بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 21:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المأساة ليست في الموت نفسه، بل في أن يموت الأبرياء وسط العالم وكأن وجودهم لم يكن يوما سوى رقم في عناوين الأخبار ...
أجساد صغيرة، هزيلة تُسحب من تحت الركام وأخرى متفحمة تحت خيمة كانت هناك وغدت رمادا، أب يحمل فلذة كبده التي ارتخت بعد ارتقاء الروح، ويصرخ..أين العالم؟؟ وأم تبحث بين الأنقاض عن أثر للحياة لرضيعها..أنات تأتي من تحت الجدران الجاثية..وعائلات كاملة مسحت من السجل المدني...
هذا هو المشهد الذي كان حاضرا فجر الثامن عشر من رمضان، الموافق ١٨/آذار/٢٠٢٥, وكان موعدا مع الموت والحياة معا حين استيقظ أهلنا في غزة لأداء طقس السحور، لكن الموت كان أسبق، حين جاءت نيران الاحتلال لتحرق الأمكنة والأجساد والأحلام، وتطفئ ذبالة الحياة.
أثبت الاحتلال هذا الفجر كما هي عادته أنه عدو لا عهود له، وأن اتفاقياته ما هي حبر على ورق. وأن هذه الاتفاقيات لا تساوي شيئا أمام شهيتها المفتوحة للقتل والدمار.
فها هو "بنيامين نتنياهو" يسترضي "إيتمار بن غفير" الذي ربط عودته إلى الحكومة بشرط استئناف العمليات العسكرية ضد قطاع غزة وتشديد الحصار عليه، ويستأنف الوحشية ضد الأبرياء في غزة ويقدم له خلال ساعات قليله أكثر من ٣٥٠ شهيدا على مذبح موافقته للعودة إلى الحكومة لمصالح شخصية.
فمن مجزرة مروعة في منطقة اليرموك بمدينة غزة، حيث استهدفت عصابات الاحتلال مربعا سكنيا أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات. إلى استهداف منزلا لعائلة نصار في مخيم النصيرات وسط القطاع بغارة جوية.
ولم تكن مدينة دير البلح بأحسن حظا من بقية مناطق القطاع، فقد تم فيها استهداف منزلا يؤوي نازحين في منطقة البركة. وغيرها من المجازر في مناطق متفرقة من القطاع.
إن ما حدث في غزة فجر الثامن عشر من رمضان ليس مجرد عدوان بل مجازر تفيض بالوجع. وصمت العالم عنها جريمة أخرى تضاف إلى سجل الإنسانية المنكسر.
وما يصل من مشاهد لهذه المجازر من القطاع، لا تحتاج إلى تفسير. فهي تبوح بلغة وحيدة وواضحة هي لغة الألم والفقد والموت. وزاد المشهد وضوحا أن حياة الفلسطيني لا تقاس عند هذا العالم بالمعايير الإنسانية التي يدعيها وأن الدم الفلسطيني لا يكفي ليحرك الضمائر إلا لمن بقيت لديه إنسانية لم تلوثها المصالح.
ولكن وبرغم كل موت وألم فإن غزة لن تموت كما يتمنى لها "نتنياهو" و "ترامب" وعصبة الشيطان من غرب وعرب. وأهلها لن ينكسروا، وسينهض الناجون من بين الركام ومن أتون الحرائق وسيبنون ويعمرون من جديد.
ولا بد للطفل الذي نجا أن يحمل ذكرى عائلته كشعلة نور في وجه الظلام، وكبندقية محشوة برصاصات الثأر. وسيبقى الفجر شاهدا على جرائم جبانة تُرتكب في العتمة ومن الجو، لكنها لن تمحى من ذاكرة التاريخ.
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟