أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء














المزيد.....

دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 07:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لطالما كان حلمنا جميعاً في سوريا، بناء دولةً يتمتع فيها المواطنون بالمساواة الحقيقية، حيث يعترف بكل الهويات الثقافية والعرقية ولا يتم التفريق بين أبناء الوطن الواحد. كانت ولا تزال فكرة الدولة التي تضم جميع المكونات تحت سقف واحد، دون أي تمييز على أساس الدين أو العرق، حلمًا للعديد من السوريين، وخاصة الكرد الذين عانوا لعقود من التهميش والإقصاء. ولكن، عندما يُطرح ما يُسمى "دولة المواطنة" في الوقت الراهن، ويستمر فيها إغفال حقوق الكرد الثقافية واللغوية، يتبين لنا بوضوح أن هذا المشروع، رغم نواياه المبدئية، لا يعدو كونه محاولة جديدة للمماطلة واحتواء الفئات التي تسعى للعدالة والمساواة.
إن المماطلة هنا لا تعني فقط التأجيل أو التأخير، بل تعني أن هذا النظام لا يزال يواصل تجاهل حقوق الكرد كجزء من سياسة قديمة جديدة تهدف إلى القضاء على الخصوصية الثقافية للشعب الكردي ودمجه ضمن هوية واحدة تُفرض عليه. هذه المماطلة المستمرة تشكل حلقة مفرغة تُعيد إنتاج نفسه في كل مرة، مما يبدد أي أمل حقيقي بمستقبل يحترم التنوع الثقافي في سوريا.
لا شك أن "دولة المواطنة" هي فكرة نُوقشت منذ عقود، وأيدها الكثيرون من السوريين الذين يطمحون إلى بناء وطن يسوده العدل والمساواة. ولكن، كما نرى اليوم، فإن هذه الفكرة أصبحت تُستخدم في العديد من الأحيان كوسيلة لتأجيل القضايا الكبرى التي تمس حقوق الكرد والمكونات الأخرى. فالدعوات لقيام دولة المواطنة هي في جوهرها دعوات لنزع هوية الكرد الثقافية والسياسية، وفرض لغة واحدة وثقافة واحدة على الجميع.
ردًا على هذا، كتبت مقالًا قبل سنوات بعنوان "لا لدولة المواطنة"، وكان بمثابة تحذير من أن دولة المواطنة التي لا تعترف بحقوق الكرد القومية و اللغوية و الثقافية هي مجرد استمرارية لسياسات الإقصاء التي عانى منها الشعب الكردي لعقود طويلة. في ذلك المقال، أوضحت أن أية فكرة للمواطنة يجب أن تتضمن احترام التنوع الثقافي في البلاد، ويجب أن يُحترم حق كل مكون في التعبير عن نفسه، لغويًا وثقافيًا. وجاء رد بعضهم على هذا المقال قاسيًا، خاصة من ناشطين في فصائل راديكالية- ومن بينهم قاض في إحداها كما قيل لي- حاولوا تحميل المقال مسؤولية الدعوة إلى تقويض "الوحدة الوطنية"، في حين أنهم كانوا يجهلون أو يتجاهلون تمامًا معاناة الكرد المستمرة في وطنهم.، رغم أن أكثر هؤلاء كانوا شهوداً على المعاناة، ومنهم من كان سبباً في ديمومتها، حامياً لها، أو ساكتاً على ديمومتها، وفق قناعة راسخة!
هذا النقاش حول "دولة المواطنة" ليس جديدًا. فالكرد في سوريا لطالما طالبوا بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ضمن وطن واحد، بعيدًا عن المشاريع الانفصالية أو الهيمنة العرقية. ولكن الواقع كان مريرًا، حيث تعامل النظام السوري مع مئات الآلاف من الكرد كمواطنين من الدرجة الثانية، إذ جردهم من جنسيتهم، واتهمهم بالخيانة وفرض عليهم السياسات القمعية التي كانت تهدف إلى إذلالهم وإلغاء هويتهم. وبالرغم من كل ذلك، ظل الكرد متمسكين بحقهم في أن يكونوا جزءًا أساسيًا من سوريا، لا منخرطين في محاولات فصل، بل ساعين للعدالة ضمن هذا الوطن.
الآن، بعض الناشطين الحقوقيين، الذين ينحدرون من خلفيات قومية عربية أو يسارية، يقدمون مشاريع تُسمى "دولة المواطنة" ويغفلون عمدا أو يجهلون التاريخ الطويل من معاناة الكرد في هذا السياق. هؤلاء الناشطون يريدون من الكرد أن يقبلوا بمواطنة منقوصة، في وطن يفرض عليهم لغة واحدة ويعزلهم عن حقهم في التعبير عن ثقافتهم وحضارتهم.
إن ما يُسمى "دولة المواطنة" لا يمكن أن يكون مشروعًا حقيقيًا للمساواة إذا لم يعترف بحقوق الكرد. فالقضية ليست مجرد حقوق سياسية بل ثقافية، تتمثل في اللغة والتعليم والإعلام. الشعب الكردي في سوريا ليس أقل وطنية من أي مكون آخر، لكنه لن يقبل أن يُجرد من هويته وثقافته في سبيل تحقيق مشروع سياسي يخدم فئات معينة دون الآخر.
وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أن الحلم بمواطنة حقيقية لا يكون من خلال التقليل من شأن الحقوق الثقافية لأي مكون من مكونات الشعب السوري. بل ينبغي أن نؤسس لدولة تحترم جميع السوريين، عبر الإقرار بخصوصياتهم، وأن نضمن أن حقوق كل مكون قومي وديني محفوظة. فالكرد في سوريا لا يطلبون سوى العدالة والمساواة، ولا يريدون فرض ثقافتهم أو لغتهم على الآخرين، بل يريدون فقط أن يكون لهم حق الحفاظ على وجودهم في مفاصل الدولة، كثاني قومية في سوريا، و التعبير عن أنفسهم وتعلم لغتهم والاحتفاظ بهويتهم.
من خلال ذلك، ستكون دولة المواطنة الحقيقية ممكنة في سوريا، ولكن فقط عندما نؤمن جميعًا بالتعددية القومية والدينية و الثقافية والاحترام المتبادل بين جميع مكونات الشعب السوري.

*كتب المقال قبل أسابيع ولم أنشره إلا الآن....



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- حصار الساحل السوري موت بطيء تحت الحصار لمن نجوا من القتل الج ...
- قراءة نقدية قانونية للدستور الجديد: إشكاليات التمييز والهوية ...
- السيد الرئيس الشرع: لا أوافق على دستورك ورئاستك بهذه الصيغة!
- مذابح الساحل السوري: توثيق الجريمة وفضح رعاة القتلة
- إبراهيم محمود عن شهداء الانتفاضة: اعذروني لن أكتب عنكم
- اتفاقية- الأمر الواقع- ما لها وما عليها.
- حجر أساس لبناء الجمهورية السورية في انتظار استكمال العمارة ا ...
- الروح الكردية: تسامح لا يندم عليه، وأعداء متجددون!
- -تفليل- العلويين ونفاق الإعلام العربي!
- عين الكروم جارة العاصي المجيد
- ثقافة الثأر في سوريا: تهديد للسلام والمستقبل وضرورة محاكمة ا ...
- خالد كمال درويش: والآن، من يستقبلنا بابتسامته الملازمة!
- وباء التحريض: ديناميكية الخسَّة وصناعة الانحطاط
- في العنف والعنف المضاد أو ثقافة العبث وجذور العنصرية القديمة
- من أسقط الأسد؟ أو سقوط وهم القوة وصمود هم المصالح
- الالتفاف على القضية الكردية في سوريا الجديدة: إعادة إنتاج ال ...
- تشويه صورة الأقليات في سوريا: وهم الأكثرية وصناعة الإقصاء
- تشويه الصورة المصطنعة ل- الأقليات- في سوريا: وهم الأكثرية وص ...


المزيد.....




- شاهد رد فعل البيت الأبيض بشأن نية أمازون عرض تكاليف التعريفا ...
- مصر تتأهب لعاصفة ترابية شديدة وسط تعطيل الدراسة وتحذيرات رسم ...
- ماذا نعرف عن صاروخ -بار- الإسرائيلي الجديد في حرب غزة، ومن ي ...
- -العدل الدولية- تستعد لإعلان حكمها في دعوى السودان ضد الإمار ...
- الحرب.. ملاذ أوروبا من الهزيمة بأوكرانيا
- بوتين يتحدث عن أهمية يوم النصر في روسيا وجمهوريات الاتحاد ال ...
- ترامب: روسيا قوة عسكرية كبيرة جدا وأوكرانيا ليست كذلك
- أوكرانيا وهنغاريا تتفقان على إطلاق مشاورات بشأن عضوية كييف ف ...
- ترامب يكشف من يكتب له منشوراته على -تروث سوشيال-
- مصدر حوثي يكشف تفاصيل مهاجمة حاملة الطائرات الأمريكية -هاري ...


المزيد.....

- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء