محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 21:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وفي أي مستنقع فكري تغرق؟
أنقذوا سوريا قبل أن تُطْبِقَ عليها الظُلمات، قبل أن تتحول إلى كيانٍ معلقٍ في الفراغ، تتقاذفه الرياح العقائدية والتجاذبات الإقليمية والصراعات العالمية.
كيف لبلدٍ يمتلك إرثًا حضاريًا ضاربًا في جذور التاريخ أن ينحني أمام هذا الطوفان المريع من الابتذال الفكري والانحطاط الثقافي؟
كيف لشعبٍ كان يومًا مركزًا للحضارة والتنوير أن يُختَزل إلى مجرد متلقٍّ لفكرٍ عقيمٍ، يُعيد إنتاج نفسه كآلةٍ عمياء لا تعي حجم الكارثة التي تترصدها؟
العالم منشغلٌ بتفاصيل معادلات الحرب والسلام:
قصفٌ أمريكيٌّ للحوثيين.
عودة الحربٌ المدمّرة في غزة، ومئات القتلى بعد تعنت منظمة حماس وفشل الحوارات.
مكالمةٌ بين بوتين وترامب ترسم ملامح الصراع الروسي الأوكراني.
مجازر مرعبة في الساحل السوري تستهدف المكون العلوي في ظلِّ صمتٍ مريبٍ من حكومة دمشق التي أسلمت روحها لهيئة تحرير الشام.
غاراتٌ تركية إجرامية على قرى آمنة في جنوب كوباني بغربي كوردستان، وقتلها لأطفال أبرياء.
الشعب السوري يبحث عن مخرج من الصراع الداخلي الصامت والمروع بين مكونات المجتمع السوري والحكومة الانتقالية الإسلامية السنية المتطرفة، إلى جانب القوى الإقليمية الداعمة لها.
أزمات اقتصادية تتفاقم، توازنات عالمية تُعيد تشكيل خارطة الهيمنة والنفوذ، والقوى الكبرى ترسم مساراتها بدماء الشعوب ومصائرهم.
أوروبا منهمكة في الاستراتيجيات الدولية الاقتصادية والسياسية العصرية التي ستشكل الوجه الجديد للبشرية، ومن بينها تقديم مليارات الدولارات كمساعدات لسوريا.
وفي هذا المشهد المأساوي، تنهمك القنوات السورية بثرثرةٍ عقيمة عن فتوى زكاة الفطر، وكأنها اكتشافٌ ميتافيزيقيٌّ جديد، وكأنها تستحدثُ آيةً غير مسبوقةٍ في القرآن، أو تنقب في نصٍّ لم يُؤوَّل بعد، متجاهلةً حقيقةَ أن هذه المسألة قد نُوقِشت مليون مرة منذ أن أُسِّست الدولة الإسلامية حتى اللحظة. هل هذه هي قضية سوريا في زمن الخراب؟ هل هذه هي أولويات وطنٍ ينزف من أطرافه، ويتآكله الفساد، وتفترسه التدخلات الخارجية؟
أي دركٍ فكريٍّ تنحدر إليه سوريا؟ أي مستقبلٍ تنتظر هذه الأرض المثقلة بتاريخها العريق؟
إنها ليست مجرد أزمة نظامٍ سياسيٍّ أو حُكمٍ استبداديٍّ، بل مأساةٌ حضارية، سقوطٌ في براثن الرداءة والجمود، حيث يُستبدل الفكر النقدي بالحفظ والتلقين، ويُستبدل الحوار بالتكفير، ويُستبدل النهوض بالغرق في جدليات عقيمة لا تزيد الوطن إلا خرابًا.
كيف يمكن لإنسانٍ عاقلٍ، يمتلك أدنى مستوى من الوعي، أن يتنفس في هذا المناخ الثقافي الخانق؟ كيف يمكن أن ينجو فكرٌ حرٌّ في ظل هذه الرداءة المعممة، وهذه السطحية المتفشية، وهذه الهرطقة المقدسة التي تجعل من العقل محرَّمًا، ومن السؤال جريمة، ومن التمرد كفرًا؟
سوريا تُزَفُّ إلى مصيرٍ مظلم، تُساق إلى هاويةٍ يصعب أن تقوم منها. المستقبل قاتم، والنجاة شبه مستحيلة، إلا لمن استطاع أن يحمل عقله ويهرب.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
18/3/2025
#محمود_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟