انغير بوبكر
كاتب وباحث مغربي مهتم بشؤون الديموقراطيةوحقوق الانسان
الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 00:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
واظبت طيلة هذا الشهر الفضيل رمضان 2025 على متابعة حلقات برنامج الشاهد على موقع اشكاين الاعلامي المغربي ، التي يقوم بتنشيطهاوتسييرها الاعلامي والصحفي المتميز المقتدر هشام العمراني ، كان ضيف هذه الحلقات هو الاستاذ والوزير السابق مصطفى الرميد احد الوجوه السياسية البارزة في الحقل السياسي المغربي واحد صناع القرار الحكومي بعد سنة 2011 م والوسيط الرئيسي بين مجموعة من الفعاليات السياسية و النشطاء الإعلاميين والقصر الملكي في ملفات العفو و المصالحة ، كانت هذه الحلقات بكل موضوعية وبالصراحة المطلوبة دروس من التاريخ السياسي المغربي الراهن خصوصا وان الضيف الشاهد مصطفى الرميد شاهد على مراحل مفصلية من تاريخ تطور الحركة الاسلامية المغربية وواكب تموجاتها و تضاريس فعلها السياسي منذ ان كان تلميذا فطالبا فمحاميا مرموقا ثم وزيرا في حكومة العدالة والتنمية التي اتى بها الربيع المغربي سنة 2011م . وكان الرميد احد مناصريها و احد المتمردين على قرارات قيادة العدالة والتنمية التي وجهت أعضائها بعدم المشاركة ولا الانخراط في فعالياتها الاحتجاجية رغم طابعها السلمي الديموقراطي.
الحلقات الخمسة عشر التي تتبعتها بشغف كبير و تقدير اكبر للضيف و للاعلامي هشام العمراني اعطتني فرصة لاغناء بعض معلوماتي السياسية عن الحركة الاسلامية المغربية من حيث الفاعلين والخطاب والممارسة الميدانية وكيف استطاع الاسلام السياسي المغربي ان ينتقل بخطاباته وممارساته من الفكر الشمولي الاقصائي ذو الخلفية النظرية التي ترفض الجميع و تعتبر الدولة ظالة مظللة والمجتمع وقواه السياسية الأخرى خارجة عن جادة الصواب في احسن تقدير وان الحركة الاسلامية هي البديل الموضوعي الاوحد لانقاذ المجتمع من الانحلال والتفسخ واستشراء الفساد الذي ينخر هياكل وبنى المجتمع ، الى الانتقال الصعب الى باحة العمل السياسي المباشر باكراهاته وتنازلاته السياسية والايديولوجية بل اكثر من ذلك انتقل جزء مهم من الحركة الاسلامية الى دفة التسيير الجكومي وباشر السياسات العمومية التي تمتح من القوانين الوضعية مرجعية لها وكان وزراء الحركة الإسلامية المغربية امام امتحانات تدبيرية صعبة وامام وضعيات سياسية مربكة ليس اقلها توقيع حكومة العدالة والتنمية على اتفاقات ابراهام للتطبيع مع إسرائيل التي شكلت اقصى تجليات المرونة السياسية في التعامل مع موضوع حساس وهو رفض التطبيع مع إسرائيل الذي كان دائما ولايزال من ثوابت الخطاب السياسي الإسلامي بالمغرب . كانت اجوبة مصطفى الرميد دليلا قاطعا على ان جزء كبير من الحركة الاسلامية المغربية استوعب درس الحداثة بل الاحرى تكيف مع مقتضيات الحداثة السياسية المنتوجة غربيا وفي اكبر تجلياتها العمل الحزبي الذي انخرطت فيه اجزاء من الحركة الاسلامية المغربية تحت مظلة شخصية سياسية مغربية مقربة من دوائر القرار في عهد الحسن الثاني ونقصد بذلك الدكتور عبد الكريم الخطيب الذي عبد الطريق لاخوان الرميد الى ركوب مغامرة العمل السياسي الحزبي المباشر و الاسهام الفعلي في الاحتكاك بقضايا عملية شائكة تتطلب مراجعات سياسية وفكرية ضرورية للتكيف مع متطلبات المشاركة السياسية في ظل تراكم تاريخي وقوى مجتمعية لها سبق نضالي و تواجد تاريخي فيما سبق، وهذا ما يبرر صعوبة تقبل النخبة السياسية المغربية التقليدية للاسلاميين في بداية بزوغهم الميداني الذي لا شك انه تاثر بالخارج و بالالتقاء الموضوعي مع رغبة الفاعلين الدوليين في الاجهاز على ما تبقى من البؤر الاشتراكية عالميا عبر التحالف مع الاسلاميين وتشجيعهم امريكيا واوروبيا لمحاصرة الاتحاد السوفياتي في افغانستان ، هذا الطلب العالمي على الاسلام السياسي كان له صدى في المغرب وتاثر بذلك المغاربة وتشكلت الحركة الاسلامية التلاميذية والطلابية في الجامعات و أنشئت التنسيقيات والائتلافات الطلابية التي تم تشجيعها لمواجهة اليسار السبعيني الذي جعل الجامعة منطلقه الميداني و معسكره التاطيري وبالطبع تغافلت أجهزة الدولة عن اسلمة الجامعات في السبعينات من القرن الماضي لمواجهة المد اليساري بكل اصنافه وتلاوينه وهذا ما لم ينكره الوزير مصطفى الرميد وان استطاع بحنكة وذكاء ان يعتبر الحركة الاسلامية المغربية نتاج موضوعي خالص للبنية السياسية المغربية دون ان ينفي تاثره شخصيا هو بالذات باحداث دولية ومنها مجزرة حماة 1982 م والاجتياح الإسرائيلي للبنان ومنشورات قادة الاخوان السوريين مثل عصام العطار المتوفى أخيرا وقبلها الثورة الاسلامية الايرانية وان بشكل اقل بالنسبة له. . خرجت بخلاصات وملاحظات مهمة من هذه الحلقات الاستثنائية لشخصية استثنائية استطاع الجمع بين المتناقضات من حيث الجمع بين تقديرقيادات العدل والإحسان والحفاظ على علاقة الود بينهم و بين الدولة وأجهزتها التي تعتبر العدل والإحسان جماعة غير مرغوب فيها كما ان مصطفى الرميد استطاع الحفاظ على علاقة وطيدة مع رجل الدولة فؤاد عالي الهمة وفي نفس الوقت انتقاد الحزب الذي اشرف علي الهمة شخصيا على تاسيسه أي الاصالة والمعاصر ، لذلك يمكن القول بدون تفكير كبير ان الرميد استطاع ان يجمع في علاقاته ما يصعب التوفيق بينها . اقسمها الى ثلاث ملاحظات شكلية و اربع ملاحظات في المحتوى .
على مستوى الشكل :
1- استطاع مصطفى الرميد ان يعطي شهادة تلقائية عفوية بدون برتوكولات ولا مواد حافظة اي انه يظهر تواضعا جما يوحي بثقة كبيرة في معلوماته و صدقية الاحداث التي يرويها من وجهة نظره بطبيعة الحال
2-الصحفي هشام الذي قدم هذه الحلقات استعد لها جيدا من حيث المعلومات التي يواجه بها الضيف ومن حيث ضبطه للسياقات السياسية المغربية بكل تشعباته لذلك يصح اطلاق صفة اللبيب عليه لانه من الاشارة يفهم .
3- تبنى الرميد النسبية و تجنب الاحكام الاطلاقية بل اصر على احترام كل الذين تحدث عنهم سواء تعلق الامر بنظرائه من التيار الاسلامي او من فصائل اليسار او من الدولة لذلك نراه يثني على المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة واعتبره رجل دولة بامتياز وانسان التواصل الفعال و الرجل الذي لا يتعامل بخلفيات سياسوية كما اثنى على علاقاته السابقة بادريس البصري .. كما ان ذكره للمخالفين معه من اليساريين كان بادب جم وخلق فاضل .
على مستوى المضمون استخلصت بعض العناصر الاساسية التي هي في الحقيقة تاملات اكثر منها افكار مرتبة ومدروسة .
1- هناك لازمة في حديث الرميد او للدقة خلفية وجهت كل الحلقات وهي حرصه على عدم اثارة اوجه الاختلاف والتقاطب بين جزء من الحركة الاسلامية المغربية التي اراد ترسيخ فكرة انها اصلاحية معتدلة متشبتة بالثوابت الوطنية وبين الدولة حيث كان هدف الرميد من هذه الحلقات اعطاء رسائل للاجيال المقبلة وان كانت رسائل مبطنة على ان اي عمل سياسي في المغرب بدون المؤسسة الملكية ومباركتها والتنسيق معها محكوم بالفشل و ان الحركة الاسلامية المغربية في صيغتها السابقة اي الشبيبة الاسلامية و غيرها فشلت لانها واجهت النظام السياسي وتبنت طرحا جذريا كما هو حال العدل والاحسان اليوم التي لا يخفي الوزير الرميد التاثر باخلاق و طيبوبة مؤسسها عبد السلام ياسين رغم اختلافه معه من حيث المنهج و الطريقة وهذا ما يفسر حضورته لجنازته رغم صفته الوزارية ، الرميد يوجه رسائل في كل الاتجاهات وخصوصات للحركات الاسلامية المغربية التي لم تدخل للصف بعد مفادها ان الالتقاء مع الملكية و التحالف معها لا مناص منه لتحقيق بعض برامجها واهدافها .
2-الوزير الرميد في حواراته استطاع فهم التاثيرات الاقليمية والدولية جيدا على السياق المغربي خصوصا في حديثه عن التنازلات الضرورية التي قدمها حزب العدالة والتنمية بعيد الاحداث الارهابية الاليمة بالولايات المتحدة الامريكية سنة 2001 والتي كانت تدشين لحالة التحول الدولي اتجاه الاسلام السياسي من حيث فرض الادارة الامريكية لمنظور جديد يقوم على محاصرة المد الاسلامي واعلان انتهاء زواج المصلحة الذي ربط الاخوان بالامريكان فكانت استجابة العدالة والتنمية سريعة بالمغرب من حيث انخراطها في قوانين تجريم الارهاب و في الانحناء للعاصفة ، هذا الدرس التاريخي الذي استخلصته القوى الاسلامية من علاقات الغرب بالشرق بعد احداث 11 شتنبر2001 لم تسوعبه بعض القوى المجتمعية والسياسية المغربية الاخرى التي اعطت تضحيات كبيرة في السبعينات والثمانينات وناضلت وكافحت من اجل مغرب الديموقراطية وحقوق الانسان لكن لم تستطع ان تبلور هذه التضحيات الجسيمة لصالح قيادة قوة اصلاحية حقيقية قادرة على التحالف مع الدولة واستثمار المعطيات الدولية الجديدة التي استدعت طلبا ملحا على قوى التنوير والحداثة وان بمقادير وحدود معينة . فبراغماتية وذكاء الحركة الاسلامية المغربية يقابله في المقابل نوع من الجمود والستاتيكية السياسية لدى الاطراف اليسارية و الحداثية التي ازداد تهميشها وبعدها عن التاثير في السياق المغربي .
3-حديث الرميد عن اصدقائه و شيعته من الحركة الاتسلامية المغربية ومن العدالة والتنمية تحديدا كان باحترام شديد و عدم الايغال في الاختلاف والمجافاة وهذا ذكاء سياسي و احتفاظ باسرار وتقدير لملح العشرة الطويلة و اخذ بالاعتبار للسنوات الكثيرة التي تم قضاؤها في اتون الحركة الاسلامية فرغم انتقاداته العابرة الطفيفة لبعض اخوانه امثال بنكيران في محطات مختلفة الا ان ذلك لم يمنع من القول بان الرميد استطاع تكريس تعامل اخلاقي نموذجي مع المخالفين معه من نفس التوجه وفي نفس التجربة السياسية فيما بالمقابل ترى لدى حركات سياسية اخرى غير ذلك فعندما يختلف زعيمان او قائدان او مناضلان في وجهة نظر بسيطة نرى التراشق الاعلامي و التخوين المتبادل و التكسير المتبادل للاضلع وهذا مادى الى افشال معظم احزاب الكتلة الديموقراطية واليسارية كذلك و ادى الى انشقاقات كثيرة ادت الى ولادة احزاب ميكرو سكوبية لا تؤثر بتاتا في المشهد السياسي المغربي ، فالاختلاف السياسي و الايديولوجي مع الحركة الاسلامية المغربية لا يجب ان يمنعنا من الاعتراف بان مرجعيتهم الدينية التي تقوم على الاطلاقيات لم تمنعهم من الاحترام المتبادل للاختلاف و تقديسه في الممارسة العملية في الوقت الذي يبنى فيه الفكر التقدمي الحداثي الديموقراطي على مذاهب فلسفية ورؤى نظرية مبنية على الشك المنهجي وتقدير الاختلاف نظريا فيما تكون الممارسة العملية كلها اطلاقيات والزعامات مقدسة ولا ياتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها .
4-مارس الرميد السياسة من مواقع مسؤوليات مختلفة لو استغلها بمفهوم الاستغلال و الانتهازية لراكم ثروات طائلة و تحصل على فوائد بطرق مختلفة ستمنعه كما تمنع الكثيرين من السياسيين المخضرمين اليوم من الكلام و الحديث مخافة العواقب من الدولة او من بعض افراد المجتمع الذي يعرفونهم جيدا ، لذلك لابد ان نفهم درسا عميقا من حوارات الرميد ان النزاهة والمصداقية و تحمل المسؤولية الوطنية باقتدار لا بشماتة في الوطن وانتهاز الفرصة لافتراس ممتلكاته وثرواته هي المعيار الاساسي الذي يجعل السياسي مهابا مسموعا و حواراته تؤخذ على محمل الجد فيما بعض السياسيين الاخرين في مختلف المستويات ما ان يصلوا الى سدة الوزارة والبرلمان الا وتراهم عاجزين عن الكلام وان تكلموا فهم يتحدثون لغة خشبية لا يثق بها احد ، لذلك من اراد ان تعيش سمعته طويلة وان تحترمه قيادات البلاد و فئات المجتمع المختلفة لابد ان يكف اياديه عن ثروات البلاد ومقدراتها.
هذه قراءة سريعة لما استخلصته من محاورات الرميد مع الاعلامي هشام العمراني الذي يجسد برنامجه ضمن برامج اخرى لاعلاميين قليليين اخر قلاع البرامج الاعلامية الهادفة الملتزمة بتثقيف جمهورها وفتح ملفات التاريخ السياسي مع شهود عاشوا التجارب السياسية المغربية واستطاعوا الاسهام من زاوية نظرهم في التاريخ السياسي المغرب المشترك وايصال بعض الشذرات المنيرة في تاريخ الشخصيات المغربية التي اعطت الشيئ الكثير للمشهد المغربي .
#انغير_بوبكر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟