أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع المفاهيم وإعادة التشكيل














المزيد.....


الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع المفاهيم وإعادة التشكيل


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 09:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لطالما شكلت إشكالية العلاقة بين "الماهية" و"الوجود" أحد أكثر القضايا تعقيدًا في الفلسفة الغربية، إذ مثلت محورًا جوهريًا في التفكير الميتافيزيقي منذ أفلاطون وأرسطو، واستمرت كمعضلة فلسفية بارزة في الفكر الحديث والمعاصر. مع الفلسفة الحديثة، بدأ التحول من التصورات الجوهرانية التي ترى أن الماهية تسبق الوجود، كما في الفكر المدرسي الوسيط، إلى رؤى أكثر ديناميكية تعيد النظر في الأولوية بين المفهومين، بل وتشكك أحيانًا في ثنائية الماهية والوجود ذاتها.

الحداثة الفلسفية: انقلاب ديكارتي نحو الذاتية

جاء ديكارت بتصور قلب جذريًا المعادلة الفلسفية التقليدية. في مشروعه الشكي، انطلق من الكوجيتو الشهير "أنا أفكر إذن أنا موجود"، محوّلًا مركز الاهتمام من الوجود الخارجي إلى الذات العارفة. لم يعد السؤال يدور حول "ما الماهية التي تحدد الأشياء؟" بل "ما الذي يمكنني التأكد من وجوده؟". بهذا، تم ترجيح كفة الوجود من خلال فعل التفكير، مما شكل نواة الفلسفات الذاتية لاحقًا، خاصة عند كانط الذي أكمل المسار بإعادة تعريف الميتافيزيقا وفق شروط العقل الإنساني.

الكانطية والتفريق بين الوجود والماهية

اعتبر كانط أن الوجود ليس محمولًا ماهويًا، بل هو مجرد تحقق للماهية في الواقع، وهو تصور استمده من انتقاده للمونادولوجيا اللايبنتزية والأنطولوجيا الديكارتية. كانط وضع الوجود في دائرة التجربة البشرية، إذ لا يمكن للإنسان أن يدرك "الشيء في ذاته" بل فقط الظواهر كما تظهر لنا عبر مقولات الفهم الحسية والعقلية. هنا، تأخذ الماهية بعدًا معرفيًا بدلًا من أن تكون جوهرًا ثابتًا، ويتحول الوجود إلى شرط إبستيمولوجي أكثر منه حقيقة ميتافيزيقية مستقلة.

ما بعد الحداثة: من هايدغر إلى سارتر والوجودية

في القرن العشرين، أعاد هايدغر طرح العلاقة بين الوجود والماهية من خلال انتقاده للميتافيزيقا الغربية التقليدية. في كتابه "الوجود والزمان"، اعتبر أن الفلسفة منذ أفلاطون أهملت سؤال الوجود لصالح الماهيات المحددة سلفًا، مؤكدًا أن الوجود لا يُفهم إلا من خلال انخراط الكائن (الدازاين) في العالم. بالنسبة له، فإن الكينونة ليست مجرد تحقق لمفهوم مسبق (ماهية)، بل هي فعل مستمر من التفسير والفهم داخل السياق التاريخي والزمني للإنسان.

أما سارتر، فقد قلب الموازين رأسًا على عقب بإعلانه أن "الوجود يسبق الماهية"، وهو ما شكل ثورة ضد التصورات الجوهرانية التقليدية. في الوجودية السارترية، لا يولد الإنسان حاملًا لماهية محددة، بل يصنع ذاته من خلال أفعاله وخياراته في العالم. وهكذا، بدت الماهية كمنتج لاحق للوجود، وليس العكس، مما يعكس روح الفردانية والتحرر في الفكر الحديث.

الماهية والوجود في الفلسفات المادية والتفكيكية

مع ظهور الفلسفات المادية المعاصرة، كما عند ماركس، تحولت الماهية إلى بنية اجتماعية-اقتصادية تتحدد من خلال العلاقات الإنتاجية والتاريخية، وليس كيانًا جوهريًا مستقلًا. الماركسية رفضت التصورات المثالية التي تفترض وجود ماهيات سابقة على التجربة الاجتماعية، مؤكدةً أن وعي الإنسان يتحدد وفق الشروط المادية التي يعيش فيها، وبالتالي فإن الوجود المادي والتاريخي هو الأساس لكل ما هو إنساني.

في سياق آخر، جاءت التفكيكية الدريديّة لتشكك حتى في إمكانية تعريف الماهية أو الوجود بدقة، مؤكدةً أن كل محاولة لتعريف كليهما تقع في شراك اللغة التي لا تعكس واقعًا موضوعيًا، بل هي بناء متغير يخضع لسياقات التأويل والاختلاف.

أي مستقبل للعلاقة بين الماهية والوجود؟

منذ الفلسفة القديمة حتى يومنا هذا، ظلت إشكالية الماهية والوجود تتطور عبر مدارس فكرية متعددة، مما يعكس عمقها الفلسفي وتشابكها مع أسئلة المعنى والحرية والهوية. إذا كان الفكر الوجودي قد أعلن انتصار الوجود على الماهية، فإن الفلسفات التفكيكية والمادية أعادت تعريف المفهومين ضمن أطر أكثر تاريخية ولغوية. لكن السؤال يبقى مفتوحًا: هل يمكن في عصر الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية الحديث عن ماهية أو وجود ثابتين؟ أم أن هذه الثنائية نفسها باتت متجاوزة في ظل تحولات ما بعد الإنسانية؟



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...
- العلمانية السياسية: قراءة نقدية في المفهوم والممارسة
- آرثر شوبنهاور: الفيلسوف التشاؤمي وتأثيره الفلسفي العميق
- خطة مورغنثاو: محاولة خنق ألمانيا اقتصاديًا بعد سقوط النازية
- الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن والا ...
- الاستبداد وصناعة العقول: كيف يُعيد الطغيان تشكيل الوعي الجمع ...
- صناعة الحقيقة: كيف يشكل الدين والسياسة والإعلام وعينا بالعال ...
- العلمانية الفلسفية: جدلية العقل والدين في تشكيل المجتمعات ال ...
- التفكير النقدي الإسلامي: بين ثوابت الدين وتحولات العصر
- أفلاطون والمجتمع المثالي: المدينة الفاضلة كمشروع فلسفي للعدا ...
- المجتمع العاقل بين الوهم والحقيقة: إريك فروموتشريح الاغتراب ...
- الحرب الأمريكية الإسبانية: صراع الإمبراطوريات وتحول القوى ال ...
- حرب الرفاق: جذور الصراع السوفيتي-الصيني عام 1969 وتداعياته ع ...
- عادة الساتي في الهند: طقس الموت المقدس ونهايته
- فارس الخوري: رجل الدولة الذي انتصر للعقل والوطن
- اليهود في إيران بعد 1979: بين الهوية الوطنية وشبهة الصهيونية
- مستقبل الأمن الأوربي في ظل التحولات الجيوسياسية العاصفة
- استشراف الأزمات: كيف يفكر جون كاستي في انهيار الحضارات؟
- موت الإله عند نيتشه: فلسفة ما بعد المقدّس وتداعياتها على الف ...


المزيد.....




- مسؤول تركي: لدينا تفاؤل حذر تجاه اتفاق دمشق و-قسد- ونراقب تن ...
- المفوضية الأوروبية: -مؤتمر دعم سوريا- سيكون مناسبة لتبادل وج ...
- بانتظار الموافقة الروسية.. تفاصيل خطة الانتقال إلى مفاوضات ا ...
- الولايات المتحدة وأوكرانيا تتفقان على صفقة الموارد المعدنية ...
- مقتل 137 فلسطينيا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال وقف إطلاق النا ...
- الرئيس التركي: اتفاق الشرع وعبدي سيخدم السلام في سوريا
- لافروف: قوات حفظ السلام بأوكرانيا مرفوضة
- هل يساعد التمرين على معدة فارغة في إنقاص الوزن؟
- 3 قتلى في ضواحي موسكو بمسيرات أوكرانية
- ترامب يأمل بموافقة بوتين على مقترح واشنطن لوقف إطلاق النار ف ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع المفاهيم وإعادة التشكيل