|
ألكسندر دوغين – هناك دولة أعمق ونهضة مظلمة
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 15:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
7 مارس 2025
إن تحليل كيفية نجاح دونالد ترامب في الوصول إلى السلطة في الولايات المتحدة وبدء ثورة حقيقية ضد المسار السابق للعولمة الليبرالية، الذي استمر لعقود، يثير العديد من الأسئلة الجادة. خاصة عند النظر إلى عامل "الدولة العميقة". فأنصار ترامب أعلنوا حربًا حقيقية على هذه الدولة العميقة، وبدأوا في خوضها، وحققوا بالفعل عدة نتائج مهمة — يكفي الإشارة إلى إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
يفهم أنصار ترامب "الدولة العميقة" على أنها شيء محدد للغاية. إنها النخبة الحاكمة ذات الأيديولوجية الليبرالية الديمقراطية (سواء كانت يسارية أو محافظة جديدة)، المتجذرة بقوة في الحكومة الأمريكية، المدعومة من قبل الأوليغارشية المالية والعسكرية والتكنولوجية المتقدمة، والمتشابكة مع أجهزة الاستخبارات بشبكاتها. هذه النخبة ربطت مصير أمريكا والغرب ككل بالعولمة، والأحادية القطبية، والانتشار الكوكبي لأيديولوجية "اليقظة" (wokeism)، بما في ذلك تقنين الانحرافات، والخلط القسري بين المجموعات العرقية من خلال تشجيع الهجرة الجماعية، وإضعاف الدول القومية ذات السيادة.
قدم ترامب أيديولوجية معاكسة تمامًا — أيديولوجية "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (MAGA). وهي مبنية على أسس معاكسة تمامًا: القيم التقليدية، التوزيع الطبيعي للجنسين (يوجد فقط رجال ونساء)، حماية الأمم من الهجرة الجماعية وخاصة غير الشرعية، تعزيز السيادة، والحفاظ على الدول القومية، الاعتراف بعالم متعدد الأقطاب (في تفسير ترامب، يُطلق على هذا "نظام القوى العظمى" Order of Great Powers).
نحن نشهد تحولًا أيديولوجيًا وحتى جيوسياسيًا، مع الأخذ في الإعتبار عواقب مثل هذا التحول في النموذج على السياسة الدولية. إعادة توزيع كاملة للأوراق وتوزيع جديد لأدوار "الصديق"/"العدو" في السياسة الداخلية الأمريكية والسياسة الخارجية. كل هذا تم تحديده من قبل ترامب خلال حملته الانتخابية (بشكل يشبه روح "مشروع 2025" (مشروع ٢٠٢٥ مبادرة سياسية لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة وترسيخ السلطة التنفيذية لصالح سياسات اليمين-ZZ)، الذي أعلن ترامب رسميًا ابتعاده عنه ولكننا نراه يتم تنفيذه بسرعة). بعد تنصيبه، بدأ على الفور في تنفيذ هذه الخطط، بتعيين مؤيدين أقوياء في مناصب رئيسية في الإدارة الجديدة، ومنحهم صلاحيات استثنائية (مثل جيه. دي. فانس، إيلون ماسك، بيت هيغسيث، تولسي غابارد، كاش باتيل، روبرت إف. كينيدي جونيور، باميلا بوندي، كارولين ليفيت، وغيرهم). أخيرًا، في خطابه أمام مجلسي الكونغرس الأمريكي في 3 مارس، أعطى ترامب برنامجه شكله النهائي، مجملًا جميع النقاط الرئيسية في وثيقة واحدة أصبحت خارطة الطريق لثورته المحافظة.
في الجوهر، تم الإعلان عن حرب إبادة ضد الدولة العميقة. لقد وضع ترامب مسارًا نحو تصفيتها.
ومع ذلك، في وقت سابق، أثناء تحليل ظاهرة ثورة ترامب، التي كرست لها كتابي الأخير The Tramp Revolution – A New Order of Great Powers، اقترحت فرضية أن مثل هذه التغييرات الجذرية لم تكن لتتحقق، ولربما لم يكن ليتم انتخابه أو حتى البقاء حتى التنصيب، لو لم يتلق دعمًا استثنائيًا من كيانات قوية جدًا على مستوى الدولة العميقة نفسها. فالعولميون، على مدى عقود من الحكم دون منازع، حققوا نفوذًا كبيرًا في الولايات المتحدة والعالم لدرجة أنهم سيطروا تمامًا على الوضع في السياسة، الاقتصاد، الإعلام، الدبلوماسية، الثقافة، والفن. ومبادرة ترامب الطموحة لإنهاء كل هذا دفعة واحدة — حتى بدعم الجماهير الأمريكية، التي أصيبت بالرعب من سياسات العولميين الليبراليين التي حولت الولايات المتحدة إلى سجن شفاف وأنقاض — لم تكن لتنجح إلا إذا تم اتخاذ قرار جذري وأساسي على مستوى عميق.
لكن هنا يظهر تناقض. كيف يمكن للدولة العميقة أن تمنح الضوء الأخضر لتدمير نفسها؟ بالطبع، إذا كان هناك انقسام داخل هيكلها، أي إذا كانت إحدى فصائل الدولة العميقة قد اختارت دعم ترامب، بينما بقيت الأخرى على المواقف الأيديولوجية السابقة، كما اقترحت في نصوص سابقة، فإن ذلك كان سيحل التناقض. ولكن في هذه الحالة، بعد وصوله إلى السلطة، كان من المنطقي أن ينسى ترامب وأنصاره الدولة العميقة تمامًا ويتوقفوا عن الدعوة إلى تصفيتها. كان يمكن أن يبقى هذا مجرد شعار انتخابي — وكانت التصفيات ستتم دون ضجة كبيرة، وكانت الدولة العميقة المعدلة لتبدأ العمل بشكل مختلف.
ولكن حدث العكس تمامًا. أنصار ترامب وحركة MAGA يواصلون تدمير الدولة العميقة بدقة — تفكيكها، وليس مجرد إعادة توجيهها.
هذا التناقض يتطلب تفسيرا مختلفًا. افتراض أن دعم القوى الشعبية وما يسمى بالأمريكيين العاديين، الذين يشكلون في الواقع جوهر ناخبي ترامب، سيكون كافيًا لمنحه تفويضًا لإجراء مثل هذه الإصلاحات الجذرية، أي تدمير الدولة العميقة، هو أمر ساذج إلى حد ما. ولكن افتراض أن الدولة العميقة نفسها قررت التصفية الذاتية هو أيضًا أمر غريب.
هناك دولتان – دولة عميقة ودولة أعمق!؟
ومن هنا تأتي فرضيتنا بأنه ليست هناك دولة عميقة واحدة، بل دولتان. هناك "الدولة العميقة" (deep state)، وهناك "دولة أعمق" (deeper state). الدولة العميقة البسيطة هي الشبكة الأمريكية والعالمية للعولميين الليبراليين، نوع من الأممية الليبرالية. هذا بالضبط كيف يعرّفها ويفسرها أنصار ترامب. وهي بالتأكيد لم تمنح ترامب أي تفويض للحكم؛ على العكس، فقد حاربت حتى النهاية. إذا لم تكن موجودة، لكان يجب اختراعها أو... إنشاؤها. دعم الأمريكيين العاديين من ولايات "الحزام الصدئ" وقلب أمريكا الشمالية لم يكن كافيًا لثورة بهذا الحجم. (حزام الصدأ الامريكيAmerican Rust Belt – يشمل ولايات أوهايو، وإنديانا، وشمال إلينوي، وجنوب شرق ويسكونسن، وميشيغان، وبنسلفانيا، وشمال ولاية نيويورك، وهي مناطق في الولايات المتحدة كانت في السابق مركزًا مزدهرًا للوظائف الصناعية والتصنيعية بفضل الشركات الموجودة فيها مثل شركات السيارات والصلب... ZZ).
يجب أن يكون هناك شيء آخر. ما هو؟
لفهم هذه الظاهرة الغامضة للدولة الأعمق، يجدر بنا مقارنة ولاية ترامب الأولى كرئيس للولايات المتحدة رقم 45 — ترامب 1.0 — وترامب كرئيس للولايات المتحدة رقم 47 — ترامب 2.0. دعم الأمريكيين العاديين كان مرتفعًا أيضًا في ذلك الوقت، وكل القوى المحافظة، بما في ذلك المحافظين القدامى، تجمعوا حول ترامب 1.0. في الوقت نفسه، كانت الإدارة تتكون بشكل رئيسي من ممثلي الدولة العميقة نفسها — العولميين المحافظين الجدد والجمهوريين غير المتماسكين، الذين يسميهم أنصار ترامب اليوم بـ "RINO" — اختصار لـ "جمهوري بالاسم فقط" Republican In Name Only، والذي يتطابق مع إسم "وحيد القرن" المهين rinoأوrhino. الأيديولوجية كانت مبنية بشكل عشوائي من مجموعة من نظريات المؤامرة — أحيانًا ثاقبة، ولكن في الغالب سخيفة. كل هذا وجد تعبيره في حركة "QAnon" — التي سميت على اسم مدون مجهول شرح هذه النظريات الغريبة تحت اسم مستعار "Q" ودعم ترامب بنشاط، حتى أنه تنبأ بفوزه في انتخابات 2016. كان ترامب آنذاك شخصية شعبية كارزمية محظوظة اقتحم البيت الأبيض ضد كل الصعاب على موجة من خيبة الأمل الشعبي من العولميين والليبراليين. لكنه لم يكن لديه أيديولوجية، فقط شبه أيديولوجية. (نظرية "كيو أنون" QAnon هي نظرية مؤامرة واسعة النطاق وغير مدعومة بأدلة، تدعي وجود مؤامرة سرية من قبل ما يسمى "الدولة العميقة" ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأنصاره منذ ولايته الأولى. تتضمن هذه النظرية ادعاءات غير مبررة عن نخب عالمية تشارك في طقوس شيطانية، والاتجار بالأطفال، وأنشطة إجرامية أخرى. نشأت النظرية من منشورات مجهولة على الإنترنت بواسطة شخص أو جهة تحمل اسم "Q"، زعمت امتلاكها معرفة داخلية من الحكومة. تم تفنيد هذه النظرية على نطاق واسع وارتبطت بعواقب ضارة في العالم الواقعي ZZ).
بحلول الولاية الثانية، ظهرت هذه الأيديولوجية. جوهرها ظل شعبيًا وليبرتاريًا libertarian . شيء مشابه كان موجودًا من قبل: تقليص حجم الحكومة، خفض المزايا الاجتماعية، رفض سياسات الجندر gender politics والرقابة الليبرالية، مكافحة الهجرة غير الشرعية، وهكذا. هذا القطب يمثله بشكل أكثر اتساقًا ستيف بانون Steve Bannon، الذي كان مستشار الأمن القومي لترامب خلال ولايته الأولى. ولكن الآن تمت صياغة هذا النظام من الآراء المحافظة-الشعبوية والقومية بوضوح شديد، مما انعكس في وثيقة منفصلة، "مشروع 2025". ومع ذلك، من غير المرجح أن تعكس مثل هذه الأحكام الموقف الحقيقي لما يمكن اعتباره الدولة العميقة، ناهيك عن الثانية — الدولة الأعمق. هذا ببساطة هو نفس مجموعة القيم والمواقف الأمريكية، ولكن من مرحلة سابقة. لا يمكن أن يكون هذا مشروعًا حقيقيًا لمستقبل بديل، حتى من بعيد، مقارنة بأيديولوجية العولميين الليبراليين، التي تجسدت في الدولة العميقة. الدولة العميقة في الولايات المتحدة حتى وقت معين نظرت إلى تناوب الإدارات الديمقراطية والجمهورية على أنها تغيير في الواجهة داخل النظام نفسه. ومن غير المرجح أن شيئًا عميقًا حقًا يمكن أن يؤيد فجأة ببساطة العصر الأمريكي السابق، شروطه وأولوياته، على حساب خيار أكثر "تقدمية" ومتقدمًا. لذلك، يجب البحث عن آثار الدولة الأعمق في مكان آخر.
أعمدة الدولة الأعمق وهنا يأتي شيء جديد جذريًا، لم يكن موجودًا حتى في الترامبية المبكرة. في انتخابات 2024، دعم ترامب شخصيات رئيسية من وادي السيليكون — أوليغارشيون وتكنوقراط، كانوا مرتبطين تقليديًا بالحزب الديمقراطي. هذه المجموعة مأخوذة تمامًا بعملية تسريع الزمن، التي انبثق منها مصطلح خاص وفلسفة مقابلة "التسريعية" (accelerationism). يعتقد أنصار التسريعية أن الوجود يتركز فقط في الزمن، ومن خلال تسريع الزمن، تسريع التقدم التكنولوجي، وخاصة في مجال الشبكات الاجتماعية والذكاء الاصطناعي، يمكن للبشرية أن تنتقل إلى مستوى جديد نوعيًا. في الجوهر، هذه قفزة نحو ما بعد الإنسانية، أو الإنسانية الفائقة.
ولكن في مرحلة ما، انقسم تسريعيو وادي السيليكون إلى حركتين — تسريعيو اليسار (left acc) وتسريعيو اليمين (right acc). الأولون اعتقدوا أن التقدم التكنولوجي يتوافق بشكل طبيعي مع أجندة اليسار الليبرالي وكانوا معارضين غير مشروطين للمحافظة والشعبوية. ولكن الأخيرون طرحوا أطروحة مفارقة إلى حد ما قبل عقدين من الزمن أن التقدم التكنولوجي والتسريعية لا يعتمدان على الأيديولوجية السائدة في المجتمع. أو بشكل أكثر جذرية: الأيديولوجية الليبرالية مع مبادئها الراسخة، سياسات الجندر، اليقظة، التنوع والشمول (DEI)، ثقافة الإلغاء، الرقابة، محو الحدود، والهجرة غير المنضبطة تعيق حاليًا التطور — ليس فقط أنها لا تسرع الزمن، بل تبطئه. صاغ مثقفو هذه الحركة، كورتيس يارفين ونيك لاند Nick Land and Curtis Yarvin، نظرية "النهضة المظلمة" (Dark Enlightenment)، التي تقول إنه للدخول إلى المستقبل، يجب التخلص من الأحكام المسبقة حول الإنسانية Humanismوالنهضة العادية، وبدلاً من ذلك، فإن العودة إلى المؤسسات التقليدية — مثل الملكية، المجتمع الطبقي، الطبقات المغلقة — سيساهم بشكل أكبر في التقدم التكنولوجي. (*النهضة المظلمة**، المعروفة أيضًا باسم **الحركة النيو-رجعية (NRx)**، هي مجموعة من الأفكار غير الديمقراطية والمعادية للمساواة والسلطوية التي تنتقد الديمقراطية الليبرالية الحديثة والتقدمية. تدعو هذه الحركة إلى العودة إلى الهياكل الهرمية التقليدية، مثل الملكية أو الحكم التكنوقراطي، وترفض مبادئ المساواة والاقتراع العام. تأثرت الحركة بفلاسفة مثل *نيك لاند* و*كورتيس يارفين* (الذي يكتب تحت الاسم المستعار "مينسيوس مولدبوغ")، وغالبًا ما تروج للنخبوية والشك في الديمقراطية، والإيمان بتفوق أنظمة اجتماعية أو ثقافية معينة. تُعتبر هذه الحركة مثيرة للجدل وهامشية، وغالبًا ما ترتبط بأيديولوجيات اليمين المتطرف والرجعية-ZZ)
من المهم أن هذه الفكرة تم دعمها بنشاط من قبل بعض الأوليغارشيين — خاصة بيتر ثيل، مؤسس PayPal وPalantir ومشاريع ناجحة أخرى، وإيلون ماسك. اخترق عمالقة التكنولوجيا بعمق المؤسسة الأمريكية، حيث يتحكمون في تقنيات حرجة للمراقبة، الشبكات، والاستخبارات الإلكترونية. كما حققوا تقدمًا كبيرًا في التطوير الهندسي، كما يتضح من نجاحات ماسك في الفضاء. وهكذا، ظهر اتجاه خاص، يُطلق عليه أحيانًا "ثيلية" (Thielism)، في وادي السيليكون. (**بيتر ثيل** (Peter Thiel) هو رجل أعمال ومستثمر ومفكر أمريكي بارز، ولد في 11 أكتوبر 1967 في ألمانيا. يشتهر بكونه أحد مؤسسي شركة *PayPal*، وأول مستثمر خارجي في فيسبوك، بالإضافة إلى تأسيسه لشركة Palantir Technologies، التي تعمل في مجال تحليل البيانات والأمن. ثيل هو أيضًا مؤيد معروف لليبرتارية والتفكير الابتكاري، وقد كتب كتابًا بعنوان *"Zero to One"* حول ريادة الأعمال والابتكار.
ثيل معروف بآرائه غير التقليدية ونقده للتعليم العالي والثقافة السائدة، كما أنه دعم حركات وأفكارًا مثيرة للجدل، بما في ذلك بعض جوانب **النهضة المظلمة** (Dark Enlightenment) والحركة النيو-رجعية. بالإضافة إلى ذلك، كان ثيل من الداعمين البارزين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ ولايته الأولى، وقد ألقى خطابًا في المؤتمر الوطني الجمهوري عام 2016.
يعتبر ثيل شخصية مؤثرة في وادي السيليكون والمشهد التكنولوجي العالمي، لكن آراءه السياسية والفلسفية غالبًا ما تثير الجدل-ZZ).
مثل تسريعيو اليمين مجموعة متماسكة من هؤلاء الأوليغارشيين الأقوياء الذين شعروا في مرحلة ما بأنهم أقوياء بما يكفي لتنفيذ أفكار "النهضة المظلمة" في السياسة الأمريكية.
فرضيتي هي أن هذه الظاهرة الظلية تشكل أساس الدولة الأعمق. هم ليسوا محافظين يمينيين بقدر ما هم معارضين أيديولوجيين لليسار الليبرالي والعولمة. علاوة على ذلك، وفقًا لنظريتهم، فإن التطور التكنولوجي الناجح والقفزة الحاسمة نحو تقنيات جديدة ونوع جديد من الوجود ممكنة فقط في أنظمة اجتماعية سياسية وثقافية مغلقة نسبيًا، تعيد إنتاج أشكال تنظيم المجتمع الإقطاعية الملكية على مستوى جديد.
انضم ثيل نفسه إلى ترامب في وقت مبكر، وشكل دائرة داخلية ضمت أفرادًا من عائلة ترامب بالإضافة إلى عدد من السياسيين الجمهوريين الواعدين، أبرزهم جيه. دي. فانس. أصبحت أنظمة Palantir جزءًا أساسيًا من العمليات اليومية لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وأجهزة الاستخبارات الأمريكية الأخرى، ومن بينهم، قامت "النهضة المظلمة" بتجنيد مؤيديه تدريجيًا. في الوقت نفسه، تم اختيار الشعبوية والقومية بشكل واعٍ كغطاء جماهيري لأفكارهم الطليعية والشريرة إلى حد ما.
كانت هناك حاجة إلى قاعدة انتخابية، ولكنها وحدها لم تكن كافية للفوز. ثم قرر "تسريعيو اليمين" الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، والتي بلغت ذروتها بشراء إيلون ماسك لتويتر (X). أصبح ماسك رمزًا للقطب الثاني من الترامبية، الذي أصبح يُعرف باسم "اليمين التكنولوجي" (tech right)، بينما أُطلق على الشعبويين اسم "اليمين التقليدي" (trad right). كان إشراك اليمين التكنولوجي بنشاط وجذب الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أدوات التأثير التكنولوجية المتقدمة الأخرى، هو الذي ضمن فوز ترامب. في هذه البيئة، تم تطوير "مشروع 2025". كما حصل الثيليون ومرشحوهم المختارون على مناصب عالية في الإدارة الجديدة. فانس وماسك هما الأكثر وضوحًا، لكنهما مجرد قمة جبل الجليد. العديد من الشخصيات من هذه المجموعة تولت مناصب رئيسية على مستويات مختلفة من الإدارة. ومن أبرزهم راسل فوغت، الذي كشف النقاب عن "مشروع 2025"، وأصبح مدير مكتب الإدارة والميزانية. (*راسل فوغت* Russell Vought هو سياسي أمريكي ومسؤول حكومي، يشغل حاليًا منصب رئيس منظمة **"Center for Renewing America"**، وهي مجموعة بحثية محافظة. شغل سابقًا منصب **مدير مكتب الإدارة والميزانية (OMB)** في إدارة الرئيس الأمريكي الأولى دونالد ترامب من عام 2020 حتى نهاية ولاية ترامب في يناير 2021.
فوغت معروف بآرائه المحافظة القوية ودعمه لسياسات ترامب الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تقليص حجم الحكومة وخفض الضرائب. كما لعب دورًا في تعزيز أجندة إدارة ترامب المحافظة داخل الجهاز البيروقراطي الفيدرالي. قبل عمله في الحكومة، كان نشطًا في الحركات المحافظة والمسيحية الإنجيلية. يُعتبر راسل فوغت شخصية مؤثرة في الأوساط السياسية المحافظة في الولايات المتحدة-ZZ).
سعى تسريعيو اليمين إلى تفكيك الدولة العميقة الليبرالية والعولمية، ليس من خلال الناخبين المحافظين العاديين، ولكن من خلال التسلل إلى النظام نفسه. بدءًا من ولاية ترامب الأولى وطوال كفاحه لإعادة انتخابه، كانت هناك جهود غير مرئية هائلة، ولم تظهر نتائجها إلا خلال فترة الانتخابات. وجد ترامب نفسه مسلحًا بأيديولوجية قوية ومنهجية، حيث يعمل اليمين التقليدي (مثل ستيف بانون وجاك بوسوبيك) كحزام نقل للشعبوية، بينما يجذب اليمين التكنولوجي (مثل بيتر ثيل، إيلون ماسك، فيفيك راماسوامي، مارك أندريسن، ديفيد ساكس، وغيرهم) قطاع التكنولوجيا المتقدمة الأمريكية إلى جانبه. يروج "تسريعيو اليمين" للعملات المشفرة، مهمات إلى المريخ، وحتى تحويل غرينلاند إلى مختبر ضخم لأجرأ التجارب وأكثرها جذرية. (*جاك بوسوبيك* Jack Posobiec هو شخصية إعلامية أمريكية ومراسل سياسي معروف بآرائه المؤيدة لليمين المتطرف ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. يعمل كمراسل لشبكة **One America News Network (OANN)**، وهي قناة إخبارية محافظة. اشتهر بوسوبيك بنشر نظريات المؤامرة ودعمه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى دوره في تعزيز حركة **QAnon** ونظريات أخرى مثيرة للجدل. بوسوبيك معروف أيضًا بمشاركته في الأحداث السياسية المثيرة للجدل، مثل احتجاجات **"Unite the Right"** في شارلوتسفيل عام 2017. يُعتبر شخصية مثيرة للانقسام بسبب آرائه المتطرفة وأسلوبه الإعلامي المثير للجدل-ZZ).
اليمين التكنولوجي – عماد الدولة الأعمق
على الرغم من أن اليمين التكنولوجي يُمثل أقلية في بحر الترامبية التقليدية، إلا أنهم يُمثلون ما أطلقنا عليه مؤقتًا اسم الدولة الأعمق. جوهريًا، هذه أيديولوجية تُعطي الأولوية للتكنولوجيا البحتة وتسريع انتقال البشرية العالمي إلى مستوى جديد – نحو الذكاء الاصطناعي العام، والذكاء الاصطناعي القوي، والتفرد التكنولوجي. مؤخرًا، غرّد إيلون ماسك من حسابه على منصة X: "نحن على أعتاب التفرد التكنولوجي singularity". (التفرد التكنولوجي—هي المرحلة التي يتقدم فيها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بسرعة تفوق سيطرة الفهم البشري-ZZ). والعائق أمام هذا الانتقال (في نظر التكنوقراط) هو الأيديولوجية الليبرالية الحمقاء، التي يُفككونها بنجاح في الولايات المتحدة، إلى جانب الدولة العميقة التي ترسخت فيها.
إذا كان هذا المفهوم صحيحًا، فسيتضح الكثير. أولًا، أي كيان ولأي أهداف بعيدة المدى سمح لترامب بالفوز (نعرف كيف نمنع الفوز من خلال أمثلة الانتخابات الأمريكية لعام 2020 والسياسة الأوروبية المعاصرة). ثانيًا، لماذا توقفت مقاومة الدولة العميقة بسهولة نسبية: لأن جزءًا منها (قطاع التكنولوجيا المتقدمة وبعض الكتل داخل مجتمع الأمن والاستخبارات) خضع لإصلاحات أيديولوجية بروح "النهضة المظلمة". وأخيرًا، لماذا يتصرف ترامب بهذا الحزم: ليس الأمر مجرد مزاجه، بل خطة عالمية لتسريع الزمن. لم تعد هذه شعبوية. إنها فلسفة واستراتيجية، بل حتى ميتافيزيقيا.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 529 – الصهيونية المسيحية، معركة هرمجدون، والمسي
...
-
ألكسندر دوغين - عالم الحضارات
-
طوفان الأقصى 528 – ترامب يقصف اليمن خدمة لإسرائيل
-
طوفان الأقصى527 – ترامب يبدأ حربًا جديدة في الشرق الأوسط
-
ألكسندر دوغين – نحن في روسيا نحتاج إلى التسارع الروسي مثل ال
...
-
طوفان الأقصى 526 – غزة تعيش على أمل
-
ألكسندر دوغين - انتصارنا في الحرب لا يمكن أن يكون موضوعا للم
...
-
طوفان الأقصى 525 – تهديد جديد لأردوغان: احتجاجات العلويين قد
...
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
-
ألكسندر دوغين - الفخ لم يعمل - روسيا والولايات المتحدة قد تق
...
-
طوفان الأقصى 523 – حول أحداث الساحل السوري – ملف خاص – 2
-
أنهى الحرب الباردة وحطم الإتحاد السوفياتي – كيف دخل ميخائيل
...
-
طوفان الأقصى 522 - حول أحداث الساحل السوري – ملف خاص – 1
-
«ماذا فعلت يا كوستيا؟»: كيف قاد تشيرنينكو غورباتشوف إلى السل
...
-
طوفان الأقصى 521 – ماذا يحدث للشرق الأوسط إذا توقفت روسيا وا
...
-
انتصار الغرب - قبل 35 عامًا، غسل غورباتشوف يديه ب -التخلي- ع
...
-
طوفان الأقصى 520 - الأويغور في سوريا -الجديدة- – كعامل لإعاد
...
-
بيريسترويكا عكسية
-
طوفان الأقصى 519 - رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَة
-
فشل غورباتشوف - مراجعة بعد عقود
المزيد.....
-
غزة والحوثيون وترامب.. كاتب إسرائيلي كبير يشرح ماذا حدث؟
-
مكالمة بوتين وترامب تشعل الجدل: هل تلوح فرصة للسلام أم استمر
...
-
الكرملين: كييف تحاول تقويض جهود السلام
-
ترامب يعرض تملّك منشآت طاقة أوكرانيا
-
ملتقى الإمارات الرمضاني.. تسامح وتعايش
-
الجيش اللبناني ينتشر في حوش السيد علي
-
لامي يتراجع عن تصريحاته بشأن إسرائيل
-
شويغو: هناك عقبات تعقد التسوية السلمية في أوكرانيا
-
-أ ب- عن مصدر: كندا بصدد إجراء محادثات مع الاتحاد الأوروبي ل
...
-
السلطات الأمريكية الاتحادية تبحث عن زعيم عصابة في لوس أنجلوس
...
المزيد.....
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|