أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم














المزيد.....


جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 09:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يُعد الفكر السياسي للمعتزلة أحد أبرز التيارات الفلسفية والكلامية التي أسهمت في تشكيل معالم الفكر الإسلامي، حيث امتزجت فيه الفلسفة العقلانية بالمبادئ الدينية، مما أفرز رؤية سياسية متميزة. وقد تأسس فكرهم على خمسة أصول رئيسية: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أصول انعكست بوضوح على تصوراتهم السياسية للدولة، والسلطة، والحاكم، والعدالة الاجتماعية، والحريات.

أولًا: الأسس الفلسفية للفكر السياسي المعتزلي

يقوم الفكر السياسي للمعتزلة على ركيزتين أساسيتين: العقل والعدل. فقد آمنوا بأن العقل قادر على إدراك الخير والشر بمعزل عن الوحي، ما جعلهم يطالبون بأن تكون السياسة قائمة على مبادئ العدالة لا على الجبر والاستبداد. وأكدوا أن الحاكم يجب أن يحكم بالعدل وفق القيم العقلية، وليس بمحض إرادته المطلقة أو بسلطة مقدسة مفروضة.

كما ارتبطت نظرتهم السياسية بفكرة المسؤولية والاختيار، فهم يرفضون القول بالجبرية، ويؤمنون بأن الإنسان مسؤول عن أفعاله، وبالتالي فإن الحاكم مسؤول عن قراراته أمام الأمة وأمام الله. ومن هذا المنطلق، رأوا أن الحكام الظالمين ليسوا قدَرًا لا يمكن تغييره، بل يجب مقاومتهم وإزاحتهم إذا انحرفوا عن العدل.

ثانيًا: نظرية الحكم والسلطة عند المعتزلة

انطلاقًا من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يرَ المعتزلة أن الحكم مجرد امتياز إلهي، بل وظيفة اجتماعية تهدف لتحقيق العدل. ولذلك رفضوا نظرية الحق الإلهي في الحكم التي كانت تُستخدم لتبرير استبداد بعض الخلفاء. وأكدوا على ضرورة اختيار الحاكم من خلال الشورى، مؤكدين أن الخلافة ليست وراثية، بل يجب أن تقوم على الكفاءة والعدالة، وهو ما ينسجم مع موقفهم الرافض للأمويين الذين اعتمدوا الوراثة السياسية.

في هذا السياق، أيّد المعتزلة فكرة البيعة المشروطة، أي أن الحاكم يُنتخب بناءً على تعاقد اجتماعي، وله شرعية ما دام يلتزم بالعدل. أما إذا انحرف عن مبادئ الحكم الرشيد، فيجوز عزله أو الخروج عليه، وهو موقف ميزهم عن الأشاعرة الذين تمسكوا بوجوب طاعة الحاكم حتى لو كان جائرًا.

ثالثًا: موقفهم من المعارضة والثورة

لم يكن المعتزلة دعاة تمرّد دائم، بل وضعوا شروطًا صارمة للخروج على الحاكم الظالم. فقد اشترطوا أن يكون الظلم بالغًا حدًّا لا يُطاق، وأن تكون هناك قدرة فعلية على تغييره دون التسبب في فوضى أشد. ومن هنا، يمكن اعتبار فكرهم السياسي وسطًا بين الخوارج، الذين رأوا أن أي خطأ يستوجب الخروج على الحاكم، وبين الأشاعرة الذين أقرّوا بوجوب الطاعة المطلقة.

وقد تجلت مواقفهم الثورية بوضوح خلال العصر العباسي، حيث دعموا بعض حركات المعارضة ضد الحكام الظالمين، وبرز دورهم في فترة حكم المأمون والمعتصم والواثق، حين تبنّت الدولة بعض أفكارهم، خصوصًا في قضية خلق القرآن التي اعتبروها تأكيدًا على حرية الإرادة الإنسانية ورفض الجبرية السياسية التي كانت تبرر الاستبداد.

رابعًا: رؤيتهم للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان

اعتبر المعتزلة أن العدل قيمة محورية في النظام السياسي، لذلك دعوا إلى توزيع عادل للثروات، ورفضوا التفاوت الطبقي الظالم الذي نتج عن استغلال السلطة السياسية للدين في تبرير الامتيازات. كما أكّدوا على حق الأمة في محاسبة الحكام، ورأوا أن الشورى ليست مجرد أداة استشارية، بل وسيلة لضمان الحكم الرشيد.

ومن أهم أفكارهم المتعلقة بالحريات أنهم دافعوا عن حرية الفكر والتعبير، ورفضوا القمع باسم الدين، وهو ما جعلهم من أبرز المدافعين عن التعددية الفكرية داخل الدولة الإسلامية. كما اعتبروا أن الشريعة لا يجب أن تُستخدم كوسيلة قمعية، بل كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

خامسًا: أثر الفكر السياسي للمعتزلة على الفكر الإسلامي

رغم تراجع المعتزلة سياسيًا بعد نكسة محنة خلق القرآن واضطهادهم في عهد المتوكل، إلا أن أفكارهم ظلت مؤثرة في الحركات الإصلاحية الإسلامية عبر التاريخ. فقد أثرت رؤاهم على فكر بعض المعتدلين من الشيعة والمعتدلين من السنة، وظهرت أفكارهم في كتابات الفلاسفة المسلمين مثل الفارابي وابن رشد، الذين ركزوا على دور العقل في السياسة.

وفي العصر الحديث، تُعد بعض أفكارهم حول حرية الإرادة، ومقاومة الاستبداد، والمحاسبة السياسية، أساسًا لنقاشات الحركات الإصلاحية والديمقراطية داخل المجتمعات الإسلامية، مما يعكس مدى عمق وتأثير رؤاهم السياسية.

يكشف الفكر السياسي للمعتزلة عن تيار عقلاني قوي داخل التراث الإسلامي، قدم رؤية متقدمة لمفاهيم الدولة والسلطة والمجتمع. فقد كانوا روادًا في الدفاع عن العدل، والشورى، وحرية الإرادة، ومحاسبة الحاكم، ورفض الاستبداد، وهي قيم ما زالت تحتفظ بأهميتها في النقاشات السياسية المعاصرة. ورغم تعرضهم للتهميش، إلا أن فكرهم يبقى شاهدًا على قدرة الإسلام على احتضان تيارات فكرية متنوعة تسهم في تطوير نظريات الحكم والسلطة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة المصانع المظلمة: كيف تبني الصين اقتصادا بلا عمال
- جملة التوحيد في الفكر الاعتزالي: المفهوم والأسس الفلسفية
- الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع ...
- الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...
- العلمانية السياسية: قراءة نقدية في المفهوم والممارسة
- آرثر شوبنهاور: الفيلسوف التشاؤمي وتأثيره الفلسفي العميق
- خطة مورغنثاو: محاولة خنق ألمانيا اقتصاديًا بعد سقوط النازية
- الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن والا ...
- الاستبداد وصناعة العقول: كيف يُعيد الطغيان تشكيل الوعي الجمع ...
- صناعة الحقيقة: كيف يشكل الدين والسياسة والإعلام وعينا بالعال ...
- العلمانية الفلسفية: جدلية العقل والدين في تشكيل المجتمعات ال ...
- التفكير النقدي الإسلامي: بين ثوابت الدين وتحولات العصر
- أفلاطون والمجتمع المثالي: المدينة الفاضلة كمشروع فلسفي للعدا ...
- المجتمع العاقل بين الوهم والحقيقة: إريك فروموتشريح الاغتراب ...
- الحرب الأمريكية الإسبانية: صراع الإمبراطوريات وتحول القوى ال ...
- حرب الرفاق: جذور الصراع السوفيتي-الصيني عام 1969 وتداعياته ع ...
- عادة الساتي في الهند: طقس الموت المقدس ونهايته
- فارس الخوري: رجل الدولة الذي انتصر للعقل والوطن
- اليهود في إيران بعد 1979: بين الهوية الوطنية وشبهة الصهيونية


المزيد.....




- خسائر ضخمة للأسواق الأمريكية فاقت الـ4 تريليونات دولار.. هل ...
- -ضميرنا شفاف لأننا خُدعنا مرارا-.. لافروف يقص -حكاية روسيا و ...
- وسائل إعلام سورية تتداول -وثيقة تفاهم بين القيادة السورية وو ...
- المبادرة المصرية تدين الإصرار على حجب موقع -زاوية ثالثة- عبر ...
- كاتس يحذر الشرع: -الجيش الإسرائيلي يراقبك من جبل الشيخ كل صب ...
- المفوض العام للأونروا: إسرائيل تستخدم قطع المساعدات الإنساني ...
- الحوثيون يهددون باستئناف مهاجمة سفن إسرائيل
- بيسكوف: ننتظر الحصول على تفاصيل مفاوضات جدة خلال محادثاتنا ا ...
- خبير يتحدث عن تطورات في خطة مصر لدعم غزة
- أردوغان: يتم تحضير كمين قذر لتركيا


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم