كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 22:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم الدكتور كريم المظفر
إنتصار دبلوماسي مدوٍّ ، هو ما تروج له واشنطن اليوم ، في ختام المفاوضات بين الوفد الأمريكي والأوكراني والتي جرت في مدينة جدة السعودية ، و أنتهت بأعلان أوكرانيا أستعدادها لوقف إطلاق النار الفوري ، وبالتالي رمي الكرة الان في ملعب موسكو ، ومن المتوقع أن يتصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ( الذي بدى أكثر تفاؤلا ) ، بنظيره الروسي فلاديمير بوتين ، واطلاعه على ما تم التوصل اليه خلال المفاوضات .
وعلى الفور كافأت واشنطن فلاديمير زيلينسكي ، بعد نشره البيان المشترك في ختام المفاوضات ، والذي جاء فيه أن الجانبين اتفقا على إبرام اتفاق شامل قريبا ، حول استثمار الموارد والثروات الطبيعية في أوكرانيا ، وتأكيد نظام كييف استعداده لقبول اقتراح واشنطن ، بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما في الصراع مع روسيا ، والمكافأة جاءت على لسان مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد، واعلانها انتهاء حظر تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف بناء على توجيهات الرئيس دونالد ترامب.
وعلى غير العادة للوفد الأوكراني ، الذي أعتاد الحضور في اللقاءات الرسمية مع الأمريكان وغيرهم ، بارتدائهم الزي ( الخاكي ) العسكري ، فقد حضر الوفد الأوكراني الذي ترأسه مدير مكتب الرئيس ( المنتهية ولايته ) أندريه يرماك ووزير الخارجية أندريه سيبيا ووزير الدفاع رستم عمروف يرماك ، هذه المرة وهم يرتدون بدلات أنيقة تلافيا لتعرضهم ( للإهانة ) أمريكية ، كتلك التي تعرض لها زيلينسكي خلال لقاءه يو الجمعة الشهير ، مع الرئيس الأمريكي ونائبه في البيت الأبيض ، وتأنيبه لعدم احترامه والحضور بالملابس الغير رسمية ، وأعتبر المراقبون خطوة الوفد الاوكراني، بأنها محاولة أوكرانية " لدغدغة " المشاعر الأمريكية ، وترك أنطباع رغبتهم في نزع ملابس الحرب ، وجنحهم الى السلام ، وفي مكان ما وعلى مسافة قريبة، كان رئيس النظام في كييف، فلاديمير زيلينسكي، حاضرا للمساعدة ، كما وصل إلى المملكة العربية السعودية، لكن لم يُسمح له بالجلوس على طاولة المفاوضات ، وفي المقابل مثل الوفد الأمريكي مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو
وللتذكير ، نعود قليلا الى الشهر الماضي ، وخلال اجتماع مع أعضاء مجلس الأمن الروسي في يناير 2025، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، إن هدف تسوية الصراع في أوكرانيا ، "يجب ألا يكون وقف إطلاق نار مؤقتا أو استراحة لإعادة تجميع القوات وإعادة التسليح لاستئناف الصراع لاحقا، بل سلام طويل الأمد، مشددا على أن الحديث يجب أن يدور "ليس عن تجميد الصراع، بل عن إيجاد حل نهائي له" ، واليوم وكأول رد روسي على نتائج مفاوضات جدة ، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، "أن موقف روسيا الاتحادية يتشكل داخليًا وبشكل مستقل، لا نتيجة جهود أو اتفاقات ما بين أطراف خارجية" .
وقبل بدأ المفاوضات ، عملت كييف على الترويج للفكرة الفرنسية البريطانية بشأن الهدنة الجزئية - في الجو (حتى تتوقف روسيا عن قصف مواقع المسلحين الأوكرانيين)، وعلى الماء (حتى يمكن تسليم الذخيرة عن طريق البحر إلى أوديسا) ، وفي البنية التحتية (حتى لا تنفجر محطات الطاقة الأوكرانية ومرافق الغاز) ، ولإثبات ضرورة هذا الشكل من الهدنة، نفذ زيلينسكي هجومًا إعلاميًا ضخمًا باستخدام طائرات بدون طيار على البنية التحتية في عدد من المدن الروسية ، وفي صباح يوم المفاوضات، نشر يرماك مقالاً في صحيفة الغارديان البريطانية كتب فيه أن وقف إطلاق النار الكامل مستحيل، "لذلك كان علينا أن نبدأ بوقف جزئي ".
وفي أعقاب هذه المفاوضات، أعلن الأميركيون أنهم حققوا نجاحاً كبيراً ، ووفقا للسيناتور ماركو روبيو ، إن نظام كييف قبل طلب واشنطن بـ"وقف فوري لإطلاق النار لمدة 30 يوما" ، وهو ما يعد ضروريا لبدء عملية التفاوض بين موسكو وكييف ، من جانبها، بدأت الولايات المتحدة مرة أخرى في تقديم المساعدات الاستخباراتية والعسكرية لنظام كييف، منذ أن أظهر زيلينسكي استعداده للسلام.
ويرى المراقبون ، انه في الواقع، أظهر نظام كييف شيئا مختلفا تماما ــ الاستعداد للاستسلام الكامل لمطالب واشنطن ، بالإضافة إلى ذلك، التعرف على الوضع الحقيقي في منطقة العمليات الخاصة الأوكرانية، حيث تتقدم القوات الروسية كل يوم، بينما تتراجع القوات الأوكرانية ، وهذا يخالف ما كان في البداية، حيث عارض زيلينسكي وقف إطلاق النار بشكل عام، وحتى المفاوضات ، وثم أضاف شروطًا إضافية إلى وقف إطلاق النار هذا، على سبيل المثال، قال إنه لن يكون ممكنًا إلا بعد انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية المزعومة ، أو أن هذا لن يكون ممكنا إلا بعد أن تحصل أوكرانيا على "ضمانات أمنية".
ومنذ البداية ، دعت إدارة دونالد ترامب إلى إعلان وقف إطلاق النار بالكامل أولاً، ثم إجراء مفاوضات بشأن التسوية النهائية لنظام وقف إطلاق النار ، وفي المفاوضات في جدة، دفعت إدارة ترامب بهذا الموقف إلى الأمام ، وأوضح ديمتري سوسلوف، نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية، لصحيفة "فزغلياد"، أن "هذا القرار جاء نتيجة التوبيخ الذي تلقاه زيلينسكي في البيت الأبيض، بالإضافة إلى إنهاء انقطاع إمدادات الأسلحة وبعض البيانات الاستخباراتية".
وقد تم إظهار نظام كييف بوضوح (بل وأُخبر ومن فم دونالد ترامب) أنه يخسر الحرب، وأنه لا يملك "أوراق تفاوض"، وأنه لا يستطيع المطالبة بأي ضمانات في شكل "الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي" ، وأن الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة ، هي الركوع أمام الولايات المتحدة، وإعطاء أميركا كل مواردها (وفقا ليرماك، ستوقع كييف اتفاقية لنقل المعادن الأرضية النادرة الأوكرانية إلى واشنطن "عندما يجد الجانب الأميركي ذلك مناسبا له") وطاعة تعليمات ترامب ، وقد أظهرت نتائج المفاوضات إدراك كييف لكل هذه الحقائق.
وقال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض إن ترامب وضع زيلينسكي في مكانه ، ويخلص عالم السياسة فيودور لوكيانوف إلى أن "أوكرانيا، بعد أن ابتلعت إذلال زيلينسكي، استسلمت" ، ومع ذلك، لا يزال بإمكان أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين أن يأملوا في خداع الرئيس الأميركي ، ويأمل البعض أن تتحول قصة الهدنة هذه من هزيمة ومحاولة خرقاء لإنقاذ ماء الوجه ، إلى خطوة أنيقة من ثلاث خطوات قد تغير نهج ترامب في حل الصراع، وبشكل عام، في التعامل مع العلاقات مع موسكو ، فقد تم اتخاذ الخطوة الأولى وهي الموافقة على الهدنة الأمريكية ، و بالطبع، إذا وافقت موسكو ، بعد ذلك، كرر زيلينسكي ورعاته الأوروبيون كلمات ماركو روبيو: "الآن الكرة في ملعب موسكو.
والخطوة الثانية هي انتظار رفض روسيا لهذه الهدنة، ويبدو الرفض واضحا، فروسيا أعلنت عدة مرات على أعلى مستوى أنها غير مهتمة بوقف إطلاق النار البسيط ، وإن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يقوم الغرب بإعادة تسليح نظام كييف خلال هذه الهدنة، وبينما يتم إعادة بناء القوات الأوكرانية المنهكة - وبعد ذلك سوف تبدأ الحرب بقوة متجددة ، لقد دعت موسكو ولا تزال تدعو فقط إلى حل كامل ونهائي للصراع، بما في ذلك القضاء على أسبابه الجذرية - بما في ذلك النظام النازي في كييف.
الخطوة الثالثة هي خيبة أمل ترامب من رفض روسيا ، فإذا رفضت روسيا، فإن أوكرانيا ستتهمها بتعطيل عملية السلام وتجعلها عدوًا لدونالد ترامب ، علاوة على ذلك، هناك عدو شخصي يقتل حلم ترامب بالفوز السريع بجائزة نوبل للسلام ، ويمسح أنوف الديمقراطيين ، لإن وقف إطلاق النار في حد ذاته ، من شأنه أن يسمح لترامب بالادعاء بأنه حقق السلام بالفعل بعدة طرق ، وقد فعل شيئًا كان من المستحيل القيام به في عهد بايدن، لكنه حققه.
وكذلك في حال رفض روسيا، يمكن إقناع واشنطن ، بأن روسيا تشكل عقبة أمام السلام ، وهذا يعني أن الولايات المتحدة قد تزيد في الوقت نفسه دعمها لأوكرانيا، وترفع القيود المتبقية على استخدام الأسلحة الأميركية، وتفرض عقوبات إضافية على روسيا ، والأمر الأكثر أهمية هو أن عملية تطبيع العلاقات الروسية الأميركية، التي بدأت للتو، سوف "تتعرض للتعطيل".
ردود الفعل الروسية الأولية على نتائج جولة المفاوضات ، قد تعطي انطباعا بأن موسكو قد توافق على مقترحات واشنطن، خلال أيام قليلة، عقب زيارة الوفد الأميركي إلى موسكو والمحادثات الشخصية المتوقعة بين ترامب وفلاديمير بوتين يوم الجمعة المقبل ، ولكن فقط إلى الحد الذي يتوافق مع المصالح الوطنية الروسية ، وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن روسيا تعرف ما ينبغي القيام به في سياق الأزمة الأوكرانية ، لتجنب التوصل إلى حل وسط من شأنه أن يعرض مصير الناس للخطر ، ويمكن لموسكو أن تتخذ موقفا مرنا ، "إعلان الاستعداد للهدنة، ولكن فقط في حالة الالتزام بمبادئ معينة.
وأثناء الكلمة التي ألقاها الرئيس الروسي أمام مجلس وزارة الخارجية ، قال فلاديمير بوتين بالفعل إنه مستعد لقبول الاقتراح بوقف إطلاق النار الفوري - ولكن فقط إذا تم "سحب القوات الأوكرانية بالكامل" من مناطق جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية، و خيرسون، وزابوروجيه ، وأضاف "علاوة على ذلك... من كامل أراضي هذه المناطق داخل الحدود الإدارية التي كانت موجودة خلال فترة جمهورية أوكرانيا السوفييتية الاشتراكية". وبحسب قوله، بمجرد أن توافق كييف على هذا وتبدأ "انسحابا حقيقيا للقوات من هذه المناطق"، وتعلن رسميا أيضا رفضها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، فإن موسكو ستعلن "على الفور، في تلك اللحظة بالذات" عن وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات ، ويمكن توسيع نطاق هذه الشروط اليوم ، و"على سبيل المثال، يمكننا القول إنه قبل وقف إطلاق النار، من الضروري الاتفاق على المبادئ الرئيسية للتسوية النهائية ، وتسجيلها في اتفاق إطاري مع الولايات المتحدة" ، ومن المؤكد أن هذه المبادئ الأساسية ينبغي أن تشمل نزع السلاح، والقضاء على النازية، وإنشاء أربع مناطق، والقيود على التعاون العسكري بين الغرب وأوكرانيا ، "وكذلك جدول زمني محدد لمفاوضات السلام حتى لا تكون غير محددة المدة" ..
وهنا تكمن لحظة الحقيقة الامريكية وموقفها تجاه المطالب الروسية ، فإذا كان ترامب مهتما حقا بوقف إطلاق النار على المدى الطويل، وإيجاد حل حقيقي للصراع، وإذا كان يريد بصدق تطبيع العلاقات مع موسكو، فسوف يقبل الموقف الروسي ويواصل الضغط على أوكرانيا ، وسوف يتعين على كييف، في المقابل، أن تظهر رغبتها في التفاوض ليس فقط مع واشنطن، بل أيضا مع موسكو ، وإذا لم يتخذ الجانب الأوكراني أي خطوات حقيقية نحو السلام، فإن موسكو ستتهم أوكرانيا بخرق وقف إطلاق النار ، وستستأنف عملية المراقبة العسكرية - مع الحفاظ على وضع ترامب على الأقل باعتباره "غير عدو" ، أو حتى التوصل إلى تشديد موقف البيت الأبيض تجاه نظام كييف.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟