فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 14:13
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في عام 2013، بلغ إجمالي النفقات الدفاعية للدول الأعضاء في الناتو 969 مليار دولار. وفي عام 2020 بلغت 1,092 مليار دولار. وبلغت في نهاية العام الماضي 1,341 مليار دولار. يمثل هذا 55% من إجمالي الإنفاق العسكري في العالم، بحسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وإذا ما أردنا الحديث عن هذا الحلف، فإنه من المفيد أن نتوقف عند وجهة نظر الخبير الاقتصادي الروسي فالانتين كاتاسونوف، المنشورة قبل نحو عام على موقع «قاسيون».
بداية، يشير فالانتين في عرضه لحقيقة الإنفاق العسكري لدول الناتو إلى أن نصيب الأسد من الإنفاق العسكري للدول الأعضاء كان من نصيب الولايات المتحدة. ففي عام 2023، بلغ الإنفاق الدفاعي الأمريكي 916 مليار دولار، أي ما يعادل 68.3% من إجمالي الإنفاق العسكري لجميع الدول الأعضاء. وفي الدول العشرة الأولى في العالم من حيث الإنفاق العسكري، إلى جانب الولايات المتحدة، هناك ثلاث دول أخرى في الناتو.
وبلغت النفقات العسكرية لبريطانيا التي احتلت المركز الثاني في كتلة الناتو العسكرية 75 مليار دولار، أي أقل بأكثر من 12 مرة من النفقات العسكرية للولايات المتحدة.
تسعى واشنطن عامًا بعد عام إلى زيادة الإنفاق العسكري من قبل الدول الأخرى الأعضاء في الناتو، سواء من الناحية المطلقة، أو النسبية بالنسبة لقيمة الناتج المحلي الإجمالي. ففي عام 2022، كان هذا الرقم في الولايات المتحدة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 2023 انخفض إلى 3.4%، وللمقارنة: في المملكة المتحدة 2.2%، وفي ألمانيا 1.5%، وفي فرنسا 2.1%، وأثيرت مسألة المستوى الإلزامي للإنفاق العسكري بنسبة 2% بشكل حاد في العام قبل الماضي، عندما بدأ الغرب الجماعي، بقيادة واشنطن، حربًا غير معلنة ضد روسيا.
وبين عامي 2022 و2023 زاد إجمالي الإنفاق العسكري لدول الناتو بمقدار 109 مليارات دولار، أو 8.8%، وفي قمة الناتو التي عقدت في بروكسل في مارس 2022، قال الأمين العام للحلف إن سبعًا فقط من دول الناتو الثلاثين في ذلك الوقت حققت هدف الإنفاق الدفاعي بما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الأجمالي. وعلى الرغم من أن الزيادة الإجمالية في الإنفاق العسكري في كتلة الناتو في عام 2023 كانت مثيرة للإعجاب للغاية، فإن حوالي ثلثي أعضاء الناتو ما زالوا ينفقون أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
تضمنت قائمة «الدول غير المسؤولة بما فيه الكفاية»، وفقًا لما وصفها الأمين العام للناتو، أعضاء بارزين في الكتلة، مثل: ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا والدنمارك والنرويج وفرنسا وكندا. وتمت الإشادة بدول، مثل: إستونيا وليتوانيا وفنلندا ورومانيا والمجر ولاتفيا وسلوفاكيا والمملكة المتحدة، التي تمكنت من تجاوز مستوى 2% في عام 2023.
وفي مجموعة «الأداء المتميز» كانت هناك ثلاث دول لديها تجاوز كبير لمعيار 2%: بولندا 3.2% والولايات المتحدة الأمريكية 3.4% واليونان 3.0%، وكان من المتوقع أنه في نهاية عام 2024 سيتم تخفيض قائمة الدول التي تنتهك معايير الناتو، من حيث المستوى النسبي للإنفاق العسكري. على وجه الخصوص، أفادت ألمانيا بالفعل أنه منذ شهر فبراير، أصبح الإنفاق العسكري يعادل بالفعل 2% من الناتج المحلي الأجمالي على أساس شهري.
في حديثها في براغ في منتدى CLOBSES لمؤتمر الأمن الدولي في أغسطس الماضي، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: «يجب علينا نحن الأوروبيين أن نمتلك الوسائل للدفاع ضد أي خصوم محتملين وردعهم... لقد حققنا بالفعل تقدمًا غير مسبوق. لقد زادت الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي مما يزيد قليلاً على 200 مليار يورو إلى ما يقرب من 300 مليار يورو هذا العام».
يأتي هذا في الوقت الذي وفّرت فيه أوروبا خلال العقود الثلاثة التي تلت نهاية الحرب الباردة: 1.6 تريليون دولار بسبب الفرق بين المستوى الفعلي للإنفاق الدفاعي، والمستوى الذي حددته الولايات المتحدة.
مع ذلك، فإن أكثر المؤيدين المتحمسين لزيادة الإنفاق العسكري في كتلة الناتو لا يعتقدون أن العالم القديم قد استرخى فقط، بل العالم الجديد أيضًا. يبدو الإنفاق الدفاعي الأمريكي اليوم متواضعًا للغاية من الناحية النسبية، حيث بلغت النسبة في المتوسط على مدى السنوات الخمسين الماضية 4.4% من الناتج المحلي الأجمالي، وفي ستينيات القرن العشرين، أثناء حرب فيتنام، تجاوزت في بعض السنوات 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
في الوقت نفسه، تنتشر شائعات، مفادها أن معيار الإنفاق العسكري لحلف الناتو قد يرتفع من 2% إلى 3%، اليوم، تظهر المزيد والمزيد من المنشورات في الغرب تدعو لزيادة الإنفاق العسكري، والحجج ليست سياسية بقدر ما هي اقتصادية. يقولون: إن الإنفاق العسكري يحفز التنمية الاقتصادية، حيث يمكن أن يسمّى الوضع في الاقتصاد الغربي اليوم «ركود»، والذي يمكن أن يتطور إلى «كساد». إنهم يتذكرون وصفات الاقتصادي الإنجليزي جون كينز، الذي أقترح إخراج الاقتصادات الغربية من الأزمة العالمية في ثلاثينيات القرن العشرين من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، بما في ذلك الإنفاق العسكري «أو ما يسمى: الكينزية العسكرية».
إنهم يتذكرون كيف إنطلق الاقتصاد الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية بسبب الزيادة الحادة في الإنفاق العسكري، حيث وصلت النفقات العسكرية الأمريكية في 1942-1943 إلى 49% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 1944 بلغت قمة الذروة 42%. في الوقت نفسه، نما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 69% خلال سنوات الحرب. لقد اختفت البطالة بشكل شبه كامل «أقل من 1%».
من الجدير بالذكر، أن فكرة زيادة الإنفاق العسكري تجد دعمًا أكبر في الولايات المتحدة، بينما في الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو فهي أكثر تقييدًا بكثير. حتى أن عددًا من الساسة والمسؤولين الحكوميين الأوروبيين يجرؤون على معارضة مثل هذه الزيادة في الإنفاق العسكري، فبينما الحرب مستمرة بالفعل في أوروبا، في أوكرانيا وحتى في جزء من الأراضي الروسية، فأمريكا تبقى بعيدة خلافًا للدول الأوروبية. مثل هؤلاء السياسيين يخافون من «الرد» الروسي.
لكن الأمر ليس ذلك فحسب، فهناك حقيقة حالية، هي أنّ المستفيد من زيادة الإنفاق العسكري في أوروبا سيكون الاقتصاد الأمريكي. لا يمتلك العالم القديم مجمعًا صناعيًا عسكريًا قويًا مثل العالم الجديد.
العالم القديم ليس مكتفيًا ذاتيًا من حيث الأسلحة والمعدات العسكرية وحتى بعض أنواع الذخيرة. استوردت أوروبا دائمًا كميات كبيرة إلى حد ما من المنتجات العسكرية من الولايات المتحدة. لم يكن تطوير المجمع الصناعي العسكري للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أولوية خاصة، فقد اعتمدوا دائمًا على المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
في الفترة 2014-2023، زادت صادرات الأسلحة الأمريكية إلى أوروبا بنسبة 35% مقارنة بالفترة 2014-2018. زاد الطلب على الأسلحة الأمريكية في أوروبا بشكل حاد، وبشكل خاص بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
أما الآن، وفي ولاية ترامب الثانية، انتقدت الولايات المتحدة التقصير الأوروبي في مجال الإنفاق الدفاعي، وكما ذكرنا، حيث أنفقت واشنطن نحو 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع في عام 2024، أي ضعف الإنفاق الأوروبي العسكري منذ عدة سنوات، وعندما فرغ صبر ترامب طالب الدول الأوروبية بإنفاق 5%من ناتجها المحلي.
وبحسب ما نشرته مونت كارلو الدولية، فإن التصريحات المستمرة للرئيس الأمريكي ترامب وإدارته لا تضع عضوية الولايات المتحدة موضع تساؤل فحسب، بل تثير الشكوك في التكتل في حال تعرض أحدها لخطر هجوم. يقول الرئيس الأمريكي إن واشنطن لن تقوم بالدفاع عن الحلف إن لم تقم الدول الأوروبية بدفع التزاماتها كاملة وزيادة الإنفاق الأوروبي.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟