريجي، أي أرض أميريجو، أو أمريكا، نظرًا لأن أوروبا وآسيا قد أُطلقت عليهما أسماء نسائية
طُبعت ألف نسخة من خريطة العالم بعنوان "الجغرافيا العالمية وفقًا لتقاليد بطليموس ومساهمات أميريگو ڤسݒوچي وآخرين". زُيّنت الخريطة بصور بارزة لبطليموس وفسبوتشي، ولأول مرة، أُطلق اسم أمريكا على خريطة للعالم الجديد.
ألم يكن أولى بترمݒ (وهو النرجسي) أن يعيد تسمية قارته ب ترمݒيا مثلاً كما فعل آل سعود بإرض نجد وألحجاز؟ طبعا هذه مزحة اذ ان من الانصاف تسمية القارتين باسماء من لغات السكان الاصليين.
أما بالنسبة للعديد من البلدان لا تزل تحمل أسماء صدى ماضيها الاستعماري أو الإمݒريالي، حيث تحمل غالبًا أسماء مستكشفين أو ملوكًا أو شخصيات دينية أجنبية. على سبيل المثال، اشتُق اسم كولومبيا من كريستوفر كولومبوس، والفلݒين من الملك فيليݒ الثاني ملك إسبانيا (رغم كونها دولة آسيوية)، وبوليڤيا من سيمون بوليڤار. ومع تزايد الوعي العالمي بإرث الاستعمار، فإن معظم هذه الدول لم تعُد إلى أسمائها ما قبل الاستعمارية أو الأصلية. يثير هذا الواقع سؤالًا ملحًّا: لماذا تحتفظ البلدان بأسماء مرتبطة بشخصيات أجنبية تاريخية وفي معظم ألحالات إستعمارية، حتى لو مثَّلت تلك الشخصيات اضطهادًا أو محوًا ثقافيًا؟ تكمن الإجابة في تفاعل معقَّد بين الهوية، والاعتبارات العملية، والسياسة، والغموض التاريخي
عبء الهوية التاريخية
على مر القرون، يصير اسم البلد جزءًا لا يتجزأ من هويته الوطنية. حتى لو كان الاسم مرتبطًا بشخصية أجنبية، فإنه يتحول ليمثِّل التجارب المشتركة والنضالات وإنجازات شعبه. على سبيل المثال
كولومبيا (نسبة إلى كولومبوس) وبوليڤيا (نسبة إلى بوليڤار) أصبحتا رمزَيْن للاستقلال والسيادة، رغم جذورأسميهما الاستعمارية
تبنَّت الفلݒين اسمها كجزء من مزيجها الثقافي الفريد الذي يجمع بين التأثيرات المحلية والإسبانية والآسيوية
يُعَرِّض تغيير الاسم هذه الهوية المُكتَسَبة بصعوبة للخطر، خاصة إذا كان السكان لا يملكون ذاكرة جماعية لاسم ما قبل الاستعمار, فمعظم سكان الفلݒين مثلهم كسكان الأميركتين كانوا قبائل وليسوا دول إذا تغاضينا عن حضارات المايا الأزتك والأنكا في القارة "الأميركية" ألجنوبية.
التحديات العملية لإعادة التسمية
تغيير الاسم ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو عملية لوجستية ومكلفة. على الحكومات أن
تُحدِّث جوازات السفر والعملات والخرائط والمستندات القانونية
تُعيد تسمية المؤسسات الدولية (مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي)
تتعامل مع الارتباك المحتمل في التجارة العالمية والدبلوماسية والسياحة
على سبيل المثال، عندما تحوَّلت سوازيلاند إلى إسواتيني عام 2018، استغرقت العملية سنوات وتكلفت ملايين الدولارات. قد تفتقر الدول الصغيرة إلى الموارد اللازمة لمثل هذا التغيير الجذري، بينما تواجه الدول الكبرى تعقيدات أكبر
الانقسامات السياسية والاجتماعية
يتطلب استعادة الاسم الأصلي إجماعًا واسعًا، وهو أمر يصعب تحقيقه. قد تختلف الجماعات العرقية أو اللغوية أو الإقليمية حول الاسم ما قبل الاستعماري الذي يجب تبنيه. مثلًا
في الهند، يروج البعض كرئيس الوزراء الهندوسي مودي لاسم "بهارات" كبديل سنسكريتي هندوسي، لكنه يتعايش مع اسم "الهند" (المشتق من نهر السند) دون أن يحل محله
في الجزائر، تتصادم المناقشات حول استعادة أسماء أمازيغية مثل "تمازغا" مع الروايات الوطنية ذات النزعة العربية
غموض "الأسماء الأصلية"
في كثير من الحالات، تكون الأسماء ما قبل الاستعمارية غامضة أو محل نزاع. قبل الاحتكاك الأوروبي، كانت العديد من الأراضي موطنًا لجماعات عرقية متعددة بلغات مختلفة وهوية سياسية غير موحدة. مثلًا:
تشكَّلت هوية جمهورية الكونغو الديمقراطية ما قبل الاستعمارية من ممالك مثل كونغو ولوبا، لكن لم يكن هناك اسم واحد يمثل الحدود الحديثة.
عُرِفت جزر مارشال بأسماء محلية مثل آيلون كين، لكن جزرها البالغة ١٢٠٠+ جزيرة لم تكن تحمل تسمية موحدة
الاعتراف الدولي والاستقرار
اسم البلد هو حجر الزاوية في علاقاته الدبلوماسية. قد يؤدي تغييره إلى ارتباك أو حتى رفض الاعتراف به من دول أخرى. مثلًا:
عندما تحوَّلت فولتا العليا إلى بوركينا فاسو عام ١٩٨٤، تَطلَّب الأمر إعادة تفعيل المعاهدات والاتفاقيات
لا يزال تغيير اسم ميانمار (من بورما) عام ١٩٨٩ مثيرًا للجدل من بعض الحكومات والناشطين، مما يعقِّد مكانتها العالمية
إرث التثاقف (الاستيعاب الثقافي)
قرون من الحكم الأجنبي تمحو غالبًا اللغات والتقاليد المحلية. في أمريكا اللاتينية، حلَّت الإسبانية والبرتغالية محل العديد من اللغات الأصلية، مما جعل إحياء الأسماء ما قبل الاستعمارية أصعب. وبالمثل، في نيوزيلندا، يتعايش الاسم الماوري أوتياروا مع اسم نيوزيلندا، لكن استبدال الأخير تمامًا لا يزال مثيرًا للجدل
استثناءات: عندما تحدث تغييرات الأسماء
استعادت بعض الدول أسماءها الأصلية، غالبًا مرتبطة بحركات مناهضة للاستعمار
روديسيا → زيمبابوي (١٩٨٠): رفضًا لإرث سيسيل رودس الاستعماري
سيلان → سريلانكا (١٩٧٢): تبني اسم سنهالي يعني "الجزيرة المتألقة""
جزر الهند الشرقية الهولندية → إندونيسيا (١٩٤٥): اشتُق من اليونانية (إندوس + نيسوس)، لكنه أكد هوية وطنية موحدة
لا يعني الاحتفاظ باسم أجنبي بالضرورة الرضا عن التاريخ. بالنسبة للعديد من الدول، فإن التركيز ينصب على بناء المستقبل بدلًا من المرافعة حول الماضي. أسماء مثل كولومبيا أو الفلبين تجاوزت أصولها لتمثِّل الصمود والتنوع الحديثين. ومع ذلك، مع تصاعد حركات إنهاء الاستعمار—مثل الدعوات لتغيير اسم صخرة أولورو في أستراليا (المعروفة سابقًا بـآيرز روك) أو هايدا غواي في كندا (المعروفة سابقًا بجزر الملكة شارلوت)
في النهاية، قرار استعادة الاسم الأصلي يعتمد على قدرة وتصميم الأمة على التوفيق بين تاريخها وتطلعاتهاوهو عمل دقيق لاستعادة الهوية في عالم لا يزال تحت ظلال أشباح الإمبراطوريات.
والطرفتان التي سأختم بها ألمقال هي تحويل صدام حسين أسم ألجمهورية ألعراقية إلى جمهورية ألعراق لأن ألتسمية الأولى مؤنثة وارادها أن تصبح ذكورية وبالمناسبة اسم العراق ضارب في القدم ومشتق من أوروك التي تعتبرإحدى أوائل المراكز الحضارية في العالم التي ظهرت في بداية العصر البرونزي قبل حوالي 4000 سنة قبل الميلاد. اما ألطرفة في إحدى المُقابلات، سألت مُقدّمة البرنامج شاعر العرب الاكبر محمد مهدي ألجواهري: "من أي بلد أنت؟" فأجابها: "أنا من العـُراق". ضحكت المُقدّمة قائلةً: "لكن كلمة العراق لا تُلفظ بالضم بل بالكَسْر". حينها قال الجواهري: "يعزّ عليّ أن أكسر عين العراق لأنّ عين العراق لا تُكسَر أبداً"
بعض مصادر المقال:
https://en.wikipedia.org/wiki/Amerigo_Vespucci
https://www.almayadeen.net/articles/opinion/1335111/%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A8%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82
#ثائر_ابو_رغيف (هاشتاغ)
Arthur_Burgif#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟