ترامب وسياسة العقوبات وتأثيرها على الاقتصاد العراقي والعلاقات الإقليمية

عقيل الفتلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 08:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025، عادت معه سياساته الخارجية الصارمة، خاصة فيما يتعلق بفرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي تعتبرها واشنطن تهديدًا لمصالحها. ومن بين هذه الدول، تأتي إيران في مقدمة القائمة، حيث تشكل العقوبات الأمريكية عليها تحديًا كبيرًا ليس فقط للاقتصاد الإيراني، بل أيضًا للاقتصاد العراقي والعلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط.
سياسة ترامب تجاه إيران: العقوبات كأداة ضغط
منذ فترة رئاسته الأولى، أظهر ترامب ميلًا واضحًا لاستخدام العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية للضغط على الدول التي تتعارض سياساتها مع المصالح الأمريكية. وفي حالة إيران، كانت العقوبات الأمريكية بمثابة حرب اقتصادية شاملة، حيث تم استهداف قطاعات حيوية مثل النفط والغاز والبنوك، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني وأضعف قدرته على التصدير والاستيراد.
ومع عودة ترامب إلى السلطة في عام 2025، تم تشديد هذه العقوبات بشكل أكبر، حيث تم إدراج المزيد من الكيانات والأفراد على القوائم السوداء، وتم فرض قيود صارمة على التعاملات المالية الدولية مع إيران. هذه الإجراءات لم تؤثر فقط على إيران، بل امتدت تأثيراتها إلى جيرانها، وعلى رأسهم العراق، الذي تربطه بإيران علاقات اقتصادية وسياسية معقدة.
تأثير العقوبات على الاقتصاد العراقي
العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على إيران في العديد من المجالات، كان من أكثر الدول تأثرًا بعقوبات ترامب على إيران. فمن الناحية الاقتصادية، تعتمد بغداد على إيران في استيراد الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث توفر إيران ما يقرب من ثلث احتياجات العراق من الغاز. ومع تشديد العقوبات، واجه العراق صعوبات كبيرة في استيراد الغاز الإيراني، مما أدى إلى تفاقم أزمة الكهرباء في البلاد، وانعكس ذلك سلبًا على القطاعات الصناعية والخدمية.
وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد العديد من الشركات العراقية على العلاقات التجارية مع إيران، خاصة في مجال السلع الأساسية والمواد الغذائية. ومع فرض العقوبات، انخفضت حجم التبادل التجاري بين البلدين، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العراقية، وزيادة الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
ومن ناحية أخرى، يعتبر العراق شريكًا تجاريًا مهمًا لإيران، حيث يتم تصدير كميات كبيرة من المنتجات الإيرانية إلى الأسواق العراقية. ومع فرض العقوبات، انخفضت عائدات التصدير الإيرانية إلى العراق، مما أثر على الاقتصاد الإيراني، ولكن في المقابل، أدى ذلك إلى خلق فرص للدول الأخرى لملء الفراغ التجاري في السوق العراقية، خاصة من تركيا ودول الخليج.
العلاقات العراقية الأمريكية: بين التعاون والضغوط
عقوبات ترامب على إيران وضعت العراق في موقف دبلوماسي صعب. فمن ناحية، تسعى بغداد إلى الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن، التي تعتبر حليفًا استراتيجيًا وداعمًا رئيسيًا للحكومة العراقية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للعراق أن يقطع علاقاته مع إيران، التي تعتبر لاعبًا إقليميًا رئيسيًا وتؤثر بشكل كبير على الاستقرار الداخلي في العراق.
واشنطن، من جانبها، ضغطت على بغداد للحد من تعاملاتها مع إيران، وهددت بفرض عقوبات على الشركات العراقية التي تتعامل مع الكيانات الإيرانية المدرجة على القوائم السوداء. هذا الضغط الأمريكي خلق توترًا في العلاقات بين البلدين، حيث شعرت بغداد بأنها محاصرة بين مطالب واشنطن وحاجتها إلى الحفاظ على علاقاتها مع طهران.
التأثيرات الإقليمية: صراع النفوذ في العراق
العقوبات الأمريكية على إيران لم تؤثر فقط على الاقتصاد العراقي، بل كان لها تأثيرات كبيرة على التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط. فإيران، التي تعتبر العراق ساحة رئيسية لنفوذها، حاولت تعويض خسائرها الاقتصادية من خلال تعزيز علاقاتها مع الفصائل العراقية الموالية لها، مما أدى إلى زيادة التوترات السياسية والأمنية داخل العراق.
وفي المقابل، حاولت دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، استغلال الفراغ الناتج عن العقوبات لتعزيز نفوذها في العراق، من خلال تقديم مساعدات اقتصادية واستثمارات في قطاعات الطاقة والبنية التحتية. هذا التنافس الإقليمي حول العراق أدى إلى زيادة تعقيد المشهد السياسي في البلاد، وجعل من الصعب على بغداد تحقيق الاستقرار الداخلي.
الخلاصة: العراق بين المطرقة والسندان
في النهاية، يمكن القول إن سياسة العقوبات التي يتبعها ترامب تجاه إيران كان لها تأثيرات عميقة على الاقتصاد العراقي والعلاقات الإقليمية. فمن ناحية، أدت هذه العقوبات إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في العراق، خاصة في قطاعات الطاقة والتجارة. ومن ناحية أخرى، زادت من حدة التوترات السياسية بين بغداد وواشنطن، وجعلت من الصعب على العراق الحفاظ على توازن علاقاته مع كل من إيران والولايات المتحدة.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى العراق أمام تحديات كبيرة، حيث يتعين على الحكومة العراقية أن تبحث عن سبل لتعزيز استقلاليتها الاقتصادية، وتقليل اعتمادها على الجيران الإقليميين، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الدولية. وفي الوقت نفسه، يتعين على المجتمع الدولي أن يدرك أن سياسة العقوبات، رغم فعاليتها في تحقيق أهداف سياسية، قد يكون لها تداعيات سلبية على الدول التي لا علاقة لها بالصراع الأساسي، مما يتطلب إعادة النظر في هذه السياسات لضمان عدم تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية في المنطقة.

#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات