فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 08:31
المحور:
الادب والفن
لم تكن المدينة مجرد مدينة، بل نقطة التقاء بين الزمن والمطلق، حيث تتلاشى الفواصل بين الداخل والخارج، بين الوصول والانتظار. لم أمشِ إليها، بل كانت تسحبني نحوي، كأنني أعود إلى مكان لم أغادره قط. لم يكن الطريق مسافة، بل انكشافٌ بطيء، حيث لم أبحث عنها، بل وجدتُني فيها قبل أن أصل. الهواء كان مشبعًا بأصوات لم تندثر، الخطوات التي مضت لا تزال تدور في فضائها، والضوء لم يكن انعكاسًا، بل أثرٌ ممتد منذ اللحظة الأولى التي قيل فيها “اقرأ”. لم يكن الرخام سطحًا جامدًا، بل أرشيفًا من الزمن احتفظ بكل من مرّ، لم تكن الجدران جدرانًا، بل ذاكرة لم تكتمل، لم يكن الزمن ثابتًا، بل يلتف حول نفسه، يختفي ليعود. عند القبر، لم أكن كيانًا منفصلًا، كنتُ جزءًا من نسيج المكان، أثرًا مضافًا إلى ما تراكم عبر القرون. لم يكن الوقوف فعلًا منفردًا، بل امتدادًا لمن وقفوا من قبل، لمن حملوا في أصواتهم هذا الخشوع المتراكم. لم أسمع صوتي، بل سمعتُ الامتداد المستمر لمن جاؤوا بحثًا عن لحظة تماهٍ كاملة، حيث لم يعد الفرق بين الذات والمكان واضحًا. لم تكن المدينة نقطة وصول، بل إعادة تعريف لما يعنيه أن يكون الإنسان في بحث دائم عن الطمأنينة. لم تكن وجهة، بل حالة من الإدراك الجديد، لا تغادر من يدخلها، بل تبقى داخله حتى بعد الرحيل. لم أتركها تمامًا، ولم تغادرني كليًا، كنتُ فيها حتى وأنا في الخارج، كما لو أن المسافة بينها وبيني لم تكن مادية أبدًا، كما لو أن الطريق إليها لا ينتهي، بل يعيد تشكيل ذاته مع كل خطوة، مع كل نظرة خلفية نحو ما كنتُ عليه قبل أن أعبر إليها.
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟