|
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 14:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاقُ هُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَةٍ فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا، Cosmology فَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. فَالكُوسْمُّولُوجْيَا هِيَ الْعِلْمُ الَّذِي يَبْحَثُ فِي أَصْلِ وَنَشْأَة وَ تَارِيخ وَمُحْتَوِيًات وَتَطَوَّرَ الْكَوْنِ، وَهُوَ عِلْمُ مَحْكُومٍ بِقَوَانِينِ وَ نَظَرِيَّات عِلْمِيَّة. وَلَكِنْ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، فَإِنْ الْكُوسْمُّولُوجْيَا تَتَقَاطع مَعَ الْفَلْسَفَةِ وَالدِّينِ فِي كَثِيرٍ مِنْ المَوَاضِيع وَالْقَضَايَا الْمُتَعَلِّقَة بِخَلْق الْكَوْن وَتَرْكِيبُه وَتَطَوُرُه. وَ هُنَا تَبْرُزُ أَهَمِّيَّة الْأَخْلَاقِ فِي مَجَالِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا، حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ وَالتَّوَصُّلُ إلَى نَظَرِيَّات كَوَسْمولوْجِيَّة بِمَعْزِلٍ عَنْ الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة. فَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُون فِي هَذَا الْمَجَالِ مُطَالَبُون بِالِإلْتِزَام بِمَعْايِير أَخْلَاقِيَّة صَارِمَة، مِثْلَ الصِّدْقِ وَ النَّزَاهَة وَالْمَوْضُوعِيَّة، وَالِإبْتِعَادِ عَنِ الِإنْحِيَاز وَالتَّحَيُّز وَ التَّلَاعُب بِالْبَيَانَات. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، نَظَرِيَّة الِإنْفِجَار الْعَظِيمِ الَّتِي تُفَسَّرُ نَشْأَة الْكَوْن، عِنْدَمَا ظَهَرَتْ فِي الْبِدَايَةِ كَانَتْ مَحَلَّ جَدَلٍ وَخِلَاف بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَة وَالدَّيْنُيين، إذْ إعْتَبَرَهَا الْبَعْض تَتَعَارَضُ مَعَ الْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة حَوْل الْخَلْقِ. وَلَكِنْ بَعْدَ مُنَاقَشَات وَحَوَّارَات أَخْلَاقِيَّة وَعِلْمِيَّة عَمِيقَة، تَمَّ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ وَالْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة، لاَسِيَّمَا فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي تَبَنَى هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ وَأَيَّدَهَا. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ مَجَالَات أُخْرَى فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا تَتَطَلَّبُ الِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ، مِثْل إسْتِخْدَام التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَةِ فِي الِإسْتِكْشَافِ الْفَضَائِيّ وَ الْبَحْثُ عَنْ الْحَيَاةِ خَارِجَ الْأَرْضِ. فَهُنَاك قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحِمَايَة الْبِيئَة الْفَضَائِيَّة وَعَدَم التَّلَوُّث، وَالتَّعَامُلُ مَعَ الْكَائِنَات الْفَضَائِيَّة فِي حَالِ إكْتِشَافِهَا، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة وَاضِحَة. وَ بِشَكْلٍ عَامٍ، فَإِنْ الْكُوسْمُّولُوجْيَا تَتَطَلَّبُ تَوَازُنًا دَقِيقًا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، فَالْعِلْم بِدُون أَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج كَارْثية، وَالْأَخْلَاقِ بِدُونِ عِلْمِ قَدْ تُؤَدِّي إلَى جُمُود وَتَخَلَّف. لِذَلِكَ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ فِي مَجَالِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا أنْ يَكُونُوا مُلْتَزِمِينَ بِأَعْلَى الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة فِي جَمِيعِ مَرَاحِل الْبَحْث وَالِإسْتِكْشَاف وَ التَّطْبِيق. يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا هُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَة وَاحِدَةً، وَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. فَالْبَحْث الْعِلْمِيِّ فِي هَذَا الْمَجَالِ الْحَسَّاس لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِالِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ الصَّارِم، لِضَمَان سَيْر الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي الِإتِّجَاهِ الصَّحِيح وَتَجَنُّب الْأثَار السَّلْبِيَّة الْمُحْتَمَلَة.
_ الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَالْمَسَائِلُ الْأَخْلَاقِيَّة
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَوْضُوعُ مُهِمٌّ فِي فَلْسَفَةِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا، أَيْ فَلْسَفَة الْعُلُوم الْكَوْنِيَّة. هُنَاك تَفَاعُل وَتَأْثِير مُتَبَادَل بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة الْكَوْنِيَّة وَبَيْن الْمُشْكِلَات وَالْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا. عِلْم الْكُوسْمُّولُوجْيَا، الَّذِي يَدْرُسُ أَصْلِ الكَوْنِ وَتَطَوُرُه، يُثِير الْعَدِيدِ مِنَ الْأَسْئِلَةِ وَالْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، نَظَرِيَّة الِإنْفِجَار الْعَظِيمِ الَّتِي تَقُولُ بِأَنْ الْكَوْن بدًّأ مِنْ نُقْطَةِ مَرْكَزِيَّة صَغِيرَةً جِدًّا قَبْل حَوَالَيْ 13.8 مِلْيَار سَنَة، تَطْرَح تَسَاؤُلَات حَوْلَ أَصْلِ الكَوْنِ وَبِدَايَة الزَّمَانِ وَ الْمَكَانِ. وَهَذَا يَتَعَارَضُ مَعَ مُعْتَقَدَاتِ دِينِيَّة وَفلَسَفِية قَدِيمَةٍ عَنْ أَزَلِيَّة الْكَوْنِ أَوْ خَلْقِهِ مِنْ قِبَلِ إلَه. وَ مِنْ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْأُخْرَى الْمُرْتَبِطَة بِالْكُوسْمُّولُوجْيَا، هِيَ مَسْأَلَةُ الْحَيَاةِ خَارِجَ كَوْكَبِ الْأَرْضِ. فَإكْتِشَاف وُجُودُ حَيَاةٍ عَلَى كَوَاكِب أَوْ أَجْرَام أُخْرَى فِي الْكَوْنِ لَهُ تَأْثِيرٌ كَبِيرٍ عَلَى فَهمْنَا لِلْمَكَانة الْفَرِيدَة لِلْحَيَاة عَلَى الْأَرْضِ وَ لِلْإِنْسَان، وَقَدْ يُطْرَح تَسَاؤُلَات حَوْلَ طَبِيعَةِ الْحَيَاةِ الْأُخْرَى وَعَلَاقَتِهَا بِالحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ.كَذَلِكَ يَطْرَح عَلِم الْكُوسْمُّولُوجْيَا قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْل مُسْتَقْبِل الْكَوْن وَ الْبَشَرِيَّة، فَالنَّظَرُيَّات الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تَتَنَبَّأ بِنِهَايَة الْكَوْنِ أَوْ بِمَصِير الْبَشَرِيَّةُ عَلَى الْمَدَى الْبَعِيدِ قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى رُؤْيَتِنَا الْأَخْلَاقِيَّة لِلْحَيَاة وَالْوُجُود. لَطَالَمَا كَانَ مَوْضُوعُ أَصْلِ الْكَوْنِ وَمَكَانة الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنْ أَهَمِّ المَوَاضِيع الْفَلْسَفِيَّة وَالدِّينِيَّة عَلَى مَرَّ التَّارِيخَ. فَقَدْ رَبَطَ الْفَلَاسِفَة الْيُونَان الْقُدَمَاء كَالْأَكُوانِيُّون وَ الْفَلَاسِفَةُ الْهُنُود الْقُدَمَاءِ بَيْنَ دَهْشَتِهِمْ مِنَ الْكَوْنِ وَبَيْنَ تَأْسِيس الْفَلْسَفَة. وَ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى، رَبَط آبْنُ رُشْدٍ فِي "مَنَاهِجِ الأَدِلَّةِ" بَيْن الْإِلَهِيَّات وَالفِيزْيَاء الْكَوْنِيَّة كَمَا فَسَّرَهَا. وَ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، ظَهَرَتْ إشْكَالِيَّة الْعَلَاقَةِ بَيْنَ نَظَرِيَّة الِإنْفِجَار الْعَظِيمِ فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَبَيْنَ الْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة، حَيْثُ إنَّ الْفِاتيكان سَارَعَ لِتَبْنِي هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنْ بِدَايَة لِلْكَوْن. وَ يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ عِلْمَ الْكُوسْمُّولُوجْيَا الْحَدِيثَ قَدْ أَبْطَلَ دَعْوَى أَزَلِيَّة الْمَادَّة وَالزَّمَان الَّتِي كَانَتْ مَوْضِعَ إتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفَلَاسِفَة وَ الْعُلَمَاء لِقُرُون طَوِيلَة، مِمَّا أُحَرِّج الْمُلْحِدِين وَ جَعَلَهُمْ يَتَخَبَّطُون فِي مُحَاوَلَاتِهِم لِإِنْكَار وُجُود خَالِق لِلْكَوْن. كَمَا أَنَّ هُنَاك إخْتِلَافَات بَيْنَ مَوْقِفِ عَلِم الْكُوسْمُّولُوجْيَا الْحَدِيثَ وَ بَيْنَ مَوْقِفِ الْأَدْيَان وَالْفَلْسَفَات التَّقْلِيدِيَّة مِنْ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة. فَالْكُوسْمُّولُوجْيَا لَا تَنْطَلِقُ مِنَ مُقَرَّرَات دِينِيَّة سَابِقَةٍ، بَلْ تَبْدَأُ مِنْ الْمَادَّةِ وَ تَنْتَهِي إلَيْهَا، وَ تَهْتَمّ بِدِرَاسَة أَصْلِ الْكَوْنِ وَتَطَوُرُه دُونَ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ. وَ بِذَلِكَ فَإِنَّ عِلْمَ الْكُوسْمُّولُوجْيَا لَا يَزُودنا بِمَبَادِئ لِلسُّلُوك وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة، إنَّمَا يُقَدَّمُ لَنَا الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة عَنْ الْكَوْنِ وَ الطَّبِيعَةِ. وَ هَذَا يَدْفَعُنَا إِلَى الْبَحْثِ عَنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ خَارِج نِطَاق الْعِلْم الصَّرْفِ، فِي الْفَلْسَفَةِ وَالْأَدْيَان وَ الثَّقَافَات الْمُخْتَلِفَة. وَ مَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ التَّقَدُّمِ فِي عِلْمِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا قَدْ أَحْدَثَ تَغيِيرَاتٍ فِي فَهِمْنَا لِلْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ، مِمَّا أَثَر عَلَى الرُّؤْيَة الْأَخْلَاقِيَّة. فَالِإنْتِقَالُ مِنْ فِكْرة الْكَوْن الْمَيكانِيكِيّ الثَّابِتُ إلَى فَكَرة الْكَوْن النِّسْبِيّ المُتَوَسِّع، أَوْ مِنْ فِكْرة الْكَوْن الْقَدِيمِ إلَى فَكَرة الْكَوْن الْحَدِيث الْمُنْبَثِق مِنْ الِإنْفِجَارِ الْعَظِيمُ، كُلُّ ذَلِكَ طَرْحَ تَسَاؤُلَات جَدِيدَةٍ حَوْل مَكَانَة الْإِنْسَانِ وَالْحَيَاةِ فِي الْكَوْنِ. يَتَّضِحُ أَنَّ عِلْمَ الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَ الْأَخْلَاقِ مُتَدَاخِلَان وَمَتَأَثَرَان بِبَعْضِهِمَا الْبَعْضُ. فَالْكُوسْمُّولُوجْيَا تَطْرَحُ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْلِ أَصْلِ الْكَوْنِ وَ مُسْتَقْبَلِه وَ الْحَيَاةُ فِيهِ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَتَأَثَّر بِالتَّطَوُّرَات الْمَعْرِفِيَّة فِي فَهْمِ الْكَوْن. وَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُزَوِّدُنَا مُبَاشَرَة بِالْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة، إلَّا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْفَلْسَفِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لِلْعَالَم وَالْإِنْسَان. لِذَا تَبْقَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مَوْضُوعًا مُهِمًّا فِي فَلْسَفَةِ الْكِوسمولُوجْيَا.
_ مَوْقِفُ الْكُوسْمُّولُوجْيَا مِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق
تَنَاوَلَتْ الْفَلْسَفَة الْكُوسْمُّولُوجيَّة الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق بِشَكْل مَعْمَق وَشَامِلٌ. وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ مَفْصَل لِلْمَوْضُوع. إنْ التَّقْلِيد الْفَلْسَفِيّ السَّائِد لِفَتْرَة طَوِيلَةٍ كَانَ يَرَى فَصْلًا وَاضِحًا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَالْعِلْم كَانَ يُنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَسِيلَةً لِتَحْدِيد الْحَقَائِق الْمَوْضُوعِيَّة لِلْعَالم الطَّبِيعِيّ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تُعْنَى بِتَحْدِيدِ مَا هُوَ صَوَابٌ وَمَا هُوَ خَطَأٌ مِنْ السُّلُوكِيات وَ الْقَيِّمِ. وَبِالتَّالِي، كَانَ يُنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق عَلَى أَنَّهُمَا مَجَالَان مُنْفَصِلَان تَمَامًا لَا تَرْبَطُ بَيْنَهُمَا أَيَّةَ عَلَاقَةٍ. إلَّا أَنْ الْفَلْسَفَة الْكُوسْمُّولُوجيَّة الْحَدِيثَةِ قَدْ تَجَاوَزْتُ هَذَا الِإنْفِصَالُ التَّقْلِيدِيّ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَالْفَلَاسِفَة الْمُعَاصِرُون أَدْرَكُوا أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُتَرَابِطَان وَ مُتَدَاخِلَان بِشَكْل وَثِيق، وَأَنَّ هُنَاكَ عَلَاقَةٌ عُضْوِيَّةٌ بَيْنَهُمَا. فَالْعِلْمُ لَا يَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى وَصْفِ الْحَقَائِق الْمَوْضُوعِيَّة، بَلْ يُؤَثِّرُ أَيْضًا فِي تَشْكِيلِ الْمَعَايِير وَ الْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَوَجَّهَ سُلُوكَ الْإِنْسَانِ وَتَحَدُّد مَا هُوَ صَوَابٌ وَمَا هُوَ خَطَأٌ. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَدَّى التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ فِي مَجَالِ عُلُومِ الحَيَاةِ وَالطِّبّ إلَى ظُهُورِ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمَسَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّة الْجَدِيدَةِ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً مِنْ قِبَلِ، مِثْل قَضَايَا الْإِجْهَاض وَالإِنْجَاب الصِّنَاعِيّ وَتَجَارِب الْخَلَايَا الْجِذْعِيَّةَ وَغَيْرِهَا. كَمَا أَنَّ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فِي مَجَالِ عَلِم الْكَوْن وَالفِيزْيَاء أَدَّتْ إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي بَعْضِ الْمُسْلِمَات الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة وَالْبَحْثِ عَنْ أُسِّس أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَةً، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوع الْخَلْقِ وَالْوُجُودِ الْإِلَهِيّ. فِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ الْأَخْلَاقِ أَيْضًا تُؤَثِّر بِدَوْرِهَا عَلَى مَسَار الْعِلْم وَ تَوْجِيهُه. فَالْمُعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقَيِّم السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ تُحَدِّد فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ الْأَبْحَاثُ الْعِلْمِيَّةُ الْمَقْبُولَة وَ الْمُشْرِوعَة، وَتَضَعُ قُيُودًا عَلَى الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ ضَارَّةً أَخْلَاقِيًّا. كَمَا أَنَّ الْقَيِّمَ وَالْمُّثْل الْأَعْلَى الْأَخْلَاقِيَّة تَحْفِز الْعُلَمَاء وَتَدْفَعُهُمْ إِلَى إسْتِخْدَامِ الْعِلْمِ فِي خِدْمَةِ الْإِنْسَانِيَّة وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، تَنَاوَلَتْ الْفَلْسَفَة الْكُوسْمُّولُوجيَّة الْحَدِيثَةِ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ التَّبَادُلية بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق بِشَكْل مَعْمَق. فَقَدْ رَأَتْ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق يُشَكِّلَان وَجْهَيْن لِعَمَلة وَاحِدَةً، حَيْثُ يَسْعَى الْعِلْمِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَقَائِقِ الْكَوْنِ الْمَوْضُوعِيَّة، بَيْنَمَا تَسْعَى الْأَخْلَاقِ إِلَى تَحْدِيدِ الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ لِلسُّلُوك الْإِنْسَانِيُّ فِي ضَوْءِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ. وَ عَلَيْهِ، فَإِنْ الْفَلْسَفَة الْكُوسْمُّولُوجيَّة تُؤَكِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ التَّكَامُلَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، فَالْعِلْم بِدُون ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج كَارْثية، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق بِدُون أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ قَدْ تُصْبِحُ مُجَرَّد مِثَالِيًّات فَارِغَةً. لِذَلِكَ، فَإِنْ هَذِهِ الْفَلْسَفَةَ تَدْعُو إلَى بِنَاءِ مَنْظُومَة مُتَكَامِلَة تَجْمَعُ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّة وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة، بِمَا يَضْمَنُ تَطْوِير الْعِلْم وَالتِّقْنِيَة فِي إِطَارِ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، بَرَزَتْ فِي الْفَلْسَفَةِ الْكُوسْمُّولُوجيَّة الْحَدِيثَةِ مَفَاهِيم جَدِيدَة مِثْل "الْأَخْلَاق البِيئِيَّة" و"الْأَخْلَاق التِّكْنُولُوجِيَّة" الَّتِي تَسْعَى إِلَى وَضْعِ ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة لِلتَّعَامُلِ مَعَ الْبِيئَة وَالتِّقْنِيَّات الْحَدِيثَةِ عَلَى أَسَاسِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الْعَلَمِيَّةِ. كَمَا ظَهَرَتْ إتِّجَاهَات فَلْسَفِيَّة تَدْعُو إلَى تَطْوِيرٍ "أَخْلَاق كَوْنِيَّة" تُرَاعِي الْأبْعَاد الْكُبْرَى لِلْوُجُود وَالْكَوْن كَكُلّ. وَبِالتَّالِي، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْفَلْسَفَةَ الْكُوسْمُّولُوجيَّة الْمُعَاصَرَةُ قَدْ أَسْهَمت بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، وَفِي إِرْسَاء أُسِّس جَدِيدَة لِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ تَتَجَاوَز الِإنْفِصَال التَّقْلِيدِيّ وَتُؤَكِّد عَلَى التَّكَامُل وَالتَّفَاعُل الْمُتَبَادَل بَيْنَهُمَا. وَهَذَا الِإتِّجَاهُ يَعْكِس مَدَى أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ فِي مُوَاجَهَةِ تَحَدِّيَات عَصْرِنَا الرَّاهِن.
_ أَهَمِّيَّة عَلِم الْكَوْنِيَّات مِنَ الْمَنْظُور الْأَخْلَاقِيّ "التَّحَدِّيَات و الْافَاق الْعِلْمِيَّة"
عَلِم الْكَوْنِيَّات (Cosmology) هُو الدِّرَاسَة الْعِلْمِيَّة الشَّامِلَة لِلْكَوْنِ مِنْ حَيْثُ نَشْأَتِه، وَبِنْيَّتِه، وَتَطَوُرُه، وَالْقَوَانِين الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي تُحَكِّمُه. بِالتَّالِي، فَإِنْ لِعِلْم الْكَوْنِيَّات إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْقَضَايَا الْفَلْسَفِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الْكُبْرَى الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَصْلِ الْكَوْن وَ مَصِيرُه النِّهَائِيّ. تَكْمُن أَهَمِّيَّة عَلِم الْكَوْنِيَّات مِنَ الْمَنْظُور الْأَخْلَاقِيّ فِي فَهُمْ أَصْلٌ الْكَوْنِ مِنْ خِلَالِ دِرَاسَةِ نَشْأَة الْكَوْن وَ تَطَوُرُه عَبَّر النَّمَاذِج الْكُوسْمُّولُوجْيَّة، كَنَظَرية الِإنْفِجَار الْعَظِيم، يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى إسْتِنْتَاجَات لَهَا آثَارٌ أَخْلَاقِيَّة وَمِيتَافِيزِيقِيَّة هَامَةٌ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْكَوْن بِدَايَة زَمَنِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ بِالْبَحْثِ عَنْ سَبَبِ وُجُودِهِ وَأَصْلُه، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْقَبُولِ بِوُجُود خَالِق أَوْ قُوَّةِ خَارِج الطَّبِيعَة. أَنَّ دِرَاسَةَ خَصَائِص الْمَادَّة وَالطَّاقَةِ فِي الْكَوْنِ، كَالْمَادَّة الْمُظْلِمَة وَالطَّاقَة الْمُظْلِمَة، قَدْ تَكْشِفُ عَنْ أبْعَاد أُخْرَى لِلْوَاقِع قَدْ تَتَعَارَضُ مَعَ الْمَفَاهِيم الْمَادِّيَّة الضَّيِّقَة لِلْكَوْن وَالْحَيَاة. وَبِالتَّالِي، قَدْ يُعِيدُ هَذَا النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالطَّبِيعَةِ وَالْوُجُود. كَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الْبَحْثِ فِي مَكَانة الْإِنْسَانِ فِي الْكَوْنِ الْهَائِل وَتَطَوُرُه التَّارِيخِيّ، يُمْكِن إسْتِنْبَاط إسْتِدْلَالَات أَخْلَاقِيَّة حَوْل دَوْرُ الإِنْسَانِ وَوَاجِبَاتِه تُجَاه الْكَوْنِ وَالْحَيَاةِ. فَهَلْ الْإِنْسَان مُجَرَّد كَائِن عَابِر فِي الْكَوْنِ أَمْ لَهُ مُهِمَّةٌ وَغَايَة مُحَدَّدَة؟ يَكْشِف عَلِم الْكَوْنِيَّات عَنْ حَسَاسِيَة الْكَوْن وَتَوَازُنًاته الدَّقِيقَةُ الَّتِي تَسْمَحُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ. وَهَذَا قَدْ يَحْمَلُ رَسَائِل أَخْلَاقِيَّة حَوْل ضَرُورَة الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذَا التَّوَازُنِ وَالتَّعَامُل الْمَسْؤُول مَع الْبِيئَة وَ الْكَوْن. كَمَا أَنَّ التَّسَاؤُلَاتِ الَّتِي تُثَار حَوْلَ نِهَايَةُ الكَوْنِ وَمَا سَيُؤول إلَيْهِ مَسَارِه مُسْتَقْبِلًا لَهَا تَدَاعَيَات أَخْلَاقِيَّة وَاضِحَة، إذْ تُؤَثِّرُ فِي رُؤْيَتِنَا لِلْحَيَاة وَالْمَوْت وَالْأَبَدِيَّة. فِي الْمُقَابِلِ، يُوَاجِه عَلِم الْكَوْنِيَّات تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة خَطِيرَة نَتِيجَة لِطَبِيعَة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجْيَا الْمُتَطَوِّرَة الْمُسْتَخْدَمَة فِيه. يَتَطَلَّب عَلِم الْكَوْنِيَّات إجْرَاء تَجَارِب وَنَمَاذِج مُعَقَّدَة، كَإسْتِخْدَام الْمُعَجَّلِات الْجُسِيمِيَّة الضَّخْمَةُ، وَاَلَّتِي قَدْ تُؤَدِّي إلَى مَخَاطِرَ بِيئِيَّة وَصَحَّية مُحْتَمِلَة. تَتَطَلَّب الْبُحُوث الْكُوسْمُّولُوجْيَّة مَوَارِد مَالِيَّة هَائِلَة، مِمَّا قَدْ يُثِير تَسَاؤُلَات أَخْلَاقِيَّة حَوْل تَخْصِيصُ هَذِهِ الْمَوَارِدِ مُقَابِل قَضَايَا مُلِحَّةٌ كَالْفَقْر وَالصِّحَّة وَالتَّعْلِيم. قَدْ يَنْشَأُ تَعَارُضَ بَيْنَ مَبَادِئ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الْمَفْتُوح وَالشَّفَّاف، وَبَيْنَ حُقُوقِ الْمُلْكِيَّةِ الْفِكْرِيَّةِ لِلْبَاحِثَيْن وَالمُؤَسَّسَات. قَدْ تُؤَدِّي بَعْض التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة فِي عِلْمِ الْكَوْنِيَّات، كَأسْلحة النَّوَوِيَّةِ أَوْ تَعْدِيلٍ الْجِينَاتِ، إِلَى مَخَاطِر أَخْلَاقِيَّة كَبِيرَة. كَمَا أَشَرْنَا سَابِقًا، فَإِنْ نَتَائِج الْبُحُوث الْكُوسْمُّولُوجْيَّة قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى الْقَضَايَا الْفَلْسَفِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الْكُبْرَى، مِمَّا يَتَطَلَّب مِنَّا مُعَالَجَتُهَا بِحَذَر وَمَوْضُوعِيَّة. فِي ظِلِّ هَذِهِ التَّحَدِّيَات، يَبْرُزْ الْحَاجَةِ الْمُلِحَّةِ لِتَطْوِير مُدَوَّنَة أَخْلَاقِيَّة شَامِلَة تَحَكُّم الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي عِلْمِ الْكَوْنِيَّات وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ. وَهَذِه الْأَخْلَاقَيَّات يَجِبُ أَنْ تَتَنَاوَلَ قَضَايَا مِثْل : الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْبَاحِثَيْن وَالمُؤَسَّسَات الْعِلْمِيَّة. آلِيَات الْحفَّاظُ عَلَى السَّلَامَةِ وَالْأَمْنُ فِي التَّجَارِبِ وَالْبُحُوث. ضَوَابِط التَّعَامُلِ مَعَ الْبَيَانَات وَالْمِلْكِيَّة الْفِكْرِيَّة. مَعَايِير تَخْصِيص الْمَوَارِد وَالْأَوَّلُوِيَّات الْبَحْثَيْة. الشَّفَّافِيَّة وَالمُسَاءَلَة فِي عَمَلِيَّاتِ الْبَحْث وَالتَّطْوِير. الْأثَار الِإجْتِمَاعِيَّة وَالبِيئِيَّة لِلتَّطْبِيقَات التِّكْنُولُوجِيَّة. الْحِوَار الْمُسْتَمِرّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَة وَ الْمُفَكِّرِين الْأَخْلَاقِيِّين. فِي الْخِتَامِ، أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ عِلْمِ الْكَوْنِيَّات وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَلَيْسَتْ تَنَافِرْيَة. فَالْبَحْثُ الْعِلْمِيِّ فِي هَذَا الْمَجَالِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى إسْتِنْتَاجَات ذَاتَ أبْعَاد أَخْلَاقِيَّة هَامَة، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ ضَرُورِيَّة لِتَنْظِيم هَذَا الْبَحْثِ وَتَوْجِيهُه نَحْوَ الْخَيْرِ الْعَامِّ لِلْإِنْسَانِيَّة. وَعَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَة وَالْمُفَكِّرِين التَّعَاوُن لِبِنَاءِ هَذِهِ الْأَخْلَاقَيَّات الْكُوسْمُّولُوجْيَّة الَّتِي تُحَافِظُ عَلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْعِلْم وَمَوْضُوعَيَّته، مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّة الْأَسَاسِيَّة.
_ التَّطَوُّرِ الْفِكْرِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ فِي عِلْمِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا
عِلْمِ الْكِوسمولُوجْيَا، أَوْ عَلِمَ الْكَوْنُ، هُوَ أَحَدُ أَهَمّ فُرُوع الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي تَدْرُس أَصْل وَنَشْأَة وَتَطَوَّر الْكَوْن بِشَكْلٍ عَامٍّ. هَذَا الْعِلْمِ قَدْ شَهِدَ تَطَوُّرًا كَبِيرًا عَلَى مُسْتَوَى الْفِكْر وَ الْمَمَارَسَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة عَلَى مَرَّ التَّارِيخ. فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، كَانَتْ النَّظِرَةَ إلَى الْكَوْنِ مُرْتَبِطَة بِالتَّفْسِيرَات الدِّينِيَّةُ وَ الفَلْسَفِيَّة الْميتَافِيزِيقِيَّة. حَيْثُ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْكَوْنِ عَلَى أَنَّهُ نِظَامٌ كُونِي مُتَنَاسِق وَلَهُ خَالِقٌ أَوْ مُصَمِّم خَارِجِيّ. هَذِهِ النَّظْرَةِ التَّقْلِيدِيَّة وَالتّرَاتْبِيَّة لِلْكَوْن إسْتَمَرَّتْ فَتْرَةٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى تَمَّ تَحْدِيها مِنْ قِبَلِ الْأَفْكَار وَالْمُنَاهِج الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَة. مَعَ ظُهُورِ الثَّوْرَة الْعِلْمِيَّةِ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ وَالتَّطَوُّرَات اللَّاحِقَةُ فِي عُلُومِ الفِيزْيَاء وَالْفُلْك، بَدَأ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ يَنْتَقِل شَيْئًا فَشَيْئًا نَحْو التَّفْسِيرَات الطَّبِيعِيَّة لِلْكَوْن وَالِإبْتِعَادِ عَنِ الأَطْر الْمَيتَافِيزِيقِيَّة. هَذَا التَّحَوُّلِ الْفِكْرِيّ كَانَ لَهُ آثَارٌ عَمِيقَة عَلَى الرُّؤْيَةِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة لِلْعَالِمِ. فَقَدْ مَهَّد تَصَدَّع الْكُوسْمُّولُوجْيَا التَّرَاتِبِيَّة الْقَدِيمَةِ الطَّرِيقِ إلَى تَكْسِيرِ التَّرَاتِب الِإجْتِمَاعِيِّ، وَإِلَى ثَوْرَة سِيَاسِيَّة فِي عَصْرِ الْأَنْوَار. فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، تَمّ تَصَوُّر الْحَيَاة وَالْأَنْوَاع الْمُخْتَلِفَة وَوُجُود الْبَشَر وَمُجْتَمَعاتّهِم عَلَى أَنَّهَا نِتَاجُ لِلتِّطور. وَهَذَا أَدَّى إلَى تَحَوُّلَات فَكَرْيَة أُخْرَى كَانَتْ لَهَا أثَارٌ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْفَلْسَفَة، حَيْثُ بَدَأَ الْإِنْسَانُ يُنْظَرُ إلَى ذَاتِهِ كَجُزْءٍ مِنْ هَذَا النِّظَامِ الطَّبِيعِيّ الْمُتَطَوِّر بَدَلًا مِنْ كَوْنِهِ كَائِنًا مُنْفَصِلًا وَمَتَساميا. إنْ هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ الْفِكْرِيَّة فِي عِلْمِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَالْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ قَدْ أَثَّرَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْأَفْكَار الْأَخْلَاقِيَّة وَ الفَلْسَفِيَّة السَّائِدَة. فَقَدْ بَدَأَ الْإِنْسَانُ يُعِيدَ النَّظَرَ فِي مَكَانَتِه وَ عَلَاقَتُه بِالطَّبِيعَة وَالْكَوْن. وَبَدَأَتْ تَظْهَرُ رُؤى آيَكُولُوجِيَّة جَدِيدَةٍ تَرَى أَنَّ وَقْفَ التَّدَهْوُر البِيئِيّ يَتَطَلَّب لَيْسَ فَقَطْ إجْرَاءَات عِلْمِيَّة-تِقْنِيَّة، وَلَكِنْ أَيْضًا تَغْيِيرًا فِي رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ لِلْعَالِم. كَمَا أَنَّ نُشُوء عِلْمُ النَّفْسِ الَّآيْكُولُوجِيّ Ecological psychology سَاهَمَ فِي كَشْفِ مَا سَمَّاهُ الْبَعْض "اللَّاوْعي الَّآيْكُولُوجِيّ" ecological unconscious وَاَلَّذِي يُشِيرُ إلَى الْقمْعِ وَالِإضْطِرَاب النَّفْسِيّ النَّاجِمَ عَنْ إنْفِصَال الْإِنْسَانُ عَنْ بِيئَتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ. وَهَذَا يَعْكِسُ صُعُود أَفْكَار فَلْسَفِيَّة وَ أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة تُنَادِي بِضَرُورَة إعَادَة رَبَطَ الْإِنْسَانُ بِالْكَوْن وَ الطَّبِيعَةُ الَّتِي هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، فَقَدْ سَاهَمَت التَّطَوُّرَات فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا الْعِلْمِيَّةِ Scientific Cosmology فِي تَحَدِّي الصُّوَر التَّقْلِيدِيَّة لِلْكَوْن وَالْإِنْسَان وَ تَفْجير الْكَثِيرُ مِنْ الْأَفْكَارِ الْفَلْسَفِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا. فَظُهُور نَظَرِيَّات مِثْل الِإنْفِجَار الْأَعْظَم Big Bang وَ تَمَدَّد الْكَوْن The expansion of the universe أَدَّتْ إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي تَصَوُّرَات الْإِنْسَانُ عَنْ أَصْلِ الْكَوْنِ وَمَكَانة الْإِنْسَانُ فِيهِ. أَنْ تَطَوِّرَ عَلِم الْكُوسْمُّولُوجْيَا بِشَكْلٍ عَامٍّ قَدْ شَهِدَ تَحَوُّلَات عَمِيقَة عَلَى مُسْتَوَى الْفِكْر وَالْأَفْكَار الْأَخْلَاقِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِه. فَإنْتِقَال الرُّؤْيَةِ مِنْ التَّفْسِيرَات الْمَيتَافِيزِيقِيَّة إلَى التَّفْسِيرَات الْعِلْمِيَّة الطَّبِيعِيَّة، وَنَشْوء أَفْكَارَ أَيَكُولُوجِيَّة جَدِيدَةٍ، وَتَحَدَّي الصُّوَر التَّقْلِيدِيَّة لِلْكَوْن وَالْإِنْسَانُ، كُلٌّ ذَلِكَ أَدَّى إلَى تَحَوُّلَات جَوْهَرِيَّةً فِي الْمَنْظُورِ الْفَلْسَفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ لِلْإِنْسَان تُجَاه الْكَوْنِ وَالطَّبِيعَةِ الَّتِي هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا. وَمَا زَالَ هَذَا التَّطَوُّرُ الْفِكْرِيّ مُسْتَمِرًّا حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.
_ الْعَلَاقَة البِنْيَوِيَّة بَيْنَ الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَالْأَخْلَاقِ
عَلِم الْكُوسْمُّولُوجْيَا، أَيْ دِرَاسَة أَصْل وَنَشْأَة وَتَارِيخ وَ مُحْتَوِيًات وَتَطَوَّرَ الْكَوْنِ، لَهُ إرْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بِالْأبْعَاد الْفَلْسَفِيَّة وَ الْأَخْلَاقِيَّة. هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي بَدَأَ كَمُعَالَجَأَتْ فَلْسَفِيَّة وَخُرَافَات مُخْتَلِفَةٌ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَدٌ أَهَمّ فُرُوع الفِيزْيَاء الَّتِي تَسْتَخْدَمُ أَحْدَث النَّظَرِيَّات وَالتِّقْنِيَّات الْعِلْمِيَّة الْمُتَطَوِّرَة لِلْكَشْفِ عَنْ أَسْرَارِ الْكَوْنِ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْكُوسْمُّولُوجْيَا تُعْتَبَرُ مِنْ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ الصِّرْفَة، إلَّا أَنَّهَا تَطْرَحُ الْعَدِيدِ مِنَ الْأَسْئِلَةِ ذَاتِ الطَّابَعِ الْفَلْسَفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ. فَدِرْاسة نَشْأَةُ الْكَوْن وَتَطَوُرُه وَحُدُود مَعْرِفَتِنَا عَنْه، تُثِير تَسَاؤُلَات حَوْلَ الْمَعْنَى وَالْغَايَةِ مِنْ وُجُودُنَا فِي هَذَا الْكَوْنِ الفَسِيح. كَمَا أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ مُكَوِّنَات الْكَوْن الْأَسَاسِيَّة كَالْمَادَّة الْمُظْلِمَة وَالطَّاقَة الْمُظْلِمَة، وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِ وَاحِد (الكَوْنَات الْمُتَعَدِّدَةُ)، يُثِير أَسْئِلَةً حَوْلَ طَبِيعَة الْوَاقِع وَ الْوُجُود. هَلْ هُنَاكَ أبْعَاد أُخْرَى لِلْوَاقِعِ لَا نُدْرِكُهَا؟ وَكَيْفَ يُؤْثِرُ هَذَا عَلَى فَهِمْنَا لِلْعَالِم وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة؟ عَلَى صَعِيدِ آخَرَ، فَإِنْ الْكُوسْمُّولُوجْيَا تُشِيرُ إلَى نَظَرِيَّة الِإنْفِجَار الْكَبِير كَنُقْطَة الْبِدَايَة لِلْكَوْن، مِمَّا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ الْمَصْدَر وَالسَّبَب وَرَاءَ هَذَا الِإنْفِجَار. هَلْ هُنَاكَ قُوَّة خَارِقَة لِلطَّبِيعَة أَوْ إله خَلَقَ الْكَوْنَ؟ وَ مَا هِيَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ الْإِلَهِيِّ وَالْقَوَانِين الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي تَحْكُمُ الْكَوْنَ؟ عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ التَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ فِي مَجَالِ إسْتِكْشَاف الْفَضَاء وَالْأَبْحَاث الْكُوسْمُّولُوجِيَّة، يَطْرَحُ أَسْئِلَة أَخْلَاقِيَّة حَوْل إسْتِخْدَامِ هَذِهِ التِّقْنِيَّات. مَا هِيَ الْمَخَاطِر البِيئِيَّة وَالصَّحِية الْمُحْتَمَلَةِ مِنْ الْبَعَثَات الْفَضَائِيَّة وَالتَّجَارِب النَّوَوِيَّة وَالْأَبْحَاث فِي مَجَالِ الطَّاقَة النَّوَوِيَّة؟ وَمَا هِيَ الْأثَار الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ لِلسِّبَاق نَحْو إسْتِغْلَال مَوَارِد الْفَضَاء الْخَارِجِيّ؟ كَمَا أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَلَامَاتِ الْحَيَاةِ خَارِجَ كَوْكَبِ الْأَرْضِ، وَمَا إذَا كُنَّا وَحْدَنَا فِي الْكَوْنِ، يُثِير أَسْئِلَة أَخْلَاقِيَّة حَوْل عَلَاقَتُنَا بِالْكَائِنَات الْأُخْرَى الْمُحْتَمَلَة. كَيْف سَتُّؤثر مَعْرِفَةُ وُجُودِ حَيَاةِ ذَكِيَّة أُخْرَى عَلَى نَظْرَتُنَا لِلْإِنْسَان وَدَوْرُهُ فِي الْكَوْنِ؟ وَمَا هِيَ الْوَاجِبَات الْأَخْلَاقِيَّة تُجَاه هَذِهِ الْكَائِنَاتِ فِي حَالِ إكْتِشَافِهَا؟ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَإِنْ الْكُوسْمُّولُوجِيَّا تُعْتَبَرُ مَجَالًا خِصْبًا لِلتَّفَاعُل بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْأَخْلَاق. فَالْفَلَاسِفَة لَعِبُوا دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَطْوِيرِ هَذَا الْعِلْمِ عَبْرَ التَّارِيخِ، مِنْ خِلَالِ طَرْحِ التَّسَاؤُلَات الْجَوْهَرِيَّة حَوْل طَبِيعَةِ الْكَوْنِ وَأَصْلُه وَغَايَتُهُ. كَمَا أَنَّ النَّظَرِيَّاتِ الْكُوسْمُّولُوجِيَّة الْحَدِيثَةِ تُسْتَمَدّ أَهَمِّيَّتِهَا وَ تَأْثِيرُهَا مِنْ الْبُعْدِ الْفَلْسَفِيّ وَالْأَخْلَاقِيَّ الَّذِي تَطْرَحُه. فِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ التَّطَوُّرَات الْهَائِلَة فِي عِلْمِ الْكُوسْمُّولُوجْيَا تَثْرِي الْفِكْرُ الْفَلْسَفِيُّ وَتَطْرَح تَحَدِّيَات جَدِيدَة أمَام الْفَلْسَفَة. فَالِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّةِ حَوْل طَبِيعَةِ الْكَوْنِ وَتَطَوُرُه تَفْرَض إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الأَطْر الْمَفَاهِيمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الَّتِي نَفْهَم بِهَا الْعَالِمُ مِنْ حَوْلِنَا. لِذَا فَإِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَالْفَلْسَفَةُ وَالأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَمَتَبَادَلَة. فَالْكُوسْمُّولُوجْيَا تَثْرِي الْفِكْرُ الْفَلْسَفِيُّ وَالْأَخْلَاقِيّ، بَيْنَمَا الْفَلْسَفَة وَالْأَخْلَاق تَوَجُّهُ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي الْكُوسْمُّولُوجْيَا وَ يَضْفي عَلَيْهِ أَبْعَادًا جَوْهَرِيَّة. وَ بِهَذَا تُصْبِح دِرَاسَة الْكَوْن دِرَاسَة لِلْوُجُود الْإِنْسَانِيّ وَ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْكَوْنِ.
_ مُسْتَقْبِل الْعِلْم وَالْأَخْلَاق مِنْ وَجْهَة نَظَر الْكُوسْمُّولُوجْيَا الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ ذَاتُ إبْعَاد فَلْسَفِيَّة وَ حَضَارِيٍّة عَمِيقَة، إذْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ دُورٌ أَسَاسِيٍّ فِي تَشْكِيلِ وَ بِنَاء الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْمُجْتَمَعِيَّة. فَالْعِلْمُ يُعْنَّى بِالْبَحْثِ عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْمَعَارِف الْمَوْضُوعِيَّة حَوْل الْكَوْنِ وَالطَّبِيعَةِ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تُعْنَّى بِتَحْدِيد الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ الَّتِي تَضْبِطُ وَتَوَجَّه سُلُوكَ الْإِنْسَانِ وَتَفَاعُلَاتِه مَعَ الْآخَرِينَ. مِنْ مَنْظُورٍ الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة، فَإِنْ مُسْتَقْبِل الْعِلْم وَالْأَخْلَاق يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مِنْ خِلَالِ عِدَّةِ إتِّجَاهَات. تَرَى الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا فِي تَكَامُلِ وَتَفَاعَل مُتَبَادَل، فَالْعِلْمُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْتَمِل أَوْ يَنْمُو بِمَعْزِلٍ عَنْ الْأَخْلَاقِ، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ لَا تَسْتَقِيمُ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْعِلْمِ. فَالْعِلْمُ يُقَدَّم لِلْأَخْلَاق الْأُسُس الْمَوْضُوعِيَّة وَ الْمَعْرُفِيَّة، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَوَجَّه الْعِلْم وَتَضْبَط تَطْبِيقًاتِه وَتُحَدُّ مِنْ إسْتِخْدَامَاته السَّلْبِيَّةِ. أَنَّ هَذَا التَّكَامُل وَالتَّفَاعُل هُوَ الأَسَاسَ لِتَطَوُّر الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَتَقَدُّمُهَا. تُؤَكِّد الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة عَلَى ضَرُورَةِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْعِلْم مَسْؤُولِيَّاتِه الْأَخْلَاقِيَّة تُجَاه الْمُجْتَمَع وَالْبَشَرِيَّة. فَالتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ الْهَائِلَ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ أَفْرَز الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات وَالْأَخْطَار الْأَخْلَاقِيَّة، كَالتَّلَوُّث الْبِيئِيِّ، وَأَسْلِحَة الدَّمَارِ الشَّامِلِ، وَالتَّلَاعُب الْجِينِيّ، وَغَيْرِهَا. لِذَا فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَمُؤَسَّسَات الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ مُطَالَبُون بِوَضْع ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة صَارِمَة لِتَوْجِيه وَضَبْطُ هَذِهِ التَّطْبِيقَات الْعِلْمِيَّة، بِمَا يَضْمَنُ حِمَايَةِ الإِنْسَانِ وَالْبِيئَة. مِنْ مَنْظُورٍ الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة، فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُوَجِّه وَالْمُرْشِد لِلتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ، بِحَيْث يَسْعَى الْعِلْمِ إلَى تَحْقِيقِ الْخَيْرِ لِلْإِنْسَانِيَّةِ وَفْق الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الرَّفِيعَة. فَالْعِلْمُ لَيْسَ هَدَفًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ، بَلْ وَسِيلَةٌ لِتَحْسِين نَوْعيْة الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ وَ تَحْقِيق الرَّفَاهِيَة وَالسَّعَادَة. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْقَيِّمَ الْأَخْلَاقِيَّة كَالْعَدَالَة وَالْإِنْصَاف وَالرَّحْمَة وَالْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تَوَجَّهَ مَسَار التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ. تُؤَكِّد الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْحِوَار وَالتَّفَاعُل الْبَنَاءِ بَيْنَ التَّقَالِيد الْفِكْرِيَّةُ وَالثَّقَافِيَّةُ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَجَالِي الْعِلْم وَالْأَخْلَاق. فَالحَضَارَات وَالْأَدْيَانِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ قَدْ طُورِت أَنَساقا أَخْلَاقِيَّة وَمُمَارَسَات عِلْمِيَّة مُتَنَوِّعَة، وَيَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّ التَّفَاعُل وَ التَّبَادُل بَيْنَهَا بِمَا يُثْرِي الْمَعْرِفَة الْإِنْسَانِيَّة وَيُسْهَم فِي تَطْوِيرِ رُؤى أَخْلَاقِيَّة وَعِلْمِيَّة أَكْثَر شُمُولِيَّة وَعُمْقًا. هَذَا الْحِوَارِ وَ التَّفَاعُل هُوَ مَا سَيَنْتُج عَنْهُ مُسْتَقْبَلٌ أَفْضَل لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق عَلَى الْمُسْتَوَى الْعَالَمِيّ. تَنْظُر الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّةُ إِلَى الْأَخْلَاقِ بِإعْتِبَارِهَا الْأَسَاس لِلْمَسْؤُولِيَّة الْكَوْنِيَّة وَالْعَالَمِيَّة. فَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة الْعَالَمِيَّة كَالْعَدَالَة وَالْمُسَاوَاة وَالرَّحْمَة وَالتَّسَامُح هِي الرَّكيزة الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَقُومَ عَلَيْهَا الْمَسْؤُولِيَّة تُجَاه الْبَشَرِيَّة جَمْعَاء وَالْكَوْكَب الْأَرْضِيّ كَكُلّ. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ مُسْتَقْبِل الْعِلْم وَ الْأَخْلَاق يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي خِدْمَةِ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْكَوْنِيَّة، بِمَا يَكْفُلُ تَحْقِيق التَّنْمِيَة الْمُسْتَدَامَة وَالْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ وَ الْمَوَارِد الطَّبِيعِيَّة لِصَالِح الأَجْيَال الْحَالِيَّة وَالْقَادِمَة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَرَى الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة أَنَّ مُسْتَقْبِلَ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق يَكْمُنُ فِي تَحْقِيقِ التَّكَامُل وَالتَّفَاعُل الْبَنَاءِ بَيْنَهُمَا، بِحَيْثُ يَتِمُّ وَضَع الْأَخْلَاق كَمُوَجِّه وَمُرْشِد لِلتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ، مَعَ تَحَمُّلِ الْعِلْم مَسْؤُولِيَّاتِه الْأَخْلَاقِيَّة تُجَاه الْبَشَرِيَّة وَالْكَوْن. وَهَذَا يَتَطَلَّب حِوَارًا وَتَفَاعُلِا بَيْنَ مُخْتَلِفِ التَّقَالِيد الْفِكْرِيَّةُ وَالثَّقَافِيَّةُ، لِإِنْتَاج رُؤى أَخْلَاقِيَّة وَعِلْمِيَّة أَكْثَر شُمُولِيَّة وَعُمْقًا تَخْدُم الْمَصْلَحَة الْعَالَمِيَّة وَالْمَسْؤُولِيَّة الْكَوْنِيَّة. وَبِذَلِك سَتَّتُحقق الْغَايَةُ النِّهَائِيَّة لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي بِنَاءِ حَضَارَة إِنْسَانِيَّة أَكْثَر تَقَدَّمَا وَإزْدِهَارا.
_ نَقْد كُوسْمُّولُوجْيَ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق
الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة أَوْ الْفَلْسَفَة الشَّامِلَة هِيَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ التَّحْلِيلَاتِ الْمَنْهَجِية وَالفَلْسَفِيَّة الَّتِي تَقُومُ بِنَقْد الْعِلْم وَ الْأَخْلَاق. هَذَا الِإتِّجَاهَ الْفَلْسَفِيّ يَرْفُض الِإدِّعَاءَات الأَكَادِيمِيَّة لِلْوَضْعِيَّة الْمَنْطِقِيَّة وَالْمَذَاهِب الْأُخْرَى الَّتِي تَسْعَى إِلَى رَفْضِ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ بِأَكْمَلِه. أَوَّلًا، تَنْتَقِد الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة دُور الْعِلْمِ فِي الْمُجْتَمَعِ وَتُحَذِّرُ مِنَ إسْتِخْدَام الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ لِقَمْع الِإعْتِبَارَات الْأَخْلَاقِيَّة بِإعْتِبَارِهَا جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ مَعْنَى الْوُجُودِ. فَالْمُؤَرِّخ جَاك بَارزُون (Jacques Barzun) وَصَف الْعُلُوم بِأَنَّهَا "أَكْثَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ عَلَى مَرَّ الْعُصُور" وَحَذَّرَ مِنْ إسْتِخْدَامِ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ لِكِبَح الْجَوَانِبِ الْأَخْلَاقِيَّة. ثَانِيًا، تُؤَكِّد الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْعُلُومِ الْمَنْهَجِية، حَتَّى تِلْكَ الْأَكْثَر وُضُوحًا، لَهَا حُدُودِهَا الْخَاصَّة. فَالْفَيْلَسُوف بَوْلُ فَيْيرآبند (Paul Feyerabend) ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ "ضِدّ الْمَنْهَجِ" أَنَّ "جَمِيعَ الْعُلُومِ الْمَنْهَجِية، حَتَّى تِلْكَ الْعُلُومِ الْأَكْثَر وُضُوحًا مِنْهَا، لَهَا حُدُودِهَا الْخَاصَّة." ثَالِثًا، تَنْتَقِد الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة فَكَرة أَنْ الْعِلْمِ يُمَكَّنُ أَوْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ وَفَقَأ لِقَوَاعِد عَالَمِيَّة ثَابِتَة بِإعْتِبَارِهَا فَكَرة غَيْرَ وَاقِعِيَّةً وَخَبِيثُة وَتَضُرّ بِالْعِلْمِ نَفْسِهِ. فَفيلَسَوْف الْعِلْمُ أَيمَّري لاكاتوس (Imre Lakatos) يُؤَكِّدُ مَع فَيْيرآبند أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُمْكِنِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ اللاعِلْم pseudoscience عَلَى أُسُسٍ مَوْضُوعِيَّة. لِذَلِك، يَرَى أَصْحَابَ هَذَا الِإتِّجَاهَ أَنْ هَيْمَنَة الْعِلْمِ فِي الْمُجْتَمَعِ أَمْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَغَيْرِ مُبَرِّر. رَابِعًا، تَدْعُو الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّةُ إِلَى إِقَامَةِ مُجْتَمَعٍ دِيمُقْرَاطِيّ يُتِمُّ فِيهِ التَّعَامُلُ مَعَ الْعِلْمِ بِطَرِيقة مُسَاوِيَة لِجَمِيع الْمُؤَسَّسَات الِإجْتِمَاعِيَّة الأُخْرَى مِثْلَ الدَّيْنِ وَالسِّحْر، وَ يَرَوْنَ أَنَّ هَيْمَنَة الْعِلْمِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ أَمَر مَرْفُوضٌ. فِي الْجَانِبِ الْأَخْلَاقِيّ، تَنْتَقِد الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة الْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة وَالْمَذَاهِب الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ. فَهِي تَعْتَبَرُ أنْ هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ وَالْمَذَاهِب مُجَرَّد "أَوْهَام" لَا تَحْمِلُ أَيْ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْفِعْلِيَّةُ هِيَ أَنْ الْإِنْسَان الأَعْلَى هُوَ مِنْ يَخْلُق الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْجَدِيدَة. كَمَا تَرْفُض الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة فَكَرة وُجُود مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مَوْضُوعِيَّة ثَابِتَة، وَتُؤَكِّد عَلَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ هِيَ نِتَاجُ إِرَادَةِ الْإِنْسَانِ الْأَعْلَى الَّذِي يَفْرِضُ قِيمَه عَلَى الْمُجْتَمَعِ. وَبِالتَّالِي، فَهِيَ تَدْعُو إلَى خَلْقِ قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ جَدِيدَة تَتَجَاوَز الْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَمَثَّل الْفَلْسَفَة الْكَوْنِيَّة مَوْقِفًا نَقْدًيا شَامِلًا تُجَاه الْمَفَاهِيم وَ الإفْتِرَاضِات الْأَسَاسِيَّةِ لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ. وَهِيَ تَسْعَى إِلَى إِعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْأُسُس الْفَلْسَفِيَّة لِهَذِه الْمَجَالَات وَ تَقْدِيم رُؤْيَة بَدِيلَة تَنْطَلِقُ مِنَ مَبَادِئ فَلْسَفِيَّة مُخْتَلِفَة. وَيُعْتَبَرُ هَذَا النَّقْدِ الْفَلْسَفِيّ الشَّامِلِ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق أَحَدَ أَبْرَزِ مَلَامِح هَذَا الِإتِّجَاهَ الْفَلْسَفِيّ.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
-
نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
-
الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي
...
-
أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
-
حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
-
جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
-
جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
-
السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
-
إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
-
سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
-
مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
-
ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت
...
-
جَدَلِيَّة الْفَلْسَفَة و التَّفَلُّسِف
المزيد.....
-
ترامب يوقف خطة فرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على الصلب و
...
-
العالم في غياب الناتو: سيناريوهات محتملة
-
العراق يشكل فريقا لملاحقة مرتكبي أعمال عنف بحق عمال سوريين
-
أميركا تعلق على اتفاق دمج مقاتلي قسد في مؤسسات الدولة بسوريا
...
-
واشنطن توسع انتشارها العسكري عند حدود المكسيك وتدفع بـ600 جن
...
-
ظهور مكة محمد صلاح في صور من كواليس -كامل العدد++-
-
النواب الأمريكي يمرر مشروع قانون الإنفاق لتجنب الإغلاق الحكو
...
-
الإعلام الأمريكي يشيد بالأسلحة الروسية التي تفوق قدرات قوات
...
-
سوريا.. كمائن وإطلاق نار ضد القوات الإسرائيلية في حوض اليرمو
...
-
وزير الخارجية الفرنسي يؤكد رغبة باريس في تهدئة العلاقات مع ا
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|