نبهان خريشه
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 19:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض يؤشرعلى نجاح "ثورة" اليمين الأمريكي المحافظ، وما وما سيترتب عن ذلك من تغيرات في منظومة القيم، بإتجاه معاكس تماما لمسارتوجهات وإستراتيجيات نظام العولمة، الذي وضعت أسسه الليبرالية الأمريكية والغربية بشكل عام على مدى أكثرمن سبعة عقود. وبهيمنة اليمين الأمريكي المحافظ على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، ينقسم الغرب الى قطبين: الأول، ليبرالي وهو صاحب مشروع العولمة الذي جسدته إدارة جو بايدن ومعظم الإدارات الأمريكية التي سبقتها، والثاني االترامبية، التي ترفض بالكامل ايديولوجية اليسار لليبرالي، وتؤسس لهيمنة االمبادئ اليمينية المحافظة في الولايات المتحدة وفي الغرب بشكل عام.
وكانت مؤسسة هيريتيج المحافظة اطلقت في 2023 كتابا بعنوان "تفويض القيادة: الوعد المحافظ"، وهو كتاب جرى اعداده في إطار "المشروع الرئاسي لعام 2025"، الذي أعدته المؤسسة كدليل عمل للفائز بالانتخابات الرئاسية الأميركية من مرشحي الحزب الجمهوري، ويتضمن الدعوة لملء المناصب الرئيسية في الحكومة بالموالين للرئيس، وتطهير الوزارات من الأقسام والموظفين الداعمين لسياسات إدارة بايدن. هذا المشروع الذي قال عنه بايدن "إنه يجب أن يخيف كل أميركي، فهو سيمنح ترامب سلطة لا حدود لها على حياتنا اليومية، ويسمح له باستخدام الرئاسة للانتقام من أعدائه، وإلغاء الضوابط والتوازنات التي تجعل من أميركا أعظم ديمقراطية في العالم".
ورغم أن ترامب حاول النأي بنفسه عن المشروع، بقوله قبل إجراء الإنتخابات "أيا كان ما يفعلونه، أتمنى لهم التوفيق، لكن ليس لي أي علاقة بهم".، الا أن المؤكد أن العشرات ممن عملوا في إدارة ترامب الأولى شاركوا في تأليف الكتاب، وعلى رأسهم كريستوفر ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع سابقا، وريك ديربورن المدير التنفيذي للفريق الانتقالي لترامب في انتخابات 2016، وبول دانس، وهوأحد الوجوه المتصدرة لمشروع 2025، وستيفن غروفز، نائب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في عهد ترامب، مما يشير إلى وجود روابط وطيدة بين الكتاب والمقربين من ترامب وأعضاء حملته..
كتاب "تفويض القيادة: الوعد المحافظ" يتردد صداه في الكثير من تصريجات ترامب، سواء تلك أدلى بها قبل او بعد صوله للبيت الأبيض، كما يتردد في الإجراءات التي اتخذها خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايته، والتي تتماثل تقريبا مع ما يرد في الكتاب، مثل أن التهديد الأكبر حاليا لأميركا يأتي من الداخل لا الخارج، وأن الثقافة اليسارية انتشرت عبر المؤسسات الحكومية الأميركية، وأن الحكومة الفيدرالية أصبحت وحشا مسلحا يستهدف المواطنين والقيم المحافظة، فالمجتمع يتعرض لتهديد وجودي عبر إنكار الحقيقة البيولوجية المتمثلة في وجود جنسين فقط، ذكر وأنثى، بينما تنتشر الإباحية وإدمان المخدرات، وتُستهدف حريات المواطنين عبر منعهم من قيادة السيارات التي تعمل بالغاز، بحجة مكافحة تلوث المناخ، فضلا عن وجود تحديات خارجية في مقدمتها صعود الصين التي تهدد المصالح الأميركية في العالم.
وعملا بتوصيات مؤسسة هيريتيج، فإن ترامب تبنى خطة مدروسة لمحاربة ما يصفها الكتاب الصادرعنها بـ"البيروقراطية مترامية الأطراف"، واستبدالها بكادر مدرب وملتزم من الموظفين لتنفيذ أجندته، وهو ما يتطلب تزويد هؤلاء الموظفين بالأدوات والمعرفة والدعم. وذهبت هيريتيج الى ابعد من ذلك بإعدادها لقاعدة بيانات بموظفين محافظين وتأهيلهم للعمل مع الرئيس لتفكيك أدارة "الدولة الليبرالية"، التي كان ترامب قد بدأ بالعمل على تفكيكها بمجموعة من القرارات التنفيذية بعد حفل تنصيبه مباشرة. والخطة التي ينص عليها كتاب مؤسسة هيريتيج، تقليص حجم الحكومة الفيدرالية، لتتمكن هذه الحكومة من العمل لصالح الشعب الأميركي، الأمرالذي يتطلب التخلص من أعداد كبيرة من الموظفين البيروقراطيين، الذين يعملون في الحكومات الليبرالية السابقة، التي انتهجت سياسات غير مقبولة مثل مكافحة تلوث المناخ، ومساعدة المهاجرين، وتوفير المنح والمساعدات من أموال دافعي الضرائب، لدعم أجندات يسارية كتجنيد "المثليين" في الجيش.
ومن وجهة نظر اليمين الأمريكي المحافظ، فإن الصين تعتبر العدو الرئيسي للولايات المتحدة، وهي بكل المقاييس ليست شريكا إستراتيجيا، ولا حتى منافسا، ولهذا فإن التجارة غير المقيدة معها تعد كارثة، استفادت منها حفنة من الشركات بتحقيق أرباح هائلة، لكنها أضرت بالقاعدة الصناعية الأميركية، وعليه يجب إنهاء التعاون الاقتصادي مع الصين، وحظر معاهد كونفوشيوس الثقافية، وجظر تطيق تيك توك، وبالإضافة الى ذلك، يجب أن تعمل إدارة ترامب ضد إيران وفنزويلا وروسيا وكوريا الشمالية. وفي توصيات مؤسسة "هيريتيج" أيضا يجب على ادارة ترامب تحويل الصناعة من الأماكن البعيدة، وتوجهيها إلى مناطق قريبة مثل دول أميركا الوسطى والجنوبية بهدف تأمين سلاسل التوريد الأميركية، وكذلك تعزيز الوجود في غرينلاند لمتابعة الديناميكيات السياسية والاقتصادية المحلية في القطب الشمالي، والاستفادة مما فيه من أسماك ومعادن وموارد الطاقة.
وكان الهجوم الاول الذي شنه اليمين الترامبي المحافظ لشل القدرات "البيروقراطية لليبرالية"، إستهدف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)التي تأسست عام 1961 ، في عهد الرئيس جون كينيدي، في ذروة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. وعملت الوكالة على تقديم المساعدات لشعوب الدول النامية، لوقف المد الشيوعي، فيما ترعى اليوم مبادرات لتوسيع أسواق صادرات الولايات المتحدة، وتعزيز القيم الأمريكية في مجالات مختلفة في العديد من الدول النامية حول العالم. ويتهم ترامب الوكالة بأنها كانت أداة لإدارة بايدن، للترويج لأجندة "يسارية" تعزز الإجهاض، وسياسات المناخ، والتحول الجنسي بما يخالف القيم الأميركية، كما تتهمها بتقديم المساعدات لا الاستثمارات، للإبقاء على تخلف الدول المتلقية للأموال، ومعتمدةً على المساعدات الأجنبية لسنوات قادمة.
واتساقا مع توصيات كتاب مؤسسة هيريتيج "تفويض القيادة: الوعد المحافظ"، فإن ترامب بمجرد دخوله للبيت الأبيض، أصدر قرارا تنفيذيا بتجميد جميع المساعدات الخارجية لمدة تسعين يوما، إلى أن يقرر المسؤولون مدى توافق كل برنامج من هذه المساعدات مع السياسة الخارجية للرئيس، (مع استثناء المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل ولمصر) ، وتم تكليف وزير الخارجية ماركو روبيو بالإشراف على وكالة التنمية الدولية الأميركية، والذي قام فورا بمنح معظم موظفي الوكالة إجازات إدارية. والقرارات التي اتخذها ترامب الى الآن، تشير الى أن كتاب مؤسسة هيرتدج هو مثابة دليل عمل لإدارته، ولهذا فإن الإطلاع عليه يفيد للمهتميين في الشأن الأمريكي لفهم الخلفيات الكامنة خلف قراراته السابقة والمقبله .
ويعتبر المؤتمر السنوي للمحافظين، الذي عقد في واشنطن في 20 فبراير/ شباط 2025 مقياسا للحزب الجمهوري، بتقديمه رسالة واضحة، بأنه لم يعد هناك أي عائق يعرقل طموحات سيد البيت الأبيض الجديد. ومن المشاهد العديدة التي حفل بها المؤتمر، مشهد تلويح الملياردير أيلون ماسك، الذي يتولى وزارة "الكفاءة الحكومية" على مسرح المؤتمر "بمنشار ضد البيروقراطية"، أمام جمهور يرتدي قبعات حمراء، كتب عليها "لنجعل أميركا عظيمة مجددا". وفي استعراض للقوة، هنأ المشاركون انفسهم على "جعل البيروقراطيين يبكون"، وعلى تفكيك الوكالات "الماركسية" مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وعلى الانتقام من خصومهم، وعلى توسيع السلطة الرئاسية لرئيسهم، الذي يأملون أن يعاد انتخابه عام 2028، رغم الحد الدستوري بفترتين.
ويكتنف الغموض مصير النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب الجديد. ويقول الليراليون إن هذا النظام هيمن على العالم لأكثرمن سبعة عقود، ساد خلالها السلام بين القوى العظمى، وأن ترامب هو من يشكل تهديدا رئيسيا للنظام الليبرالي، وبالتالي للسلام العالمي، او بكلمات العالم السياسي جوزيف ناي "أنا لست قلقا من صعود الصين. أنا أكثر قلقا من صعود ترامب". والخطوات التي اقدم عليها ترامب، ما صاحبها من تصريحات له بشأن العلاقات التجارية الخارجية، تثير سؤالا وهو: هل العودة القوية "للقومية الإقتصادية" تمثل نهاية النظام الليبرالي، الذي لطالما رعت الولايات المتحدة تشكيله وتوسيعه بعد الحرب العالمية الثانية، والمتمحور حول فكرة السوق المفتوحة والتجارة الحرة؟؟
#نبهان_خريشه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟