أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - تغييب التلاوة البغدادية














المزيد.....


تغييب التلاوة البغدادية


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 17:20
المحور: الادب والفن
    


استَعدتُ جملة سائق التاكسي بجواري في بغداد بعد أن سألني ماذا أفعل في وجهتي إلى جريدة “الجمهورية”، قلت له “إنني أعمل فيها،” فرد بلا تردد وكأنه يعرفني منذ عقود “إنكم أيها الصحافيون لا تخافون من الله!”
لم ينتظر ردة فعلي على اتهامه، وهو يواصل الكلام بقوله “عندما يموت فنان فإنكم لا تتوقفون عن استعادة كل ما يمت بصلة إلى نتاجه حد المبالغة، لكنكم تتوارون بصمتكم عندما يرحل قارئ للقرآن الكريم.”
لم يمض آنذاك غير بضعة أسابيع على رحيل القارئ البغدادي الحافظ صلاح الدين عام 1991، فقال محدثي وهو يقود سيارته “ماذا كتبتم عن هذا القارئ الفذ الذي ودعنا قبل أيام.” ولأنني شعرت بألم تساؤله المشروع، لم أسأله إن كان يمت بصلة قربى للقارئ الراحل وهو الأرجح على ما أتوقع. قلت له “ستأتيك الإجابة بمجرد أن نصل إلى مبنى الجريدة.” وبالفعل تركته في سيارته وصعدت سريعا إلى الأرشيف وجلبت له نسخة من عدد سابق لجريدة “الجمهورية” كان قد كتب فيها الناقد الراحل عادل الهاشمي دراسة عن الحافظ صلاح الدين بعد أيام من رحيله. قلت له “تفضل” وأعطيته نسخة الجريدة التي كانت بمثابة إجابة عن تساؤله العادل.
لماذا أعود إلى هذه القصة التي مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما؟ لأن مع أيام شهر رمضان المبارك تغدق علينا القنوات الفضائية بتسجيلات نادرة من التلاوة القرآنية البغدادية وكان من بينها ما سمعت من تلاوة مذهلة لسورتي القمر ومريم للحافظ صلاح الدين. فتحول تساؤل ذلك الرجل اليوم عما إذا كان العراقيون يحافظون على إدامة التلاوة القرآنية في زمن ترييف الثقافة واستبدال ترتيل القرآن الكريم بالمراثي الطائفية الفجة.
سيكون من المفيد العودة إلى القارئ صلاح الدين المولود في بغداد عام 1923 والمتوفى فيها عام 1991، بوصفه من بين كبار القراء العراقيين الذي تأخذ طريقته في التلاوة نسيجها الفني من المقامات العراقية “المخالف، الجبوري الإبراهيمي، المدمي، الحويزاوي” إلى جانب المقامات العربية “البيات والحجاز والصبا والحسيني.”
لم نكن نجد في نطق القراء العراقيين عوجا ولا نلمس في لهجتهم حرفا غير عربي النطق من خلال أصواتهم لتقريب الكتاب العزيز إلى الأفهام والعقول والقلوب. بينما يشكو لي أحد كبار الموسيقيين العراقيين اليوم من أنه يكاد يفقد السيطرة على مشاعره حد الغضب بمجرد سماع الأذان من حسينات ومساجد عراقية نسيت مقام الحجاز والمدمي العراقي وهي ترفع الأذان بطريقة فارسية حتى في لفظ كلمة الله!
القارئ صلاح الدين الذي فقد بصره صغيرا مكنه الله من حفظ القرآن على السماع ثم درس قواعد التلاوة على يد العلامة الشيخ إسماعيل الواعظ‏، وتأثر كثيرا بالحافظ مهدي‏، أحد كبار القراء العراقيين التاريخيين الذي كان ينتزع الأرواح والدموع معا عندما يتلو آيات الله البينات بمقام المخالف الذي لا يمكن إلا أن يكون عراقيا.
استطاع الحافظ صلاح الدين أن يمد طريقته على فترة زمنية عاشها قارئا موصول النجاح له طابعه الخاص مع تمكّن يتميز بالمعرفة التلقائية، وطريقته في التلاوة وفق الناقد الراحل عادل الهاشمي بكتابه “فن التلاوة: أصوات وأنماط” جعلت له مريدين وأسماعا كثيرة، وكان في أفق التلاوة البغدادية يبرز صوت جديد يختلف عن أصوات سابقيه ومعاصريه في معدن الصوت وطريقة الأداء ومذهب التغني.
وإذا كان الحافظ صلاح الدين كثير التحزّن في تلاوته، فهو بهذا الاتجاه يشكل أداء صحيحا مقترنا بالتلاحين اللازمة للتغني بالقرآن الكريم.
شكّلَ رحيل الحافظ صلاح الدين تساؤلا أساسيا حول مستقبل التلاوة البغدادية إذا علمنا أن أصواتا عديدة لا تستطيع أن تحمل إمكانية الحفاظ على تقاليدها الآخذة بها إلى نواحي التطور. فدعونا نبحث اليوم عمن يحفظ للتلاوة العراقية استمراريتها؟



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألا تكفي خمس جوائز أوسكار!
- تدليس مفهوم الدولة عند نوري المالكي
- استحواذ على ملكيتنا الفكرية
- أوروبا الرجل الطيب أم المريض
- دمشق يا أخت بغداد
- بيرس مورغان مدير على نفسه
- نسخة ترامب2.0 تحرق السقف
- السياب في لندن
- أوبريت حمائم الإطار التنسيقي
- بشارة الخوري بمقام عراقي
- عندما كانت الرسائل شفاعة وجد
- سقوط صحافيين كبار!
- بيت العجائب
- صبا وحجاز عراقي
- البيت الشيعي اختراع مزيف
- نكهة القهوة تُدفع قسرا إلى المتحف
- لا أسوأ من التخمين السياسي
- الصوفي المطمئن عبدالهادي بلخياط
- الإطار التنسيقي المهزوم في سوريا
- لم يعد غوارديولا جوبز كرة القدم


المزيد.....




- جامعة كامبردج تمنح مغني الراب البريطاني ستورمزي دكتوراه فخري ...
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يطلب الإذن باجتماع مشتر ...
- بجولات سياحية.. بريطاني يعرف العالم بإرث المسلمين في لندن
- -تشوه التاريخ-.. برلماني روسي يدعو لحظر المسلسلات التلفزيوني ...
- إطلالة على الأدب الأفريقي المكتوب بالبرتغالية.. جيرمانو دي أ ...
- إعلان مفاجئ بشأن آخر حلقة من مسلسل -معاوية-!
- عدنان ديوب و-العهد-: البحث عن الفردوس المفقود في الدراما الش ...
- بعد مسيرة حافلة.. محمد سامي يودّع الدراما التلفزيونية ويعلن ...
- العلاقات الروسية-العربية.. حوار ثقافي وإنساني يتجدد على مائد ...
- دليلك السياحي إلى اكتشاف ألبانيا.. الجوهرة المخفية في غرب ال ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - تغييب التلاوة البغدادية