أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الشهبي أحمد - عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواية أحمد الشهبي-















المزيد.....


عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواية أحمد الشهبي-


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


رواية "عتمة قمم" للكاتب المغربي أحمد الشهبي، الصادرة عن دار بسمة للنشر الإلكتروني ودار الوطن، تتجاوز حدود القصة الرومانسية التقليدية لتغوص في أعماق التأمل الفلسفي والنقد الاجتماعي. بصفحاتها التي لا تتعدى 112 صفحة، تقدم تجربة أدبية غنية بالمعاني والدلالات، تجمع بين بساطة الحبكة وعمق الرمزية في اللغة والأسلوب.

تمثل الرواية عالمًا معقدًا يتنقل بين الخيوط الرفيعة التي تربط الحب بالواقع الاجتماعي، وبين الأبعاد النفسية والفكرية لشخصياتها التي تخوض صراعًا داخليًا مع أنفسها ومع محيطها. تكتشف في كل سطر من سطورها مفاهيم تتجاوز اللحظات الرومانسية العابرة، لتكشف عن صراع وجودي حقيقي يواجهه الأفراد في المجتمع، حيث تتناغم العاطفة مع المعاناة الاجتماعية في صورة مدهشة من التوترات والصراعات.

بهذه الطريقة، لا تكون الرواية مجرد قصة حب تكتب على عجل، بل هي انعكاس عميق للواقع الذي نعيشه، وما يحمله من مفارقات وحواجز قد تكون غير مرئية، لكنها تظل قوية في تأثيرها على الشخصيات، وتؤثر في قراراتهم وتصرفاتهم. ما يجعل هذه الرواية مختلفة هو قدرتها على إثارة الأسئلة وتوجيه الأنظار نحو أبعاد فلسفية وسوسيولوجية، ليجد القارئ نفسه أمام تجربة فكرية أكثر من كونها مجرد قراءة أدبية.

في قلب رواية "عتمة قمم" ينبض صراعٌ لا يقتصر على قصة حبٍ عابرة، بل يمتد ليصبح دراسةً وجوديةً تُحاكي التناقضات العميقة التي يعيشها الإنسان في مواجهة قيود التقاليد الصارمة. إن النص الذي يقدّمه أحمد الشهبي لا يكتفي بسرد أحداث متسلسلة، بل يتغلغل في أعماق النفس البشرية، في محاولة لتفكيك تلك الأغلال التي تفرضها العادات والموروثات على الفرد وتحدّ من حريته في التعبير واختيار مصيره. ففي الرواية، لا يُمثّل الحب مجرد علاقة عاطفية، بل يُرتقي إلى مستوى مقاومة ثورية ضد جبروت النظام الاجتماعي، حيث يصبح كل لقاء وكل كلمة بمثابة تحدٍ لتلك القواعد الثابتة التي لا تعرف إلا التكرار والجمود.

في هذا السياق، يمكن القول إن الحب في "عتمة قمم" هو أكثر من مجرد عاطفة؛ إنه طاقة ثورية تتحرك ضد كل ما هو مفروض وغير قابل للتغيير. حيث تتشابك الأفكار والمشاعر مع الموروثات الثقافية والاجتماعية، لتُنتج بذلك توترًا داخليًا رهيبًا. هذا التوتر يشكل جوهر السرد، الذي يحاول بجدّ فك رموز الإنسان المُعاصر وهو في مواجهة مجتمع تقيّده الأعراف وتضغط عليه كل لحظة لتقليص قدرته على أن يكون ذاته.

كل شخصية في الرواية تحمل بداخلها التصدع بين الرغبة في الخلاص والرغبة في الامتثال، وكل لقاء بين الشخصيات يحمل دلالات فلسفية، حيث يصبح المكان والزمان مجرد خلفية لحركة الإنسان المجهدة من أجل التحرر. الشخصيات نفسها تتحول إلى رموز تمثل تلك القوى المختلفة: الجيل الجديد الذي يطمح إلى الحرية والتحقق الذاتي، والمجتمع القديم الذي يرى في التقاليد صمام الأمان رغم أنها في الواقع تصبح قيدًا ثقيلًا على أعناق الأفراد.

الكاتب هنا لا يسعى لتقديم حبكة تقليدية تركز على الانتصارات والهزائم في إطار العاطفة، بل هو يقدم لنا حبًا يتعرض للاختبار في كل مرحلة، حبًا يواجه الرفض والعراقيل، ولكنه يظل يصر على البقاء. والجدير بالذكر أن اللغة التي يستخدمها الشهبي في هذه الرواية ليست مجرد وسيلة لنقل الأحداث، بل هي إحدى الأدوات القوية في السرد، حيث يتحول كل وصف وكل مشهد إلى فلسفة قائمة بذاتها تعكس التوترات الداخلية والخارجية للشخصيات.

.

يتجلى هذا التحدي في تباين الشخصيات التي تنسج معالم القصة؛ فليلى، بطابعها الحساس والمتوقّع، تجسد الرغبة في التحرر والانفراد بالرأي، فيما يمثل مصطفى رمزاً للشغف والتضحية رغم ما يحمله من هشاشة جسدية ونفسيّة، وهو ما يذكرنا بما قاله ناقد الأدب عبد الوهاب الرفاعي حين وصف العمل بأنه "لوحة معقدة ترسم بمزيج من الألم والأمل معزولةً في إطارٍ اجتماعي صامت، إلا أن صمت هذا الإطار لا يستطيع إخماد صرخة الحب الطاغية." وفي هذا السياق، لا يمكننا أن نغفل عن دور الأب الذي يرمز إلى سلطة التقاليد الراسخة؛ ففي رفضه المتعنت لزواج ليلى من مصطفى نجد انعكاساً لحالةٍ مجتمعية تُخضع الفرد للقواعد دون أن تعيره مساحةً للتجديد أو الانحراف نحو الاختلاف.

ما يميز الرواية أيضاً هو اللغة التي يستخدمها الشهبي؛ فهي لغة شعرية تنساب بين الصور البلاغية التي تُشبه العتمة بـ"عباءة ثقيلة تلفّ الفرد من الداخل" وبين أوصاف طبيعية غنية تنقل للقارئ إحساساً بمزيج من الجمال والرهبة في جبال الأطلس. هذه اللغة التي تكاد تتحدى حدود الوصف التقليدي تفتح آفاقاً للتأويل؛ فقد يقول أحد النقاد إن "الكلمة هنا تتحول إلى مفتاحٍ يكشف عن عمق الآلام وأسرار النفوس، وكأنها تدعو القارئ إلى رحلة تأملية في معاني الحياة والموت." هذا الأسلوب اللغوي الاستثنائي يخلق حالةً خاصة من الاندماج بين القارئ والعالم الروائي، حيث لا تقتصر اللغة على كونها مجرد وسيلة لنقل المشاعر والأفكار، بل تصبح جزءًا من التجربة الفلسفية العميقة التي تشكل جوهر الرواية.

ومن خلال هذا التوظيف الفني للغة، تتداخل المشاعر والأفكار لتتكشف أمام القارئ مجموعة من الأسئلة الوجودية الصعبة. ففي الرواية، تتحول الصورة الشعرية إلى أداة لفتح الأفق أمام التأمل الفلسفي حول الإنسان والقدر والحب. والجدير بالذكر أن هذه اللغة لا تُسهم فقط في خلق جوٍّ درامي، بل تُحوّل الأماكن إلى شخصيات حية؛ جبال الأطلس تصبح تجسيدًا لمجتمعٍ قاسي مليء بالتحديات، بينما العتمة التي تملأ الأرجاء تصبح هي الحاجز الأكبر بين الحلم والواقع، بين الحرية والقيود التي لا تنتهي.

وهنا يظهر سؤال فلسفي جوهري يدور في ذهننا: هل يمكن للحب الحقيقي، مهما بلغ من قوة، أن يقهر قسوة القدر الذي يفرض على الجسد والانكسار؟ الرواية تطرح هذا السؤال بحرارة في قلب كل مشهد، ويبدو أن القدر هو القوة العظمى التي تتحكم في مصير الشخصيات. إذ يتضح لنا من خلال وفاة مصطفى ليلة الزفاف، التي تأتي كضربة قاضية لا مفر منها، أن القدر يمارس دوره بكل وحشية، غير مكترث بالأحلام والوعود، بل يعصف بكل الأماني ليضع الإنسان في مواجهة مباشرة مع هشاشته أمام قوى أكبر من إرادته. هذه اللحظة المأساوية تجعلنا نعيد النظر في مفهوم الحب كقوة قادرة على التحدي، لتكشف لنا أن الحب، مهما كانت عظمته، قد لا يكون كافيًا لقهر تلك القوى الخارجة عن إرادتنا.

ومع ذلك، يظل الحب شعلةً لا تنطفئ مهما تكبدت من خسائر، وهذه هي المفارقة التي تجعل الرواية تتنفس رغم كل التراجيديا. كما قال ألبير كامو "في صخب الوجود، تُعتبر محاولاتنا المقاومة للظلم انتصاراً صغيراً يُضيء الدروب المظلمة." فالرغم من الانكسار الذي يعصف بالشخصيات، تبقى المقاومة، بكل تفاصيلها المؤلمة، هي جوهر التجربة الإنسانية. "عتمة قمم" لا تقدم للقراء قصة حب مثالية، بل تسلط الضوء على حقيقة صعبة: أن الحب لا يُعاش في العيش السهل، بل في مواجهة الألم والموت، ليصبح، في نهاية المطاف، صورةً لتحدي الإنسانية نفسها في ظل صعوبات الحياة.

إضافةً إلى ذلك، تطرح الرواية تساؤلات بشأن القدر ومفهومه في الحياة الإنسانية، وهل نحن مجرد ضحايا له؟ أم أننا نمتلك القدرة على مقاومته، حتى لو كان ذلك مجرد تحدٍّ رمزي لا يغير من الواقع شيئًا؟

وعلى الرغم من أن النهاية قد تبدو مؤلمة لبعض القراء، إلا أنها تحمل في طياتها رسالة نقدية عميقة؛ فهي ترفض التبسيط في تصوير الحب كقصة سعيدة خالية من الهموم، بل تُظهر أن الحياة، بكل تناقضاتها، تُحتم على الإنسان مواجهة الألم والمآسي. فالرواية لا تعطي وعودًا خادعة، بل تتعامل مع الحب كقوة بشرية تتحدى معوقات الواقع، لكنها في الوقت ذاته تُظهر لنا هشاشتها أمام قوى أكبر من الإنسان. إنه ليس حبًا يؤدي بالضرورة إلى نهاية سعيدة، بل هو حب مُثقَلٌ بالمعاناة، ذلك الذي يضطر إلى التكيف مع تراجيديا الوجود.

في هذا الإطار، تؤكد الرواية على أن مقاومة القيود الاجتماعية والثقافية قد لا تؤدي دائماً إلى الانتصار المفرح، بل قد تُفضي إلى نهاية مأساوية تُعيدنا إلى حقيقة الوجود المتقلب. الحياة ليست خطًا مستقيمًا يتبع الطريق المعبد للنجاح والسعادة، بل هي مليئة بالمنعرجات المظلمة واللحظات الفارغة التي قد لا يكون لها تفسير عقلاني. إن الرواية لا تروج لفكرة الحب كحل سحري للواقع المرير، بل تعرضه كقوة هشة تتعرض للعديد من الصدمات، مما يجعلنا ندرك أن الإنسان، مهما كانت قوته أو مشاعره، يظل في النهاية جزءًا من واقع محكوم بالعوامل غير المرئية التي تفوق قدرته على التحكم.

وفي هذا السياق، يشير ناقد أدبي آخر إلى أن "الرواية ليست مجرد حكاية حب، بل هي مرآة تنعكس فيها مشاهد الواقع القاسي؛ حيث لا يكفي أن نبحث عن السعادة في لحظات الانتصار، بل يجب أن ندرك أن الألم جزءٌ لا يتجزأ من التجربة الإنسانية." وهذا يعكس فهمًا عميقًا للمغزى الفلسفي وراء رواية "عتمة قمم"، حيث لا يقتصر الألم على كونه ظرفًا مؤقتًا، بل هو عنصر مُلازم للتجربة الإنسانية نفسها. من خلال هذا التصور، تدعو الرواية القارئ إلى التفكير في الحياة بعيدًا عن الأوهام الزائفة، وتحثه على أن يتقبل الألم كجزء من الوجود الذي لا يمكن تجاوزه، بل يجب التعايش معه والتأقلم مع آثاره.

هذه النهاية المأساوية، إذًا، هي ليست مجرد حدث درامي، بل هي استكشاف عميق لحقيقة الوجود. فهي تُبرز أن الإنسان لا يستطيع الهروب من الظروف القاسية التي تحيط به، وأن محاولاته لتغيير مصيره أو التمرد على القيود الاجتماعية قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى انكسارات مريرة. لكنها، في نفس الوقت، تترك للقارئ فرصة للتأمل في قيمة المقاومة نفسها، حتى وإن كانت نهايتها تحمل طابع الفقد والخسارة.

كما يبرز العمل تناقضاتٍ اجتماعية وثقافية عميقة؛ فالتقاليد التي يُمثّلها الأب ليست سوى انعكاسٍ لواقعٍ اجتماعي يصعب فيه كسر الحلقة المفرغة للقيود. هذه التقاليد تُمثل بقايا مفاهيم قديمة تُفرض على الأفراد بشكل قسري، لدرجة تجعلهم يُقدّمون أنفسهم كأدواتٍ غير قادرة على الهروب من عبودية موروثات المجتمع. إن الأب في الرواية لا يُجسد فقط شخصًا، بل هو تجسيدٌ لقوة هائلة تمثل النظام الاجتماعي القائم، القائم على الإذعان للطاعة والامتثال. وبالرغم من كراهية ليلى لهذا النظام، فإنها تجد نفسها أسرى لهذه القواعد التي لا يمكنها التنفّس خارجها دون أن تُحارب أو تُحارب.

هذا التناقض بين رغبة الفرد في التحرر وواقع المجتمع الذي يفرض التقاليد، يخلق صراعًا وجوديًا بين التمرد على القيود الاجتماعية وبين الانغماس في تلك القيود كأمر واقع. ومع ذلك، فإن الرواية تشير إلى أن السعي لتحقيق الحرية ليس بالأمر السهل؛ بل هو معركة نفسية وفكرية تتطلب جهدًا كبيرًا وتضحيات قاسية. فالمجتمع الذي يفرض هذه التقاليد يصبح حاجزًا هائلًا في وجه التغيير، مما يجعل القارئ يتساءل: هل يمكن فعلاً إحداث تغيير ثقافي حقيقي في مجتمعٍ متشبث بجذوره إلى هذا الحد؟ أم أن التقاليد ستظل دائمًا حارسًا قويًا لوجوده، مَانعًا كل محاولة للتجديد؟

وفي هذا الصدد، تظهر الرواية كنداء صادق لإعادة تقييم قيم المجتمع، ودعوة للمزيد من الحوار بين الأجيال، بحيث يُمكن للفرد أن يجد لنفسه مساحةً للحرية بعيداً عن قيود الموروث الذي يفرض عليه أن يعيش وفق معايير ثابتة لا تسمح بالتجديد أو التغيير. الرواية لا تكتفي بتسليط الضوء على الصراع بين الفرد والمجتمع، بل تسعى إلى إثارة الأسئلة حول مدى قدرة الأجيال الجديدة على تحدي سلطة التقاليد والبحث عن مساحة شخصية ومستقلة. وتؤكد على أن التغيير لا يجب أن يكون انقلابًا فجائيًا، بل هو عملية طويلة تتطلب من الجميع التفكير بعمق في القيم والمفاهيم التي تقف وراء قراراتهم اليومية. ومن خلال تلك التساؤلات، تخلق الرواية

كما تُعدّ الرواية دراسةً في الطبيعة الإنسانية، إذ تتناول معاناة الشخصيات على مستويات متعددة، من الجسدية إلى النفسية، ومن الاجتماعية إلى الوجودية. إنها لا تقتصر على عرض التفاصيل السطحية للصراعات التي يواجهها الأفراد في حياتهم، بل تغوص في أعماق تلك الصراعات، حيث يتداخل الألم الجسدي مع التوتر النفسي، وتختلط القيود الاجتماعية بالتحديات الوجودية. فالشخصيات في "عتمة قمم" تتأرجح بين محاولات التكيف مع واقعٍ قاسٍ وسبل الهروب من دوائر العنف الاجتماعي والسلطة الأبويّة. تجسد حالة مصطفى، الذي يتحول من رمزٍ للنضال إلى ضحيةٍ لا مفر منها، حالةً تشبه إلى حد كبير تلك التي وصفها دوستويفسكي عندما قال: "الحياة لا تعطي للإنسان سوى ما يستحقه، ولا تفرح من ينالها إلا أولئك الذين يصمدون في وجه العواصف." هذه العبارة تعكس بعمق فكرة الرواية في أن التحديات التي يواجهها الفرد في حياته قد تكون قاسية إلى درجة أنها تحوّله إلى حالةٍ من الانكسار، ولكنها في الوقت ذاته تُعدّ درساً في قوة الإرادة والصمود.

التحول الذي يمرّ به مصطفى، الذي كان يمثل الأمل والمقاومة، إلى شخص ضعيف عاجز أمام قوى القدر والمجتمع، يعبّر عن هشاشة الإنسان في مواجهة عناصر خارجة عن إرادته، حيث لا يستطيع حتى أكثر الأبطال نضالاً أن يتفادى الأقدار التي تفرض نفسها بلا رحمة. هذا التحول المأساوي ليس مجرد تفصيل في قصة الحب، بل هو تجسيدٌ لأحد أعمق الصراعات الإنسانية التي تتعلق بالعجز أمام قوى أكبر من قدرة الفرد على مقاومتها. في هذا الصدد، تسعى الرواية إلى تسليط الضوء على المفارقات العميقة بين إرادة الفرد والظروف المحيطة به، وتطرح تساؤلات فلسفية عن جدوى المقاومة في وجه قوى القدر.

ومن الجدير بالذكر أن "عتمة قمم" تأتي ضمن سياق أدبي مغربي معاصر يسعى إلى تقديم نصوصٍ تناضل ضد القوالب النمطية والأطر التقليدية، مما يجعلها إضافةً مهمةً للمشهد الأدبي. فبينما تُركز بعض الأعمال على الواقعية المفرطة، يختار الشهبي طريق الرمزية والشعرية، في محاولة لإضفاء بعدٍ إنساني وفلسفي على قصص الحب والهوية، وتذكيرنا بأن للنضال اليومي ضد القيود الاجتماعية بُعداً روحانياً يدعو إلى التفكّر والتأمل العميق. الرواية تتجاوز الحبكة التقليدية لمجرد قصة عاطفية، لتكون بمثابة مَرايا تعكس تفاصيل الحياة اليومية في مجتمعاتٍ تقليدية، حيث الصراع بين الحرية الفردية والنظام الاجتماعي يبقى مستمراً ومتجدداً.

وفي هذا السياق، يقول أحد النقاد: "عندما تمتد كلمات الأدب لتلامس شغاف الروح، يصبح كل نص عبارة عن رحلة تأملية لا تنتهي، تسبر أغوار الوجود البشري وتكشف عن معاني قد لا تُفهم إلا بعد الكثير من البحث والتساؤل." هذا الاقتباس يعكس بدقة طبيعة "عتمة قمم"، التي لا تقدم فقط قصة حب مأساوية، بل هي رحلة فكرية وعاطفية تمكّن القارئ من التفاعل مع الأسئلة الوجودية التي طرحها الشهبي، والتي لا تقتصر على هذه الشخصيات وحدها، بل تعكس معاناة مجتمعية واسعة ترتبط بكل من يواجه القيود والعقبات في سعيه لتحقيق الذات.

بذلك، تضع الرواية أمام القارئ مفهومًا معقدًا للحب ليس فقط كعاطفة أو ارتباط بين شخصين، بل كوسيلة لمقاومة وتحقيق الحرية الشخصية في عالم يتسم بالثقل الاجتماعي. تظل الأسئلة المفتوحة عن التغيير والتمرد ضد القوالب الاجتماعية محورية، وتحث القارئ على إعادة النظر في مبادئه وفهمه لما يعنيه أن يكون الإنسان حرًا في اتخاذ قراراته وسط مجتمعٍ يحدد له مسبقًا أطر حركته.

باختصار، تُعدّ رواية "عتمة قمم" عملاً أدبياً ثرياً يُثري القارئ ليس فقط بحكاية حب تناضل في وجه التقاليد، بل بتحليلٍ وجوديٍّ عميق يُعيد صياغة معاني الحرية والألم والأمل. لا تقتصر الرواية على تقديم قصة حب تقليدية بين شخصين يسعيان لتحقيق حلمهما وسط تحديات اجتماعية، بل هي رحلة فكرية تفتح الأفق لاستكشاف أعمق أبعاد العلاقات الإنسانية في مواجهة التحديات التي يفرضها المجتمع. فالكاتب أحمد الشهبي يتجاوز حدود السرد العاطفي ليغوص في تفكيك البنية الاجتماعية والثقافية التي تحاصر الشخصيات وتُجبرها على الانصياع لقاعدة ثابتة تقيد خياراتها وطموحاتها.

قبل التطرق إلى بعض السلبيات التي قد يراها البعض في رواية "عتمة قمم"، يجدر بنا أن نُعرب عن تقديرنا العميق للمجهود الأدبي الذي بذله الكاتب أحمد الشهبي في هذه العمل الفريد. لقد استطاع الشهبي أن يقدم نصًا يستحق التأمل، جامعًا بين الرمزية الفلسفية والنقد الاجتماعي في توازن نادر. من خلال هذه الرواية، نجح في طرح قضايا اجتماعية وثقافية شائكة، وتقديم شخصياتٍ معقدة تدور في فضاءاتٍ مليئة بالرمزية العميقة. إن قوة "عتمة قمم" تكمن في قدرتها على استفزاز القارئ وإثارته للتفكير العميق حول معنى الحرية، الحب، والمقاومة في وجه التقاليد. وبدون شك، يمكن القول إن هذا العمل الأدبي هو بمثابة نافذة مفتوحة على واقعنا المعاصر، يسعى من خلالها الشهبي لتسليط الضوء على الصراعات الداخلية والخارجية التي تواجه الفرد في مجتمعه.

على الرغم مما ستحققه "عتمة قمم" من نجاحات أدبية وفكرية ان شاء الله، فإن الرواية قد تواجه بعض السلبيات التي قد تحد من تأثيرها على بعض القراء.

أولاً، قد تكون اللغة الشعرية والرمزية التي يعتمدها الكاتب في بعض الأحيان معقدة أو غامضة بالنسبة للبعض. استخدام الصور البلاغية والتعبيرات الرمزية قد يبتعد عن الوضوح في بعض المشاهد، مما يجعلها صعبة الفهم بالنسبة للقارئ الذي يبحث عن قصة مباشرة وسهلة. هذه الأسلوبية قد تُثقل النص في بعض اللحظات، وتُحجب الرسائل التي يسعى الكاتب لتوصيلها.

ثانياً، يمكن أن يُعتبر بعض القراء أن الرواية تركز بشكل كبير على الجوانب الفلسفية والنقدية على حساب تطور الشخصيات أو الحبكة السردية. فعلى الرغم من القوة الفكرية للرواية، قد يشعر البعض أن الشخصيات تظل سطحية إلى حد ما أو أن تحولاتها غير مبررة بما فيه الكفاية. هذا قد يُقلل من التأثير العاطفي للرواية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يفضلون الأعمال الأدبية التي تجمع بين العمق الفلسفي والتركيز على تطور الشخصيات بشكل متوازن.

ثالثاً، النهاية المأساوية التي تحملها الرواية قد تكون محبطة أو غير مرضية لكثير من القراء. بينما يراها البعض تعبيراً عن واقع الحياة الصعب، قد يرى آخرون أنها تفتقر إلى التفاؤل أو التوازن العاطفي الذي يقدمه الأدب في بعض الأحيان. هذه النهاية قد تُشعر البعض باليأس أو بالإحباط، مما قد يُقلل من قدرة الرواية على تحقيق التأثير المطلوب لدى جمهور أوسع.

أخيرًا، قد يعاني البعض من أن الرواية تركز بشكل مفرط على موضوعات ثقافية واجتماعية معينة دون أن تتيح مساحة كافية للأبعاد الأخرى من القصة. قد يُعتبر بعض القراء أن التركيز الكبير على التقاليد والقيود الاجتماعية قد يحد من تنوع المواضيع التي يمكن أن يتم استكشافها في النص، مما يؤدي إلى شعور ببعض التكرار أو التحيز للأبعاد النقدية على حساب جوانب أخرى من الرواية.

إن الرواية تقدم للقارئ فرصة للتأمل في التوترات القائمة بين الفرد والمجتمع، وبين القيم الفردية التي تسعى إلى التحرر والنظام الاجتماعي الذي يفرض قيوده. وفي هذا السياق، نجد أن الحب في "عتمة قمم" ليس مجرد شغف أو علاقة بين اثنين، بل هو بمثابة تمرد على الأعراف التي تحكم على الأفراد بأن يعيشوا وفق سيناريوهات مُعدة سلفاً، حيث يتحول كل لقاء وكل كلمة بين الشخصيات إلى فعل مقاومة ضد تلك المعايير الموروثة.

إلى جانب تلك الصراعات الداخلية، نجد أن الرواية تُقدّم تحليلاً وجودياً عميقاً لمفهوم الألم، إذ يُظهر الكاتب كيف يتقاطع الألم الشخصي مع الألم الاجتماعي، وكيف يعيد هذا الألم تشكيل الشخصية ويؤثر على خياراتها. هنا، يصبح الألم ليس فقط عقاباً، بل نقطة انطلاق لتحولات جديدة في الوعي والفهم الذاتي. أما الأمل في الرواية فهو ليس ذلك الأمل السطحي الذي يتصور النجاح والتغيير بسهولة، بل هو أمل مشبع بالمرارة، أمل ينبثق من قلب الألم ويستمر رغم التحديات الكبرى.

إن تجربة القراءة في "عتمة قمم" لا تقتصر على الجمالية الشعرية والرمزية التي يحملها النص، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى التحليل الاجتماعي الحاد الذي يكشف عن واقعٍ معقد يتشابك فيه التقليد بالتحرر، وتُطرح فيه أسئلة فلسفية حول مكانة الفرد في هذا العالم وكيفية مواجهته للصعوبات التي تضعها عليه الحياة. هذه الأسئلة، التي قد تبدو متشابكة أو محبطة أحياناً، تفتح أمام القارئ أبواب التفكير النقدي حول مفهوم الحرية وكيفية تمثله في المجتمعات الحديثة.

إن دعوة الرواية لإعادة النظر في القيم التي تُشكّل واقعنا اليوم تجعل منها نصاً يستحق الدراسة والتأمل من كافة الزوايا. فهي ليست مجرد سرد لحكاية حب مأساوية، بل هي دعوة صادقة إلى تفكيك بنية المجتمع والتفكير في الإمكانيات الحقيقية للتغيير. وبينما يترك لنا الكاتب في النهاية شعوراً بالخذلان بسبب النهاية الحزينة، إلا أنه يضع أمامنا سؤالاً مهماً: هل من الممكن أن يتغير الواقع إذا بدأنا بإعادة تعريف قيمنا وتحدي الأطر التي نعيش ضمنها؟

بقلم: خالد الشمسي
#عتمة_قمم #أحمد_الشهبي #أدب_مغربي #نقد_أدبي #حرية_وتقاليد #رواية_وجودية



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يعيد التاريخ نفسه؟
- أين اختفت النخب المثقفة؟
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- بيان من اللجنة الفنية باتحاد الكرة المصري بشأن حسام حسن
- فيديو.. -صفعة- تبكي الفنانة جيسي عبدو خلال تصوير بـ-الدم-
- الغابة السوداء
- في بيان رسمي لها.. اللجنة الفنية بالاتحاد المصري تحسم مصير ح ...
- النجارة التقليدية في الخليج.. دراسة توثيقية لنقوش الخشب والأ ...
- مع -نوفوكايين-.. شباك التذاكر الأميركي يشهد أضعف انطلاقة لفي ...
- دار -كاف للنشر-: إثراء المشهد الفني العربي المعاصر وتوثيق ال ...
- التّنّور الثّقافيّ يشهر (نحبّكِ يا نعيمة) في فنلندا بمشاركة ...
- -كل كلمة تحمل هوية-... كيف نشأت اللغة الفرنسية منذ قرون؟
- اطلاق صفحة ومنتديات مروج الثقافية


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الشهبي أحمد - عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواية أحمد الشهبي-