أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة















المزيد.....



الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8281 - 2025 / 3 / 14 - 18:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ كَيْفَ تَنْظُر الْغَنُوصِيَّة لِلْعِلْمِ و الْأَخْلَاق

تَنْظُرُ الْغَنُوصِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنِ الْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. الْغَنُوصِيَّة تَرَى الْعِلْم كَوَسِيلَة لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّة وَالْكَشْفِ عَنْ الْحَقَائِقِ الْخَفِيَّة لِلْوُجُود. بِالنِّسْبَة لِلْغَنوصيين، الْمَعْرِفَةُ (Gnosis) لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ نَظَرِيَّة أَوْ مَعْلُومَات مُجَرَّدَة، بَلْ هِيَ مَعْرِفَةُ حَدْسِيَّة وَإِشْرَاقًيَّة تُكْتَشف عَنْ طَرِيقِ التَّأَمُّل وَالْكَشْف الْبَاطِنِيّ. لِذَا فَهُمْ يَضَعُون الْمَعْرِفَة الْحَدْسِيَّة فَوْقَ الْمَعْرِفَةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْعَلَمِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. الْغَنُوصِيُّون يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ هُنَاكَ حَقَائِقَ كَوْنِيَّة وَمِيتَافِيزِيقِيَّة عَمِيقَة لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا عَنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَحْدَهُمَا، بَلْ تَتَطَلَّب نَوْعًا مِنْ الْكَشْفِ وَالْإِلْهَامِ الْبَاطِنِيّ. لِذَا فَهُمْ يَسْعَوْن لِلْحُصُولِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَارِفُ الأسْمَّى عَبَّر الطُّرُق الرُّوحِيَّة وَالسَّرِيَّة، كَالتَّأْمِلْ وَالرُّؤَى وَالْخَبَرُات الْغَامِضَةُ. وَيَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة هِيَ الطَّرِيقُ الأسْمَّى لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ النِّهَائِيَّة. فِي نَظَرِ الْغَنُوصِيُّون، الْعِلْمُ وَالْمَعْرِفَةُ الْعَقْلِيَّةِ هِيَ فِي أَحْسَنِ الْأَحْوَال مَرْحَلَة أَوَّلِيَّة، وَفِي أَسْوَاها مُجَرَّدُ أَوْهَام وَظُلَمات تَحْجُبُ الْحَقِيقَة الأسْمَّى. لِذَلِك فَهُمْ لَا يَكْتَفُونَ بِالْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة، بَلْ يَسْعَوْنَ إِلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ مَعَارِفِ إشْرَاقِيَة وَكَشُوَفَات رُوحِيَّةٌ تَكْشِفَ لَهُمْ عَنْ أَصْلِ الْوُجُودِ وَ مَصِيرُه. مِنْ حَيْثُ الْأَخْلَاق، تَرَى الْغَنُوصِيَّة إنْ الْقَوَاعِد الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة الَّتِي تَفْرِضُهَا الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ - كَالأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي - لَا تُؤَدِّي إِلَى أَخْلَاق حَقِيقِيَّةً، بَلْ مُجَرَّدُ إمْتِثَالِ ظَاهِرِيّ. فَالْغَنُوصِيَّة تَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ الْحَقِيقِيَّة تَنْبُعُ مِنْ دَاخِلِ الْإِنْسَانِ ذَاتِهِ، مِنْ خِلَالِ إِدْرَاكِهِ لِحَقِيقَة طَبِيعَتِه الْإِلَهِيَّة وَ الْكَشْفِ عَنْ الْخَيْرِ الأسْمَّى الْمَكْنُون فِيه. بِالنِّسْبَةِ لِلْغَنُوصِيُّون، فَإِنْ الْخَلَاص الْحَقِيقِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ عَبَّر الِإمْتِثَال الْخَارِجِيّ لِلْأَوَامِر الْأَخْلَاقِيَّة، بَلْ مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَة (Gnosis) الدَّاخِلِيَّة الَّتِي تَكْشِفُ لِلْإِنْسَانِ عَنْ جُذُورِه الْإِلَهِيَّة وَتَمَكُّنِهِ مِنْ تَحْقِيقِ كَمَالِهِ الرُّوحِيّ. وَبِذَلِك تَرَى الْغَنُوصِيَّة إنْ الْأَخْلَاق الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ نِتَاجُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة الَّتِي تُوَلِّدُ فِي الْإِنْسَانِ الْحُرِّيَّةُ وَ الْفَضِيلَةِ مِنْ الدَّاخِلِ. فِي الْمُجْمَلِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْغَنُوصِيَّة تَنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ رُوحِي بَاطِنِيّ، حَيْثُ تَرَى أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّة وَالْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ لَا يَتَأَتَّى مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوْ الْأَوَامِرِ الدِّينِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ، بَلْ مِنْ خِلَالِ الْكَشْف وَالْإِشْرَاق الْبَاطِنِيُّ الَّذِي يُمْكِنُ الإِنْسَانَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى جُذُورِهِ الْإِلَهِيَّة وَالْخَلَاص النِّهَائِيّ.

_ الْمَفَاهِيمِيَّة الْغَنُوصِيَّة لِلْعِلْمِ و الْأَخْلَاق

لِلْغَنُوصِيُّون رُؤْيَةُ خَاصَّةً لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق تَخْتَلِفُ عَنْ الْمَفَاهِيم التَّقْلِيدِيَّة لِهَذَيْن الْجَانِبَيْن. بِالنِّسْبَة لِلْغَنُوصِيُّون، الْمَعْرِفَةُ (الْغَنوص) هِيَ الْهَدَف الأسْمَّى، وَلَيْسَتْ الْمَعْرِفَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوْ الْفِكْرِيَّة فَقَطْ، بَلْ الْمَعْرِفَةَ الْحَدْسِيَّة وَالرُّوحِيَّةِ الْمُبَاشَرَة بِالْأُلُوهِيَّة الْخَفِيَّة. الْغَنُوصِيُّون يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِإِمْكَانِه الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ الْعُلْيَا مِنْ خِلَالِ جَهْدَه الذَّاتِيّ وَ التَّجْرِبَة الرُّوحِيَّة الْبَاطِنِيَّة، وَلَيْسَ مِنْ خِلَالِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ أَوْ التَّقَالِيد الدِّينِيَّة. بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ، الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَالْعَقْلِيَّة هِيَ مَعْرِفَةُ نَاقِصَة وَمَحْدُودَة لَا تَرْقَى إِلَى مُسْتَوَى الْمَعْرِفَة الرُّوحِيَّة وَالْحَدْسُيَّة. فَالْعِلْمُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْحَقِيقَةِ الْأَعْلَى وَالْمَعْرِفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ بِاَللَّه وَالْكَوْن. لِذَا فَالْغَنُوصِيُّون يَنْظُرُونَ إلَى الْعِلْمِ وَالْفِكْر الْعَقْلِيّ كَوَسِيلَة مَحْدُودَة لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّة. تَخْتَلِف الْأَخْلَاقِ عِنْدَ الْغَنُوصِيُّون كَذَلِكَ عَنْ الْمَفَاهِيم التَّقْلِيدِيَّة. بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ، الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ وَالْخَلْق الْمَادِّيّ يَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ شِرِّيرٌ أَوْ نَاقِصٌ بِالْمُقَارَنَةِ مَعَ الْعَالِمِ الرُّوحِيِّ الأسْمَّى. لِذَلِكَ فَإِنْ الْأَخْلَاق الْغَنُوصِيَّة تَرْفُضُ الِإلْتِزَام بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة وَتَنْظُرُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا قُيُود مَادِّيَّة تُحْبَس الرُّوحِ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْجَسَدِيّ الشِّرِّير. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، يُرَكِّز الْغَنُوصِيُّون عَلَى تَحْرِيرِ الرُّوحُ مِنْ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ وَ الْوُصُولُ إلَى الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة الْعُلْيَا. فَالْأَخْلَاق عِنْدَهُمْ تَتَمَثَّلُ فِي السَّعْيِ نَحْوَ هَذَا الْهَدَفِ الأسْمَّى، وَلَيْسَ فِي الِإلْتِزَامِ بِقَوَاعِد وَتَقَالِيد أَخْلَاقِيَّة مُحَدَّدَة. وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَى الْإِنْسَانِ عَلَى أَنَّهُ بِجَوْهَرِه كَائِن رُوحِي إِلَهِي مُحَاصِر فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ الضَّارّ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ تَحْرِير الرُّوحُ مِنْ قُيُودِ الْمَادَّةِ هُوَ الْغَايَةُ الْأَخْلَاقِيَّة الأسْمَّى. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يَرْفُض الْغَنُوصِيُّون الْمَفَاهِيمِ التَّقْلِيدِيَّة لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق، وَيُؤَمِّنُون بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ الرُّوحِيَّة وَالْحَدْسُيَّة هِيَ السَّبِيلَ الْوَحِيد لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْخَلَاصُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ الشِّرِّير. وَهَذَا مَا يُمَيِّزُ رُؤْيَتِهِمْ الْفَرِيدَة لِهَذَيْن الْجَانِبَيْن الْأَسَاسِيين فِي الْفِكْرِ الْإِنْسَانِيِّ.

_ التَّأْصِيل الْمَفَاهِيمي لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة

الْغَنُوصِيَّة هِيَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْأَفْكَارِ وَالْأَنْظِمَة الدِّينِيَّةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الْمِيلَادِيّ وَإمْتَزَجَتْ مَع الْمَسِيحِيَّة وَالدِّيَانَات الْأُخْرَى. تُعْتَبَرُ الْغَنُوصِيَّة إنْ الْمَعْرِفَة الرُّوحِيَّة الشَّخْصِيَّة وَالْبَصِيرَة الصُّوفِيَّةِ هِيَ أَهَمُّ مِنْ التَّعَالِيم وَ التَّقَالِيد وَالسُّلْطَة الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. مِنْ الْمَنْظُور الْغَنُوصِي، هُنَاكَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ إلَه أَعْلَى خَفِي وَإله أَصْغَر (يَرْتَبِط أَحْيَانًا بِإلَه الْيَهُود "يَهُوه") الْمَسْؤُولُ عَنِ خَلْق الْعَالَم الْمَادِّيّ. لِذَلِك، يَعْتَبِر الْغَنُوصِيُّون الْوُجُودُ الْمَادِّيّ مَعِيبًا أَوْ شِرِّيرًا، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْعُنْصُر الرَّئِيسِيّ هُوَ الْمَعْرِفَةُ الْمُبَاشَرَة بِالْأُلُوهِيَّة الْخَفِيَّةِ. مِنْ مَنْظُورٍ الْغَنُوصِيَّة، فَإِنْ الْمَعْرِفَة وَالْأَخْلَاق مُتَرَابِطَان إرْتِبَاطًا وَثِيقًا. فَالْحُصُول عَلَى الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة هُو الْمِفْتَاح لِلْخَلَاص وَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْغَنُوصِيَّة لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَعْلُومَات نَظَرِيَّةً، بَلْ هِيَ تَجْرِبَة حَيَاتِيَّة تُؤَدِّي إلَى تَحَوُّلِ أَخْلَاقِيّ وَ رُوحِي لِلْفَرْدِ. الْغَنُوصِيُّون يَرْفُضُون الشَّرَائِع الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة، وَيَعْتَبِرُونَهَا مُجَرَّد قُيُود بَشَرِيَّةً عَلَى الْفَرْدِ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، يُؤَكِّدُون عَلَى الْحُصُولِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْمُبَاشَرَة بِالْحَقِيقَة الْإِلَهِيَّةِ مِنْ خِلَالِ التَّجْرِبَةِ الرُّوحِيَّة وَالصُّوفِيَّة. هَذَا الِإعْتِقَادِ يَعْنِي أَنَّ الْأَخْلَاقَ فِي الْغَنُوصِيَّة تَنْبُعُ مِنْ دَاخِلِ الْفَرْد وَ لَيْسَ مِنْ خِلَالِ الِإمْتِثَال لِلْقَوَانِين الْخَارِجِيَّة , فِي الْغَنُوصِيَّة، يُتِمُّ النَّظَرُ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَ التِّكْنُولُوجِيَّة بِشَكْل مُتَرَدِّد. فَمِنْ نَاحِيَةِ، يَنْظُرُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِفَهْم الْوَاقِع الْمَادِّيّ وَالتَّحَكُّم فِيهِ. وَلَكِنْ مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْمَعَارِفُ جُزْءًا مِنْ النِّظَامِ الْمَادِّيِّ الَّذِي يَجِبُ تَجَاوَزَه لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الرُّوحِيَّة الْعُلْيَا. لِذَلِكَ، فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة تَمِيلُ إلَى إعْطَاءِ الْأَوْلَوِيَّة لِلْمَعْرِفَة الرُّوحِيَّة عَلَى حِسَابِ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة, فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَخْلَاق، فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة تُؤَكِّدُ عَلَى الْخِبْرَة الدَّاخِلِيَّة وَالْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة كَمُصَادَر لِلْأَخْلَاق، بَدَلًا مِنْ الِإمْتِثَالِ لِلْقَوَاعِد الْخَارِجِيَّة. هُنَاك تَأْكِيدٌ عَلَى التَّطْهِيرِ الرُّوحِيّ وَالتَّحَوُّل الْأَخْلَاقِيّ لِلْفَرْدِ مِنْ خِلَالِ إكْتِسَاب الْمَعْرِفَة الْغَنُوصِيَّة وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ فِي الْغَنُوصِيَّة لَيْسَتْ مُجَرَّدَ قَوَاعِد سُلُوكِيَّة، بَلْ هِيَ جُزْءُ مَنْ عَمَلِيَّة الْخَلَاص الرُّوحِيّ وَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ. فِي الْخُلَاصَةِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْغَنُوصِيَّة تَتَبَنَّى مَنْظُورًا فَلْسَفِيًّا يَرَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الرُّوحِيَّة الْبَاطِنِيَّة الَّتِي تُؤَدَّي إِلَى التَّحَوُّلِ الْأَخْلَاقِيّ وَالْخَلَاص. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة مُتَرَابِطَان إرْتِبَاطًا وَثِيقًا، حَيْثُ إنَّ الْأَخْلَاق تَنْبُعُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة وَلَيْسَ مِنْ الِإمْتِثَالِ لِلْقَوَاعِد الْخَارِجِيَّة. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ الْغَنُوصِيَّة تُعْطِي الْأَوْلَوِيَّة لِلْجَانِب الرُّوحِيّ وَ الْبَاطِنِيّ عَلَى حِسَابِ الْجَوَانِب الْمَادِّيَّة وَالظَّاهِرِيَّة لِلْعِلْم وَ الْأَخْلَاق.

_ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق وَالْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة فِي الْغَنُوصِيَّة

الْغَنُوصِيَّة هِيَ تَيَّار فَلْسَفِيّ وَدِينِي قَدِيم يُرَكِّزُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة وَالرُّوحَانِيَّة لِلْإِنْسَان. وَعِنْدَ النَّظَرِ إلَى عَلَاقَةِ الْغَنُوصِيَّة بِالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، يَتَّضِحُ أَنَّ هُنَاكَ تَأْثِيرَات مُتَبَادَلَة بَيْنَهَا. تَنْظُرُ الْغَنُوصِيَّة إلَى الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا طَرِيقٌ لِلْحَقِيقَة النِّهَائِيَّة وَ الْكَشْفِ عَنْ أُصُولِ الْوُجُودِ. وَ هِيَ تَعْتَقِدُ أَنَّ هُنَاكَ مَعْرِفَة سَرِيَّة أَعْمَقُ مِنَ المَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة الظَّاهِرَة، وَ الَّتِي يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا عَبَّر التَّأَمُّل وَالْمَمَارَسَات الرُّوحِيَّةِ. فِي الْمُقَابِلِ، ظَهَرَتْ بَعْضُ الْأَفْكَار وَالْمَفَاهِيم الْغَنُوصِيَّة فِي الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ، كَمَا فِي نَظَرِيَّات الْكَوْن وَالفِيزْيَاء الْكَمِّيَّةِ الَّتِي تَتَنَاوَلُ مَفَاهِيم مِثْل الطَّاقَة الْكَوْنِيَّة وَالتَّوَازُن وَالتَّنَاظُر. فَالْغَنُوصِيَّة أَثَّرَتْ بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ عَلَى بَعْضٍ الْفَلْسَفَات الْعِلْمِيَّة الْحَدِيثَة. تقَوَّمُ الْغَنُوصِيَّة عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ الْمُنْحَطّ وَالْعَالِم الرُّوحِيّ السَّامِيّ. فَهِي تَرَى أَنَّ الْجَسَدَ وَالْعَالِم الْمَادِّيّ هُمَا مَصْدَر الشَّرّ وَالِإنْحِطَاط، بَيْنَمَا الرُّوحُ هِي الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ لِلْخَيْر وَالْكَمَال. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، تُرْكَز الْغَنُوصِيَّة عَلَى تَطْهِيرِ الرُّوح وَالِإرْتِقَاءِ بِهَا عَنْ طَرِيقِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة وَ الْمَمَارَسَات الرُّوحِيَّةِ. فَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة مُرْتَبِطَةٌ إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْبُعْد الرُّوحِيّ لِلْإِنْسَانِ وَلَيْسَ بِالْعَالِم الْمَادِّيّ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ إهْتِمَام الْغَنُوصِيَّة بِالْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة، إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُنْفَصِلَةً تَمَامًا عَنْ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَقَدْ كَانَ لِلْغَنُوصِيَّة تَأْثِيرِ عَلَى بَعْضٍ الْمَفَاهِيم الْعَلَمِيَّةِ، كَمَا أَنَّهَا رَبَطَتْ الْأَخْلَاق بِالْبُعْد الرُّوحِيّ لِلْإِنْسَان.وَ مَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ النَّظْرَة الثُّنَائِيَّة لِلْغَنُوصِيَّة بَيْنَ الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ وَالْعَالِم الرُّوحِيّ قَدْ أدَتْ إلَى نَوْعٍ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَالْعِلْم كَانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ كَوَسِيلَة لِلتَّعَامُلِ مَعَ الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ الْفَاسِد، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق كَانَتْ مُرْتَبِطَةً بِالْبُعْد الرُّوحِيّ النَّقِيّ. فِي النِّهَايَةِ، تَظْهَر الْغَنُوصِيَّة تَعْقِيد الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة وَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ. فَهِيَ تُقَدَّمُ رُؤْيَة مُتَمَيِّزَة لِهَذِهِ الْعَلَاقَاتِ، وَ اَلَّتِي مَازِالت تُؤَثِّرُ عَلَى الْفِكْرِ وَالثَّقَافَة حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.

_ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق و الْحَقِيقَةِ فِي الْغَنُوصِيَّة

الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَشَائِكَة. الْغَنُوصِيَّة تَعْتَبَرُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ (Gnosis) بِمَثَابَة الطَّرِيق الأَسَاسِيّ لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الرُّوحِيَّة وَالْخَلَاص، وَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تَنْظُرَ إلَى الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ وَالْأَخْلَاق التَّقْلِيدِيَّة بِنَظَرة سَلْبِيَّة بِإعْتِبَارِهَا تَمَثِّل الْقُيُود وَالْحِجَاب الَّذِي يَحُولُ دُونَ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الرُّوحِيَّة. تَنْظُرُ الْغَنُوصِيَّة إلَى الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الإِنَارَة الرُّوحِيَّة وَالْخِبْرَة الذَّاتِيَّة الْمُبَاشَرَة بِالأُلُوهِيَّة، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ نَظَرِيَّة أَوْ عَقْلِيَّةً. وَ بِالتَّالِي فَإِنَّ الْغَنُوصِيّين يَعْتَبِرُونَ أَنَّ الْوُصُولَ إلَى هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَل لِلْخَلَاص وَالسُّمُوّ الرُّوحِيّ، وَلَيْس الِإلْتِزَامِ بِالْأَخْلَاقِ التَّقْلِيدِيَّة أَوْ الْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة. فِي نَظَرِ الْغَنُوصِيّين، الْعَالِمُ الْمَادِّيّ هُوَ مَصْدَرٌ الشَّرِّ وَ الْفَسَادِ، بَيْنَمَا الرُّوحُ هِيَ مَصْدَرُ الْخَيْرِ وَالنَّقَاءِ. لِذَلِكَ فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة تَنْظُرُ إلَى الْجَسَدِ وَالْمَادَّة بِإعْتِبَارِهَا قُيُود وَحِجَاب يَحُولُ دُونَ تَحْقِيقِ الإِنَارَة الرُّوحِيَّة. وَعَلَيْهِ، فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة تُشَجَّعُ عَلَى التَّحَرُّرِ مِنْ قُيُودِ الْمَادَّةِ وَالنَّأي بِالنَّفْس عَنْ الْأَخْلَاقِ التَّقْلِيدِيَّة بِإعْتِبَارِهَا مُجَرَّد قُيُود ظَاهِرِيَّة تَحُولُ دُونَ الْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الرُّوحِيَّة. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة لَا تَرْفَضُ الْأَخْلَاق بِالْكُلِّيَّة، وَلَكِنْ تَنْظُرُ إلَيْهَا مِنْ مَنْظُورٍ مُخْتَلَف. فَالْغَنُوصِيّين يَرَوْنَ أَنَّ الْأَخْلَاقَ الْحَقِيقِيَّة تَنْبُعُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة وَالْإِنَارَة الدَّاخِلِيَّة، وَلَيْسَ مِنْ الِإلْتِزَامِ بِالْقَوَاعِد وَ التَّعَالِيم الْخَارِجِيَّة. وَبِالتَّالِي فَإِنَّهُمْ يُشَجِّعُون عَلَى تَطْهِيرِ النَّفْسِ وَالسُّمُوّ الرُّوحِيّ بِإعْتِبَارِه السَّبِيلُ الْوَحِيدُ لِلْوُصُولِ إلَى الْأَخْلَاقِ الْحَقِيقِيَّة. فِي هَذَا الْإِطَارِ، يَرَى الْغَنُوصِيّين إنْ الْعِلْمِ وَ الْمَعْرِفَةِ لَهَا دَوْرٌ أَسَاسِيٍّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا السُّمُوِّ الرُّوحِيّ، حَيْثُ إنَّهَا الْوَسِيلَة لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الإِلَهِيَّةِ وَالْخَلَاص. وَ بِالتَّالِي فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة، فَالْعِلْمُ هُوَ الْوَسِيلَةُ وَالْأَخْلَاق الرُّوحِيَّة هِيَ الْغَايَةُ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ هَذِهِ النَّظْرَةِ الْغَنُوصِيَّة لِلْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق لَا تَخْلُو مِنْ إشْكَالَيْات وَإنْتِقَادَات. فَهُنَاكَ مَنْ يَرَى أَنَّ هَذِهِ النَّظْرَةِ تُؤَدِّي إلَى التَّهْوِين مِنْ شَأْنِ الْأَخْلَاق التَّقْلِيدِيَّة وَ تَفْكِيك النَّسِيج الْأَخْلَاقِيّ لِلْمُجْتَمَع، كَمَا أَنَّهَا قَدْ تُؤَدِّي إلَى التَّطَرُّف وَالِإنْغِلَاق الرُّوحِيَّ عَلَى حِسَابِ الِإلْتِزَام بِالْقَوَاعِد وَ الْمَسْؤُولِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة الْعَامَّة. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَشَائِكَة تَتَأَرْجَحُ بَيْنَ التَّكَامُل وَالصِّرَاع، وَتَطْرَح تَسَاؤُلَات حَوْلَ مَدَى إِمْكَانِيَّة التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة وَالِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ الْعَامِّ. وَهَذِهِ الْإِشْكَالية لَا تَزَالُ مَوْضِع نَقَّاش وَجَدَل بَيْن الْبَاحِثِينَ وَ الْمُفَكِّرِينَ. الْغَنُوصِيَّة تَتَبَنَّى فَهُمَا مُخْتَلِفَا لِلْحَقِيقَة مُقَارَنَة بِالتَّصْوِرَات التَّقْلِيدِيَّة لِلْحَقِيقَة. فَالْغَنُوصِيّين يَنْظُرُونَ إلَى الْحَقِيقَةِ بِإعْتِبَارِهَا مَعْرِفَة رُوحِيَّة أَوْ "غَنُّوص" يُتِمُّ الْوُصُولِ إلَيْهَا عَبَّر التَّجْرِبَة الشَّخْصِيَّة وَالْكَشْف الدَّاخِلِيّ، وَلَيْس عَبَّر الِإعْتِمَادُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْمَنْقُولَةِ أَوْ الْمُؤَسَّسَات الدِّينِيَّةِ وَ الفَلْسَفِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّة وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْغَنُوصِيَّة تُؤَكِّدُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الذَّاتِيَّة وَالْمُبَاشَرَة، وَاَلَّتِي تَتَجَاوَز الْحَقَائِقِ الْعَقْلِيَّةِ وَ الْمَذْهَبِيَّة. فَالْحَقِيقَةُ فِي نَظَرِ الْغَنُوصِيّين هِيَ نِتَاجُ التَّجْرِبَة الرُّوحِيَّة الشَّخْصِيَّة وَالْكَشْف الدَّاخِلِيّ، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَعْلُومَاتٍ أَوْ مَعَارِفُ مَنْقُولَة. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْغَنُوصِيّين يَنْظُرُونَ إلَى الْحَقِيقَةِ بِإعْتِبَارِهَا شَيْئًا مُتَعَال وَ مُتَجَاوَز لِلْعَالِم الْمَادِّيّ وَالمُؤَسَّسَات الِإجْتِمَاعِيَّة وَالدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. فَالْحَقِيقَة الْغَنُوصِيَّة هِيَ حَقِيقَةُ رُوحِيَّة أَوْ "مِيتَافِيزِيقِيَّة" تَقَع خَارِج نِطَاق الْمَعْرِفَة الْعَادِيَة وَالمُؤَسَّسَات الْمُعْتَادَة. وَمَنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، فَإِنْ الْغَنُوصِيّين يَنْظُرُونَ إلَى الْأَدْيَانِ التَّقْلِيدِيَّة وَ الْفَلْسَفَات بِإعْتِبَارِهَا مُجَرَّد مُحَاوَلَات بَشَرِيَّة نَاقِصَة لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الرُّوحِيَّة، وَاَلَّتِي لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا إلَّا عَبَّر التَّجْرِبَة الرُّوحِيَّة الشَّخْصِيَّة وَالْكَشْف الدَّاخِلِيّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْغَنُوصِيَّة تَعْتَبَرُ إنْ الْحَقِيقَة الْحَقِيقِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْبُرْهَان الْعَقْلِيِّ أَوْ الْوَحْيِ الدِّينِيِّ التَّقْلِيدِيّ، بَلْ هِيَ نِتَاجُ التَّجْرِبَة الْبَاطِنِيَّة وَالْكَشْف الشَّخْصِيّ. وَهَذَا مَا يُمَيِّزُ الْغَنُوصِيَّة عَنْ الْمَفَاهِيم التَّقْلِيدِيَّة لِلْحَقِيقَةِ فِي الْفَلْسَفَةِ وَ الدِّينِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ هَذَا التَّصَوُّرِ الْغَنُوصِي لِلْحَقِيقَةِ قَدْ أثَار الْكَثِيرِ مِنْ الِإنْتِقَادَات وَ الْإِشْكَالَيْات، لاَ سِيَّمَا حَوْلَ مَدَى مَوْضُوعِيَّة هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْبَاطِنِيَّة وَإِمْكَانِيَّة التَّحَقُّق مِنْهَا. كَمَا أَنَّ هَذَا التَّصَوُّرِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى مَزِيدِ مِنْ التَّفَرُّدِ وَالِإنْغِلَاق عَلَى الذَّاتِ عَلَى حِسَابِ الِإلْتِزَام بِالْحَقِيقَة الْمَوْضُوعِيَّة الْمُتَعَارَف عَلَيْهَا. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ مَفْهُومَ الْحَقِيقَةِ فِي الْغَنُوصِيَّة يَبْقَى مَوْضِعُ جَدَل وَخِلَاف بَيْن مُؤَيِّدِيَّها وَمُنْتَقَدٌيها، وَيَطْرَحُ تُسَاؤُلَات حَوْلَ مَدَى إِمْكَانِيَّة التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْمَفْهُومِ الْغَنُوصِي لِلْحَقِيقَةِ وَبَيْن الْمَفَاهِيم التَّقْلِيدِيَّة لِلْحَقِيقَةِ فِي الْفَلْسَفَةِ وَالدِّينِ.

_ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق وَإلَه الْغَنُوصِي بَرَاكْسَاسْ

إنْ الْغَنُوصِيَّة هِيَ تَيَّار فِكْرِي دَيْنِي ظَهَرَ فِي الْعُصُورِ الْمُبَكِّرُة لِلْمَسِيحِيَّة، تَمَيَّزَتْ بِتَصَوُّر مَعَقَد لِلْكَوْن وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَ الْإِنْسَانِ. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُعْتَبَر بَرَاكْسَاسْ Abraxas إلَه لَهُ دَورٌ مِحْوَرَي فِي الْفِكْرِ الْغَنُوصِي. بَرَاكْسَاسْ هُوَ إلَه أَوْ قُوَّةِ كَوْنِيَّة مَرْكَزِيَّة فِي النَّسَقِ الْفِكْرِيّ لِلْغَنُوصِيَّة. يُنْظَرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ الْمَصْدَر الْأَصْلِيّ لِلْحَيَاة وَالْوُجُود، وَالْقُوَّة الْخَالِقَة الْأَسَاسِيَّةُ فِي الْكَوْنِ. فِي الْفِكْرِ الْغَنُوصِي، يُعْتَبَرُ بَرَاكْسَاسْ هُوَ الْإِلَهُ الأسْمَّى وَ الْأَزْلَيّ، الَّذِي لَا يَنْطِقُ وَلا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِالعَقْلِ البَشَرِيِّ. هُوَ الْمَصْدَرُ وَالْجَذْر الَّذِي إنْبَثقت مِنْهُ جَمِيعَ الكَائِنَاتِ وَالْقِّوَى الإِلَهِيَّة الْأُخْرَى. وَبِحَسَب الْمُعْتَقَدَات الْغَنُوصِيَّة، فَإِنْ بَرَاكْسَاسْ خَلَقَ أَوْ أُفْرَزَ عَدَدًا مِنْ الْكَائِنَاتِ الإِلَهِيَّة الْمُتَسَلّْسِلَة تُعْرَفُ بِاسْمِ الإيُّونَات، وَاَلَّتِي تُشْكِل هَرَمِيٌّة مُعَقَدَّة مِنْ الْقِّوَى الإِلَهِيَّة الدُّنْيَا. هَذِهِ الإيُّونَات هِيَ الَّتِي تَتَوَلَّى إِدَارَةِ شُؤُونِ الْكَوْنِ وَالْوَسَاطَة بَيْن بَرَاكْسَاسْ وَالْعَالِمُ الْمَادِّيّ. بِالْإِضَافَةِ إلَى دُورَه الْخِلْقِيّ، يُنْظَرُ إلَى بَرَاكْسَاسْ فِي الْغَنُوصِيَّة بِاعْتِبَارِهِ مَصْدَرًا لِلْمَعْرِفَة وَالْفَهْم. فَالْغَنُوصِيّين يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِلْكَوْن وَالْحَقِيقَة الرُّوحِيَّة لَا تَأْتِي مِنْ خِلَالِ الْإِيمَانِ الْعَادِيُّ أَوْ الشَّرِيعَة الدِّينِيَّة، بَلْ مِنْ خِلَالِ الْكَشْف وَالتَّنْوِير الذَّاتِيّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةِ فِي الْفِكْرِ الْغَنُوصِي لَهَا قِيمَةٌ عَالِيَة، بِإعْتِبَارِهَا وَسِيلَة لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الإِلَهِيَّةِ وَ التَّحَرُّرِ مِنَ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. كَمَا يَنْظُرُ إلَى الْمَعْرِفَةِ عَلَى أَنَّهَا طَرِيقٌ لِلْخَلَاص الرُّوحِيّ وَالِإرْتِقَاء إلَى مُسْتَوَيَات أَعْلَى مِنْ الْوُجُودِ. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُنْظَرُ إلَى بَرَاكْسَاسْ بِاعْتِبَارِهِ الْمَصْدَر الْأَصْلِيّ لِلْمَعْرِفَة وَالْحِكْمَةِ الَّتِي تُمْكِنُ الْإِنْسَانِ مِنْ تَحْقِيقِ الْخَلَاص الرُّوحِيّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ دَوْرِهِ فِي الْفِكْرِ الْغَنُوصِي يَتَجَاوَزُ مُجَرَّد الْخَلْق وَالْإِدَارَة الْكَوْنِيَّة لِيَشْمَلَ أَيْضًا تَوْفِير الْإِرْشَاد وَالتَّنْوِير اللَّازِمَيْن لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّة وَالْخَلَاص. أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَخْلَاق، فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة تَتَبَنَّى مَوْقِفًا مُتَمَيِّزًا. فَهِيَ لَا تُؤْمَنُ بِالْمَفَاهِيم التَّقْلِيدِيَّة لِلْخَطِيئَة وَالْعِقَاب الْإِلَهِيّ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، تَرَى الْغَنُوصِيَّة إنْ الْخَلَاص يَأْتِي مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَة وَالتَّنْوِير الذَّاتِيِّ، وَلَيْسَ مِنْ خِلَالِ الِإلْتِزَام بِالْقَوَانِين الْأَخْلَاقِيَّة.

_ صُوفِيًّا وَالْكُوزُمُوسْ وَالْأَخْلَاقِ الْغَنُوصِيَّة

فِي الْغَنُوصِيَّة، تَلْعَبُ الْأُنْثَى الْمُقَدَّسَة The sacred female "صُوفِيًّا" Sofia دُورًا مُحَوَّريا وَمَرَّكزيا. صُوفِيًّا هِيَ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ Divine Wisdom أَوْ الرُّوحِ الْإِلَهِيَّةِ Divine Spirit فِي التَّقَالِيد. الْغَنُوصِيَّة حَسَبَ مُعْتَقَدَات الْغَنُوصِيّين, صُوفِيًّا هِيَ جُزْءُ مَنْ الْأُلُوهِيَّة الأسْمَّى وَالْأَكْثَر تَعَالَيَا، لَكِنَّهَا أُصِيبَتْ بِالْخَطِيئَة وَالِإنْحِرَافُ عَنْ كَمَالِيَّتُهَا الْأَصْلِيَّة. صُوفِيًّا تَمَثَّل الْجَانِب الْأُنْثَوِيّ وَالْخَلَاق لِلْإِلَهِيَّة، وَهِي الْمَصْدَر لِخَلْق الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. وَ لَكِنْ بِسَبَبِ طُمُوحها الْمُفَرِّطُ وَ جَهلَهَا، سَقَطَتْ صُوفِيًّا إلَى الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ الْمَعِيب وَ النَّاقِص، مِمَّا أَدَّى إلَى نُشُوء هَذَا الْعَالَمِ الشِّرِّير وَالنَّاقِص. مِنْ هَذَا الْمَنْظُورِ، يُنْظَرُ إلَى الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ عَلَى أَنَّهُ نِتَاجُ أَخْطَاء صُوفِيًّا وَإنْحِرَافُهَا عَنْ كَمَالِيَّتُهَا الْأَصْلِيَّة. لِذَا، فَإِنَّ الْعَالِمَ الْمَادِّيّ بِحَسَب الْغَنُوصِيّين هُوَ مَكَانُ مَعِيب وَشِرِّير بِطَبِيعَتِه. الْجَسَد وَالْمَادَّة هِي أُسْرِ لِلرُّوح الإِلَهِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ تَحْرِيرِهَا. نَتِيجَةُ لِذَلِك، تُرْكَز الْأَخْلَاق الْغَنُوصِيَّة عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ وَالْجَسَد وَالِإرْتِقَاء إلَى عَالِمٍ الرُّوح وَالأُلُوهِيَّة. الْغَنُوصِيّين يَرْفُضُون الْأَخْلَاق الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة الَّتِي تَرْتَبِطُ بِالْعَالِم الْمَادِّيّ، وَيُطْورُون أَخْلَاقِيَّات مُتَطَرِّفَة تَتَجَاوَزُ هَذَا الْعَالَمِ. فَبَدَلًا مِنْ الِإمْتِثَالِ لِلْأَوَامِرِ وَ النَّوَاهِي الدِّينِيَّة، يُرَكِّز الْغَنُوصِيّين عَلَى تَحْقِيقِ "الْمَعْرِفَة" (الْغَنُوصْ) Gnosis الَّتِي تَحَرَّر الرُّوحُ مِنْ قُيُودِ الْمَادَّةِ. هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ الْبَصِيرَةِ الرُّوحِيَّة هِيَ وَسِيلَةٌ الْخَلَاص الْأَسَاسِيَّةَ فِي الْغَنُوصِيَّة. وَ يَعْتَبَرُ الْغَنُوصِيّين إنْ الْأَخْلَاق التَّقْلِيدِيَّة هِيَ مُجَرَّدُ قُيُود وَمُحَدِّدَات صَنَعَهَا " قِّوَى شِرِّيرَة" لِإِبْقَاء الْإِنْسَان أَسِيرًا فِي عَالَمِ الْمَادَّةِ. لِذَا، فَإِنَّ رَفْضَ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ وَالِإلْتِزَام بِأَخْلَاقِيَّات الْغَنُوصْ هُوَ سَبِيلُ الْخَلَاص وَ الْحُرِّيَّة الرُّوحِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يَرَى الْغَنُوصِيّين إنْ الْأَخْلَاق التَّقْلِيدِيَّة تَنْحَازُ إِلَى الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ الشِّرِّير، بَيْنَمَا الْأَخْلَاقَيَّات الْغَنُوصِيَّة تَسْعَى لِلتِّحرر مِنْ هَذَا الْعَالَمِ وَالِإرْتِقَاء إلَى عَالِمٍ الرُّوح وَ الإِلَهِيّ. صُوفِيًّا، بِوَصْفِهَا الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ الْأُنْثَوِيَة، هِيَ الْمَرْكَز الَّذِي تَدُورُ حَوْلَه هَذِهِ الرُّؤْيَةُ الْغَنُوصِيَّة لِلْأَخْلَاق وَ الْخَلَاص. أَنَّ مَفْهُومَ الْحِكْمَة (صُوفِيًّا) يَعُدْ أَحَدٌ الْمَفَاهِيم الْمَرْكَزِيَّة وَ الْأَسَاسِيَّة فِي الْغَنُوصِيَّة. عِنْدَ الْغَنُوصِيّين، الْحِكْمَةُ (صُوفِيًّا) تَمَثَّل أَدْنَى مُسْتَوَيَات الْفَيْضِ الْإِلَهِيِّ الصَّادِرُ عَنْ الْوَاحِدِ الْأَعْلَى. مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ أَوْ الصُّوفْيَا، أَوْجِد الدَّيْمُورْجُوسْ أَوْ الْخَالِقِ الْمَادِّيّ لِلْعَالِم. حَسَب الْعَقِيدَة الْغَنُوصِيَّة الْحِكْمَةُ (صُوفِيًّا) كَانَ لَهَا رَغْبَةٌ فِي مَعْرِفَةِ الأبِ أَوْ الْوَاحِدُ الْأَعْلَى. وَلَكِنْ نَتِيجَةَ هَذِهِ الرَّغْبَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَعَتْ الْحِكْمَةُ فِي عَالَمِ المَادَّةِ وَالْخَطَئِيَّة، مِمَّا جَعَلَهَا تَنْشَأ خَالِقًا مَادّْرِيّاً نَاقِصًا لِلْعَالِم هُو الدَّيْمُورْجُوسْ demiurge. وَمَنْ ثُمَّ، أَصْبَحَتْ الْحِكْمَة أَسِيرَة فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ الَّذِي خَلَقَهُ الدَّيْمُورْجُوسْ. وَهُنَا تَظْهَر الثُّنَائِيَّة الْغَنُوصِيَّة بَيْنَ الْعَالِمِ الرُّوحِيِّ المِثَالِيّ وَ الْعَالِم الْمَادِّيّ النَّاقِص. فَالْعَالِم الْمَادِّيِّ الَّذِي خَلَقَهُ الدَّيْمُورْجُوسْ هُوَ عَالِمٌ الشَّرّ وَالنَّقْص وَالخَطَئِيَّةُ، فِي مُقَابِلِ الْعَالِمِ الرُّوحِيِّ الْكَامِل وَالْمُطَلِّقُ الَّذِي يُمَثِّلُه الْوَاحِد الْأَعْلَى. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْهَدَفَ الأسْمَّى لِلْإِنْسَان الْغَنُوصِي هُوَ تَحْرِيرُ الْحِكْمَة (صُوفِيًّا) مِنْ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ عَبَّر الْمَعْرِفَةِ أَوْ الْغَنُوصْ وَيَرْتَبِط مَفْهُوم الْحِكْمَة (صُوفِيًّا) بِالْكَثِيرِ مِنْ الرُّمُوزِ وَالْأَسَاطِير فِي الْغَنُوصِيَّة. فَفِي بَعْضِ النُّصُوصِ الْغَنُوصِيَّة، تَصَوُّرُ الْحِكْمَةِ عَلَى أَنَّهَا كَائِن أنْثَوِي إِلَهِي، أَوْ عَلَى أَنَّهَا الْأُمُّ الرُّوحِيَّة لِلْإِنْسَانِ. كَمَا تَرْتَبِط الْحِكْمَة أَيْضًا بِرُمُوز مِثْل الثُّعْبَان وَالْقَمَر وَغَيْرِهَا. وَ تُعَدُّ هَذِهِ الرُّمُوزِ وَالْأَسَاطِير جُزْءًا أَسَاسِيًّا مِنْ الرُّؤْيَةِ الْكَوْنِيَّة وَ التَّصَوُّر الدِّينِيّ لِلْغَنُوصِيَّة. أَنَّ مَفْهُومَ الْحِكْمَة (صُوفِيًّا) فِي الْغَنُوصِيَّة هُوَ مَفْهُومُ مُرَكَّزي يَرْتَبِطُ إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْجَوَانِب الْأَسَاسِيَّة لِلْعَقِيدَة الْغَنُوصِيَّة، مِثْلُ الثُّنَائِيَّة بَيْنَ الرُّوحِ وَالْمَادَّةِ، وَمَسْأَلَة الْخَلَاص وَالتَّحَرُّرِ مِنَ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. وَهُوَ يُشْكِلُ أَحَد أَهَمّ الْمَفَاهِيمَ الَّتِي تُمَيِّزُ الْغَنُوصِيَّة عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ الدِّينِيَّةِ وَالفَلْسَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ مَفْهُوم الْحِكْمَة (صُوفِيًّا) لَه جُذُور قَدِيمَةٌ فِي الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيّ وَالدِّينِيّ الْقَدِيم، مِثْل الْفَلْسَفَةُ الْيُونَانِيَّةُ وَالْأَدْيَان الشَّرْقِيَّة. وَقَدْ لَعِبَ دَوْرًا مُهِمًّا فِي التَّأْثِيرِ عَلَى الْفِكْرِ الْغَنُوصِي وَتَشْكِيلِه. لِذَلِكَ، فَهُوَ أَحَدُ الْعَنَاصِرِ الْمَرْكَزِيَّة الَّتِي يَجِبُ فَهِمَهَا بِشَكْلٍ جَيِّدٍ لِلْإِلْمَام بِالْعَقِيدَة الْغَنُوصِيَّة كَكُلِّ. وَيُشِير الْبَعْضِ إلَى أَنْ الْمَفْهُوم الْغَنُوصِي لِلْحِكْمَةِ (صُوفِيًّا) يُعَدّ بِمَثَابَة مُحَاوَلَة لِتَفْسِير مَصْدَر الشَّرّ وَ النَّقْصُ فِي الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ، وَكَذَلِك مُحَاوَلَة لِلتَّوْفِيقِ بَيْن فِكْرَةِ الإِلَهِ الْكَامِل وَالْعَالِم الْمَادِّيّ النَّاقِص. وَمِنْ هُنَا تَأْتِي أَهَمِّيَّةِ هَذَا الْمَفْهُومِ الْمَرْكَزِيّ فِي النِّظَامِ الْفِكْرِيّ وَالْعَقَائِدِيّ لِلْغَنُوصِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ مَفْهُومَ الْحِكْمَة (صُوفِيًّا) هُوَ أَحَدُ الرَّكَائِز الْأَسَاسِيَّةَ فِي الرُّؤْيَةِ الْكَوْنِيَّة وَالْعَقِيدِيَّة لِلْغَنُوصِيَّة، وَ يَرْتَبِطُ إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْجَوَانِب الرَّئِيسِيَّة لِهَذَا التَّيَّار الْفِكْرِيّ، مِثْل الثُّنَائِيَّة الرُّوحِيَّة-الْمَادِّيَّة وَ الْمَسْأَلَة الْخَلَاصِيَّة. وَهُوَ مَفْهُومُ لَه جُذُور قَدِيمَةٌ فِي التُّرَاثِ الْفِكْرِيّ وَالدِّينِيّ الْقَدِيمِ، وَ قَدْ لَعِبَ دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَشْكِيلِ وَ بَلَورَة الْعَقِيدَةِ الْغَنُوصِيَّة.

_ عَلَاقَةُ الدَّيْمُورْجُوسْ بِالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

الدَّيْمُورْجُوسْ (Demiurge) هُوَ مُصْطَلَحُ فَلْسَفِيّ يُسْتَخْدَمَ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْغَنُوصِيَّة وَالْإِفْلَاطُونِيَّة لِوَصْفٍ الْكَائِنِ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ الْمَادِّيّ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ لَهُ صِفَةٌ الْمُصَمِّم إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ نَفْس الْخَالِق بِالْمَفْهُوم الْمُتَّبَعُ فِي الدِّيَانَاتِ، لِأَنّ الدَّيْمُورْجُوسْ قَدْ يَكُونُ مُجَرَّدُ وَسِيطٍ أَوْ مُحَاكَاةٍ لِقُوَّة أَعْلَى. فِي الأَفْلَاطُونِيَّة وَالْفَلْسَفَات الْغَنُوصِيَّة، يُنْظَرُ إلَى الدَّيْمُورْجُوسْ عَلَى أَنَّهُ الْكَائِنُ الْمَسْؤُولُ عَنِ خَلْقِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ، وَاَلَّذِي يَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ نَقَص أَوْ إنْحِطَاطِ مُقَارَنَة بِالْعَالِم الرُّوحِيّ الأسْمَّى وَ هُنَاك نَظَرِيَّة أَنْ الدَّيْمُورْجُوسْ قَامَ بِخَلْق الْكَوْن الْمَادِّيّ لِيَكُون بِمَثَابَة سُجِن رُوحِي لِجُزْءٍ مِنْ الإلَه الأسْمَّى الَّذِي سَقَطَ إلَى هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. هَذَا التَّصَوُّرِ لِلْعَالِم الْمَادِّيّ كَشَيْء مُنْحَطّ وَمُنْفَصِل عَنْ الْعَالِمِ الرُّوحِيِّ الْأَعْلَى، أَدَّى إلَى إثَارَةِ الْكَثِيرِ مِنْ النَّقَّاشُات وَ الْجَدَلُ حَوْل عَلَاقَة الْعِلْم بِالْأَخْلَاق فِي هَذِهِ الْفَلْسَفَاتُ. فَالْعَالِم الْمَادِّيِّ الَّذِي خَلَقَهُ الدَّيْمُورْجُوسْ يُنْظَرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ شَرٌّ أَوْ نَقَص، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالتَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ يَنْظُرُ إلَيْهِمَا أَيْضًا بِشَكْل سَلْبِيّ. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، هُنَاكَ مِنْ رَأْى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَة هُمَا الطَّرِيق لِلْخَلَاصِ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ الْمُنْحَطّ وَالْوُصُولُ إلَى الْعَالِمِ الرُّوحِيِّ الأسْمَّى. فَالْمَعْرِفَة (الْغَنُوصْ) هِيَ الْوَسِيلَةُ لِتَحْرِير الْجُزْء الإِلَهِيِّ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ كَانَا وَسِيلَة لِلْأَخْلَاق وَالْخَلَاص الرُّوحِيّ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ هَذَا التَّصَوُّرِ لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْغَنُوصِيَّة وَاجَه إنْتِقَادَات مِنْ قِبَلِ أبَاء الْكَنِيسَة الْمُبَكِّرُة، الَّذِينَ إعْتَبَرُوا أَنْ هَذَا الِإنْفِصَالُ بَيْنَ الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ وَالرُّوحِيّ هُو هَرْطَّقَة وَ إنْحِرَافِ عَنِ الْمَسِيحِيَّةِ الأَصِيلَة. فَالمَسِيحِيَّة تَرَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الْأَعْلَى لِلْكَوْن الْمَادِّيّ وَالرُّوحِيّ مَعًا، وَإِنْ الْإِنْسَانَ مَدْعُوٌّ لِلْعَيْشِ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ بِطَرِيقَة أَخْلَاقِيَّة وَ رُوحِيَّة فِي أَنَّ وَاحِد. بِالتَّالِي، فَإِنَّ عَلَاقَةَ الدَّيْمُورْجُوسْ بِالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق كَانَتْ مَوْضِعَ نَقَّاش وَجَدَل كَبِيرٌ فِي الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيّ وَالدِّينِيّ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ وَالْوُسْطَى. فَبَيْنَمَا رَأَتْ الْغَنُوصِيَّة وَ الأَفْلَاطُونِيَّة الْمَادَّةُ وَالْعَالِم الْمَادِّيّ عَلَى أَنَّهُ شَرٌّ وَإنْحِطَاط، نَظَرْت الْمَسِيحِيَّة إِلَى الْكَوْنِ الْمَادِّيّ عَلَى أَنَّهُ خَلْقْ إِلَهِي صَالِح وَمَكَان لِتَحْقِيق الْأَخْلَاق وَالرُّوحَانِيَّة. وَهَذَا الْجَدَل مَا زَالَ مُسْتَمِرًّا فِي الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيّ الْمُعَاصِر حَوْل مَوْضُوع الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق.

_ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق وَالتَّطَوُّر الرُّوحِيّ مِنْ وَجْهَة نَظَر الْغَنُوصِيَّة

الْغَنُوصِيَّة، كَتِيار فِكْرِي دِينِيٌّ، كَانْ لَهَا نَظَرَة مُحَدَّدَة إلَى الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَالْغَنُوصِيُّون إعْتَبَرُوا الْمَعْرِفَة الرُّوحِيَّة وَالْكَشْف الدَّاخِلِيّ هِي الشَّكْل الأسْمَّى لِلْمَعْرِفَة، بَدَلًا مِنْ الِإعْتِمَادِ عَلَى الْعِلْمِ التَّجْرِيبِيِّ وَالْمَنْطِق الْعَقْلِيّ وَحْدَهُمَا. وَقَدْ رَبَطُوا هَذِهِ "الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنِيَّة" بِالتَّحْرِر الرُّوحِيّ وَالْخَلَاص النَّفْسِيّ. كَان الْغَنُوصِيُّون يَرَوْنَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَنْبُعُ مِنْ الدِّرَاسَةِ وَ التَّجْرِيب فَحَسْبُ، بَلْ مِنْ الْكَشْفِ الدَّاخِلِيّ وَالْإِدْرَاك الصُّوفِي. فَهُمْ إعْتَبَرُوا أَنْ الْعِلْمِ الْمُجَرَّدِ قَاصِرٌ عَلَى إدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ الْكَامِلَة لِلْوُجُود، وَأَنَّ هُنَاكَ أَبْعَادًا أُخْرَى لِلْحَقِيقَةِ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا إلَّا عَبَّر التَّأَمُّل الرُّوحِيّ وَالْإِنَارَة الْبَاطِنِيَّةُ. وَعَلَيْهِ، فَقَدْ سَعَى الْغَنُوصِيُّون إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، بَلْ إلَى تَأْسِيس مَعْرِفَة شَامِلَة تَجْمَعُ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالرُّوحِ. فَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ خِلَالِ هَذَا التَّكَامُلَ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعَقْلِيَّة وَالْكَشْف الْبَاطِنِيّ. وَقَدْ إنْعَكَسَ هَذَا التَّوَجُّهِ فِي مُحَاوَلَات بَعْض الْغَنُوصِيُّون الْمُبَكِّرِين، مِثْل "إخْوَانِ الصَّفَا"، لِإِنْشَاء نِظَام مَعْرِفِيّ مُتَكَامِل يُجْمَعُ بَيْنَ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالدَّيْنِ. فَقَدْ حَاوَلُوا التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْفِكْرِ الْيُونَانِيّ وَالتَّعَالِيم الدِّينِيَّة الْمُخْتَلِفَةِ، فِي مُحَاوَلَةٍ لِإِنْتَاج رُؤْيَة كَوْنِيَّةٌ شَامِلَةٌ. فِي نَفْسِ الْوَقْتِ نَظَر الْغَنُوصِيُّون إلَى الْأَخْلَاقِ مِنْ مَنْظُورٍ خَاصّ. فَبِالنِّسْبَة لَهُمْ، الْخَلَاص الرُّوحِيّ وَ التَّحَرُّر النَّفْسِيِّ هُوَ الْغَايَةُ الأسْمَّى، وَلَيْس الِإلْتِزَام بِالْأَوَامِرِ وَ النَّوَاهِي الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. فَقَدْ رَأَوْا أَنَّ الْأَخْلَاقَ الْمِعْيَارِيَّة لَا تَكْفِي وَحْدَهَا لِتَحْقِيقِ هَذَا الْخَلَاص. وَهَكَذَا، رَكَز الْغَنُوصِيُّون عَلَى تَنْمِيَةِ الْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة وَالْإِدْرَاك الصُّوفِي كَوَسِيلَة لِلتَّطْهِير الرُّوحِيّ وَالتَّحَرُّرِ مِنَ قُيُودِ الْمَادَّةِ وَالْجَسَد. فَالْمَعْرِفَة عِنْدَهُمْ هِيَ الَّتِي تُؤَدَّي إِلَى الْخَلَاص، بَدَلًا مِنْ مُجَرَّدِ الِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ الْغَنُوصِيُّون رَفَضُوا الْأَخْلَاق بِشَكْل كَامِل. فَقَدْ رَكَّزُوا عَلَى تَنْمِيَةِ الْفَضَائِل الرُّوحِيَّة كَالزُّهْد وَالتَّأَمُّل وَالتَّعَالِي عَلَى الرَّغَبَاتِ الْمَادِّيَّة. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ كَانَتْ وَسِيلَةً لِلْخَلَاص الرُّوحِيّ، لَا غَايَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا. تُعْتَبَر فَكَرَة التَّطَوُّر الرُّوحِيّ مِنْ أَهَمِّ الْمَبَادِئ فِي الْغَنُوصِيَّة. فَقَدْ إعْتَقَدَ الْغَنُوصِيُّون إنْ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ تَمْر بِمَرَاحِل تَطَوُّرِيٌّة لِلْوُصُولِ إلَى الْكَمَالِ الرُّوحِيّ وَ الِإتِّحَاد بِالْإلَهِي. وَقَدْ رَبَطُوا هَذَا التَّطَوُّرُ الرُّوحِيّ بِالْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة وَ الْكَشْف الدَّاخِلِيّ. فَالْمَعْرِفَة الْحَقِيقِيَّة عِنْدَهُمْ هِيَ الَّتِي تُمْكِنُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّحَرُّرِ مِنْ قُيُودِ الْمَادَّةِ وَالْجَسَد، وَالِإرْتِقَاء إلَى مُسْتَوَيَات أَعْلَى مِنْ الْوُجُودِ الرُّوحِيّ. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، نَظَرٌ الْغَنُوصِيُّون إلَى الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ عَلَى أَنَّهُ سُجِنَ لِلرُّوح، وَإِنْ الْهَدَف الأسْمَّى هُوَ الْخَلَاصُ مِنْ هَذَا السِّجْنِ وَالْوُصُولُ إلَى الْحُرِّيَّةِ الرُّوحِيَّة. وَ هَذَا مَا دَفَعَهُمْ إِلَى التَّرْكِيزِ عَلَى التَّأَمُّلِ وَ الْمَمَارَسَات الصُّوفِيَّةِ كَوَسَائِل لِلتَّطَهُّرِ وَالتَّحَرُّر. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ التَّطَوُّرَ الرُّوحِيّ عِنْد الْغَنُوصِيُّون لَا يَتَحَقَّقُ عَبَّر الِإلْتِزَام بِالْأَوَامِر الْأَخْلَاقِيَّة وَالشَّرَائِع الدِّينِيَّة فَحَسْبُ، بَلْ مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة وَالْخِبْرَة الصُّوفِيَّةِ الَّتِي تُؤَدَّي إِلَى الْوَعْيُ الْكَامِلُ بِالطَّبِيعَة الْإِلَهِيَّة لِلذَّات الْبَشَرِيَّة. لَقَدْ كَانَ الْغَنُوصِيُّون يَرَوْنَ أَنَّ الْوُجُودَ الْمَادِّيّ غَيْرَ كَامِلٍ وَمَلِيء بِالْمُعَانَاة وَالشُّرُور كَالْكَوَارِث وَالْأَمْرَاضُ وَإسْتِغْلَال الْكَائِنَات الضَّعِيفَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَقْوَى. وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْبَلُوا بِتَفْسِير الْأَدْيَان التَّقْلِيدِيَّة وَاَلَّتِي تَلْقِّي بِاللَّوْم عَلَى الْبَشَرِ بِسَبَب الْخَطِيئَة الْأُولَى. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، آمَّنَ الْغَنُوصِيُّون بِوُجُودِ إلَه أَعْلَى خَفِي وَقُدُّوس وَرَاء الْإِلَهِ الْخَالِقِ الْمَادِّيّ الْمَسْؤُولُ عَنِ هَذَا الْعَالَمِ غَيْرُ الْكَامِلِ. وَهَذَا الْإلَه الأسْمَّى هُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ لِلْمَعْرِفَة وَالْإِدْرَاك الرُّوحِيّ. بِالنِّسْبَة لِلْغَنُوصِيُّون، كَانَتْ الْغَايَةُ الْقُصْوَى هِيَ تَحْقِيقٌ الْمَعْرِفَة الْمُبَاشَرَةِ بِهَذَا الْإلَه الأسْمَّى مِنْ خِلَالِ التَّأَمُّل الرُّوحِيّ وَ الْبَصِيرَة الصُّوفِيَّة. وَهَذَا الْإِدْرَاكُ الْغَنُوصِي الْمُبَاشِرُ لِلْحَقِيقَة الْإِلَهِيَّة يَقُود النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى الْخَلَاص وَالتَّحَرُّرِ مِنَ قُيُودِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. لِذَلِك، يَرَى الْغَنُوصِيُّون إنْ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ لَيْسَا مُهِمَّيْن فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا، بَلْ يَكْتَسِبَان أَهَمِّيَّتِهِمَا مِنْ خِلَالِ إرْتِبَاطُهُمَا بِالْمَعْرِفَة الرُّوحِيَّة وَالْإِلَهِيَّة. فَالْعِلْم وَالْمَعْرِفَة الْعَقْلِيَّةِ هِيَ مُجَرَّدُ وَسَائِل لِتَحْقِيق الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَالْكَامِلَة بِاَللَّهِ وَ الْحَقِيقَةُ الْغَيْبِيَّة. وَبِالنِّسْبَة لِلْأَخْلَاق، لَا تَنْبُعُ مِنْ الْوَحْيِ الدِّينِيِّ أَوْ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ الْغَنُوصِيُّون، بَلْ مِنْ الْإِدْرَاكِ الْمُبَاشِر لِلطَّبِيعَة الْإِلَهِيَّة لِلْوُجُود. فَالْسُلُوك الْأَخْلَاقِيّ يَنْبُعُ مِنْ الْوَعْيِ بِالْوَحْدَة الْأَسَاسِيَّة لِلْخَلْق وَتَجَلَّي الْإلَه فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْكَمَال الْأَخْلَاقِيّ يَتَحَقَّقُ مِنْ خِلَالِ الِإتِّحَاد الرُّوحِيّ بِالْإلَه الأسْمَّى وَلَيْس الِإلْتِزَام بِالتَّعَالِيم الدِّينِيَّةُ أَوْ الْقَوَانِين الْإِنْسَانِيَّة. وَهَكَذَا نَرَى أَنْ الْغَنُوصِيَّة تَرَى التَّطَوُّر الرُّوحِيّ لِلْإِنْسَانِ عَلَى أَنَّهُ الْهَدَف الأسْمَّى، وَأَنَّ هَذَا التَّطَوُّرُ يَتِمُّ مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَالْإِدْرَاك الْمُبَاشِر لِلْحَقِيقَة الْإِلَهِيَّة. وَ هَذَا يَجْعَلُ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق وَسَائِل لِتَحْقِيقِ هَذَا الْهَدَفِ الرُّوحِيّ النِّهَائِيّ، وَلَيْس أَهْدَافًا فِي حَدِّ ذَاتِهَا. وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَنْ الرُّؤْيَةِ الْعِلْمَانِيَّة لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق السَّائِدَةِ فِي الْعَالَمِ الْحَدِيث.

_ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق و تَجَلِّيَات الْفَيْض الْإِلَهِيّ

الْغَنُوصِيَّة هِيَ حَرَكَةُ فَكَرْيَّة وَرُوحِيَّة تَشَكَّلَتْ فِي شَرْقِ الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ خِلَال الْقُرُونِ الأُولَى الْمِيلَادِيَّة وَإنْتَشَرَتْ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ إِلَى مَنَاطِقِ أُخْرَى. تَقُومُ الْغَنُوصِيَّة عَلَى فِكْرَةٍ أَسَاسِيَّة مُفَادُهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ جَوْهَر رُوحِي إِلَهِي أَسِيرٌ فِي مَادَّةِ الْعَالِمِ وَإِنْ الْخَلَاص يَتَحَقَّقُ مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَة (الْغْنُّوسِيّسْ) الَّتِي تُمْكِنُ النَّفْسِ مِنْ إكْتِشَاف أَصْلِهَا الْإِلَهِيّ وَالْإنْعَتَاق مِنْ دُورَة الْحَيَاة وَ الْمَوْت. فِي الْعَقَائِدِ الْغَنُوصِيَّة، يُتِمُّ تَصَوُّر الْعَلَاقَةِ بَيْنَ اللَّهِ وَالْعَالِم وَفْق مَبْدَأ الْفَيْضِ الْإِلَهِيِّ. فَاَللَّه الْأَوَّلِ أَوْ اللَّهُ الأَعْلَى هُوَ الْمَصْدَرُ الْأَزَلِيّ لِلْوُجُود، وَالْعَالِمُ لَيْسَ خَلْقًا مِنْ الْعَدَمِ بَلْ هُوَ تَجَلِّيَات أَوْ إنْبِثَاقِات (سْفِيِّرُوتْ) مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ الْإِلَهِيّ الْأَوَّل. هَذِه التَّجَلِّيَات أَوْ الْإِشْعَاعَات الْإِلَهِيَّة تَمَثَّل الْقِوَّى وَ الصِّفَات الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تَتَدَرَّج وَتَتَنَزَّل مِنْ اللَّهِ الْأَعْلَى إلَى مُسْتَوَيَات الْوُجُود الْمُخْتَلِفَةِ، حَتَّى تَصِلَ إلَى الْعَالِمِ الْمَادِّيِّ. وَ مِنْ هُنَا جَاءَ الِإعْتِقَاد الْغَنُوصِي بِأَنْ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ لَيْسَ خَلْقًا مُبَاشِرًا مِنْ اللَّهِ الْأَعْلَى، بَلْ هُوَ نِتَاجُ تَتَابُع هَذِه التَّجَلِّيَات وَ الْإِشْعَاعَات الْإِلَهِيَّةِ. وَهَذِهِ الْفِكْرَةِ تَتَطَابَقْ إلَى حَدِّ كَبِيرٌ مَعَ بَعْضِ أَفْكَار الْفَلْسَفَةُ الْيُونَانِيَّةُ الْحَدِيثَة، كَالْإِفْلَاطُونِيَّةُ الْمُحْدَثَةِ "Neoplatonism"، الَّتِي كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْغَنُوصِيَّة. فَالْفيض الْإِلَهِيِّ فِي الْغَنُوصِيَّة يُشْبِهُ فَكرَة الصُّدُورِ أَوْ الْخُرُوجِ (أَمَّانَاسِيُّونْ) مِنْ الْمَبْدَأ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْفَلْسَفَاتُ. وَ تَنْظُر الْغَنُوصِيَّة إلَى الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِنَظَرَة إِيجَابِيَّة، بِوَصْفِهِمْا وَسِيلَةً لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ "الْغْنُّوسِيّسْ" "Gnosis" فَالْغَنُوصِيُّون يَرَوْنَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعَقْلِيَّة وَالْعِلْمِيَّة لَيْسَتْ كَافِيَةً لِإِدْرَاك الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَصْحُوبَة بِمَعْرِفَة بَاطِنِيَّة وَتَجْرِبَة رُوحِيَّة. وَ فِي هَذَا الصَّدَدِ، نَجِدُ أَنَّ بَعْضَ الْغَنُوصِيُّون كَانُوا عَلَى مَعْرِفَةِ جَيِّدَة بِالْعُلُوم الطَّبِيعِيَّة وَالْفُلْك وَالرِّيَاضِيَّات، وَحَاوَلُوا إيجَاد نَوْعٌ مِنْ التَّوَافُقِ بَيْنَ هَذِهِ الْعُلُومِ وَالْمُعْتَقَدَات الْغَنُوصِيَّة. وَهَذَا مَا ظَهَرَ بِوُضُوح فِي أَفْكَار جَمَاعَة "إخْوَانِ الصَّفَاءِ" الَّذِينَ حَاوَلُوا تَوْفِيق الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَلْسَفَة فِي مَنْظُومَةِ فَكَرْيَّة شَامِلَة. أَمَّا عَلَى صَعِيدِ الْأَخْلَاق، فَالْغَنُوصِيَّة تَتَّسِمُ بِتَشْدُّدِهَا الْأَخْلَاقِيّ وَطَلَبَهَا الطُّهْر وَالتَّنْقِيَة الرُّوحِيَّة كَشَرْط لِلْخَلَاص. فَالْغَنُوصِيُّون يَرَوْنَ أَنَّ الْمَادَّةَ وَالْجَسَد هُمَا مَصْدَر الشَّرّ وَالْخَطَئِيَّة، وَإِنْ الْخَلَاص يَتَحَقَّقُ مِنْ خِلَالِ التَّحَرُّرِ مِنْ قُيُودِ الْمَادَّةِ وَالِإرْتِقَاء الرُّوحِيّ. وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ ظُهُورِ بَعْضِ الْمُمَارَسَات التَّطْهِيرِيَّة وَ النُّسُكُيَّة فِي بَعْضِ التَّيَّارَات الْغَنُوصِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَعْكِس الْغَنُوصِيَّة رُؤْيَةُ كَوْنِيَّة مُتَكَامِلَة تَجْمَعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَ الْفَلْسَفَة، مَع تَرْكِيز خَاصٍّ عَلَى التَّجْرِبَةِ الرُّوحِيَّة وَالْخَلَاص الذَّاتِيّ. وَقَدْ كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْعَدِيدِ مِنَ الْأَفْكَارِ الْفَلْسَفِيَّة وَالدِّينِيَّة فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى وَالْعَصْرِ الْحَدِيثَ.

_ الْغَنُوصِيَّة وَتَأْثِيرِهَا عَلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ

الْغَنُوصِيَّة هِيَ تَيَّار فِكْرِي عَرِيق ظَهَرَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الْمِيلَادِيّ لِيَمْتَدّ تَأْثِيرِه عَبْرَ العُصُورِ وَحَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. بِالرَّغْمِ مِنْ مُحَاوَلَاتِ قَوِيَّة لِتَدْمير هَذِهِ النُّصُوصِ الْغَنُوصِيَّة فِي الْمَاضِي، إلَّا أَنْ أثَارِهَا مَا زَالَتْ تَبْرُزُ فِي مَجَالَاتِ فَكرِيٌّة مُتَعَدِّدَة، بِمَا فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. الْغَنُوصِيَّة تَمَيَّزَتْ بِنَظِرَتُهَا الْمُتَشَكِّكة تُجَاهَ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ، وَاَلَّذِي إعْتَبَرْتَه مَعِيبًا أَوْ شِرِّيرًا. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، رَكَّزَتْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْمُبَاشَرَة بِالْأُلُوهِيَّة الْخَفِيَّة، وَاَلَّتِي تَتَحَقَّق عَبَّر الْإِشْرَاق وَالْبَصِيرَة الصُّوفِيَّة. هَذَا الْمَوْقِفِ الْغَنُوصِي قَدْ أَثَّرَ عَلَى تَصَوُّرِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ. أَحَد الْأَمْثِلَة الْبَارِزَةُ عَلَى هَذَا التَّأْثِيرِ هُوَ ظُهُورُ التَّيَّارَاتِ الْفِكْرِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْقَرْن الْعِشْرِين، وَاَلَّتِي حَاوَلَتْ إعَادَة تَأْوِيلِ الْعِلْمِ فِي إِطَارِ غَنُّوصِي، مِثْلُ الرُّوحَانِيَّة الْعِلْمِيَّة (Scientific Spirituality) وَاَلَّتِي نَادَتْ بِوُجُود بَعْد رُوحِي لِلْوَاقِع الْمَادِّيِّ. كَمَا أَنَّ فِكْرَةَ "الْوَعْي الْكَوْنِيّ" (Cosmic Consciousness) الَّتِي تَبَنَتها بَعْضُ الْحَرَكَات الْغَنُوصِيَّة الْحَدِيثَةِ، قَدْ أَثَّرَتْ عَلَى مَفَاهِيمِ الفِيزْيَاء الْكُمُومِيَّة وَإنْتَشَرَتْ بَيْنَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَمِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، سَاهَمَت الْغَنُوصِيَّة فِي تَطْوِيرِ فِكرَة الْبَحْثِ عَنْ "الْمَعْرِفَةِ السَّرِيَّة" وَاَلَّتِي إنْتَقَلَتْ إلَى بَعْضٍ التَّيَّارَات الْعِلْمِيَّة الْحَدِيثَة، مِثْل الْبَحْثِ عَنْ "الْحَضَارَات الْفَائِقَة" أَوْ "الْبَشَرُ الْفَائِقِين". وَ هَذَا مَا أَدَّى فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إِلَى ظُهُورِ مُزَاعم عِلْمِيَّةٍ مَشْكُوكٌ فِي صِحَّتِهَا. مِنْ أَبْرَزِ مَا مَيَّزَ الْغَنُوصِيَّة هُوَ تَرْكِيزُهَا عَلَى الْمَعْرِفَةِ الرُّوحِيَّة الشَّخْصِيَّة كَوَسِيلَة لِلْخَلَاص، بَدَلًا مِنْ الِإعْتِمَادِ عَلَى التَّقَالِيدِ وَالسُّلْطَة الدِّينِيَّة. هَذَا التَّصَوُّرِ أَثَرَ عَلَى مَفْهُوم الْأَخْلَاقِ فِي الْغَنُوصِيَّة، وَاَلَّذِي رَكَز عَلَى الْأَخْلَاقِ الدَّاخِلِيَّة الْمُنْبَثِقَةُ مِنَ الْفَرْدِ، بَدَلًا مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ الْخَارِجِ. ظَهَرَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ فِي بَعْضِ التَّيَّارَاتِ الْفِكْرِيَّةِ الْحَدِيثَة، مِثْل الْحَرَكَات الرُّوحِيَّة النَّيُوعَصْرِيَّة (New Age) وَ اَلَّتِي تَدْعُو إلَى "أَخْلَاقِ الذَّات" وَالِإبْتِعَادِ عَنِ القَوَاعِدِ الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. كَمَا أَنَّ فِكْرَةَ "تَحْقِيق الذَّات" وَالتِي تُعَدُ مِنْ أَهَمِّ مَبَادِئ هَذِهِ الحَرَكَاتِ، لَهَا جُذُور فِي الْفِكْرِ الْغَنُوصِي الْقَدِيمُ. عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ التَّأْكِيد الْغَنُوصِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ الشَّخْصِيَّة وَالْإشْرِاقِيَة قَدْ سَاهَمَ فِي أَضْعَافِ سَلَّطَة الْمُؤَسَّسَات الدِّينِيَّة التَّقْلِيدِيَّة عَلَى تَحْدِيدِ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة. وَهَذَا مَا فَتَحَ الْمَجَال لِتَعَدُّد التَّفْسِيرَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالنَّزْعَة الْفَرْدِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيث. وَ مَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْبُعْد السَّلْبِيّ لِلتَّأْثِير الْغَنُوصِي عَلَى الْأَخْلَاقِ يَتَجَلَّى فِي ظُهُورِ بَعْضِ التَّيَّارَات الَّتِي تَبَنَّت مَوَاقِف أَخْلَاقِيَّة مُتَطَرِّفَة، مِثْل الْأَنَانِيَة الْمُفْرِطَة أَوْ التَّبْرِير الْأَخْلَاقِيّ لِلْمُمَارَسَات الضَّارَّةِ بِحُجَّة "الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْعُلْيَا". فِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ الْغَنُوصِيَّة، بِتَأْثِيرِهَا عَلَى مَفَاهِيمِ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق، قَدْ لَعِبَتْ دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَشْكِيلِ الثَّقَافَة الْفِكْرِيَّة لِلْعَصْر الْحَدِيثِ. فَمَنْ نَاحِيَة، سَاهَمَت فِي إِثْرَاءِ التَّفْكِير الْعِلْمِيّ بِأبْعَاد رُوحِيَّة وَمِيتَافِيزِيقِيَّة، وَمَنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، أَسْهَمَتْ فِي تَعْزِيزِ الْفَرْدِيَّة وَالتَّنَوُّع الْأَخْلَاقِيّ. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ فَهْمَ هَذَا التَّأْثِيرِ الْغَنُوصِي يُعَدُّ أَمْرًا بَالِغَ الْأَهَمِّيَّةِ لِفَهْم دَيْنٌاميكَيَّات التَّطَوُّرِ الْفِكْرِيّ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
- نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
- الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي ...
- أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
- حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
- جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
- جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
- السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
- إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
- سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
- مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
- ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت ...


المزيد.....




- بيان مجموعة السبع لم يؤكد على الالتزام بحل الدولتين للصراع ا ...
- -تخبط وفوضى-.. رغد صدام حسين تنتقد مقتل صحفي عراقي شاب في مش ...
- الخارجية التركية: إعطاء الأكراد السوريين حقوقهم يحظى بأهمية ...
- كيف تتغير عاداتنا الاستهلاكية في شهر رمضان؟
- إعادة تسليح أوروبا - من أين تأتي الأموال؟
- ما موقف دروز سوريا من الشرع وإسرائيل؟
- مصر.. قرار من النيابة العامة حيال مشاجرة في الشارع أغضبت الم ...
- زيلينسكي يتابع شخصيا قضية مقتل القومي الأوكراني المتطرف ديمي ...
- لحظة مرعبة في شارع أمريكي.. متحول جنسيا يشهر مسدسه إلى واعظ ...
- لوكاشينكو: زيلينسكي كان -بمثابة ابني- لكنه تصرف في النهاية ك ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة