قصي غريب
الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 21:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا تختلف الجمهورية العربية السورية عن دول العالم في موضوع طبيعة دستورها، وخصوصية بعض نصوصه، فالدستور ليس مجرد وثائق قانونية محايدة، بل هو انعكاس تاريخي وثقافي وديني واجتماعي واقتصادي لوجدان الأغلبية السائدة في المجتمع، وأداة تكرس هيمنة القوى الاجتماعية السائدة ومنظومتها الفكرية على الدولة، لكن دون أن يعني ذلك ظلم المكونات القومية أو الدينية الأخرى أو المساس بحقوقها.
من هذا المنطلق؛ فإن الأغلبية المطلقة للسكان في الجمهورية العربية السورية هم من العرب الذين يؤمنون بالإسلام، عقيدة وثقافة وهوية وتاريخاً وحضارةً، وبما أن الدولة لا بد وأن تنسب إلى مكان وتمارس في واقع سياسي واجتماعي وثقافي محدد، لذلك لا يمكن أن تكون الدولة السورية دون وجود ثقافتها العربية الإسلامية السائدة، لأنه لا توجد دولة في العالم من دون ثقافة رئيسة سائدة فيها تأخذ عمقها وملامحها من عقيدة الأغلبية، وتضمن ذلك في دستورها بشكل واضح أو بشكل ما وفي معظم دول العالم.
يعكس الدستور هوية الأغلبية السائدة، سواء كانت دينية أو ثقافية، فالدول الاسكندنافية - التي هي أفضل دول العالم في مجال احترام حقوق الانسان والحقوق والحريات الأساسية - لا تبعد الدين عن الدولة والمجتمع، إنما تضمنه في دساتيرها دون انتهاك أو مساس بحقوق وحريات مواطنيها الآخرين، وعلى سبيل المثال: في الدنمارك تنصّ المادة 4 من الدستور على أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية للدولة، وتشترط المادة 6 على أن يكون الملك عضواً في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية.
وفي النرويج تنص المادة 2 من الدستور على مكانة القيم المسيحية، وتنص المادة 4 على الملك أن يعتنق دوماً الديانة الإنجيلية اللوثرية، والمادة 16 تنص على أنّ الكنيسة النرويجية هي كنيسة إنجيلية- لوثرية، معتمدة من قبل الدولة.
أمّا في السويد فتنص الفقرة 4 من قانون الخلافة على أن الملك يجب أن يعتنق دائمًا الإيمان الإنجيلي النقي.
وقد يعترض بعضهم على أن الملوك في هذه الدول الاسكندنافية لهم دور رمزي إلى حد كبير، وليس هم الذين يحكمون وهذا صحيح، ولكنهم في الواقع رسمياً هم رؤساء الدولة ورؤساء السلطة التنفيذية، وهم الذين يكلفون رئيس الحزب الفائز بالانتخابات بتشكيل الوزارة.
أمّا في الجمهورية العربية السورية، فقد تغنى الكثير من السوريين بدستور 1950، على أنّه أفضل الدساتير التي مرت على الدولة في سورية لاعتقادهم أنّه علماني، ولكنه ليس كذلك فهو لا يختلف عن دساتير دول الدنمارك والنرويج والسويد التي تعكس دساتيرها هوية الأغلبية الدينية والثقافية السائدة فيها، وبما أن العرب المسلمين يشكلون الأغلبية المطلقة فكان من الطبيعي أن يعكس الدستور هذه الهوية لكن يبدو أن الكثيرين منهم لم يقرأوه أو حتى يطلعوا عليه ،لأنه يؤكد على أن سورية دولة عربية وعلى أنها دولة مسلمة فديباجته تبدأ : (( نحن ممثلي الشعب السوري العربي ..... ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام فان الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومُثُله العليا.
وإننا نعلن أيضاً أن شعبنا عازم على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي، وعلى بناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الإسلام والأديان السماوية الأخرى.
ونعلن ان شعبنا الذي هو جزء من الأمة العربية، بتاريخه وحاضره ومستقبله. يتطلع إلى اليوم الذي تجتمع فيه أمتنا العربية في دولة واحدة، وسيعمل جاهداً على تحقيق هذه الأمنية المقدسة في ظل الاستقلال والحرية. وأننا نحن ممثلي الشعب السوري العربي، لنضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ أمتنا وشعبنا ويقيهما كل مكروه، ويسدد خطانا حتى نحقق مثلنا العليا، ونعيد بناء المجد التليد الذي شاده اسلافنا العظام، ونرسم لأبنائنا طريق السؤدد والعز)).
ثم جاء في (( المادة الأولى أن سورية عربية وأن شعبها من الامة العربية: سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة. وهي وحدة سياسية لا تتجزأ ولا يجوز التخلي عن جزء من أراضيها. والشعب السوري جزء من الأمة العربية.
المادة الثالثة: دين رئيس الجمهورية الإسلام. الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع. حرية الاعتقاد مصونة. والدولة تحترم جميع الأديان السماوية. وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية)).
ومن الجدير بالذكر هنا، ليس هناك يقين حول اكتمال ومثالية مبدأ تطبيق المواطنة في دول العالم وعلى سبيل المثال في الدنمارك والنرويج والسويد ليس من حق أي مواطن في الدنمارك أو النرويج أو السويد في أن يصبح ملكاً لأن الملكية في هذه الدول تعتمد على مبدأ الوراثة فلا يمكن لأي شخص من خارج العائلة المالكة ولا من خارج دين الدولة الرسمي التابع للكنيسة الانجيلية اللوثرية أن يصبح ملكاً.
وفي الولايات المتحدة لا يحقّ لأي مواطن أميركي الترشيح الى الانتخابات الرئاسية إلّا من كان مواطناً أميركياً بالولادة، وأقام فيها لمدة 14 سنة وعمره 35 عامًا على الأقل.
وفي الارجنتين؛ نصّ الدستور على أن لا يحق الترشيح إلى منصب الرئيس إلا من كان كاثوليكياً وولد في الارجنتين أو خارجها لأب أرجنتيني فقد نصّت المادة 2 من الدستور الأرجنتيني على أن: تدعم الحكومة الاتحادية العقيدة الرسولية الكاثوليكية الرومانية. والمادة 89 يتطلب انتخاب شخص كرئيس أو نائب رئيس للدولة، أن يكون قد ولد في الأراضي الأرجنتينية، أو مواطناً ولد في بلد أجنبي لمواطن أصلي وهذا ما دفع الرئيس الارجنتيني كارلوس منعم السوري الأصل والمسلم الديانة والمتزوج من مسلمة والمولود في الارجنتين إلى تغيير ديانته، فأصبح مسيحياً كاثوليكياً ليصل إلى منصب الرئيس.
في حين سمح الدستور الأرجنتيني الترشيح لمجلس النواب من كان عمره 25 سنة وحمل الجنسية الأرجنتينية منذ أربع سنوات، ولمجلس الشيوخ من قد بلغ الثلاثين من العمر، ومضى عليه كمواطن 6 سنوات فقد نصّت المادة 48 لكي يصبح أي شخص نائباً في مجلس النواب، ينبغي أن يكون قد بلغ الخامسة والعشرين من العمر، ويحمل الجنسية منذ أربع سنوات، وأن يكون من سكّان الإقليم الذي ينتخبه، أو أن يكون قد أقام في ذلك الإقليم خلال السنتين الماضيتين. كما سمحت المادة 55 لكي يصبح أي شخص شيخاً يجب أن يكون قد بلغ الثلاثين من العمر؛ وأن يكون قد مضى عليه ست سنوات كمواطن في الدولة؛ وأن يكون دخله السنوي ألفي بيزو أو ما يعادلها، وأن يكون من مواليد الإقليم الذي سينتخبه أو أقام فيه خلال العامين الماضيين.
ولذلك كُتب، ويُكتب الدستور، في أغلب دول العالم بما يلائم الدولة حيث يكون انعكاساً عقدياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً لوجدان الأغلبية السائدة فيها، دون ظلم الأقليات والمساس بحقوقهم وحرياتهم ولكن في الجمهورية العربية السورية تريد وتسعى القوى التي تعد نفسها من الأقليات فرض معاييرها غير الموضوعية على الأغلبية السائدة من خلال المطالبة بدستور علماني مطلق يتجاهل الهوية العربية الإسلامية، ولكن لتجنب الاقصاء والظلم وضمان العدالة لجميع السوريين يقتضي السلوك الديمقراطي الصحيح أن يكتب الدستور باختيار وإرادة الأغلبية، لكن من حقّ الأقليات أن تطالب بأن لا تظلم ويميز ضدها، وتحترم حقوقها ،ولذلك التأكيد على هوية الأغلبية في الدستور لا يعني أبداً تجاهل وانتهاك حقوق الأقليات.
#قصي_غريب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟