أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري















المزيد.....


مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 09:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهد الساحل السوري منذ السادس من آذار/مارس الجاري، مجازر طائفية رهيبة كنا اعتقدنا، ساذجين ربما، أن سوريا تجاوزتها وبدأت تضع أقدامها على طريق جديد، بعد أن تخلصت من نظام المجازر. كانت شرارة انطلاق المجازر في الساحل، والتي لا تزال مستمرة حتى لحظة كتابة هذا المقال، عملية عسكرية (كمين) قام بها عناصر من النظام السابق ضد دورية للأمن العام، راح ضحيتها كل أفراد الدورية. ثم رافق عمليات الإبادة الطائفية التي انطلقت عقب هذا الكمين، مجموعة كمائن غادرة (الاستغاثة بدورية للأمن العام ثم استهداف الدورية القادمة لتلبية النداء) ومنسقة من قبل هذه العناصر المفلسة سياسياً وأخلاقياً حتى في أوساط العلويين، تسببت في استشهاد بين مئة ومئة وخمسين من عناصر الأمن العام، بحسب التقارير.
لم يصدر من المجتمع العلوي ما يؤيد هذه العمليات ضد عناصر الأمن العام الذين غالباً ما كانوا الجهة التي يستنجد بها، وليس ببقايا النظام، العلويون، خوفاً من جماعات الإبادة. كما لم يذهب شباب الطائفة العلوية للانضواء مع هذه العناصر المجرمة التي تبحث عن زعزعة الأمن كي تجد لها مخرجاً من المحاسبة. لم يذهب العلويون إلى الموت لا سعياً وراء إعادة نظام كان قبل سقوطه أصلاً في عداد الأموات، ولا دفاعاً عن "فلول" مفلسين، لكن جاءهم الموت وهم في بيوتهم بعد أن سلم منهم من كان يملك السلاح سلاحه إلى الدولة وباتوا عزلاً بالكامل، يشهد على ذلك أن أحداً من جماعات الإبادة لم يتعرض لأي أذى بينما هم يقتلون العائلات واحدة واحدة، ويتفننون بإذلال وتعذيب الأهالي وقطف أرواحهم، ويطلقون تصريحات طائفية مقززة، وينتقلون من قرية إلى أخرى بطريقة تذكر كاتب هذه السطور بحالة المهاجع في سجن تدمر حين يبدأ فريق التعذيب جولته، فنسمع الأصوات وهي تقترب من المهجع، وليس لنا إلا أن ننتظر الوحشية القادمة.
رحب عموم العلويين بالسلطة الجديدة، ولم نشهد أي حوادث ضد القوات التي بدأت تشغل فراغ الدولة. إحدى العائلات التي أبيدت كانت قد نشرت صوراً لأفراد العائلة، عقب سقوط النظام، وهم يحتفلون بـ"النصر" ويرقصون رافعين علامات النصر وهم يلفون أنفسهم بالعلم الأخضر. وقد نشر كثيرون المنشورات الوطنية والثورية لأحد الشباب من ضحايا المجزرة، ولم يكن هذا الشاب سوى ابن المرأة الشجاعة التي شغلت صورتها وسائل التواصل وهي ترد تهمة الغدر التي يوجهها إليها قتلة غارقون في الغدر. ولكن ترحيب العلويين بالسلطة الجديدة تضاءل وأملهم بدأ يخبو على وقع ما راح يسمى "التجاوزات الفردية" التي كانت، طوال الفترة الماضية، بمثابة تمهيد وجس نبض قبل إطلاق العنان للمجازر.
الواقع أن الشهور الثلاثة السابقة للمجازر الطائفية، لم تخل يوماً من اعتداءات وانتهاكات بحق العلويين، وصل بعضها (مجزرة فاحل أواخر كانون الأول/يناير، ومجزرة أرزة بداية شباط/فبراير) إلى ما يشبه بروفات على المجازر التي نتكلم عنها. طوال هذه الفترة كان الكثيرون يقللون من شأن تلك الانتهاكات مطالبين بإعطاء السلطة الجديدة الوقت، مكررين عبارة "كنا نتوقع مجازر فظيعة، ولكنها لم تحصل"، سيراً على المنطق الذي يكرس قبول الواقع من خلال مقارنة السيء بما هو أسوأ، وعلى اعتبار أنه لا حدود للسوء، فإن ما هو واقع، وفق هذا المنطق، ينبغي قبوله دائماً، وأن النقد والاحتجاج ليس سوى تذمر أو "نق". هذا لا يعني أن أصحاب هذا المنطق الفاسد سياسياً، لا يمكن أن يرفضوا الواقع، إنهم يرفضونه ولكن حسب مبدأ كيفي لا علاقة له بقيم أو مبادئ عامة، ولذلك تراهم يقبلون اليوم ما كانوا يرفضونه بالأمس. فكما يعرض هؤلاء جلداً سميكاً حيال مجازر اليوم، فيما كانوا يستفظعون مجازر الأمس، يستفظع أمثالهم مجازر اليوم، فيما كانوا يعرضون جلداً سميكاً حيال مجازر الأمس. هذا من العيوب الكبيرة في ثقافتنا السياسية، العيوب التي تجعلنا عاجزين عن الخروج من دائرة التسلط والمجازر.
قناعتنا أن الموقف غير الأخلاقي الذي عرضه التبريريون المتهاونون مع الانتهاكات بحق المدنيين العلويين الأبرياء، التي كانت توصف، خلال الشهور الثلاثة الماضية، بأنها "حوادث فردية" وليست نهجاً للسلطة الجديدة، والذين سعوا إلى تكذيبها وكتمها "لصالح بناء الدولة"، كما كرر من يعتقدون أنفسهم حكماء وبعيدي نظر، كان من جملة الأسباب التي جعلت المجازر اللاحقة ممكنة، وكان من جملة الأسباب التي تقود اليوم إلى بناء دولة فئوية شبيهة بسابقتها، أي تقود في النهاية إلى تقويض معنى الدولة.
وعلى سيرة الدولة، كثير من "حكماء" الأمس، كانوا يبررون ويتهاونون مع جرائم النظام السابق بحق الخارجين عليه، من منطلق الحفاظ على الدولة أيضاً، في الحالتين تبرر الجرائم حباً بالدولة، ولكن أي دولة تلك التي تقتل أو تتهاون في قتل وإذلال محكوميها. هل يرى هؤلاء أن مجتمعنا محكوم بالاختيار بين دولة تسلطية عدائية تجاه محكوميها، وبين دمار الدولة والفوضى؟ الواقع أن هؤلاء يندبون أنفسهم كي يكونوا جنوداً أو خدماً لأصحاب النفوذ والسلطة، ولا يخرجون على السلطة، حين خرجون، إلا لخدمة متنفذين تسلطيين جدد.
لا يتراكم في بلداننا إلا الدمار والموت. تذهب الجهود الفكرية المنيرة والسياسية الخيرة هباء ولا تتراكم ولا يجد أصحابها سوى العجز أمام زحف الهمجية الفظيع. لا تجد سوريا، بعد كل شيء، ما يقف في وجه الحثالة التي تظهر على السطح وتمارس أبشع أنواع جرائم الإبادة الطائفية. هكذا تشهد الشوارع النكوص من الهتاف للحرية إلى الهتاف "لإبادة العلوية"، هذا في بلد شهد ثورة "كرامة وحرية"، ودفع ثمنا غالياً لأنه تهاون، فيما مضى، مع بناء دولة تقوم على التمييز والاحتكار والعنف. حتى يتساءل المرء، كيف كان هؤلاء الذين تفوح من أفواههم رائحة الجثث اليوم، أنصار ثورة في الأمس؟
لا شيء كريم يتراكم في هذه البلاد التي تتوالى فيها النكبات، وتصبح النكبة السابقة منطلقاً للتالية وأساساً لتبريرها. الناس أنفسهم الذين ضحوا من أجل قيم وأفكار وطنية وعادلة، يهجرون هذه الأفكار، ويتلكؤون في إدانة الجريمة التي كانوا ضحية ما يشبهها بالأمس. الناس أنفسهم الذين كانوا يجتهدون للرد على أكاذيب وروايات الأسد، تراهم يرددون أكاذيب وروايات لا تقل سخفاً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا
- درس علوي في سورية يجدر تأمله
- مخاطر الانتقال إلى سوريا جديدة
- عن مظاهرات السوريين العلويين
- هل انتصرت الثورة في سوريا؟
- الموالون وتلاشي نظام الأسد
- عن سورية والتطورات الأخيرة
- نزوع الضحية إلى السيطرة
- انتصارات إسرائيل الخاسرة
- عن اللوثة الطائفية في سوريا
- التكيّف مع الاحتلال
- تحول حزب الله من المقاومة إلى الردع
- نحن والاحتجاجات في إسرائيل
- عن انقسام عقيم يلازم السوريين
- أفكار في النقاش السوري العام
- سأبقى أذكر ذلك المساء المختلف في السجن
- غزة، التنافر بين الحق وتمثيله


المزيد.....




- الولايات المتحدة الأمريكية تحاول التصدي للنفوذ البحري الصيني ...
- فيكتور أوربان يزداد توترا ويصف معارضيه السياسيين بـ-الحشرات- ...
- الدوري الألماني: بايرن يواصل هدر النقاط.. وفوز كاسح لغلادباخ ...
- مصرع أكثر من 16 شخصا نتيجة عواصف وأعاصير ضربت عدة ولايات أمر ...
- الولايات المتحدة تطرد سفير جنوب إفريقيا.. ما علاقة ترامب؟
- -هددوا قواتنا-.. الجيش الإسرائيلي يبرر قصف مجموعة صحفيين شما ...
- ستارمر: متفقون على مواصلة دعم أوكرانيا
- أوربان: ضم كييف للاتحاد يحتاج موافقتنا
- نتنياهو.. القبول بمقترح ويتكوف
- قوات كييف تعترف بتصاعد حدة الوضع على المحور الجنوبي الشرقي ل ...


المزيد.....

- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري