ماهر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 23:47
المحور:
الادب والفن
يأخذ الكاتب الكوردي السوري ماهر حسن في روايته الجديدة "جدران تنزف ضوءاً" القارئ في رحلة داخل عالم السجون، حيث يذوب الزمن، وتتلاشى الأسماء في أرقام، ويصبح الجسد ساحة صراع بين الحياة والموت. الرواية، التي صدرت حديثاً عن دار تاسك للنشر في الولايات المتحدة، تأتي في 470 صفحة من القطع الوسط، وتحمل على غلافها لوحة للفنان خليل عبد القادر.
تنتمي الرواية إلى أدب السجون، لكنها لا تقتصر على توثيق معاناة المعتقلين، بل تسلط الضوء على الألم كحالة معيشة مستمرة حتى بعد مغادرة الزنزانة. يفتح الكاتب نوافذ السجن أمام القارئ، ليعيش معه الخوف الذي يولد يومياً، والأمل الذي يتمسك بأضعف خيط من الضوء وسط العتمة.
سرد إنساني بين الألم والمقاومة
يعتمد ماهر حسن على شخصيات متعددة، لكل منها قصتها، لكنها جميعاً تشترك في وجع القيد وقسوة الانتظار. بعضهم دخل السجن ولم يخرج، وآخرون خرجوا لكنهم حملوا الزنزانة داخلهم إلى الأبد. بأسلوب سردي عميق، يمزج الكاتب بين التوثيق الأدبي والتجربة الحسية، حيث لا يكتفي بنقل الأحداث، بل يجعل القارئ يشعر بالبرودة التي تزحف على الأجساد، والرطوبة التي تلتصق بالجدران، والنبض الخافت الذي يحاول التشبث بالحياة وسط العذاب.
في الرواية، لا يكون السجن مجرد جدران وأسلاك شائكة، بل يتحول إلى مساحة للانكسار والانبعاث. شخصياتها ليست مجرد ضحايا، بل أرواح تبحث عن معنى وسط الفوضى، فمنهم من يتمسك بالذاكرة كحبل نجاة، ومن يخلق واقعاً موازياً حتى لا ينهار، ومن يكتشف قوته في أحلك اللحظات.
صورة دقيقة لمعاناة المعتقلين
يرسم الكاتب مشاهد مكثفة ومؤثرة، مستحضراً تفاصيل دقيقة كأصوات الخطوات الثقيلة للحراس، صرير الأبواب الحديدية، رائحة العرق والدم، والعيون التي لا تنام. لا يبالغ في الوصف، لكنه أيضاً لا يهوّن من قسوة الواقع، حيث تصبح التفاصيل البسيطة أكثر إيلاماً من التعذيب ذاته، إذ تتحول إلى حياة مفروضة يتكيف معها المعتقلون، ويصبح الألم جزءاً من الروتين اليومي.
ضوء يتسلل رغم العتمة
رغم قتامة الرواية، لا يترك ماهر حسن القارئ في ظلام مطلق. هناك لحظات من الضوء تتسلل عبر الجدران، في همسات بين السجناء، في قصيدة تُلقى بصوت خافت في زنزانة جماعية، في ضحكة مكتومة تخرق الصمت القاتل. العنوان نفسه يرمز إلى هذه القوة الداخلية التي لا يمكن قمعها، إلى الإرادة التي تتحدى الموت، وإلى الإنسانية التي تبقى رغم أقسى الظروف.
رواية شهادة ورفض
"جدران تنزف ضوءاً" ليست مجرد رواية عن السجناء، بل عن كل من واجه الألم ولم يسمح له بأن يهزمه. إنها شهادة أدبية عن إحدى أشد الفترات ظلاماً في تاريخ سوريا، لكنها أيضاً دعوة للتذكر، للرفض، وللإيمان بأن الضوء قد ينزف، لكنه لا ينطفئ.
#ماهر_حسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟