محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 16:20
المحور:
الادب والفن
السبت 27 . 3 . 1999
اليوم هو عيد الأضحى. أشعر بعدم ارتياح في الأعياد. العلاقات بين الناس آخذة في الضمور. قرأت اليوم ما تبقى من الجزء الثاني من كتاب الأيام لطه حسين.
مؤخراً توصلت إلى صيغة للتصالح مع نفسي حول موضوع الكتابة ، أكتب ما أستطيع أن أكتبه ، وليس شرطاً أن تكون كتابتي على مستوى ما أقرأ لبعض الكتاب المشهورين في العالم ، فأنا في النهاية ابن شروط معينة ، وابن مجتمع محدد ، وثقافة محددة ، وعلي أن أؤدي دوري في هذه الحياة ، بغض النظر عن مستوى هذا الدور ، فذلك أفضل لي من أن أكون خاملاً لا دور لي.
الساعة الآن هي السادسة مساء ، سأذهب الى بيت أختي آمنة للسلام عليها ، قبل ساعة كنت أعاني من مغص شديد بسبب المنسف الذي تناولته بمناسبة العيد . المزاج عادي ، والطقس دافئ نوعا ما .
الاثنين 29 . 3 . 1999
هذا اليوم شعرت بصداع أثناء القراءة، كنت أقرأ الجزء الثالث من كتاب الأيام لطه حسين، يبدو أنني لم أتعظ من جَلَد طه حسين شيئاً، وقد عادت فكرة التوقف عن الكتابة والقراءة تلح علي اليوم، لكنني استبعدتها، عيناي تدمعان باستمرار والدواء لا ينفع.
ذهبنا إلى بيت باسمة وحسام في رام الله للسلام عليهما بمناسبة العيد، تناولنا طعام الغداء هناك، وبقينا حوالي ساعتين. كان ضجيج الأطفال غير محتمل. أحفادي الثمانية كانوا محتشدين في البيت، وكانوا يصخبون طوال الوقت.
الطقس دافئ هذه الليلة، بعد قليل سأرسل عبر الإيميل، رسالة إلى إليزابيث وينسلو، الطالبة الجامعية في جامعة أيوا، وسأضمنها تصحيحاً لاثنتين من قصصي التي قامت بترجمتهما مؤخراً، الساعة الآن هي العاشرة والنصف ليلاً، عيناي تدمعان، والمزاج ليس على ما يرام.
الخميس 1. 4 . 1999
هل أكتب عن جنون الحرب الأطلسية ضد الصرب؟ هل أكتب عن جنون الصرب ضد ألبان كوسوفو؟ هل أكتب عن الغطرسة الأمريكية، وعن رغبة أمريكا المحمومة في حكم العالم والسيطرة عليه؟ هل أكتب عن النتائج المدمرة التي تركها الاحتلال الاسرائيلي على نفسيات الناس في بلادي؟ ثمة انهيار للقيم في مجتمعنا، وثمة نزعة عنف مكبوت تبحث عن فرصة للتنفيس، وهي نزعة تتجه إلى الداخل في أحيان كثيرة، إلى أقرب الناس إلى بعضهم بعضاً.
هذا اليوم هاتفت عزت الغزاوي رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين للسؤال عن مصير مخطوطتي الخاصة بالأطفال تحت عنوان "مهنة الديك". لم أجده، لكنه حينما جاء إلى مقر الاتحاد هاتفني، وأخبرني أن المخطوطة سوف تطبع على نفقة مركز أوغاريت الثقافي، وهو مركز أنشأه حديثاً عزت الغزاوي وآخرون، وهو مدعوم من جهات أوروبية.
ابتداء من هذا اليوم سأبدأ بتطبيق برنامج يومي للكتابة. حالة عيني ما زالت كما هي، يوم أمس ذهبت إلى محل الطريفي للنظارات، واتفقت مع صاحب المحل على أن يجهز لي نظارتين جديدتين للقراءة، بمواصفات جديدة، واحدة للقراءة وأخرى للعمل على الكمبيوتر. كما اشتريت حذاء مطاطياً لقدمي، وقد شعرت بأنه مريح تماماً، ويمكنني من المشي دون مضاعفات سلبية.
الأحد 4 . 4 . 1999
الساعة الآن هي الحادية عشرة والنصف ليلاً، أمضيت ساعات المساء، أنا وابني خالد، في التردد على بيوت الحجاج للسلام عليهم بمناسبة أداء فريضة الحج. زرنا أحد عشر حاجاً معظمهم من عشيرة الشقيرات. أحتاج إلى وقت كثير للقيام بالواجبات الاجتماعية التي لا أستطيع التملص منها في هذه البيئة المتخلفة.
أكتب الآن هذه السطور وأنا أضع على عيني النظارة الجديدة التي تمكنني من العمل على الكمبيوتر دون أن تكون عيناي قريبتين من الشاشة، يبدو أن الوضع مريح، لكنني لا أستطيع الحكم منذ الدقائق الأولى.
يوم أمس طلبت من الوزير ياسر عبد ربه إعفائي من مهماتي الوظيفية كلها، ما عدا ملف جوائز فلسطين، وذلك للتفرغ للكتابة، لكنه لم يوافق على طلبي بحجة أن المهمات التي أقوم بها هي ضمن اهتماماتي الأدبية، وهي، كما يقول، لا تأخذ مني وقتاً كثيراً. ربما كان ذلك صحيحاً، لكن ما يستنزف نهاري كله هو الدوام اليومي، بغض النظر عن حجم العمل الذي أنجزه كل يوم، حيث يمضي الوقت هباء في أغلب الأحيان، ولا يكون ثمة استثمار ملائم له، بسبب الفوضى السائدة في مكاتبنا، وكثرة الزوار الذين يأتون لقضاء الوقت وللثرثرة التي لا طائل من ورائها.
الخميس 8 . 4 . 1999
لم أذهب إلى الوظيفة هذا اليوم. كنت متعباً بسبب الانهماك في التحضير للاحتفال بكتاب محمود درويش "سرير الغريبة". حضر الاحتفال أكثر من مائتي شخص، وقد بيعت كل النسخ التي أحضرناها لهذه المناسبة (200 نسخة)، وقام محمود بالتوقيع على النسخ. قمت بتقديم الوزير ياسر عبد ربه للجمهور، وقام هو بدوره بإلقاء كلمة قصيرة، ثم قدم محمود درويش الذي ألقى كلمة عن الشعر والمرحلة، وعن حاجتنا للشعر.
هذا اليوم، انشغلت طوال الوقت بالرسم. حتى الآن ما زالت قدراتي في الرسم محدودة، لكنني أشعر بمتعة وأنا أرسم، خصوصاً حينما أكون متنغصاً من أمر ما، فإنني لا أستطيع القراءة، ولا يظل أمامي سوى الرسم، الذي يهدئ أعصابي ويريحني من العناء النفسي.
لم تنفع نظارات الطريفي في التخفيف من مشكلة عيني. سأبحث عن طبيب آخر. الساعة الآن هي التاسعة والنصف مساء. المزاج أفضل مما كان عليه في الصباح، والطقس بارد بعض الشيء، وقد سقطت أمطار خفيفة في الليلة الماضية وهذا النهار .
الجمعة 9 . 4 . 1999
لم أغادر البيت طوال هذا اليوم. قرأت حوالي مائة صفحة في رواية "عوليس" لجيمس جويس. الرواية صعبة وفيها تداعيات كثيرة، ويبدو لي أن الترجمة تعاني من خلل ما، وثمة أخطاء مطبعية كثيرة، والحروف المختارة للطباعة تبدو مطموسة غير واضحة في بعض الأحيان. ومع ذلك فإن ترجمة هذا الكتاب الذي لطالما قرأت عنه، إلى العربية، تعتبر جهداً كبيراً.
لم يكن ذهني صافياً تماماً هذا اليوم. كنت وعدت الحفيد محمود أن أعطيه درساً في الكتابة هذا المساء، لكنني نسيت. جاء إلي هذا الصباح هو وأخته ملاك، كنت أتناول طعام الفطور، وقد ألقمته هو وأخته بضع لقيمات من الخبز المغمس بالزيت والزعتر، إنه يحب الزيت والزعتر أكثر من أي طعام آخر، وهو الآن يقضي أيام عطلته المدرسية في اللعب.
قبل أسبوع أقنعت نفسي بضرورة الكتابة للأطفال وللفتيات والفتيان دون توقف، ووجدت أن إصدار خمسة عشر كتاباً للأطفال وللفتيان، وخمسة كتب أخرى للكبار، في ما تبقى لي من العمر يعتبر أمراً معقولاً.
العمر! آه من هذه الكلمة الغامضة! أحياناً يخطر على بالي الموت، لكنه يأتي على شكل هاجس مستبعد الوقوع. أحاول التكهن حول ما تبقى لي من سنوات على هذا الكوكب، ربما خمس سنوات، وربما عشر أو عشرين سنة، لكنني لا أظن أن العمر سوف يمتد بي أكثر من ذلك.
حينما كنت في جامعة أيوا، العام الماضي، حدثت كانغ هان، الكاتبة الكورية التي كانت تشارك معي في البرنامج الدولي للكتاب، أن أبي ما زال حياً يرزق، وهو في التسعين من العمر. اندهشت كانغ وقالت: معنى هذا أنك ستعيش أربعين سنة أخرى! كانت تعطيني رقم الحد الأقصى قياساً على عمر والدي. وقد فوجئت للحظة وأنا أنتبه إلى أن ثمة إشارة إلى نقطة زمنية سينتهي عندها عمري.
كان الطقس مشمساً هذا النهار. توقفت لحظات مع الحفيد محمود وهو يلعب في ساحة البيت، بعد ذلك جلست في الساحة نفسها وانهمكت في القراءة.
يتبع...26
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟