أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - همام طه - ثنائية الجاني والضحية في الخطاب الرسمي العراقي: نقد لمنطق الاصطفاء الأخلاقي















المزيد.....


ثنائية الجاني والضحية في الخطاب الرسمي العراقي: نقد لمنطق الاصطفاء الأخلاقي


همام طه

الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 14:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعلن بيان إعلامي صادر عن جهة سيادية في الدولة العراقية القبض على شخص متهم بجريمة قتل وصفه البيان بأنه "قاتل الصحفي ل.م.ر"!
مثل هذا التعبير الوارد في البيان يطرح عدة تساؤلات نقدية حول الخطاب الإعلامي الرسمي ومدى تأثره بالانفعالات العامة. فالبيان صادر عن جهة سيادية معنية بتطبيق القانون يفترض أن ينأى صنّاع خطابها عن توريطها في صيغ تعبيرية ومفردات تتسم بعدم الموضوعية والدقة القانونية وبشكل يتناقض مع استقلالية وحيادية وسيادية المؤسسات الرسمية. عدم اختيار المفردات المناسبة في توصيف أطراف قضية معينة ومواقفهم وأفعالهم وأدوارهم قد يشي بعدم وضوح فكرة العدالة والمساواة لدى صنّاع الخطاب الرسمي، ومسايرة ومحاكاة هذا الخطاب لاتجاهات غير عقلانية في الفضاء الاجتماعي.
ومن الأسئلة التي تبدو مشروعة في هذا السياق:
لماذا وصف هذا البيان الإعلامي المتهم بأنه "قاتل" بينما وصف الضحية بأنه "الصحفي"؟
لماذا أثبت البيان التهمة على المتهم قبل بدء التحقيقات الفعلية وأخذ العدالة الجنائية مجراها وصولاً إلى مثول المتهم أمام القضاء وخضوعه لمحاكمة عادلة وشفافة والنطق بالحكم النهائي؟
إن وصف المتهم بأنه "قاتل" قبل صدور حكم قضائي يثير تساؤلات عن افتراض الإدانة قبل المحاكمة، وهو انتهاك لمبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته".
أليس في وصف المتهم بأنه "قاتل" تجريد له من صفات أخرى مثل الإنسانية والمواطَنة؟
أليس في وصفه بأنه "قاتل الصحفي" إيحاء بأن الهدف هو إلقاء القبض على الجاني المشتبه به؛ للانتقام للصحفي القتيل منه وإرضاء الجمهور المنفعل؛ وليس تحقيق العدالة لكل من المجني عليه وذويه والجاني المشتبه به، وللمجتمع كله؟
أليس في وصفه بأنه "قاتل الصحفي" انتهاك لمبدأ المساواة بين المواطنين ومبدأ المساواة أمام القانون ومبدأ سيادة القانون؟ فهذا الخطاب يعطي مركزية وأفضلية للضحية كونه صحفياً بينما يهمّش المتهم ويقلّل من شأنه مقارنةً بالضحية، في حين أن الشخصين، المتهم والمجني عليه، مواطنان عراقيان متساويان أمام القانون. ويُفترض أن يخضعا معاً لسيادة القانون الذي سيحدّد مسؤولية كل من الجاني المشتبه به والمجني عليه عن حصول الجريمة.
وما معنى استخدام الصفة المهنية في وصف الضحية، مع العلم أن التحقيقات لم تبدأ فعلياً ولم يثبت أن جريمة القتل تمت بدوافع تتعلق بمهنة الضحية أو أنها جريمة ذات بُعد سياسي يرتبط باستهداف الصحفيين بوصفه تهديداً لحرية التعبير؟
إن وصف الضحية بمهنته خلال مرحلة التحقيق قد يثير تساؤلات قانونية، حيث إنه قد يوحي للمتلقي بوجود علاقة بين الجريمة ومهنة الضحية قبل أن يتم إثبات ذلك من خلال التحقيقات أو الحكم القضائي النهائي. فما قيمة التحقيقات والمحاكمة إذا كان الخطاب الرسمي قد أقرّ وقرّر مسبقاً أن المجني عليه قُتل بسبب عمله الصحفي. هذا التسرع في التوصيف يتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة، مثل مبدأ الحياد القانوني والمصداقية والشفافية في عمل مؤسسات الدولة. كما أنه يشكّل انتهاكاً لاستقلالية القضاء لأنه يصادر دوره في تحديد الدافع أو السبب الحقيقي وراء ارتكاب الجريمة ومن ثم إصدار الحكم على المتهم على أساس هذا الدافع والحيثيات والقرائن الأخرى وعلى أساس دراسة القضاة للقضية وأسلوب تفكيكهم وتكييفهم لها وفق القانون.
هل يمكن الاستنتاج أن إعلام الدولة يتأثر بالضغط الشعبي والانفعالات العاطفية في مواقع التواصل الاجتماعي في صياغة خطابه المرتبط بالقضايا الجنائية والسياسية والعامة حتى قبل أن تصدر الجهات المختصة قرارها وقبل أن تبدأ التحقيقات وقبل أن يقول القضاء كلمته الفصل؛ فهذا ما تجسّد في مسارعة بيان إعلامي رسمي للحطّ من شأن المتهم في هذه الجريمة بالجزم بأنه "قاتل" (وهو حكم أخلاقي وليس توصيفاً جنائياً فقط) مقابل الإعلاء من شأن الضحية بوصفه بأنه "الصحفي" (وهو لقب اعتباري ويكاد يكون فئوياً وطبقياً وليس مهنياً فقط)؟
هل يمكن القول إن الخطاب الرسمي يعكس في صياغته مزاج الرأي العام وانفعالاته وانحيازاته بدلاً من الالتزام بالحياد القانوني والمسؤولية المهنية والحسّ المؤسسي والسلوك السيادي؟
هل يمكن الاستنتاج أن الصحفيين وفق هذا الخطاب هم "فئة مميزة" طبقياً واعتبارياً في المجتمع العراقي وأن جريمة قتل "الصحفي" (سواء كانت جنائية أو سياسية) هي أشد فداحة من جريمة قتل أي إنسان عراقي "عادي" آخر؟
ألا تحمل عبارة "قاتل الصحفي" إيحاءً بالتضاد الأخلاقي بين الضحية والجاني، مما قد يختزل القضية في ثنائية تبسيطية؟
أليس في عبارة "قاتل الصحفي" إيحاءٌ بتقسيم المجتمع ضمنياً إلى ضحايا أخيار وجناة أشرار، مما قد يُغفل تعقيدات الجريمة ودوافعها الجنائية؟
لماذا يُعرَّف المتهم بجريمته المفترضة فيُقال عنه "قاتل"، بينما يُعرَّف المجني عليه بمهنته فيُقال عنه "الصحفي"؟ أليس في ذلك انزلاقٌ نحو ترسيخ ثنائية قد تُفهم على أنها تصنيف ضمني للمجتمع إلى "أشرار" لا يكونون إلا قتلة و"أخيار" لا يكونون إلا ضحايا، مما قد يؤثر على حياد الخطاب الرسمي ويُفضي إلى تبسيط غير دقيق للعدالة؟
ألا تعكس ثنائية "القاتل" و"الصحفي" انحيازاً ضمنياً يصنّف الأفراد وفقاً لأدوار أخلاقية مسبقة، بشكل قد يُشبه منطق الاصطفاء الاجتماعي، حيث يُمنح بعضهم رمزية الضحية النبيلة بينما يُختزل آخرون في صورة المجرم، دون مراعاة تعقيدات الواقع ومسار العدالة؟
هل تحظى بعض الفئات الاجتماعية بحساسية خاصة لدى الدولة عند مقتل أحد أفرادها، مما يثير أسئلة عن قيمة "حياة المواطن العادي" في الخطاب الرسمي؟
هل تعكس هذه الصياغة أن حياة بعض الفئات تُعتبر أكثر قيمة من غيرها في الخطاب الرسمي؟
هل العدالة مطلوبة للضحايا والمجني عليهم فقط أم أنها حق للمتهمين والجناة المدانين أيضاً؟ هل يمكن وصف العدالة بأنها عدالة حقيقية إذا كانت مكفولة للضحية فقط دون الجاني؟
العدالة تنصف الضحايا بحفظ حقوقهم وردع الجريمة، لكنها لا تكتمل إلا بمنح الجناة محاكمة عادلة تضمن عدم التسرع في إدانتهم. فكما يستحق الضحايا الإنصاف، يستحق المتهمون فرصة للدفاع عن أنفسهم، لأن العدالة الحقيقية لا تُجزّأ، بل تقوم على المساواة أمام القانون دون تحيز أو انفعال.
وتضمن العدالة أن يكون الرد على الجريمة مؤسساً على القانون لا على الانفعالات. عندما تُطبَّق العدالة بشفافية ونزاهة، وتلتزم بها كل مؤسسات الدولة، فإنها لا تنصف الضحايا فحسب، بل تعزز ثقة المجتمع بمؤسساته، مما يُرسِّخ الاستقرار ويحول دون تكرار الانتهاكات.
إن النقد الأساسي الموجّه للبيان الرسمي في هذا المقال يتمحور حول فكرة أن التجرد والحيادية في التعامل مع أطراف قضية معروضة أمام القضاء، حتى على مستوى المفردات التي تستخدم في توصيف كل طرف في القضية، تلعب دوراً في تكريس العدالة كقيمة عليا في المجتمع والدولة بدلاً من التحيز لطرف على حساب آخر.
في هذا السياق، قد يكون من المناسب استذكار رواية تراثية منسوبة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جاء فيها:
"اشتكى رجل على الإمام علي عند أحد الخلفاء، فالتفت الخليفة إلى الإمام فقال: "قم، يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك" فقام الإمام فجلس معه. وبعد انتهاء عملية التقاضي اعترض الإمام على الخليفة قائلاً: "كنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم، يا علي فاجلس مع خصمك""!

ملاحظات:
1- تمت الإشارة في مقدمة هذا المقال إلى اسم الصحفي الفقيد بالأحرف الأولى حرصاً على عدم زجّ اسمه الصريح في مقال سياسي جَدَلي؛ إجلالاً لروحه (رحمه الله)، واحتراماً لمشاعر الحزن والألم والفقد التي تعيشها أسرته الكريمة وأصدقاؤه ومحبّوه.
2- ومن الإنصاف توضيح أن البيان الإعلامي محل البحث استخدم وصفين آخرين للمتهم إلى جانب وصفه بـ "قاتل الصحفي"، هما "المتهم" مرة، و"الجاني" مرة ثانية.



#همام_طه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقه الرحمة: هل يجوز السحور بعد الفجر؟
- مقالة في الحاجة لإعادة قراءة النص الديني: سورة المسد أنموذجا ...
- رسالة إلى ابن الأكرمين السيد محمد جعفر الصدر: العفو عند المق ...
- قانون عيد الغدير .. الفرصة التي لم يتم استثمارها
- الخطاب السياسي وتعزيز رأس المال الاجتماعي
- سياسات مقترحة لمعالجة تأنيث الفقر في العراق
- نحو استراتيجية وطنية للتدريب المهني في العراق .. لا تُعطني س ...
- الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات .. فكّر وطنياً ونفّذ محلي ...
- مشاريع الإسكان والانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة التنمو ...
- معالجة التسرّب المدرسي في العراق .. مدخل للتنمية والإصلاح ال ...
- تطوير الفلسفة العقابية في العراق .. من سلب الحرية إلى العقوب ...
- مواجهة أكتوبر وإعادة هيكلة الوعي والمواقف .. القضية الفلسطين ...
- الثورة المعرفية ركيزة النهضة الشاملة .. نحو استراتيجية وطنية ...
- الاستثمار في رأس المال البشري .. تطوير موظفي القطاع العام ال ...
- هل يمكن أن يتحوّل العراق إلى دولة لاعنفية؟
- المشروع الوطني لتعليم اللغة الإنجليزية في العراق .. رافعة اس ...
- التكامل المؤسسي .. مفتاح نجاح الحكومة
- أزمة التنوّع الثقافي في المجتمعات العربية: حروب الهويات تطيح ...
- محو الأمية في العراق .. الخطوة الأولى على طريق التنمية
- هوية السينما العربية في عصر العولمة الثقافية .. وقائع ندوة ح ...


المزيد.....




- الكويت.. إلغاء حفل هيفاء وهبي المرتقب في عيد الفطر
- الجزائر ترفض قائمة ترحيل جديدة من فرنسا وتنتقد -المقاربة الا ...
- برج إيفل يرتدي الحجاب: ما حقيقة هذا الفيديو المثير للجدل؟
- دمشق وبيروت تتفقان على وقف إطلاق النار بعد اشتباكات حدودية أ ...
- البنتاغون: كل الخيارات مطروحة ضد إيران ردا على هجمات الحوثيي ...
- الحوثي: نحذر الأمريكيين من أن استمرار عدوانهم يدفعنا إلى موا ...
- صراع من أجل البقاء.. عشرات الفلسطينيين يتدافعون للحصول على ا ...
- إسرائيل: توجه نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك يهدد بأزمة سياسية ...
- إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي يقصف دمشق
- وزير الخارجية اللبنانية ونظيره السوري يبحثان التطورات على ال ...


المزيد.....

- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - همام طه - ثنائية الجاني والضحية في الخطاب الرسمي العراقي: نقد لمنطق الاصطفاء الأخلاقي