أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة عبدالله - قراءة نقدية تفكيك البنية الرمزية و الاستراتيجيات الحداثية في نص- ضباب المعاني -















المزيد.....


قراءة نقدية تفكيك البنية الرمزية و الاستراتيجيات الحداثية في نص- ضباب المعاني -


فاطمة عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


قراءة نقدية من إنجاز فاطمة عبدالله
تفكيك البنية الرمزية والاستراتيجيات الحداثية في "ضباب المعاني"
ينتمي النص "ضباب المعاني" إلى الكتابة النثرية المكثفة، التي تتكئ على التجريد الشعري والبعد الفلسفي. وباعتباره نصاً حداثياً ، فإنه يعكس ملامح التيه واللايقين، ويتجاوز القوالب التقليدية للغة عبر تراكيب متشابكة وأسلوب تعبيري مفتوح. ومن هنا، يمكن تصنيفه ضمن النصوص الشعرية النثرية التي تدمج بين البعد السردي والتكثيف الرمزي.
وفي هذا السياق، يعتمد النص على عناصر سردية وشعرية في آنٍ واحد، إذ يوظف الرمزية والتركيب اللغوي المكثف، مما يستدعي مقاربة نقدية تكشف بنيته العميقة واستراتيجياته الأسلوبية.
التحليل البنيوي، العمارة اللغوية والتشكيل الأسلوبي
التماسك النصي والتناص
يظهر النص كنسيج لغوي متماسك، إلا أنه يعتمد على التداعي الحر للأفكار والصور، وهو ما يجعله يبتعد عن الخطاب المباشر. ورغم ذلك، فإن هناك تناغماً داخلياً بين العبارات، لكنه يتسم أحياناً بانسيابية متشظية، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يتنقل بين طبقات متعددة من التأويل.
وفي هذا الإطار، نجد أن التناص حاضر بقوة، حيث يستدعي النص دلالات فلسفية وأدبية، كما يتضح في العبارة: "حمل كاذب"، "عناقيدها حمل كاذب". هذه الصورة قد تستحضر أسطورة سيزيف، التي ترمز إلى العجز عن بلوغ الاكتمال، أو قد تحيل إلى فكرة الاغتراب الوجودي كما يظهر في النصوص الحداثية.
وهذا يتقاطع مع رؤية رولان بارت، الذي يرى أن "النصّ هو فضاء متعدد الأبعاد، حيث تتلاقى وتتنافر كتابات عديدة، ولا يرد إلى مصدر واحد، بل هو نسيج من الاستشهادات، تنبثق من ثقافات متعددة." بناءً على ذلك، لا يقتصر النص على حدوده الذاتية، بل ينفتح على حوار بين نصوص متعددة، مما يسمح بتعدد التأويلات وفقاً لخلفية القارئ وثقافته.

الرمزية والانزياح الدلالي
إلى جانب التناص، يعتمد النص على بنية رمزية عميقة، تتجلى في صور مثل:
"الفراش الحائم حول مصباح": تعبير يرمز إلى الارتماء في التهلكة بدافع الفضول أو البحث عن الحقيقة.
"شمعة تطوقها أنامل تتلقى حبات الانصهار": مشهد يجمع بين الألم والتضحية والتنوير، مما يعكس فلسفة الكتابة ذاتها.
"حمل كاذب"، "عقيق جُرّح وداعته خنجر حادّ": استعارات ترمز إلى الخيبة والانكسار الوجودي.
وهكذا، يمكن ملاحظة أن الانزياح اللغوي في النص شديد الوضوح، حيث يبتعد عن الاستخدام المباشر للغة، ويعتمد على انحرافات دلالية تزيد من عمقه التأويلي. وهذا ما يتوافق مع رؤية بول ريكور، الذي يؤكد أن "الرمز يعطي الفكر مجالاً لا يمكن للخطاب المباشر أن يبلغه." فالنص هنا لا يكتفي بنقل المعنى، بل يفتح أمام القارئ آفاقاً تأويلية تتجاوز المدلول الظاهر إلى مستويات أكثر غموضاً وعمقاً.

الإيقاع والتكرار و الصورة الشعرية
الإيقاع والتدفق الموسيقي
النص يعتمد على إيقاع داخلي ناتج عن التفاوت بين الجمل القصيرة والطويلة، مما يخلق تدفقاً متقطعاً يعكس القلق الوجودي. كما أن استخدام التراكيب المتوازنة، مثل:
"العين على شمعة تطوّقها أنامل تتلقّى حبّات الانصهار"
يساهم في إنتاج نغمية خاصة تستند إلى التكرار الصوتي والتوازن الإيقاعي.
التكرار والتوكيد
يستخدم النص التكرار لتأكيد المعاني وتعميق الأثر النفسي، مثل تكرار "الحمل الكاذب" الذي يعزز الإحساس بالخديعة والخذلان. كما يظهر التكرار في بنى نحوية متشابهة تعطي إيقاعاً تصاعدياً، يعكس تصاعد التوتر في النص.
الصور الشعرية والانزياح اللغوي
يعتمد النص على صور مركبة تستدعي أكثر من دلالة، مثل:
"الفراش الحائم حول مصباح" استعارة للانجذاب إلى التهلكة.
"عقيق جُرّح وداعته خنجر حادّ" تلاعب رمزي يجسد الصراع بين الجمال والألم.

البعد الحداثي و التمرد على السرد التقليدي
غياب الحبكة التقليدية
على مستوى البناء السردي، لا يتبع النص خطأ تقليدياً، بل يعتمد على التقطيع المشهدي والتداخل بين الأفكار، مما يجعله قريبًا من تيار الوعي الذاتي الذي يميز الأدب الحداثي. فكما هو الحال في نصوص كافكا، نلاحظ أن الحبكة تتلاشى لصالح مشاهد متقطعة تعكس قلق الشخصية وضياعها في عالم بلا يقين.
الفجوة الدلالية والانفتاح التأويلي
إضافةً إلى ذلك، يعتمد النص على استراتيجيات حداثية، أبرزها الفجوة الدلالية، حيث لا يقدم المعنى بشكل مباشر، بل يتركه مفتوحاً أمام القارئ لإعادة التفسير. وهذا يشكل انزياحاً عن الكتابة الكلاسيكية نحو التجريب اللغوي والتكثيف الرمزي
ومن هنا، يمكن مقارنة هذا الأسلوب بما نجده عند ويليام فوكنر في الصخب والعنف، حيث يعتمد السرد على تيار الوعي والتشظي الدلالي، مما يجبر القارئ على البحث عن المعنى بين السطور، بدلاً من تلقيه بشكل مباشر.

السياق الثقافي والتأثيرات الحداثية
يأتي ضباب المعاني ضمن سياق أدبي حداثي يعكس تحولات الكتابة العربية المعاصرة، التي انفتحت منذ منتصف القرن العشرين على تيارات عالمية مثل السريالية، وتيار الوعي، والوجودية الأدبية. يتجلى هذا التأثير في التجريب اللغوي، وكسر الحبكة التقليدية، والانزياح الدلالي، وهي سمات بارزة في أعمال أدونيس، ومحمد الماغوط، وصلاح عبد الصبور، حيث يتبنون نهجاً يتجاوز السرد المباشر نحو فضاءات تأويلية أوسع.
يمكن مقارنة ضباب المعاني بأعمال حداثية عربية وعالمية؛ إذ يشترك مع أدونيس في" أغاني مهيار الدمشقي" في التكثيف الرمزي والتجريب اللغوي، ويتقاطع مع محمد الماغوط في الفرح "ليس مهنتي" من حيث النثر الشعري القائم على التشظي والسردية الحرة، كما يلتقي مع صلاح عبد الصبور في أحلام الفارس القديم" في التعبير عن القلق الوجودي بصور شعرية مكثفة. على الصعيد العالمي، يستلهم النص عناصر من كافكا في تجسيد العزلة والعبثية، ومن كامو في التعبير عن قلق المعنى، ومن فوكنر في تشظي البنية السردية.
رغم هذه التأثيرات، يحافظ النص على هويته العربية، إذ يعيد توظيف التقنيات الحداثية ضمن تجربة لغوية خاصة تستلهم من الإرث الثقافي العربي. بذلك، لا يقرأ النص كنص فردي فحسب، بل كجزء من مشروع أدبي يسعى إلى إعادة تشكيل اللغة والتعبير عن الأزمات الوجودية برؤية حداثية منفتحة على التجارب العالمية، مع بقائه متجذراً في السياقات الثقافية العربية.

البعد الفلسفي والوجودي
يعبّر النص عن رؤية وجودية مأزومة، حيث يتأرجح بين البحث عن المعنى والتيه في اللاجدوى. ويظهر ذلك بوضوح في العبارات التالية:
"لا صلح مع حياة عناقيدها حمل كاذب."
"تذر شجر العمر يتداعى على رمية هامش مهجور."
في هذا السياق، تعكس هذه العبارات إحساساً عميقاً بالخذلان الوجودي، حيث تبقى التجربة الإنسانية مشروطة بالخيبة والانكسار. وهذا ما يقترب من الفلسفة العبثية كما يطرحها ألبير كامو في أسطورة سيزيف، حيث يظل الإنسان محاصراً في دورة من العبث، محاولاً إيجاد معنى في عالم بلا معنى.
وعلاوةً على ذلك، فإن استبطان القلق والضياع في النص يحاكي شخصيات كافكا، خاصةً جوزيف ك. في المحاكمة، الذي يواجه مصيراً عبثياً غير مفهوم، تماماً كما يتنقل القارئ بين الفجوات التأويلية في هذا النص.
ولكن، وعلى عكس الطابع الجاف للعبثية الصرفة، نجد أن النص مشحون بصور شعرية ذات حس مأساوي، تتقاطع مع الرومانسية السوداء، حيث تمتزج الأحلام بالخيبة، والجمال بالحزن، مما يضاعف إحساس العزلة والضياع الوجودي.
النص غني بالمجازات والصور الرمزية، ويعكس حساسية لغوية متقدمة.
في المجمل، يتميز النص بثرائه المجازي وصوره الرمزية، كما يعكس حساسية لغوية متقدمة. يمثل "ضباب المعاني" تجربة حداثية تتجاوز القوالب التقليدية، حيث يعتمد على التكثيف الرمزي، التجريب اللغوي، والتشظي السردي، مما يجعله نصاً مفتوحاً على تأويلات متعددة. من خلال استراتيجيات مثل التناص، الفجوة الدلالية، والانزياح اللغوي، ينخرط النص في حوار مع تيارات الحداثة الأدبية، مقترباً من روح الكتابة التجريبية .
لكن ما يميز هذا النص ليس فقط تفكيكه للحبكة التقليدية أو انحرافه عن السرد الكلاسيكي، بل قدرته على خلق تجربة قرائية تتحدى القارئ، وتضعه أمام شبكة من الرموز والانزياحات اللغوية التي تثير التساؤل أكثر مما تقدم إجابات. وبهذا، يرسّخ النص موقعه ضمن الكتابة الحداثية التي لا تسعى إلى تقديم معنى نهائي، بل تفتح المجال أمام التأويل الفردي، مما يعكس جوهر القلق الوجودي في الأدب الحديث.
...........................

النص
ضباب المعاني
أيّهذا الفَراش الحائم حول مصباح يتّقد بالنّور، ترفرف بجنح الفضول يستدرجك طيف على طعم الهجاء مفطور عالق بين السّطور حيث يضوع عطر الرّوح فائحٌ من ألق يتهادى على وتر نغمات يقظة لا تغفو إلّا على بيان منثور مطرِق الأبجد هناك يتراءى وجه ملائكيّ بتقاسيم وقسمات ناعسة من أرق مستديم تسكره نظرات شاردة تطارد فلذات السّكينة فلا تأبه لأكواع الأرق تتكئ على كفّ بركان، العين على شمعة تطوّقها أنامل تتلقّى حبّات الإنصهار المنسكبة على فيحاء الورق تُدلي دلو أسارير ترسو عند شغاف ذّاكرة تروي جسد كلمات ظمأى تستحضرها لغة شفّافة تبني عرش مجدها بين دفّتي سيرة تنهال من فم ورديّ يرتشف الهجاء بملعقة من ذهب الشّمس المعتّقة بأريج الأرجوان المنتثر على ضفاف شطآن الضّاد لغة مطعّمة بسيل شجون يعزف لحن المعاناة يتغلغل بين السّطور يعلن للملأ أنّه لا صلح مع حياة عناقيدها حمل كاذبّ،حبّات أفسدها عقوق زمن فأجهضت خمرها السّموم في مستنقع الوجود..تذر شجر العمر يتداعى على رمية هامش مهجور عقيق جرّح وداعته خنجر حادّ نصله يتهالك مع كلّ سقطة سحاب بالبلاء محمول .
الأديبة جميلة مزرعاني



#فاطمة_عبدالله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرمزية والجمال الوجودي في حوار الأزهار/ قراءة نقدية


المزيد.....




- -إش إش - تحت سهام النقد.. والمخرج يعتزل الدراما
- جامعة كامبردج تمنح مغني الراب البريطاني ستورمزي دكتوراه فخري ...
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يطلب الإذن باجتماع مشتر ...
- بجولات سياحية.. بريطاني يعرف العالم بإرث المسلمين في لندن
- -تشوه التاريخ-.. برلماني روسي يدعو لحظر المسلسلات التلفزيوني ...
- إطلالة على الأدب الأفريقي المكتوب بالبرتغالية.. جيرمانو دي أ ...
- إعلان مفاجئ بشأن آخر حلقة من مسلسل -معاوية-!
- عدنان ديوب و-العهد-: البحث عن الفردوس المفقود في الدراما الش ...
- بعد مسيرة حافلة.. محمد سامي يودّع الدراما التلفزيونية ويعلن ...
- العلاقات الروسية-العربية.. حوار ثقافي وإنساني يتجدد على مائد ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة عبدالله - قراءة نقدية تفكيك البنية الرمزية و الاستراتيجيات الحداثية في نص- ضباب المعاني -