أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة















المزيد.....



الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 19:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ مَوْقِفُ الْهَرْمُسِيَّة مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

الْهَرْمُسِيَّة Hermeticism هِيَ مَذْهَبُ فَلْسَفِيّ وَدِينِي قَدِيم يَرْجِعُ إلَى هُرْمُس Hermes ثُلَاثِيّ الْعَظَمَةُ أَوْ هُرْمُس تْرِسْمِيجِسْتُوسْ Trismegistos فِي الْعَقِيدَةِ الْمِصْرِيَّة الْقَدِيمَة. تَنْظُر الْهَرْمُسِيَّة إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ شُمُولِيّ وَتَوْحِيدِي، وَ فِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ لِمَوْقِفِهِا تُجَاهَ هَذَيْن الْجَانِبَيْن. تُعْتَبَرُ الْهَرْمُسِيَّة مِنْ الْمَذَاهِبِ الَّتِي تُؤْمَنُ بِالْعِلْم وَ الْمَعْرِفَة بِشَكْلٍ عَامٍّ. فَهِي تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ وَسِيلَةٌ لِإكْتِشَاف وَ فَهم قَوَانِينِ الْكَوْنِ وَالطَّبِيعَةِ الَّتِي خَلَقَهَا الْإلَه. فَالْهَرْمُسِيَّة تُؤْمِنُ بِأَنَّ الْإلَه الْوَاحِدِ هُوَ مَصْدَرٌ كُلّ الْمَعْرِفَة وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ الْبَشَرِ مِنْ خِلَالِ الْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ يُمْكِنُهُمْ الْوُصُول تَدْرِيجِيًّا إلَى فَهْمِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ. وَتَرَى الْهَرْمُسِيَّة إنْ هُنَاكَ ثَلَاثِ أَقْسَامٍ لِلْحِكْمَة وَالْمَعْرِفَة. الْكِيمْيَاء: وَهِيَ الْبَحْثُ فِي تَحْوِيلِ الْمَعَادِن الرَّخِيصَة كَالرَّصَاصِ إلَى مَعَادِنِ نَفِيسَة كَالذَّهَب. وَهَذَا الْبُعْدُ يُعَبِّرُ عَنْ الصَّيْرُورَةِ وَالتَّحَوُّلِ فِي الطَّبِيعَة. عِلْمِ النُّجُومِ وَ الْفُلْك: وَهُو دِرَاسَة حَرَكَات الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ وَتَأْثِيرِهَا عَلَى الْكَوْنِ وَالْبَشَر. وَيَرْتَبِط هَذَا الْبُعْدِ بِالْمَنْظُور الْكَوْنِيّ لِلْهَرْمُسِيَّة. عِلْمِ الرُّوحِ: وَهُوَ الْبَحْثُ فِي الْجَانِبِ الرُّوحِيِّ وَالنَّفْسِيّ لِلْإِنْسَان، بِمَا فِي ذَلِكَ الْوُصُولُ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْكَامِلَة بِالذَّات الْإِلَهِيَّة. وَهَذَا الْبُعْدُ يُعَبِّرُ عَنْ الْبُعْدِ الْمُتَعَالِي وَالرُّوحِيِّ فِي الْهَرْمُسِيَّة. وَتُؤَكِّدُ الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّوَازُنِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْكَامِلَة. فَالْعِلْم مِنْ وَجْهة نَظَرِهِمْ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَرَاكَم مَعْلُومَات، بَلْ هُوَ طَرِيقُ لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّة. أَمَّا فِيمَا يَخُصُّ الْأَخْلَاق فَإنْ مَوْقِف الْهَرْمُسِيَّة مِنْ الْأَخْلَاقِ يَنْبُعُ مِنْ نَظَرْتُهَا الشُّمُولِيَّة وَالتَّوْحِيدِيٌّة لِلْكَوْن وَالْإِنْسَان. فَهِي تَرَى أَنَّ الْإلَه الْوَاحِدِ هُوَ مَصْدَرٌ كُلِّ الْخَيْرِ وَالْجَمَال وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة. وَإِنْ عَلَى الْبَشَرِ أَنْ يَسْعَوْا إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْقِيَمِ الْإِلَهِيَّة وَالْعَمَلُ عَلَى تَجَسَّيَدِهَا فِي سُلُوكِهِمْ وَمُمَارَسَاُتُّهِم الْيَوْمِيَّة. وَتُؤَكِّد الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَهَمِّيَّةِ تَطْهِيرِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ مَادِّيّ وَزَائِل، وَالسُّمُوّ بِالْإِنْسَانِ إِلَى الْمُسْتَوَى الرُّوحِيّ وَالإِلَهِيّ. فَالْإِنْسَان مِنْ وَجْهة نَظَرِهِمْ هُوَ كَائِنٌ مُزْدَوِج لَهُ بَعْدَ مَادِّيّ وَ آخَر رُوحِي، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ قُيُودِ الْمَادَّةِ وَيَتَّجِهُ نَحْوَ الْكَمَالِ الرُّوحِيّ. وَتَرَى الْهَرْمُسِيَّة إنْ هَذَا الْكَمَالِ الرُّوحِيّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ خِلَالِ إلْتِزَامُ الْإِنْسَانِ بِالْفَضَائِل الْأَخْلَاقِيَّة كَالْحِكْمَة وَالْعَدْل وَالشَّجَاعَة وَالِإعْتِدَال. فَهَذِه الْفَضَائِلِ هِيَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَل لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْإِلَهِيَّة وَ الِإتِّحَاد بِالْخَالِق. وَبِشَكْل عَامّ، تُؤَكِّد الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاقُ هُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَة، فَالْعِلْم بِدُون أَخْلَاق يُؤَدِّي إلَى الِإنْحِرَاف وَالشَّرّ، وَالْأَخْلَاق بِدُونِ مَعْرِفَةِ عِلْمِيَّة تُصْبِح جَوْفَاء وَ عَقِيمَة. وَمِنْ هُنَا تَأْتِي أَهَمِّيَّة التَّوَازُن وَالتَّرَابُط بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَجَالِين فِي الرُّؤْيَةِ الْهَرْمُسِيَّة.

_ التَّأْصِيل الْمَفَاهِيمي لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْهَرْمُسِيَّة

الْهَرْمُسِيَّة هِيَ تَقْلِيدٌ دَيْنِي وَفَلْسَفِي قَدِيمٍ يَرْجِع أَصْلِهِ إلَى النُّصُوصِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى الْإلَه هُرْمُس (الَّذِي يُعْرَفُ أَيْضًا بِاسْم هُرْمُس ثُلَاثِيّ الْعَظَمَةُ أَوْ هُرْمُس الْمِصْرِي). هَذِهِ النُّصُوصِ تَحْتَوِي عَلَى تَعَالِيم بَاطِنِيَّة وَفِكْرِيَّة عَنْ الطَّبِيعَةِ الْإِلَهِيَّة لِلْكَوْن وَالْإِنْسَان وَمَصِيرُهُمَا. مِنْ مَنْظُور الْهَرْمُسِيَّة، يُنْظَرُ إلَى الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق بِطَرِيقة خَاصَّة. تَرَى الْهَرْمُسِيَّة الْعِلْمُ بِوَصْفِهِ وَسِيلَة لِإكْتِسَاب الْمَعْرِفَة الْإِلَهِيَّة وَالْكَشْفِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ. فَالْعِلْمُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْمَهَارات التِّقْنِيَّة، وَ إِنَّمَا هُوَ طَرِيقُ لِلتَّأَمُّلِ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْكَشْفِ عَنْ أَسْرَارِهَا الْمَخْفِيَّة. يَرَى الْهَرْمَسُيون إنْ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَأْتِي مِنْ خِلَالِ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ التَّجْرِيبِيِّ وَحْدَهُ، بَلْ مِنْ خِلَالِ الْإِشْرَاق وَ الْكَشْف الْبَاطِنِيّ. فَالْعِلْم الْحَقِيقِيَّ هُوَ مَا يُمَكِنُ الإِنْسَانَ مِنْ فَهْم عَمِيق لِلْوُجُود وَالْكَوْن، بِمَا فِيهِ مِنْ قِوَى وَ عَنَاصِر رُوحِيَّة وَ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ، تُعْتَبَر الْعُلُومِ الَّتِي تَهْتَمّ بِالْجَانِب الرُّوحِيّ لِلْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ، كَعِلْم الْأَسْرَار وَالتَّنْجِيم وَالسَّحَرُ، مِنْ أَهَمِّ فُرُوع الْمَعْرِفَةِ فِي الْهَرْمُسِيَّة. تَنْظُرُ الْهَرْمُسِيَّة إلَى الْأَخْلَاقِ مِنْ مَنْظُورٍ مِيتَافِيزِيقِيّ رُوحِي. فَالْسُلُوك الْأَخْلَاقِيّ الصَّحِيحِ، مِنْ وَجْهِة نَظَرِهِمْ، هُوَ مَا يَنْسَجِمُ مَعَ النِّظَامِ الْكَوْنِيِّ الْإِلَهِيّ وَ يُحَقِّق التَّوَازُنِ وَالِإنْسِجَامِ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْإِنْسَان. وَتُؤَكِّد الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة وَالْأَشْرِاقِيَة فِي تَحْدِيدِ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة. فَالْإِنْسَان الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ إدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَتَجْسِيدًهَا فِي سُلُوكِهِ وَ حَيَاتِه. لِذَلِكَ، فَإِنْ الْأَخْلَاقِ فِي الْهَرْمُسِيَّة تَتَجَاوَزُ مُجَرَّد الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ السُّلُوكِيَّة، لِتَصِلَ إلَى مُسْتَوَى الْحِكْمَة الرُّوحِيَّة وَالْمَعْرِفَة الْإِلَهِيَّة. وَهَذَا مَا يُمَيِّزُ الْهَرْمُسِيَّة عَنْ الأَنْظِمَة الْأَخْلَاقِيَّة الْأُخْرَى الَّتِي تَنْظُرُ إلَى الْأَخْلَاقِ مِنْ مَنْظُورٍ أَكْثَر تَجْرِيدِيَّة أَوْ عَمَلِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة تَنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق عَلَى أَنَّهُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَة، تَتَمَثَّلُ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْمَعْرِفَةِ الْإِلَهِيَّة وَالْحَقِيقَة الْكَوْنِيَّة. وَ هَذَا مَا يَجْعَلُ الْهَرْمُسِيَّة نِظَامًا فِكْرِيّاً شَامِلًا يَرْبِطُ بَيْنَ الْجَوَانِب الرُّوحِيَّةَ وَالْمَادِّيَّةَ لِلْوُجُود.

_ عَلَاقَةُ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق بِالسِّحْر فِي الْفَلْسَفَةِ الْهَرْمُسِيَّة

فِي مُتُون الْفَلْسَفَةِ الْهَرْمُسِيَّة، يُنْظَرُ إلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ السِّحْر وَ الْأَخْلَاق كَجَوَانِب مُتَكَامِلَة وَمُتَدَاخِلَة لِفَهْمِ الْكَوْنِ وَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْعُلْيَا. هَذِهِ الْفَلْسَفَةَ تَخْتَلِفُ عَنْ الرُّؤَى الْأُخْرَى الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَجَالَاتِ أَوْ تُعْطِي الْأَفْضَلِيَّة لِبَعْضِهَا عَلَى حِسَابِ الْبَعْضِ الْآخَرِ. تُعْتَبَرُ الْفَلْسَفَة الْهَرْمُسِيَّة إنْ الْعِلْم وَ السِّحْر لَيْسَا مُتَنَاقِضَيْن أَوْ مُتَعَارِضَيْن، بَلْ هُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَة. فَالسِّحْر فِي هَذَا الْإِطَارِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّأْثِيرِ عَلَى الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ وَ الْقِوَّى الْكَوْنِيَّة بِطُرُق خَارِقَة لِلْمَأْلُوف، وَ لَيْسَ مُجَرَّدُ شَعْوَذَة أَوْ خِدَاعٌ. وَيُنْظَرُ إلَى هَذِهِ القُدُرَات السِّحْرِيَّة عَلَى أَنَّهَا إمْتِدَاد لِلْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَالْفَهْم الْبَاطِنِيّ لِلْقَوَانِينِ الَّتِي تَحْكُمُ الْكَوْنَ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الهَرميَّسِيِّين يَسْعَوْنَ إِلَى الْجَمْع بَيْن الْعِلْم وَالسِّحْرُ فِي بَحْثِهِمْ عَنْ الْحَقِيقَةِ. فَالْعِلْم يَزُودهم بِالْمَعْرِفَةِ الظَّاهِرَة لِلْأَشْيَاء، بَيْنَمَا السِّحْر يُمَكِّنُهُمْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ وَالتَّأْثِير عَلَى الْوَاقِعِ. وَهَذَا التَّكَامُل وَالتَّوَازُن بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ هُوَ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مُسْتَوَيَات أَعْلَى مِنْ الْإِدْرَاكِ وَالْقُدُرَات. فِي الْفَلْسَفَةِ الْهَرْمُسِيَّة، لَا يَنْفَصِلُ الْعِلْم وَالسِّحْر عَنْ الْجَانِبِ الْأَخْلَاقِيّ. فَالْمُمَارَسَات السِّحْرِيَّة وَالْمَعْرُفِيَّة لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْجَوَانِبِ الرُّوحِيَّة وَالْقِيمَيَّة. فَالهَرمِيَّسِيِّين يُؤْمِنُونَ أَنَّ السَّعْيَ لِلْمَعْرِفَة وَالتَّأْثِير عَلَى الْكَوْنِ مُرْتَبِط بِتَحْقِيق التَّوَازُنِ وَ الِإنْسِجَامِ الدَّاخِلِيّ، وَالِإلْتِزَام بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة الْعُلْيَا كَالْعَدْل وَ الْحِكْمَة وَالتَّوَاضُع. فَالْهَدَف النِّهَائِيّ لِلْفَلْسَفَةِ الْهَرْمُسِيَّة لَيْسَ مُجَرَّدَ إكْتِسَاب الْقُوَّة وَالسَّيْطَرَة، بَلْ تَحْقِيقٌ التَّكَامُلَ بَيْنَ الْجَوَانِب الْمَعْرِفِيَّة وَالرُّوحِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة. فَالسَّمَو الْأَخْلَاقِيّ وَ التَّنْوِير الْبَاطِنِيّ هُمَا الْغَايَةِ الَّتِي تَرْمِي إلَيْهَا هَذِهِ الْفَلْسَفَةَ، وَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ الْحُصُولِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ أَوْ السَّيْطَرَة مِنْ خِلَالِ السِّحْر. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْفَلْسَفَة الْهَرْمُسِيَّة تَنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَ السِّحْر وَالْأَخْلَاق كَعَنَاصر مُتَكَامِلَةَ فِي مَسْعَى الْإِنْسَان لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْكَمَال. فَالِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ هُوَ مَا يُوَجَّهُ مُمَارَسَة الْعِلْم وَالسِّحْر نَحْو الْغَايَات النَّبِيلَة وَالنَّتَائِج الْإِيجَابِيَّة. وَهَذَا التَّوَازُنُ وَالتَّكَامُل هُوَ مَا يُمَيِّزُ الْفَلْسَفَة الْهَرْمُسِيَّة عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الرُّؤَى الْفِكْرِيَّة.

_ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق وَالْعَقْل الْكَوْنِيِّ فِي الْهَرْمُسِيَّة

أَنَّ النَّظْرَةَ الْقَدِيمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مُنْذ الاَفَ السِّنِينَ قَبْل النَّظَرِيَّاتِ النَّفْسِيَّةِ الْحَدِيثَة، كَانَ لَهَا نَظَرَة عَمِيقَة حَوْل الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق وَالْعَقْل الْكَوْنِيّ. وَفَقَأ لِلْهَرْمُسِيَّة فَإِنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق لَا يَنْفَصِلَانِ بَلْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ. فَالْعِلْمُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ نَظَرِيَّةً بَلْ لَهُ بَعْدَ أَخْلَاقِيّ وَعَمَلِي. وَيَرَى أَصْحَاب الْهَرْمُسِيَّة أنْ الْفَصْلُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق هُوَ أَحَدُ أَكْبَر الْأَخْطَاء الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْفِكْرَ الْغَرْبِيّ الْحَدِيث. فَالْعُلُوم الْأُخْرَى كَالْفِقْه وَالْأُصُول وَالْكَلَامِ كَانْ فِيهَا تَدَاخُلٌ وَتَكَامَل بَيْنَ الأَحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ وَالْقَوَاعِد الْأَخْلَاقِيَّة، لَكِنَّ هَذَا التَّكَامُل فُقِدَ فِي الْحَدَاثَة الْغَرْبِيَّة. وَيَرَى طَه عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمِّى "عِلْمِ أُصُولِ الْأَخْلَاق" بَدَلًا مِنْ "عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ"، لِأَنَّ مَحَلَّ إسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَ مَقْصِدُهَا هُوَ فِي الْأَسَاسِ الْأَخْلَاق. فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَهُ وَظِيفَتَان مُتَكَامِلَتَان: فِقْهِيَّةٌ وَأَخْلَاقِيَّة. أَمَّا مُحَمَّد عَابِد الْجَابِرِيّ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَرَأَى أَنَّ الْقُرْانَ الْكَرِيمَ فِي جَوْهَرِهِ كِتَابِ أَخْلَاقِ، وَإِنَّ آيَاتِ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْلَاق فِي الْقُرْانِ لَمْ تَكُنْ مُنْفَصِلَةً فِي عُقُولِ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَائِلِ، بَلْ كَانَتْ مُتَدَاخِلَة وَمُتَكَامِلَة. أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعَقْلِ وَ الْأَخْلَاقِ، فَالْهَرْمُسِيَّة تَرَى أَنَّ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ لَهُ جَانِبَانِ: جَانِب إِيجَابِيّ وَآخَر سَلْبِيّ. فَالْعَقْل بِه تَطْرف أَيْضًا، كَمَا أَنَّ السُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ عُمُومًا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْهَرْمُسِيَّة تُحَذِّرُ مِنْ التَّطَرُّف فِي الرَّحْمَةِ أَوْ التَّسَاهُلِ الْأَخْلَاقِيّ، كَمَا تَحْذَرُ أَيْضًا مِنْ التَّطَرُّف فِي الْجُمُودِ وَالتَّشْدِد. وَ تُؤَكِّدُ الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ لَيْسَ كَامِلًا وَلَا مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ نِسْبِيٌّ وَيَتَطَوَّر بِالْخِبْرَة وَالتُّرَاكَم. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْهَرْمُسِيَّة تَرْفُضُ الِإعْتِمَاد الْمُطْلَقِ عَلَى الْعَقْلِ فِي مَسَائِلِ الْأَخْلَاق وَالدَّيْن، وَ تُؤَكِّد عَلَى ضَرُورَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالْوَحْي وَالتَّجْرِبَة الرُّوحِيَّةِ فِي إدْرَاكِ الْحَقِيقَة. وَتَذْهَبَ الْهَرْمُسِيَّة إلَى الْقَوْلِ بِوُجُودِ "عَقَل كَوْنِيٍّ" أَوْ "عَقْلٍ إِلَهِي" يَفُوق العَقْلَ البَشَرِيَّ. وَ هَذَا الْعَقْلُ الْكَوْنِيّ هُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ لِلْحِكْمَة وَالْمَعْرِفَةِ، وَ اَلَّذِي يَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ وَيَسْتَمِدّ مِنْهُ لِتَحْقِيقِ الْكَمَال وَالْخَلَاص. وَتَرَى الْهَرْمُسِيَّة إنْ تَعَدَّدَ الْآلِهَة وَالْمُعَبَّودَات هُوَ "سَخَافَة"، وَأَنَّ إدْرَاكَ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ هُوَ غَايَةٌ الْحِكْمَة وَ الْمَعْرِفَةِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ صُعُوبَةٍ فَهْمِ هَذَا الْإِلَهِ وَالْكَلَام عَنْه. وَ هَكَذَا تَرَى الْهَرْمُسِيَّة إنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق وَالْعَقْل الْبَشَرِيِّ هِيَ مَظَاهِر لِهَذَا "الْعَقْل الْكَوْنِيّ" الأسْمَى، وَإِنْ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّصِلَ بِهَذَا الْعَقْل الْإِلَهِيّ لِتَحْقِيق الْكَمَال وَ الْحِكْمَة وَ الْخَلَاص. وَ تُعْتَبَر الْهَرْمُسِيَّة إِطَارًا فَكَرِيا عَامًا تَنْبَثِق مِنْه عَشَرَات الْأَدْيَانِ وَالْمَذَاهِبِ وَالْفَلْسَفَات عَبْرَ التَّارِيخِ، وَاَلَّتِي تُعِيد تَأْوِيل الْأَدْيَان التَّقْلِيدِيَّة فِي إِطَارِ هَذَا التَّصَوُّرِ الْهَرْمَسُي لِلْعَقْلِ الْكَوْنِيّ وَ الْحِكْمَة الْإِلَهِيَّة.

_ النَّظْرَة الْهَرْمُسِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

الْهَرْمُسِيَّة هِيَ تَيَّار فِكْرِي قَدِيمٍ جِدًّا وَعَمِيق الْجُذُور، ذِي طَبِيعَةٍ شُمُولِيَّة وَاسِعَة تَتَجَاوَز كَوْنِهَا مُجَرَّد عَقِيدَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ فَلْسَفِيَّة مُحَدَّدَة. فَالْهَرْمُسِيَّة هِيَ إِطَار عَامّ لِلْمُعْتَقِد الدِّينِيّ وَ الثَّقَافَة الشَّعْبِيَّة الْمِصْرِيَّة الْقَدِيمَة، تَشَكَّلَتْ عَبَّر الزَّمَن وَ تَطَوَّرَت بِتَنَوُّع صُوَرِهَا وَمَظَاهِرَهَا الْمُخْتَلِفَة. مِنْ أَهَمِّ أَسَاسَات الْفِكْر الْهَرْمُسُي مَا إصْطَلَحَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ "وَحْدَةِ الْوُجُودِ"، وَهِيَ نَظَرِيَّة تَقُومُ عَلَى إعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوْنَ تَجَلَّي إِلَهِي لِلْعَقْلِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَصْلِ. وَيَنْطَلِق الْهَرْمَسُيون مِنْ قَنَاعَة بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ طَاقَةِ لَهَا تذَبْذَبَات خَاصَّةً، وَ إِنْ الْأَفْكَار وَالْمَشَاعِر لَهَا تَذَبْذَبَات مُتَفَاوِتَةٌ كَالْخَوْف وَالْقَلَق وَ عَدَمُ الْأَمَانِ. وَ مِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، يُنْظَر الْهَرْمَسُيون إلَى الْعِلْمِ بِطَرِيقة خَاصَّةً. فَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَجْمِيع لِلْمَعْلُومَات وَالْحَقَائِق، بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ لِفَهْم الطَّاقَات وَالَّتَذَبْذَبَات الْكَوْنِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة. فَالْعِلْم لِلْهَرْمَسُيون هُوَ طَرِيقُ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْأَشْرَاقية وَالْحَدْسُيَّة الْمُبَاشَرَةُ لِلْحَقِيقَةِ المُطْلَقَةِ، وَلَا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ نَظَرِيَّات وَأَرَقام وَتَجَارِبُ مُخْتَبَرِية. كَمَا أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة تُعْنَى بِشَكْلٍ كَبِيرٍ بِالْجَانِب الْأَخْلَاقِيّ وَالرُّوحِيّ لِلْإِنْسَان. فَهِي تَنْظُرَ إلَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ الْحَيَاةِ الدِّينِيَّة وَالرُّوحِيَّة، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ السُّلُوكِيَّة. فَالْأَخْلَاق فِي الْهَرْمُسِيَّة هِيَ نَتِيجَةُ لِمَعْرِفَة الْحَقِيقَةَ الْمُطْلَقَةَ وَالِإرْتِبَاط بِالْعَالِم الرُّوحِيّ. وَ عَلَيْهِ، فَإِنْ الْهَرْمُسِيَّة لَا تَفْصِلُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق، فَهُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَةٍ فِي نَظَرِهِمْ. فَالْعِلْمُ هُوَ وَسِيلَةٌ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّة وَالْمَعْرِفَة الْأَخْلَاقِيَّة عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ. وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ مَعْرِفَةِ نَظَرِيَّةً، بَلْ هُوَ طَرِيقُ لِلتِّطور الرُّوحِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ لِلْإِنْسَان. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، يَرَى بَعْض الْهَرْمَسُيون الْجُدُد إنْ عَلِمَ أُصُولِ الْفِقْهِ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمِّى "عِلْمِ أُصُولِ الْأَخْلَاق" بَدَلًا مِنْ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، لِأَنَّ الْأَخْلَاق هِيَ الْمَقْصِدُ وَالْغَايَة الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ تَتَمُّركز فِي الْأُصُولِ وَتُحِيط بِكُلّ أَحْكَامِ الْفِقْهِ. فِي الْخِتَامِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة تَنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق عَلَى أَنَّهُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَة، فَالْعِلْم وَسِيلَة لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّة وَ الْأَخْلَاقِيَّة، وَالْأَخْلَاقُ هِيَ غَايَةٌ وَجَوْهَر الْعِلْم. وَبِذَلِكَ لَا تَفْصِلُ الْهَرْمُسِيَّة بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، بَلْ تَرَاهُمَا مُتَكَامِلَين وَ مَتَلَازِمَيْن فِي سَعْيِ الْإِنْسَان لِلْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْمُطْلَقَة وَ التَّطَوُّر الرُّوحِيّ.

_ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق و التَّطَوُّر الرُّوحِيِّ فِي الْهَرْمُسِيَّة

حَسَبَ الْبَحْثُ الَّذِي قُمْت بِهِ فِي الْمَصَادِرِ الْمُتَاحَة، يُمْكِنُنَا أَنْ نَرَى أَنْ الْهَرْمُسِيَّة تَمَثَّلَ نَظَرَة شُمُولِيَّة وَ مُمْتَزِجَة بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق وَالرُّوحَانِيَّة وَالْفَلْسَفَة. وَهُنَاك عِدَّة نِقَاط أَسَاسِيَّة يُمْكِن إسْتِخْلَاصَهَا حَوْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ. تَتَمَيَّزُ الْهَرْمُسِيَّة بِوِجْهَة نَظَر عِلْمِيَّة وَفَلْسَفِية مُتَقَدِّمَةٍ نِسْبِيًّا لِعَصَرها. فَهِيَ تُؤَكِّدُ عَلَى مَبَادِئِ كَوْنِيَّة مِثْلُ قَانُونٍ الِإهْتِزَاز وَالقُطْبِيَّة وَ السَّبَبِيَّة، وَاَلَّتِي تَنْسَجِمُ مَعَ الْكَثِيرِ مِنْ الِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّة الْحَدِيثَة. وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُفَكِّرِين الْهَرْمَسُيين: "يُؤَكِّدُ قَانُون الِإهْتِزَاز لَدَى هُرْمُس هَذَا الِإكْتِشَافُ العِلْمِيَّ الحَدِيثَ، حَيْثُ عُدَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ يَهْتَزّ، وَأَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَمْتَلِك التَّرَدُّد نَفْسِه تَجْذِب بَعْضُهَا بَعْضًا". كَمَا تَنْظُرُ الْهَرْمُسِيَّة إلَى الْكَوْنِ وَ الطَّبِيعَةِ بِشَكْل شُمُولِيّ وَ عُضّْوِي، حَيْثُ تَرَى أَنَّ هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ مُسْتَوَيَات مُتَدَاخِلَة لِلْوُجُود: الْمَادِّيّ وَالْعَقْلِيّ وَالرُّوحِيّ. وَهَذَا يَتَقَاطَع مَعَ إتِّجَاهَات الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ الْحَدِيثِ نَحْوَ التَّكَامُلَ بَيْنَ الْمَجَالَات الْمُخْتَلِفَة لِلْمَعْرِفَة. كَمَا تُعْتَبَر الْأَخْلَاقِ فِي الْهَرْمُسِيَّة جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ الْحَيَاةِ الدِّينِيَّة وَالرُّوحِيَّة. فَلَيْسَ هُنَاكَ فَصْلٌ بَيْنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْأَخْلَاقِيَّة، وَ فِي هَذَا الْإِطَارِ، يَرَى الْبَاحِث مُحَمَّد عَابِد الْجَابِرِيّ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ أنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ كَانَ فِي أَصْلِهِ كِتَابِ أَخْلَاقِ، وَإِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ وَآيَات الْأَخْلَاق، فَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْانِ كَانَ حُكْمًا وَكُلٌّ شَيْءٍ كَانَ أَخْلَاقًا.

_ التَّطَوُّرِ الرُّوحِيّ مِنْ وَجْهَة نَظَر الْهَرْمُسِيَّة

تُعْتَبَرُ الْحِكْمَة الرُّوحِيَّة وَالتَّطَوُّر الذَّاتِيّ هُمَا الْغَايَة الْعُلْيَا لِلْهَرْمُسِيَّة. فَالْهَرْمُسِيَّة تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مُكَوِّنٌ مِنْ ثَلَاثَةِ مُسْتَوَيَات مُتَدَاخِلَة: الْمَادِّيّ وَالْعَقْلِيّ وَالرُّوحِيّ. وَالتَّطَوُّر الرُّوحِيُّ هُوَ الْهَدَفُ النِّهَائِيّ لِلْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الِإنْتِقَالِ مِنْ الْمَادَّةِ إلَى الرُّوحِ، وَمَنْ الْجَسَدِ إلَى النَّفْسِ. وَ تُؤَكِّدُ الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَنَّ هَذَا التَّطَوُّرُ الرُّوحِيّ لَا يَتِمُّ بِالصُدْفَة، بَلْ هُنَاكَ مَسْعَى وَاع وَمُمَّنهج نَحْوُ الْكَمَال الرُّوحِيّ. وَهَذَا يَتَجَلَّى فِي مَفَاهِيمِ مِثْلِ "الْإِنْسَانُ الْكَامِل" وَ"الإِنْسَانُ الأَوَّلُ" وَ"الطِّبَاع التَّامّ"، وَالَّتِي تَرْمُزُ إِلَى الْحَالَةِ الْإِنْسَانِيَّة الْمُثْلَى الَّتِي يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا. كَمَا تَرَى الْهَرْمُسِيَّة إنْ هُنَاكَ صِرَاعًا عَارِمًا دَاخِلِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ قِوَّى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَإِنْ الْخَلَاص وَالصُّعُودِ إلَى الْعَالِمِ الرُّوحِيِّ هُوَ الْغَايَةُ الأسْمَّى وَلِذَلِكَ فَإِنَّ تَحْقِيقَ هَذَا التَّطَوُّرُ الرُّوحِيّ وَالنُّزُوع إلَى الْعَالِمِ الأَعْلَى هُوَ الْمُحَرِّكُ الْأَسَاسِيُّ لِلْإِنْسَانِ فِي نَظَرِ الْهَرْمُسِيَّة. وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة تَمَثَّلَ مُحَاوَلَة رَائِدَة لِتَوْحِيد الْعِلْم وَالْأَخْلَاق وَالرُّوحِ فِي رُؤْيَةِ شَامِلَة لِلْوُجُود الْإِنْسَانِيّ وَالْكَوْنِي. وَهِيَ تَعْكِس إهْتِمَامًا مَعْمَقا بِالْجَوَانِب الرُّوحِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة لِلْحَيَاةِ، فِي وَقْتِ كَانَ الْعَقْلُ وَالْمَادِّيَّة يَكْتَسِبَان زَخْمَا مُتَزَايِدًا فِي الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ. وَبِذَلِك تُعَدُّ الْهَرْمُسِيَّة إحْدَى الْبَدَائِل الْفِكْرِيَّة الْهَامَّةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي مُحَاوَلَةٍ لِتَوَازن الْمَعْرِفَةُ الْإِنْسَانِيَّة.

_ جُذُور الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْهَرْمُسِيَّة

الْهَرْمُسِيَّة هِيَ تَقْلِيدٌ دَيْنِي وَفُلَسفي قَدِيمٍ لَهُ جُذُور عَمِيقَة فِي الْفِكْرِ وَالْمَمَارَسَات الرُّوحِيَّةِ الْقَدِيمَة. هَذَا التَّقْلِيدِ يُنْسَبُ إلَى هُرْمُس الثُّلَاثِيّ الْعَظَمَة (هُرْمُس تْرِسْمِيجِسْتُوسْ)، وَهُوَ شَخْصِيَّة أَسْطُورِيِّة تُعْتَبَرُ إلَه الْحِكْمَة وَالرُّوحَانِيَّة وَالتَّوَاصُل الْإِلَهِيُّ. يُعْرَفُ بِأَسْمَه الْمِصْرِيَّ تَحَوَّت Thoth وَ الَّذِي كَانَ يَرْمِزُ لَهُ بِرَأْسِ طَائِر أَبُو مِنْجَل، مِنَ خِلَالِ الْكُتُب وَالنُّصُوص الْمَنْسُوبَةِ إلَى هُرْمُس، نَجِدُ أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة تَضَعُ الْأَخْلَاق وَ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالرُّوحِيَّة فِي إِطَارِ مُتَكَامِل وَمَتَنَاغُم. هُنَاكَ جُذُور عَمِيقَة لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي هَذَا التَّقْلِيدِ، وَهَذِه الْجُذُور تُشْكِل أَحَدُ الْأَرْكَانِ الرَّئِيسِيَّة لِلْفِكْر وَالْمُمَارَسَة الْهَرْمُسِيَّة. تُعْتَبَرُ الْهَرْمُسِيَّة مِنْ التَّقَالِيد الْقَدِيمَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الرُّوحَانِيَّة. فَوَفَّقا لِتَعَالِيم هُرْمُس، فَإِنْ فهِمَ الْكَوْنِ وَالطَّبِيعَةِ وَ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْتَمِل إلَّا مِنْ خِلَالِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالْفَهْم الرُّوحِيّ. وَتَنْقَسِم الْعُلُومِ فِي الْهَرْمُسِيَّة إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ رَئِيسِيَّة. الْكِيمْيَاء (الْخَيْمِيِّاء): وَهِيَ دِرَاسَة تَحَوَّل الْمَوَادّ وَتَطَوُّرِهَا، وَتَشْمَل الْبَحْثِ فِي الطَّبِيعَةِ الدَّاخِلِيَّة لِلْمَوَادّ وَ الطُّرُق لِتَغْيِير خَصَائِصِهَا. تُعْتَبَر الْخَيْمِيِّاء فِي الْهَرْمُسِيَّة عِلْمًا مُتَقَدِّمًا يَرْبِطُ بَيْنَ الْمَادَّةِ وَالرُّوحِ. التَّنْجِيمُ: وَهُو دِرَاسَة التَّأْثِيرَات الْكَوْنِيَّة عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْكَائِنَاتُ الْأُخْرَى. يُنْظَرُ إلَى التَّنْجِيمِ فِي الْهَرْمُسِيَّة كَوَسِيلَة لِفَهْم التَّرَابُطَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَ الْكَوْنِ، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الَّتِنبؤ بِالْمُسْتَقْبَل. السِّيمِيَاء: وَهِي دِرَاسَة الرُّمُوز وَالْعَلَامَات وَالْأَسْمَاء وَدَلَالَاتِهَا الْبَاطِنِيَّة. تُعْتَبَر السِّيمِيَاء فِي الْهَرْمُسِيَّة عِلْمًا رُوحِيًّا يُمَكَّنُ مِنْ خِلَالِهِ فَهْمِ طَبِيعَةِ الْأَشْيَاء وَالْكَائِنَات عَلَى مُسْتَوَى أَعْمَق. جَمِيعُ هَذِهِ الْعُلُومِ فِي الْهَرْمُسِيَّة لَهَا جُذُور أَخْلَاقِيَّة وَرُوحِيَّة عَمِيقَة. فَالْهدف مِنْهَا لَيْسَ مُجَرَّدَ إكْتِسَاب الْمَعْرِفَةِ، بَلْ تَحْقِيقٌ التَّوَازُنِ وَالِإنْسِجَامِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ، وَتَطْوِير الْإِنْسَان رُوحِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا. تُعْتَبَرُ الْأَخْلَاقِ فِي الْهَرْمُسِيَّة جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْمُمَارَسَة الرُّوحِيَّة. فَوَفَّقا لِتَعَالِيم هُرْمُس، فَإِنْ السُّلُوكِ الْأَخْلَاقِيِّ هُوَ أَسَاسُ التَّطَوُّر الرُّوحِيّ لِلْإِنْسَان وَتَحْقِيق الِإتِّصَال بِالْالَهي. تُقَوَّمُ الْأَخْلَاق الْهَرْمُسِيَّة عَلَى سَبْعَةِ مَبَادِئ أَسَاسِيَّة: العَقْلَانِيَّة: التَّفْكِيرَ الْمَنْطِقِيَّ وَالْبَحْثُ عَنْ الْحَقِيقَةِ هُمَا أَسَاس السُّلُوك الْأَخْلَاقِيّ. التَّنَاظُر: الْفَهْم الْعَمِيق لِلتَّرَابُط وَالِإنْعِكَاس بَيْنَ الْأَشْيَاءِ فِي الْكَوْن. الِإهْتِزَاز: التَّغَيُّرَ وَالتَّطَوُّرَ الْمُسْتَمِرَّ فِي الْكَوْنِ وَالْإِنْسَان. الْقُطْبِيَّة: وُجُود الْأَضْدَاد وَالتَّوَازُن بَيْنَهَا فِي كُلِّ شَيْء. الِإزْدِوَاجِيَّة: التَّكَامُلَ بَيْنَ الْجَوَانِب الْمَادِّيَّةِ وَ الرُّوحِيَّةِ لِلْإِنْسَان وَالْكَوْن. التَّنَاغُم: الِإنْسِجَام وَالتَّنَاسُق فِي الْكَوْنِ وَالْإِنْسَان. السَّبَبِيَّة: التَّرَابُط السَّبَبِيّ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَ الْأَحْدَاث فِي الْكَوْن. هَذِهِ الْمَبَادِئِ تُشْكِل الْأَسَاس الْأَخْلَاقِيّ لِلْهَرْمُسِيَّة وَتترْجَمَ هَذَا الْأَسَاسِ إلَى مُمَارَسَات رُوحِيَّةٌ وَ سُلُوكِيَّة تَهْدِفُ إِلَى تَحْقِيقِ الِإتِّصَال بِالْإلَهي وَالتَّكَامُلُ مَعَ الْكَوْنِ. فِي الْخِتَامِ، نَجِدُ أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة تَضَعُ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي إِطَارِ وَاحِد مُتَكَامِل، حَيْثُ يَنْظُرُ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَ الْمُمَارَسَة الْأَخْلَاقِيَّة كَوَسْيْلَتَيْن لِفَهْمِ الْكَوْنِ وَالْإِنْسَانِ وَ تَطْوِيرِهما رُوحِيًّا. هَذَا التَّكَامُلَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق هُوَ أَحَدُ أَهَمّ السِّمَات الْمُمَيِّزَة لِلتَّقْلِيد الْهَرْمسُي الْقَدِيمِ.

_ دُورٌ الْهَرْمُسِيَّة فِي تَطَوُّرِ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ

الْهَرْمُسِيَّة هِيَ تَقْلِيدٌ دَيْنِي وَفلَسفي مُسْتَمَدٌّ مِنْ مَجْمُوعَةِ مِنْ الْكِتَابَات الْمَنْسُوبَةِ إلَى الْإلَه الْمِصْرِي الْقَدِيم هُرْمُس (أَوْ تَحَوَّت) وَاَلَّتِي لَعِبَتْ دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَشْكِيلِ الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ الْبَاطِنِيّ عَبَّر التَّارِيخ. مِنْ النَّاحِيَةِ الْعِلْمِيَّة، ربطَتْ الْهَرْمُسِيَّة بَيْنَ الْإِلَهِيِّ وَالطَّبِيعِيِّ وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَطْورت مَفَاهِيمُ كَالْكِيمَيَاء وَالتَّنْجِيمِ وَالسِّحْر الطَّبِيعِيّ. فَقَدْ رَأَتْ الْهَرْمُسِيَّة إنْ الْكَوْنِ وَالطَّبِيعَةِ مَفْعُمان بِالْقوى الْإِلَهِيَّة وَالرُّوحِيَّة الَّتِي يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ الْحَكِيم إسْتِخْدَامُهَا عَبَّر الطُّقُوس وَالْمَمَارَسَات السِّحْرِيَّة. هَذَا الرَّبْطَ بَيْنَ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْبُعْد الرُّوحِيّ الْإِلَهِيّ شَكْل أَسَاسًا فَلْسَفِيًّا مَهْمَا لِتَطَوُّر الْعُلُومِ فِي الْحَضَارَات الْقَدِيمَة كَالْحَضَارَة الْمِصْرِيَّةِ وَالْحَضَارَة الْإِغْرِيقِيَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، سَاهَمَت الْهَرْمُسِيَّة فِي تَطْوِيرِ مَجَالَات مِثْل الْكِيمْيَاء وَ التَّنْجِيم وَالسِّحْر الطَّبِيعِيّ، حَيْث رَأَتْ هَذِهِ الْمُمَارَسَات كَوَسائل لِلتَّوَاصُلِ مَعَ الْقوى الْإِلَهِيَّة وَالتَّحَكُّمُ فِي الطَّبِيعَةِ. الْعَالِم الْأَلْمَانِيّ بِاراسيلسوس Paracelsus (1493-1541)، أَحَدُ أَبْرَز مُمَثَّلي التَّقْلِيدُ الْهَرْمَسُي، طَوَّرَ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ الْحَدِيث، وَ نَظَرِيَّاتِه حَوْل الِإرْتِبَاطِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ وَالنُّجُوم كَانَتْ أَسَاسِيَّةً فِي تَطَوُّرِ عَلِم التَّنْجِيم. مِنْ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّة، ركِزَتْ الْهَرْمُسِيَّة عَلَى تَحْقِيقِ الْكَمَال الرُّوحِيّ وَالسُّمُوّ الْأَخْلَاقِيّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ خِلَالِ إكْتِسَاب الْمَعْرِفَة الْبَاطِنِيَّة وَالتَّوَحُّد مَع الْإِلَهِيّ. فَالْهَرْمُسِيَّة رَأَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْحَكِيمُ هُوَ مِنْ يَسْتَطِيع التَّغَلُّبِ عَلَى الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ الضَّعِيفَة وَالِإنْطِلَاق نَحْوُ الْمُطَلِّقِ الْإِلَهِيّ. وَقَدْ تَأَثَّرَتْ بَعْضِ الْحَرَكَاتِ الرُّوحِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ فِي الْغَرْبِ مِثْل الصُّوفِيَّة وَالرَّمْزِيَّة وَالْمَاسُونِيَّة بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ الْهَرْمُسِيَّة لِلْكَمَالِ الْأَخْلَاقِيّ. وَمَعَ ذَلِكَ، إنْتَقَدَ الْبَعْضَ الْهَرْمُسِيَّة لِمَيْلِهَا نَحْو السَّرِيَّة وَالْغُمُوض، وَإعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ مُقْتَصِرَةً عَلَى النُّخْبَةِ الْمُتَنَوِّرة، وَرَبَطَهَا لِلْأَخْلَاق بِالْمُمَارَسَات السِّحْرِيَّة وَ الطُّقُوسية بَدَلًا مِنْ الْأُسُس العَقْلَانِيَّة. لَكِنْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْهَرْمُسِيَّة قَدْ لَعِبَتْ دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَطْوِيرِ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَ الْأَخْلَاقِيّ فِي الْحَضَارَات الْقَدِيمَة وَتَرَكَتْ بَصَمَاتِهَا عَلَى جَوَانِبِ كَثِيرَةٍ مِنْ الثَّقَافَة الْغَرْبِيَّة.

_ طَبِيعَةٍ الْحِكْمَة الْحَقِيقِيَّة

تَنْتَاول الْعَقِيدَةِ الْهَرْمُسِيَّة عَلَاقَةُ تَدَاخُل مُتَعَمِّق بَيْنَ الْمَعَارِفِ الْعِلْمِيَّة وَالتَّصَوُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة، وَهُوَ مَا يَعْكِس طَبِيعَةِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الْفَلْسَفِيَّةِ الَّتِي تَسْعَى إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ أَنْوَاع الْمَعْرِفَة وَجَعَلَهَا وَسِيلَةٌ لِتَحْقِيقِ الْكَمَالَ الْإِنْسَانِيَّ. تَرَى الْعَقِيدَة الْهَرْمُسِيَّة إنْ الْإِنْسَانَ هُوَ مَرْكَز الْكَوْن وَمَحْوَر الْخَلِيقَةُ، وَإِنْ الْكَوْن بِرُمَّتِه قَدْ خَلَقَ مِنْ أَجْلِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ وَ الْوُصُولُ إلَى الْكَمَالِ. وَمِنْ هُنَا، تُرْبَط الْعَقِيدَة الْهَرْمُسِيَّة بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالتَّصَوُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة، فَالْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة تَكْشِف لِلْإِنْسَانِ عَنْ طَبِيعَةِ الْكَوْنِ وَحَقَائِقِه، بَيْنَمَا التَّصَوُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة تَبَيَّنَ لَهُ الطَّرِيقُ الصَّحِيح لِلسَّيْر وَالْوُصُولُ إلَى الْكَمَالِ. وَتُؤَكِّدُ الْعَقِيدَة الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعِلْمِيَّة وَحْدَهَا غَيْرُ كَافِيَةٍ لِتَحْقِيق الْكَمَالَ الْإِنْسَانِيَّ، بَلْ بُدَ لَا مِنْ رَبَطَهَا بِالْجَانِب الْأَخْلَاقِيّ وَالرُّوحِيّ. فَالْعُلُوم الطَّبِيعِيَّة وَ الرِّيَاضِيَّة مَثَلًا، تُسَاعِد الْإِنْسَانِ عَلَى فَهْمِ طَبِيعَةِ الْكَوْنِ وَ الظَّوَاهِر الطَّبِيعِيَّة، لَكِنَّهَا لَا تُبَيِّنُ لَهُ الطَّرِيقُ الْأَمْثَل لِلْعَيْش وَ السُّلُوك الْأَخْلَاقِيّ. وَمِنْ هُنَا، تَأْتِي أَهَمِّيَّة التَّصَوُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة وَ الرُّوحِيَّة لِتَكْمُل الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَ تَوَجَّه الْإِنْسَانِ نَحْوَ الْكَمَالِ. كَمَا تَرَى الْعَقِيدَة الْهَرْمُسِيَّة إنْ الْإِنْسَانِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي الطَّبِيعَةِ وَالظَّوَاهِر الْكَوْنِيَّةِ مِنْ خِلَالِ مَعْرِفَتِهِ الْعِلْمِيَّة، لَكِنَّ هَذَا التَّحَكُّمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْحُوبًا بِالْوَعْي وَ الْإِدْرَاك الْأَخْلَاقِيّ، بِحَيْثُ لَا يَسْتَخْدِمُ الْإِنْسَانُ مَعَارِفِه الْعِلْمِيَّةِ فِي أَغْرَاضٍ ضَارَّةً أَوْ مُدَمِّرَة. فَالْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَالتَّصَوُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة يَجِبُ أَنْ يَسِيرَا جَنْبًا إِلَى جَنْبِ لِتَحْقِيق الْخَيْرِ وَ الْكَمَالِ لِلْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ. وَفِي الْخِتَام، تُؤَكِّد الْعَقِيدَة الْهَرْمُسِيَّة عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ الْحَقِيقِيَّة تَكْمُنُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالتَّصَوُّرَات الْأَخْلَاقِيَّة، فَالْإِنْسَانُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْكَمَالِ وَالسَّعَادَة إلَّا مِنْ خِلَالِ هَذَا التَّوَافُق. وَهَذَا مَا جَعَلَ الْفِكْر الْهَرْمَسُي يَحْتَلّ مَكَانَةً مَرْمُوقَةً فِي تَارِيخِ الْفِكْرُ الْفَلْسَفِيُّ وَالْعَقَائِدِيّ.

_ التَّأْثِيرَات الْهَرْمُسِيَّة فِي التَّصَوُّرَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْغَرْبِيَّةِ

مِنْ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَاصِرَة، يُمْكِن مُلَاحَظَةِ أَنَّ هُنَاكَ بَعْضُ التَّأْثِيرَات الْهَرْمُسِيَّة فِي التَّصَوُّرَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْغَرْبِيَّةِ خَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّظْرَةِ إِلَى الْفَرْدِ وَ الْمُجْتَمَعِ وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا. فَالتَّصَوُّرُ الْفَرْدِيّ الْغَالِبَ فِي الثَّقَافَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ يَنْبَعُ إِلَى حَدِّ كَبِيرٌ مِنْ الْفَلْسَفَةِ الْهَرْمُسِيَّة الْقَدِيمَةِ الَّتِي كَانَتْ تُرْكَزُ عَلَى الْعَنَاصِر الْفَرْدِيَّة وَإِعْلَاء شَأْنِ الْفَرْدِ عَلَى حِسَابِ الْجَمَاعَة وَالنِّظَامِ الِإجْتِمَاعِيِّ. هَذَا التَّصَوُّرِ الْفَرْدِيّ الْمُفْرِط أَدَّى إلَى ظُهُورِ الْعَدِيدِ مِنَ الْحَرَكَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تَتَّسِمُ بِالْفَرْدِانِيَّة الْمُفْرِطَة مِثْل حَرَكَات الدِّفَاعِ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ الْجِنْسِيَّة وَحَرَكَات الدِّفَاعِ عَنْ الْعَرَقِ وَ اللَّوْن وَالْبِيئَة وَمَا إِلَى ذَلِكَ. كَمَا أَنَّ التَّأْثِيرَ الْهَرْمَسُي ظَهَرَ أَيْضًا فِي تَرْكِيز الثَّقَافَة الْغَرْبِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ عَلَى الْجَانِبِ الرُّوحِيِّ وَ الْمَيِّتافِيزِيقِيّ عَلَى حِسَابِ الْجَانِب الْمَادِّيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ لِلْوُجُود الْإِنْسَانِيّ. فَقَدْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى ظُهُورِ إتِّجَاهَات رُوحَانِيَّة و شَرْقِيَّة مُتَطَرِّفَة فِي الْمُجْتَمَعِ الْغَرْبِيِّ كَرَدِّ فِعْلٍ عَلَى الطُّغْيَانِ الْمَادِّيّ وَالْعِلْمَانِيّ الَّذِي سَيْطَرَ عَلَى الْحَيَاةِ الثَّقَافِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّة.وَهَذَا الْخَلَلُ فِي التَّوَازُنِ بَيْنَ الْجَوَانِب الْمَادِّيَّةِ وَ الرُّوحِيَّةِ لِلْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَثَر سَلْبًا عَلَى إسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَ الْغَرْبِيَّ وَأَدَّى إلَى أَزْمَة أَخْلَاقِيَّة عَمِيقَة تَتَجَلَّى فِي إنْتِشَارِ ظَوَاهِر كَالِإنْحِرَاف السُّلُوكِي وَالْأنَانِيَّة وَالْعُزْلَةُ الِإجْتِمَاعِيَّة. وَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ هَذِهِ التَّأْثِيرَات الْهَرْمُسِيَّة فِي التَّصَوُّرَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَاصِرَة تَعْكِس حَالَةٍ مِنْ عَدَمِ التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ جَوَانِب الْوُجُودِ الْإِنْسَانِيِّ، وَهُوَ أَمْرٌ يَتَنَافَى مَعَ الرُّؤْيَةِ الْإِنْسَانِيَّة الْمُتَكَامِلَة لِلْإِنْسَان وَالْمُجْتَمَع. لِذَلِكَ فَإِنْ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَاصِرَة وَتَصْحِيحُهَا فِي ضَوْءِ رُؤْيَة إِنْسَانِيَّة مُتَوَازِنَة تَجْمَعُ بَيْنَ الْجَوَانِب الْمَادِّيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ لِلْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. هَذِهِ إحْدَى الْجَوَانِب الْمُتَعَلِّقَة بِالِإنْعِكَاسِات السَّلْبِيَّةِ لِلنَّظْرَة العَقْلَانِيَّة الْغَرْبِيَّةِ الَّتِي شوهت الْمَوْرُوثُ الرُّوحَانِيّ الشَّرْقِي و عَزَلَتْهُ عَنِ جَوْهَرَه الْقَائِمِ عَنْ التَّجْرِبَة الْكَهَنُوتية وَ الِإخْتِبَار الصُّوفِي و حَصْر بَاقِي الْمَفَاهِيم الْفَلْسَفِيَّة و الْعِلْمِيَّة و التَّصَوُّرَات العَقْلَانِيَّة لِلْعَقَائِد الرُّوحَانِيَّة فِي دَائِرَةِ الْعَقْل الْمَحْكُوم بِالنَّزْعَة الْمَادِّيَّة الْمُتَطَرِّفة.

_ الْهَرْمُسِيَّة وَ التَّأْثِيرِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ

الْهَرْمُسِيَّة هِيَ تَيَّار فِكْرِي وَ فَلسفي قَدِيمٍ يَعُود جُذُورِه إلَى الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، حَيْثُ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ مُنْذُ عَصْرِ النَّهْضَةِ وَحَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. أَنَّ التَّأْثِيرَ الْهَرْمَسُي عَلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ كَانَ مُتَعَدِّد الْأَوْجَه وَ عَمِيقا. الْهَرْمُسِيَّة كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى تَطَوُّرِ الْعِلْمِ الْحَدِيثَ، خَاصَّةً فِي مَجَالَاتِ مِثْل عُلُومِ الطَّبِيعَة، عِلْمِ الْفَلَكِ، وَ الطِّبِّ. إذْ كَانَ لِلنَّظْرَة الْهَرْمُسِيَّة لِلْكَوْن وَالطَّبِيعَةُ الَّتِي تُرَى أَنَّهَا تَجَلِّيَات لِلذَّات الْإِلَهِيَّة الْعَلَوِيَّة، أَثَرًا كَبِيرًا عَلَى طَرِيقَةِ تَفْكِير الْعُلَمَاءَ وَ الْبَاحِثِينَ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، كَان لِلْهَرْمُسِيَّة تَأْثِيرِ كَبِيرٌ عَلَى عُلَمَاءِ مِثْل جَوْهَان كِيبْلر Johannes Kepler وَإِسْحَاق نِيُوتِنْ Isaac Nowton، اللَّذَيْن إسْتَخْدَمَا مَفَاهِيم هُرْمُسِيَّة مِثْلُ "الِإنْبِثَاقَات" وَ "التَّنَاسُب الْإِلَهِيِّ" فِي تَفْسِيرِ حَرَكَات الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ وَ إكْتِشَافَاتٍهُمَا الْعِلْمِيَّةِ. كَمَا أَنَّ مَفْهُومَ الطِّبّ النَّفْسِيّ وَالْعِلَاجُ النَّفْسِيُّ الَّذِي تَبَنَّاهُ عُلَمَاءُ النَّفْسِ مِثْلُ كَارْل يُونُج Carl Jung كَانَ مُسْتَمَدًّا بِشَكْلٍ كَبِيرٍ مِنْ الْمَفَاهِيمِ الْهَرْمَسُية لِلطِّبِّ وَ الصِّحَّة النَّفْسِيَّة.وَ بِصِفَةِ عَامة، كَانَ لِلْهَرْمُسِيَّة تَأْثِيرِ كَبِيرٌ عَلَى الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ فِي عَصْرِ النَّهْضَةِ الْأُورُوبِّيَّة حَيْث سَاعَدَتْ عَلَى إعَادَةِ إكْتِشَاف الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة الْقَدِيمَة وَ رَبَطَهَا بِالْمَفَاهِيم الرُّوحِيَّة وَ الفَلْسَفِيَّة. هَذَا التَّفَاعُلُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْفِكْر الْهَرْمَسُي سَاهَمَ فِي دَفْعِ عَجَّلَة التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ فِي تِلْكَ الْحِقْبَة. كَانَ لِلْهَرْمُسِيَّة أَيْضًا تَأْثِيرُ كَبِيرٌ عَلَى الْجَانِبِ الْأَخْلَاقِيّ وَالرُّوحِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ. فَالنَّظْرَة الْهَرْمُسِيَّة لِلْإِنْسَانِ بِإعْتِبَارِهِ جُزْءًا مِنْ الذَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَبِالتَّالِي إمْتِلَاكِه لِشِرَارِة إِلَهِيَّةٍ كَامِنَةٌ فِي دَاخِلِهِ، أَدَّتْ إلَى ظُهُورِ مَفَاهِيم أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة تُرَكِّزُ عَلَى التَّطَوُّرِ الرُّوحِيّ وَالْإِنْسَانِيّ لِلْفَرْد. كَمَا سَاهَمَت الْهَرْمُسِيَّة فِي نَشْرِ مَفَاهِيمَ مِثْل التَّسَامُحِ الدِّينِيِّ وَالتَّعْدِدِيَّة الثَّقَافِيَّة، حَيْثُ كَانَتْ تَنْظُرُ لِلْأَدْيَان وَ الْفَلْسَفَات الْمُخْتَلِفَة بِإعْتِبَارِهَا طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ الْوَاحِدَةِ. هَذَا الِإنْفِتَاحِ عَلَى التَّنَوُّع الْفِكْرِيّ وَ الدِّينِيّ كَانَ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى تَطَوُّرِ الأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، سَاهَمَت الْهَرْمَسُية فِي نَشْرِ مَفَاهِيمَ مِثْل الشُّمُولِيَّة وَالتَّرَابُط بَيْنَ جَمِيعِ مُكَوِّنَات الْكَوْن، وَاَلَّتِي أَثَّرَتْ عَلَى تَطَوُّرِ الْفِكْر البِيئِيّ وَالْإِيكَولُوجِيّ الْحَدِيثَ. فَالنَّظْرَة الْهَرْمَسُية لِلطَّبِيعَة بِإعْتِبَارِهَا تَّجَلّ لِلذَّات الْإِلَهِيَّة دَفَعْت الْعَدِيدِ مِنَ الْمُفَكِّرِينَ وَالْعُلَمَاءِ إِلَى الدَّعْوَةِ لِضَرُورَة الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَالْعِنَايَةِ بِهَا. وَبِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْهَرْمَسُية لَعِبَتْ دَوْرًا مُهِمًّا فِي صِيَاغَةِ الأَطْر الْفِكْرِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لِلْعَديد مِنْ التَّيَّارَاتِ الْفِكْرِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تَأْثِيرِهَا عَلَى طُرُق التَّفْكِير وَ النَّظَرُ إلَى الْعَالِمِ وَالْإِنْسَان. وَبِالرَّغْمِ مِنْ إنْتِقَادَات الْبَعْضُ لِبَعْض جَوَانِب الْفِكْر الْهَرْمَسُي، إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إنْكَار أَثَرُه الْوَاضِحِ عَلَى تَطَوُّرِ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
- نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
- الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي ...
- أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
- حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
- جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
- جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
- السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
- إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
- سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
- مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
- ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت ...
- جَدَلِيَّة الْفَلْسَفَة و التَّفَلُّسِف


المزيد.....




- شاهد كيف علق بوتين على اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا
- -لا أحد سيطرد أي فلسطيني من غزة-... هل وافق ترامب على الخطة ...
- ماذا يشكل الإعلان الدستوري في العملية السياسية الجديدة بسوري ...
- مشاهد لمبنى سكني مدمر جراء غارة إسرائيلية على دمشق
- عودة الأمل: الأطفال الفلسطينيون يعودون إلى المدارس بعد 15 شه ...
- ترامب: ويتكوف يجري مباحثات -جادة للغاية- في روسيا بشأن أوكرا ...
- بوتين يتحدث عن التعاون بين واشنطن وموسكو في مجال الطاقة وعود ...
- بوتين: العديد من زعماء العالم مهتمون بالتسوية الأوكرانية
- بوتين يشكر ترامب على اهتمامه بحل الأزمة في أوكرانيا
- ترامب يعرب عن رغبته في لقاء بوتين ويؤكد أن الوضع في أوكرانيا ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة