كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 18:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مؤتمر صحفي عقده بعد اجتماعه مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، فجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاجأة غير متوقعة للغرب ، وقال "نحن نتفق مع المقترحات لإنهاء الأعمال العدائية"، وربط هذه الموافقة في أن تكون هذه المقترحات من شأنها أن تؤدي إلى السلام على المدى الطويل ، والقضاء على الأسباب الجذرية لهذه الأزمة ، وتساءل بوتين ، عن ان هناك مجموعة من المسلحين الأوكرانيين في منطقة كورسك، التي "تخضع لعزلة وسيطرة قتالية كاملة" من قبل القوات المسلحة الروسية، و عما إذا كان ينبغي لروسيا "إطلاق سراحهم أم أن القيادة الأوكرانية ستعطي الأمر بالاستسلام؟"، وطرح بوتين أيضا أسئلة أخرى تتعلق بالجوانب العملية ، لتثبيت ومراقبة وقف إطلاق النار على طول خط التماس بأكمله ، وكيف سيتم حل قضايا السيطرة ، والتحقق وكيف سيتم ضمان وقف إطلاق النار؟ ومن سيعطي الأوامر وما هو ثمن هذه الأوامر؟ ومن سيحدد على مسافة 2000 كيلومتر من انتهك ماذا؟.
أسئلة اسقطت كل الفرضيات الغربية الدبلوماسية منها والاعلامية ، والتي حاولت تضليل الرأي العام العالمي ، بأن الكرة التي رماها الغرب في ملعب موسكو ، بعد موافقة كييف على الهدنة لوقف أطلاق النار لمدة 30 يوما ، والتي تم التوصل اليها في اجتماع جدة بين الوفد الأمريكي والأوكراني ، بأنها ستلقي الرفض من قبل الرئيس الروسي ، الذي من وجهة نظرهم " رجل لا يريد السلام ، ويريد قتل الأوكران " ، وبنت المؤسسات الغربية على ذلك مواقف مستقبلية ، في حالة الرفض لهذه المبادرة ، كأن تشديد العقوبات بشكل كبير ، وتجهيز أوكرانيا بأسلحة جديدة وبشكل كبير .
والغريب في ألأمر ، ان الغرب أما أنه " غبي " أو يحاول " التغابي " ، بأنه منذ عشر سنوات وهو يزود أوكرانيا بالأسلحة الغربية المتطورة ، لكنها حتى الآن لم تنفع نظام " المهرج " في كييف ، فأنتصارات الجيش الروسي مستمرة ، حتى تلك الورقة ( احتلال مدينة كورسك ) ، التي بنى عليها ذلك النظام والغرب آمالا كبيرة في أن تكون ورقة " ضغط " ، على روسيا ، في أي مفاوضات لوقف أطلاق النار ، سقطت هي الأخرى مع استمرار تنظيف القوات الروسية لفلول أوكرانيا ، وأطباق الحصار الكامل على هذه القوات ، حتى أن الرئيس الأمريكي طلب من بوتين "الرأفة " بهم ، كما و" وتغابى " ، الغرب أيضا ، أنه فرض مايقارب 19 ألف قرار من العقوبات على روسيا ، شملت جميع مرافق الحياة الإجتماعية والاقتصادية والصناعية والمالية وحتى الأفراد ، وكل ما يوقف عجلة التطور والنمو في روسيا ، ولازالت موسكو تستفيد من هذه العقوبات ، لتفعيل اعتمادها محليا ، والدول الصديقة ، ونجحت في التقليل من تأثير هذه العقوبات .
ويؤكد المراقبون انه من الناحية النظرية، فإن لدى روسيا ثلاثة ردود على اقتراح وقف إطلاق النار، وهي: "نعم"، و"لا"، و"نعم، ولكن...، ومع كون الخيار الأخير هو الذي كان مرجحا ، ودراسة جميع الفوائد التي يمكن أن تجنيها جميع أطراف الصراع من كل من خيارات الاستجابة هذه ، فإذا كانت الإجابة "نعم" ، فهذا يعني مُنح نظام كييف مهلة تسمح له بتحسين الظروف بشكل كبير لمزيد من العمل العسكري، وإعطاء وحدات القوات المسلحة الأوكرانية ، قسطاً من الراحة وتزويدها بالأوكرانيين الذين تم أسرهم من قبل قوات التحالف، لأن التعبئة لن تتوقف ، ومواصلة تزويد الجيش بالأسلحة الغربية والطائرات بدون طيار التي تم تجميعها في أوكرانيا .
الغرب كان ينتظر بأهتمام أن ترفض موسكو هذه المبادرة ، حتى يتمكنوا ، من إقناع واشنطن ، بأن روسيا تشكل عقبة أمام السلام ، وهذا يعني أن الولايات المتحدة قد تزيد في الوقت نفسه دعمها لأوكرانيا، وترفع القيود المتبقية على استخدام الأسلحة الأميركية، وتفرض عقوبات إضافية على روسيا ، والأمر الأكثر أهمية هو أن عملية تطبيع العلاقات الروسية الأميركية، التي بدأت للتو، سوف "تتعرض للتعطيل" ، كما واعرب الغرب وأوكرانيا ، عن أملهم في أن ترفض موسكو للمبادرة ستعني " خيبة أمل " لترامب ، وبالتالي ، فإن كييف ستتهم موسكو بتعطيل عملية السلام وتجعلها عدوًا لدونالد ترامب ، علاوة على ذلك، هناك عدو شخصي يقتل حلم ترامب بالفوز السريع بجائزة نوبل للسلام ، ويمسح أنوف الديمقراطيين ، لإن وقف إطلاق النار في حد ذاته ، من شأنه أن يسمح لترامب بالادعاء بأنه حقق السلام بالفعل بعدة طرق ، وقد فعل شيئًا كان من المستحيل القيام به في عهد بايدن، لكنه حققه.
صحيح إن وقف إطلاق النار بالنسبة لروسيا ، يعني أيضا فرصة لراحة الجيش وفرصة لتجديد الذخيرة ، ومع ذلك، بالنسبة للقوات المسلحة الروسية، ولكن مثل هذه الراحة ، ليست ضرورية على الإطلاق لمواصلة التقدم العسكري ، إلى حدود المناطق التي أصبحت جزءًا من روسيا في عام 2022 ، علاوة على ذلك، تم بالفعل طرد المسلحين الأوكرانيين عمليًا من منطقة كورسك ، وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك مسألة تلك الأراضي في المناطق الروسية التاريخية ، التي لا تزال تحت سيطرة سلطات كييف ، فمن وجهة نظر دستور الاتحاد الروسي، تعتبر زابوروجيه و خيرسون بالفعل مدينتين روسيتين ، وبالتالي، فإن وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يؤدي إلى ترسيم الحدود على طول خط التماس القتالي الحالي من شأنه أن يصبح في الواقع استيلاء غير دستوري على الأراضي الروسية.
وليس غريبا على المراقبين أن يظهر نظام كييف شيئا مختلفا تماما ــ كالاستعداد للاستسلام الكامل لمطالب واشنطن - ، رغم ان الوضع الحقيقي في منطقة العمليات الخاصة في أوكرانيا ، حيث تتقدم القوات الروسية كل يوم، بينما تتراجع القوات الأوكرانية ، وهذا يخالف ما كان في البداية، حيث عارض زيلينسكي وقف إطلاق النار بشكل عام، وحتى المفاوضات ، وثم أضاف شروطًا إضافية إلى وقف إطلاق النار هذا، على سبيل المثال، قال إنه لن يكون ممكنًا إلا بعد انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية المزعومة ، أو أن هذا لن يكون ممكنا إلا بعد أن تحصل أوكرانيا على "ضمانات أمنية".
الأسئلة التي تقدم بها الرئيس الروسي ، كانت نتيجة استقراء بوتين للمواقف الغربية " المتغيرة " وتآمرهم المستمر ضد روسيا ، فمثلا وبعد أعلان كييف موافقتها على الهدنة لوقف أطلاق النار لمدة 30 يوما ، كافأت واشنطن " المهرج " فلاديمير زيلينسكي ، وبعد نشره البيان المشترك في ختام المفاوضات ، والذي جاء فيه أن الجانبين اتفقا على إبرام اتفاق شامل قريبا ، حول استثمار الموارد والثروات الطبيعية في أوكرانيا ، وتأكيد نظام كييف استعداده لقبول اقتراح واشنطن ، والمكافأة جاءت على لسان مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد، واعلانها انتهاء حظر تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف بناء على توجيهات الرئيس دونالد ترامب ، وهذا يعني الهدنة ستتحول الفترة التي يتم استعادة تسليح أوكرانيا خلال هذه الفترة ، والإستعداد لتجديد القتال مع روسيا ، وهذا ما دفع الرئيس الروسي الى المطالبة بوقف تزويد أوكرانيا بالسلاح خلال فترة الهدنة .
النجاح الكبير الذي تروج له الولايات المتحدة في ختام مباحثات جدة ، هو إن نظام كييف قبل طلب واشنطن بـ"وقف فوري لإطلاق النار لمدة 30 يوما" ، وهو ما يعد ضروريا لبدء عملية التفاوض بين موسكو وكييف ، بعد أن كان قبل بدأ المفاوضات ، يعمل على الترويج للفكرة الفرنسية البريطانية ، بشأن الهدنة الجزئية - في الجو (حتى تتوقف روسيا عن قصف مواقع المسلحين الأوكرانيين)، وعلى الماء (حتى يمكن تسليم الذخيرة عن طريق البحر إلى أوديسا) ، وفي البنية التحتية (حتى لا تنفجر محطات الطاقة الأوكرانية ومرافق الغاز) .
أن ما طرحته موسكو المصاحب لموافقتها على الهدنة ، تتطلب بحثًا دقيقًا، فعلى الرغم من أن "الفكرة نفسها صحيحة وتدعمها روسيا "، ويُخطط أيضًا لمناقشة الأمر في مكالمة هاتفية بين بوتين وترامب ، حيث تريد روسيا ضمانات بأن "أوكرانيا لن تقوم بالتعبئة، ولن تدرب الجنود، ولن تتلقى أسلحة خلال وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا" ، وفي الوقت الراهن، يبدو رأي روسيا كالتالي: "نحن نؤيد ذلك، ولكن هناك بعض التحفظات الدقيقة" ، ومن الناحية النظرية، قد تكون النتيجة الإيجابية ، رفع أو تجميد بعض العقوبات ضد روسيا ، وإطلاق جزء من احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية، ولكن من غير المرجح أن يحدث هذا خلال وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا ، وحتى لو وعد الغرب بهذا، فإنه، كما هي عادته، سوف يعمل على طمس وتأخير حل هذه القضية، ولن يفعل شيئا.
وفي بعض النواحي، قد يكون للموافقة على وقف إطلاق النار تأثير إيجابي، على صورة موسكو على الساحة العالمية، ولكن من غير المرجح أن تشيد وسائل الإعلام الغربية بالقيادة الروسية ، بالخطوة الروسية ، ومن الناحية الاستراتيجية، لن يؤثر ذلك على موقف دول العالم الأخرى تجاه موسكو ، فالغرب سيستمر في كره روسيا، ودول الجنوب العالمي ستتعاون معها.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟