كان يلعب وحيدا مع الفراشات بندى الأوراق الصفراء، ويرسم ألوانها على صدره، ويركض بقدمين عاريتين بين حَسَكِ السَعدان. وفي أمسية ممطرة سألته فراشة زاهية الألوان تئِنُّ تحت زخات الغيث الحزينة، عن شعور الطفل اليتيم بين الأشجان والأرض الوحلة التي تغرق في فيضان الأحجار المهملة. فقال: مَن يفكر بذاكرة الإنسان؟ كيف والأب تحت التراب، والروح يبحث عن الأمان؟ أخذ معه الحب والباقون يعيشون في النسيان. فلا الدمعة ترضى أن تسكن العين، ولا العين تحتضن الدمعة في فيضان الحسرة من الخُسران.
طفولتي أيتها الفراشة، عذاب الدهر في أروقة سلاطين الحكم في كردستان. والإنتظار لقطار الساعة، والساعة نائمة في مغارة العَرّافين، والعَصّابة على أعين السَحَرة في زمن الشك والبُهتان. أنا اليتيم، والروح متمرد والنفس شقية في عالم بلا معنى، وكلمات كثيرة لا تحمل روحا في جدول السموم تسبح فيه الأفاعي، وهي تنتظر لقمة من طفل النسيان.
وا أبتاه أين درب الرحيل إليك، فأنا معذب بعد رحيلك، وأنت تنام في برذخ تَراني، والطفل لا يرى إلا ظلم الإنسان للإنسان؟
أوبسالا 19 ديسمبر 1998
______________________ عراقي مقيم في السويد