أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهر عزيز بدروس - علمانية الدولة.. درس من تونس الخضراء














المزيد.....


علمانية الدولة.. درس من تونس الخضراء


ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)


الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 08:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فاجأت دولة تونس العربية الإسلامية العالم كله بفعل إصلاحي هائل في نظام الدولة ، فألغت في دستورها المواد الدينية التي كانت الأساس في قوانين عاني منها الشعب التونسي معاناة جمة ، وإذا بالدستور يعلن علمانية الدولة أساسا للعيش فيها لجميع الشعب دون تفرقة ، وإذا به يعزز المساواة المطلقة لجميع الشعب ، فتتواري العصبية الدينية في الدولة إلي غير رجعة .

الحق أنه لا يستطيع أحد أن يصادر علي الإجراء الوحيد الذي يرفع شان الأمة والإنسان فيها ، ألا وهو علمانية الدولة .

ولقد أثار ذلك ردود فعل واسعة بين رواد السوشيال ميديا ..

كتب لي أحد الإخوة الفضلاء تعليقا علي تهنئتي للشعب التونسي بعلمانية الدولة ، بأن " دين الله سبحانه وتعالى هو المصدر الأسمى للتشريع ،
لأن الشريعة تحقق العدل الإلهي ، وتضمن حياة متوازنة قائمة على القيم والأخلاق .
فكيف يمكن القول بأن تطبيق الشريعة لم يعزز الاستقرار المجتمعي ، ولم يحم الهوية الدينية ، ولم يوفر نظامًا قانونيًا قائمًا على العدل الإلهي بدلاً من القوانين البشرية القابلة للخطأ والتحيز ؟؟؟ " .

ذلك دائما هو منطق الذين يدفعون بدينية الدولة ، لكنهم يغفلون أو يتجاهلون أو لا يقوون علي مواجهة حقيقة ثابتة بأن الخالق عز وجل منح الإنسان العقل والضمير والإنسانية التي بها يضع دستورا ، ويسن القوانين المنبثقة عنه ، التي تحافظ علي مبادئه وروحه ، لتظلل جميع الأديان في الدولة بالمساواة المطلقة .

ما كتبه الأخ الفاضل يبدو سديدا علي المستوي النظري ، لكنه يتهافت في الواقع والتجربة البشرية تهافتا مروعا .

فليس لدين أن يتسلط علي دين آخر .. الدين لله للعبادة ، وعلاقة قلبية خالصة بين الخالق وصنعة يديه .. ولا يرضي الله مطلقا أن تكون علاقته بأفراد من خلقه ، قاهرة لعلاقته بباقي الأفراد من خلقه ... كلهم صنعة يديه ، وهم جميعهم أبناء الله .. وهو إله العدل والحق والرحمة .. فالعلاقة بين الإنسان وخالقه علاقة فردية حرة مسئولة أمام الله ، ولا يفرض الله علاقته بأحد عبيده علي علاقته بعبد آخر ..
الدين لله ، والدستور والقانون للدولة .

راح الأخ الفاضل يناقش ويسأل فكتب لي : " هل يضع الإنسان قانونه الذي ينظم حياته في المجتمع بعقله الذي يعبد الحجر والبقر ؟
بعقله الذي يبيح الدعارة والزنا ؟
بعقله الذي يبيح شرب الخمر ؟
بعقله وضميره الذي يبيح احتلال دولة لدولة أخرى ، ويبيح السيطرة على مواردها وكنوزها بالقوة ؟
هل يعقل أن يكون ذلك هو سبب تقدم الدول ؟
إن شريعة الله - سبحانه وتعالى - هي المصدر العادل للتشريع الذي تصدر عنه قوانين الحياة المتوازنة القائمة على القيم والأخلاق !!
أما تقدم الدول وتخلفها فيتوقف على كيفية تطبيق هذه القوانين " المنبثقة عن شريعة الله سبحانه وتعالى" على الجميع ، علي السواء .
فأية شريعة من شرائع الله - سبحانه وتعالى - تجدها تتسبب في تخلف الدول وتعرقل تقدمها ؟؟؟

يبدو هذا المنطق علي هذا النحو متماسكا وله وجاهته الشكلية ، ويعتنقه طيف عريض من البشر .. لكن إعمال العقل والفكر فيه يكشف عن مغالطات خطيرة كامنة فيه ، لا يبصرها أبدا الذين يتمسكون به بعاطفة دينية صماء .
.
ذلك لأنه حتي مع وجود الدين ..
مع وجود كل الأديان ..
العالم والمجتمع زادت فيه عبادة أوثان المادة والمال والشهوة والميديا وغيرها من الأوثان ..

العالم والمجتمع - مع الأديان - زادت فيه الدعارة والزني والفجور والقتل ...

بل إن الأديان كلها كانت علي طول التاريخ السبب الأكبر للقتل بين الناس .. والسبب الأكبر في النفاق خوفا من بعضهم البعض ... والسبب الأكبر في الغش والخيانة هروبا من الدين أو باسم الدين أو لدعم الدين ..

لم يحدث أن الديانات منعت الرذيلة أو الاشتهاء أو القتل أو الزني أو الدعارة أو المسكرات أو الحشيش أو الافيون أو مضاجعة الذكور أو اغتصاب القاصرات والبنات والسيدات أو الفحش بالأطفال أو كل الشر البشري ..

لا .. لم تمنع الأديان ذلك

إنما كلما استخدم الإنسان نعمة العقل الذي هو الصورة الصغري للعقل الكوني كلما عرف ربه أكثر ، ورعي حقه أكثر ، وحقق إنسانيته ، وحقق العدل الغائب والمساواة الضائعة .

وعلي العكس من ذلك أثبتت الأديان علي طول التاريخ التفرقة العنصرية بين البشر علي أساس الاختلاف في الدين ..

ودائما إذا استقوت الدولة لدين يصير بقية البشر مستعبدين في باقي الأديان .. عبيدا لدي أصحاب دين الأغلبية ..
هذا الوضع العنصري قاست منه البشرية ولا تزال ..

إن المساواة بين البشر عندما يختلفون في الدين تكاد تكون مستحيلة في مجتمعات تدين فيها أغلبية بدين وأقلية بدين آخر .. ومهما حاول أصحاب دين الأغلبية أن يتسلحوا بالعدل مع أصحاب أديان الاقليات .. فإنهم يحتفظون لأنفسهم بالمزايا التي ينكرونها علي الآخرين ... ويتذرعون في إقرار الظلم بأنهم فقط الذين يعرفون الله والباقي كفار ليكون الآخرين بالنسبة لهم علي الدوام عبيدا في درجات أقل ولا يتساوون بهم علي أي حال .. وذلك ضد الشريعة وضد الله الذي قضي بالعدل ..

المذهل هنا هو أن الدين هو الذي يصير سبيلا للعصيان علي الله ، ومخالفة ناموس العدل الذي يفترض أن جاءت به الأديان ..

بينما إذا حفظ الدستور للناس في الدولة المساواة المطلقة فهو يحقق إرادة الخالق تحقيقا أعظم بكثير جدا من المساواة التي لا يمكن أن يحققها الدين إلا في الدولة العلمانية .

كل الشرائع .. يجب أن تمارس بعيدا عن الدولة فتحفظ منزلتها ونقاءها .. في علاقة سامية تربط قلب الإنسان بخالقه ..

وكل الشرائع .. إذا أرخصها الإنسان ونزل بها إلي مستوي التناحر في الدولة فقد جعلها وسيلة لتخلف الدولة وعقبة امام تقدمها .
.



#ماهر_عزيز_بدروس (هاشتاغ)       Maher_Aziz#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطر الذى يحدق بمصر
- التغيير الجذري ومسئولية الرئيس
- الجمال والقبح في مصر المحروسة
- الطاقة الخضراء وجيوسياسيات التحول الطاقى
- التخلص من النفايات النووية
- كوب 28 يدعم قادة الاتحاد الأوروبى فى ندائهم للعودة إلى القوى ...
- أهمية الطاقة النووية فى حل مشكلات المناخ
- الطريق إلى دبى
- المخاطر العالمية تهدد البقاء
- 28 سبتمبر/ الجبل الذي هوي- وفاة الرئيس عبد الناصر
- الطريق إلى شرم الشيخ 4 - تحدى القضايا الملتهبة
- الطريق إلى شرم الشيخ 3 - تحدى التفاوضات العَسِرَة
- الطريق الى شرم الشيخ 2 - فجوة التمويل
- الطريق إلى شرم الشيخ 1 - فجوة الابتعاثات
- صفحات من سيرتى الذاتية-لغة الهندسة
- صفحات من سيرتي الذاتية: ذيس إذ آ شيم
- أمنحك الدكتوراه
- صفحات من سيرتي الذاتية: الريس مبسوط من شغلك
- القوى النووية فى المزيج الأمثل للطاقة نحو التحول الأخضر للأه ...
- صفحات من سيرتي الذاتية: ثقافة الحياة


المزيد.....




- غزة والحوثيون وترامب.. كاتب إسرائيلي كبير يشرح ماذا حدث؟
- مكالمة بوتين وترامب تشعل الجدل: هل تلوح فرصة للسلام أم استمر ...
- الكرملين: كييف تحاول تقويض جهود السلام
- ترامب يعرض تملّك منشآت طاقة أوكرانيا
- ملتقى الإمارات الرمضاني.. تسامح وتعايش
- الجيش اللبناني ينتشر في حوش السيد علي
- لامي يتراجع عن تصريحاته بشأن إسرائيل
- شويغو: هناك عقبات تعقد التسوية السلمية في أوكرانيا
- -أ ب- عن مصدر: كندا بصدد إجراء محادثات مع الاتحاد الأوروبي ل ...
- السلطات الأمريكية الاتحادية تبحث عن زعيم عصابة في لوس أنجلوس ...


المزيد.....

- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهر عزيز بدروس - علمانية الدولة.. درس من تونس الخضراء