رحمة يوسف يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 23:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أحيانًا يغمرني شعور بالامتنان لأنني وُلدت في عصر التكنولوجيا والتطور. عندما أقارن حياتنا اليومية بحياة الأجيال السابقة، أدرك كم أصبحت الأمور أسهل وأكثر يسرًا. الطعام شبه الجاهز، اللحم المفروم، الخبز الجاهز، المواد الغذائية المعلبة والمجمدة، كلها أمور وفرت علينا الوقت والجهد. بالإضافة إلى ذلك، الآلات الكهربائية ووسائل النقل الحديثة وطرق التواصل السريعة مع الأهل والأصدقاء جعلت حياتنا مليئة بالرفاهية التي لم يحظَ بها حتى الملوك في الماضي.
لكن هذا التطور، رغم كل إيجابياته، فتح لنا نافذةً واسعةً على العالم بكل ما فيه من جمال وقبح. نرى من خلالها من يعانون من الفقر والتخلف، فنشعر بالامتنان لحالنا. وفي المقابل، نرى من يعيشون حياةً أكثر تقدمًا ورفاهيةً، فنشعر بالحسرة على أنفسنا. نرى مشاهدَ جميلةً تملؤنا فرحًا، وأخرى قاسيةً تثير الألم والدموع، بل وحتى مشاهدَ مضحكةً تدفعنا للضحك. كل هذا يحدث في ثوانٍ معدودة.
هذا الكم الهائل من التناقضات يطرح تساؤلاتٍ عن قدرة نفوسنا على تحمل كل هذا الجنون. لقد كُتب لنا أن نعيش في فترة تاريخية نشهدها كما تُكتب، واقعًا لا مفر منه. لكن هذه النافذة الإلكترونية تفرض علينا يوميًا أن نكون شهودًا على تاريخ الآخرين أيضًا. نرى القاتل يَقتل، والمقتول يُقتَل، والأم تشاهد كل هذا بعينيها. لو قرأنا هذه المشاهد في كتب التاريخ، لربما شككنا في صحتها، محاولين إقناع أنفسنا بأنها مجرد روايات. لكنها حقيقةٌ نراها الآن بالصوت والصورة.
لو أن هذه النافذة كانت تطل فقط على حديقةٍ هادئة أو بيوت أناس بسطاء، لكان الأمر مختلفًا. لكننا نعيش خلف جدران إسمنتية، بينما نافذتنا الإلكترونية تعبث بأفكارنا ومشاعرنا. تمدنا بإضاءةٍ ساطعةٍ، لكنها في الوقت نفسه تسلب منا الطمأنينة. تُظهر لنا أننا في ظاهر الأمر "ملوك"، لكنها تهمس في أعماقنا بأننا "مساكين".
#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟