أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - سوريا نحو الاستبداد الدستوري















المزيد.....


سوريا نحو الاستبداد الدستوري


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 23:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يرسّخ أحمد الشرع حكمه للأبد؟
أربع نقاط في مسودة الدستور السوري الجديد تهدد الديمقراطية والتعددية في سوريا.
مسودة الدستور السوري الجديد، التي وقع عليها السيد أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية العربية السورية، تمثل خطوة أخرى في مسار تدمير الديمقراطية في سوريا، إذ تؤسس لدستور لن يدوم إلا بقدر بقاء النظام الذي وضعه، تمامًا كما حدث مع الدساتير الستة السابقة منذ عام 1950م. هذه الوثيقة كسابقاتها لا تعكس تطلعات الشعب السوري بمكوناته المتعددة، بل تعيد إنتاج نظام إقصائي يناقض الشعارات التي روجت لها الحكومة الانتقالية وأطراف واسعة ممن كانوا يدّعون تمثيل المعارضة.
1. اشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام:
هذه المادة تُجهِز على أسس المواطنة المتساوية وتفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، إذ تحصر منصب الرئاسة في فئة دينية محددة، مما يعني إقصاء غير المسلمين، بل وحتى المسلمين الذين لا يندرجون ضمن الإطار الذي يحدده النظام. كما تتناقض هذه المادة مع ادعاءات بناء دولة تعتمد على الكفاءات في إدارتها. ثم ماذا عن حق المرأة في الترشح لهذا المنصب؟ هل سيكون هذا القيد الديني عقبة أخرى أمام مشاركة المرأة السياسية في أعلى سلطة تنفيذية؟
2. اعتماد الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع:
أحد أخطر البنود في الدساتير هو فرض الدين على هوية الدولة وثقافتها، حيث يؤدي ذلك إلى خلق صراعات داخل المجتمع، خاصة في بلد مثل سوريا، الذي يتميز بتعدد انتماءاته الدينية والطائفية. ورغم أن المجتمع السوري متدين بطبيعته، إلا أنه بعيد عن التطرف. هذه الخطوة خطيرة تقوض أسس التعددية في سوريا، إذ يستبعد المكونات الدينية غير المسلمة، مثل المسيحيين والإيزيديين وغيرهم، ويخلق حالة من الإقصاء القانوني والسياسي لهم، الأخطر من ذلك، أنه لا يقتصر أثره على غير المسلمين فقط، بل يثير قلقًا حتى داخل الطوائف الإسلامية، حيث يجعل التشريع خاضعًا لتفسيرات دينية ضيقة قد لا تعكس التنوع الفقهي داخل الإسلام نفسه.
إن فرض مرجعية دينية واحدة على التشريع يؤدي إلى تقييد الحريات وتقنين التمييز، حيث تصبح القوانين أداة لفرض رؤية دينية معينة على المجتمع بأسره، مما يعيد البلاد إلى عصور التسلط الديني والفكري. الدولة المدنية تقوم على مبدأ المساواة بين جميع مواطنيها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، أما حين يصبح الدين أساس التشريع، فإن ذلك يفتح الباب أمام قمع الحريات الفردية، وشرعنة التمييز، وعرقلة التطور الاجتماعي والسياسي.
إن التجربة التاريخية أثبتت أن المجتمعات التي خضعت لأنظمة دينية متشددة لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من التوترات والصراعات الداخلية، لأن التشريعات الدينية ليست ثابتة، بل تخضع لتفسيرات وتأويلات متعددة، ما يجعلها ساحة مفتوحة للخلافات والنزاعات المستمرة. وبالتالي، فإن إقحام الدين في التشريع لا يضمن الاستقرار، بل يخلق مناخًا من الإقصاء والتطرف، يحوّل الدولة إلى ساحة صراع أيديولوجي بدلاً من أن تكون فضاءً جامعًا لكل مواطنيها.
3. إقصاء حقوق المكونات السورية الأخرى، وعلى رأسها الشعب الكوردي:
إن عدم الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي والمكونات الأخرى في الدستور يعكس استمرار سياسة التهميش والإقصاء التي انتهجتها الأنظمة السابقة. إن تجاهل حقوق هذه المكونات، وخاصة الشعب الكوردي، الذي يشكل جزءًا أصيلًا من النسيج السوري، لا يخدم إلا تعزيز الانقسامات والتوترات الداخلية، مما يقوض أي فرصة حقيقية لبناء دولة سورية قائمة على العدالة والمساواة.
4. إقرار اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة للدولة دون الاعتراف باللغة الكوردية وبالشعب الكوردي أو كما قيل جدلا، على الأقل (المجتمع الكوردي!):
إن فرض اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة في الدستور، دون الإشارة إلى اللغة الكوردية، هو إقصاء مباشر لهوية الشعب الكوردي وحقوقه الثقافية واللغوية والسياسية. الكورد في سوريا ليسوا مجرد أقلية، بل هم أحد المكونات الأساسية في البلاد، ولغتهم ليست مجرد لهجة محلية، بل لغة حية تمتد جذورها في عمق التاريخ. إن تجاهل اللغة الكوردية في الدستور يعكس استمرار نهج الصهر القسري ومحاولة محو الهوية الكوردية، وهو أمر يتعارض مع أي مفهوم للديمقراطية الحقيقية أو حقوق الإنسان.
لا يمكن النظر إلى مسودة الدستور السوري الجديد إلا على أنها استمرار لمنهجية إقصائية تهدف إلى ترسيخ الحكم الفردي تحت غطاء قانوني. فبدلاً من أن يكون الدستور تعبيرًا عن إرادة جميع السوريين، جاء ليعكس مصالح فئة معينة، متجاهلًا التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية التي تتميز بها سوريا.
إحدى أبرز الإشكاليات تكمن في المرحلة الانتقالية التي تمتد لخمس سنوات، حيث لم يتم تحديد عدد الدورات الرئاسية، مما يفتح الباب أمام حكم غير محدود زمنيًا. إن مثل هذه الصياغات تجعل الانتخابات مجرد إجراء شكلي، إذ يبقى الرئيس في منصبه إلى أجل غير مسمى، ما لم تحدث ظروف استثنائية تفرض تغييرًا جذريًا. إلى جانب ذلك، فإن منح الرئيس سلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب يعني عمليًا أنه يتحكم بالعملية التشريعية بالكامل خلال هذه المرحلة، ما يحوّل المجلس خلال هذه المرحلة، من ممثل للشعب إلى أداة طيعة بيد السلطة التنفيذية.
القوانين والدساتير العادلة هي التي تُصاغ لحماية جميع المواطنين دون استثناء، وليس لحماية مصالح فئة على حساب أخرى. وكما أشار أحد الفقهاء الدستوريين، فإن الدساتير التي تُكتب لتخدم السلطة، وليس الشعب، لا تدوم طويلًا، لأنها تفشل في تحقيق الاستقرار الحقيقي، بل تؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات.
إن التغيير الحقيقي لا يكون بصياغة نصوص تحمل وعودًا شكلية، بل بخلق نظام قانوني يحمي حقوق الجميع دون تمييز. أما حين يكون الدستور نفسه أداة إقصاء، فإنه لا يكون سوى خطوة أخرى في طريق إعادة إنتاج الاستبداد بواجهة جديدة، وعندها يصبح الحديث عن الديمقراطية والعدالة مجرد وهم يُستخدم لتبرير استمرار السلطة في يد نخبة ضيقة تتحكم بمصير البلاد.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
13/3/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الشعوب المشوهة
- قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع
- سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام الس ...
- سوريا بين المركزية القاتلة والفيدرالية المنقذة
- بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا
- القضية الفلسطينية بين واقع التاريخ وخطاب الأنظمة العروبية
- أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- ترامب وبينس إهانة للبيت الأبيض باسم السلام
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...
- تركيا وإعادة إنتاج الاستبداد والدور الفاجر في صياغة مؤتمر ال ...
- تحويل القضية الفلسطينية من صراع قومي إلى أداة للتلاعب الإقلي ...
- كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟
- لماذا يتهافت الكورد على دمشق بدل فرض شروطهم من قامشلو؟
- الحرب النفسية والدعاية السوداء كيف تستهدف تركيا استقرار غربي ...
- ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية


المزيد.....




- فيديو يُظهر نائب الرئيس الأمريكي يتعرض لصيحات استهجان في حفل ...
- حماس تُعلن استعدادها للإفراج عن رهينة أمريكي-إسرائيلي وجثث أ ...
- تفاعل واسع على مواقع التواصل بـ -قطايف- سامح حسين
- مصارع مصري يدخل موسوعة -غينيس- بعد أن سحب بأسنانه قطارا يزن ...
- فيضانات وسيول في بوليفيا تؤدي إلى تدمير المنازل والمحاصيل وا ...
- -هولي-... مهرجان الألوان الهندوسي يجذب الملايين
- لأول مرة.. وفد ديني درزي من سوريا في إسرائيل
- وزير الخارجية السوري يصل إلى بغداد في زيارة رسمية
- وزير عراقي يروي تفاصيل عملية لاغتيال صدام حسين كان طرفا فيها ...
- أوكرانيا تعلن -بدء تشكيل فريق لمراقبة وقف إطلاق النار-


المزيد.....

- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - سوريا نحو الاستبداد الدستوري